يسود الجدل مجددًا بين أوساط المعارضة السورية بشأن مفاوضات روسية تركية مستمرة لوقف زحف قوات النظام السوري، مقابل تطبيق بنود اتفاق سوتشي، وترد معلومات عن اجتماعات مكثفة تجري بين قادة من “الجبهة الوطنية للتحرير” و”هيئة تحرير الشام”، لبحث المطالب التي أوجب تطبيقها، ويقول معارضون إن الهدنة التي بدأت السبت الماضي 31 من أغسطس/آب، تستمر حتى 7 من سبتمبر/أيلول، وإذا لم يتم تطبيق بنود سوتشي فإن العمليات العسكرية والقصف الجوي سيعود من جديد إلى المنطقة مثل قبل الهدنة.
جبهة النصرة سابقًا، وهيئة تحرير الشام حاضرًا، تعددت المسميات والتوجه واحد، وكذلك بسياستها تحاول إقصاء الجميع بقوة السلاح الذي أصبح أمرًا واقعًا لا رحمة فيه، والبقاء الآن للأقوى، هذا ما أبدته هيئة تحرير الشام مطلع العام الحاليّ عبر شن عمليات عسكرية ضد شركائها في السيطرة من فصائل المعارضة السورية المسلحة، وبعد سيطرتها على كل المناطق المحررة، حاولت عبر حكومتها الخدمية “الإنقاذ”، التضييق على المدنيين من خلال فرض الضرائب وغيرها.
وشهدت المناطق السورية المحررة في إدلب وحلب، خلال الأيام القليلة الماضية مظاهرات مناهضة لهيئة تحرير الشام التي باتت متهمة بنهب الممتلكات العامة والتضييق على المدنيين في ظل حملة عسكرية شرسة من قوات النظام وحلفائه لا يمكن لعاقل استيعابها.
وتزامنت التظاهرات مع أنباء تفيد بمساع لحل هيئة تحرير الشام، والقضاء على الفصائل الجهادية في إدلب التي تتخذها روسيا ذريعة لحملتها العسكرية، حيث استهدف طيران التحالف الدولي أحد المقار العسكرية التابعة لأنصار الدين في إدلب، وجاءت أنباء حل هيئة تحرير الشام مرفقة بمهلة من أطراف دولية وإقليمية.
يرجح مراقبون أن فشل اتفاق سوتشي يعود إلى وجود هيئة تحرير الشام وفصائل جهادية أخرى، مما دفع روسيا وميليشيات النظام إلى فتح معارك عسكرية لتحقيق تقدم ضمن مناطق المعارضة والضغط على تركيا، لتفكيك الهيئة
ما دور تحرير الشام والفصائل الجهادية في فشل اتفاق سوتشي؟
شكل وجود هيئة تحرير الشام والفصائل الجهادية في إدلب عائقًا في خطى نجاح اتفاق سوتشي الذي تضمن حل الفصائل الجهادية في المناطق المحررة، المتمثلة بهيئة تحرير الشام وأنصار الدين وعدد من الفصائل الأخرى المنضوية في غرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، إذ وقع على عاتق أنقرة بحسب بنود الاتفاق الذي جمع الرئيسان التركي والروسي في مدينة سوتشي، خلال سبتمبر/أيلول 2018، حل هيئة تحرير الشام وتفكيك الفصائل الجهادية، إلا أن هذا البند لم يُطبق بشكل فعلي في المنطقة، وعلى العكس تمامًا حاولت هيئة تحرير الشام القضاء على الفصائل العسكرية التي تشاركها بالسيطرة على إدلب.
ويرجح مراقبون أن فشل اتفاق سوتشي يعود إلى وجود هيئة تحرير الشام وفصائل جهادية أخرى، ما اتخذته روسيا وميليشيات النظام مبررًا لفتح معارك عسكرية لتحقيق تقدم ضمن مناطق المعارضة والضغط على تركيا لتفكيك الهيئة.
وتحدث “نون بوست” مع مسؤول المكتب السياسي في فرقة المعتصم التابعة للجيش الوطني السوري مصطفى سيجري الذي قال: “روسيا خلال هجماتها على المناطق المحررة، تتخذ من جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام، ذريعة لشن معاركها”.
عناصر في جيش النخبة التابع لهيئة تحرير الشام يعتدون على راية الثورة السورية
وأضاف: “ساهمت الهيئة في تقدم النظام من خلال اعتدائها على الفصائل العسكرية الثورية، مما أدى إلى إضعاف القوة العسكرية في المنطقة، وتعتبر الاعتداءات الداخلية من أهم الأسباب التي ساهمت بشكل رئيسي في تقدم النظام”.
وشنت هيئة تحرير الشام عمليات عسكرية على مناطق سيطرة حركة نور الدين الزنكي غرب حلب وألوية صقور الشام وحركة أحرار الشام جنوب إدلب، مطلع 2019، وسيطرت خلال تلك الفترة على أغلب أرياف إدلب وحلب وحماة، مما دفع الفصائل إلى الخروج نحو مناطق غصن الزيتون الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم تركيًا.
من جهته المسؤول السياسي في الفرقة 20 قال لـ”نون بوست”: “حاولت هيئة تحرير الشام طوال الفترة الماضية إضعاف فصائل المعارضة سواء المدعومة من تركيا أم غيرها من الدول، حتى وصل الواقع الميداني إلى ما هو عليه الآن بوجود عدد قليل من الفصائل “محدودة الصلاحيات” في مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام، وهذا يعتبر خطأ إستراتيجيًا”.
وأضاف “إذا كانت قوى المعارضة بشكلٍ عام تريد فتح محاور جديدة لقتال ميليشيات الأسد فلا بد من مشاركة الجميع في ذلك وإلا سيكون من الصعب جدًا استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام”، ويعتبر تحفظ الهيئة على إشراك قوى المعارضة سواء في إدلب أم الساحل، نابعًا من عدم الثقة المبالغ فيها، وهذا ما سيوسع الشرخ الحاصل بين الطرفين الذي ظهر مؤخرًا، وأشار إلى أن أي اتفاقية سواء سوتشي أم غيرها من الاتفاقيات لا يمكن أن تنفذ على أرض الواقع ومصيرها الفشل إذا لم تعود بمصالح مشتركة إلى الجهات الإقليمية والمحلية.
تركيا لا تتعامل مع هيئة تحرير الشام كجهة حليفة، وهذه نقطة يجب أن يعلمها الجميع، ولهذا السبب لا تستطيع أن تملي على الهيئة أوامر إضافة إلى أن أنقرة تدرج جبهة النصرة على لائحة الإرهاب
هل سعت تركيا إلى حل تحرير الشام؟
حاولت أنقرة عبر شخصيات مدنية مستقلة في إدلب إيجاد حل بشكل سلمي مع هيئة تحرير الشام، إلا أن الأخيرة أظهرت تعنتا في التفاوض على وجودها في المحافظة، سواء العسكري والمدني المتمثل بحكومة الإنقاذ.
صهيب الجابر خلال حديثه لـ”نون بوست” قال: “تركيا لا تتعامل مع هيئة تحرير الشام كجهة حليفة، وهذه نقطة يجب أن يعلمها الجميع، ولهذا السبب لا تستطيع أن تملي على الهيئة أوامر، إضافة إلى أن أنقرة تدرج جبهة النصرة على لائحة الإرهاب”.
وأضاف “أنقرة تضغط على هيئة تحرير الشام من خلال العقوبات التي تطال المنتمين لها داخل الأراضي التركية، وحتى في سوريا”، وأكد أن أنقرة ألقت القبض على عدد من المجموعات التابعة للهيئة داخل تركيا بالإضافة لإغلاق المعابر التي تشرف عليها الهيئة.
وقال مصطفى سيجري: “تركيا ضغطت على تحرير الشام لحل نفسها بشكل سلمي، لكن المحاولات لم تنجح”، وأكد “تنظيم هيئة تحرير الشام منفذ لأجندات خارجية ويقوم بمهام موكلة إليه في المنطقة”، ويدير هيئة تحرير الشام عدد من القادة الذين لديهم صلات خارجية بينما يبقى العنصر السوري أداة منفذة لغايات الهيئة في المناطق المحررة.
هل تستجيب تحرير الشام إلى مطالب الشارع؟
إلى ذلك، خرجت مظاهرات مناهضة لهيئة تحرير الشام في مختلف أرياف محافظتي إدلب وحلب، تطالب بخروج هيئة تحرير الشام من مناطقهم، نظرًا لسطوتها على مختلف جوانب الحياة، في ظل أوضاع إنسانية صعبة تعترض معيشة أهالي المنطقة، وترافق عمليات عسكرية تهدد المناطق المحررة.
المظاهرات التي شهدتها محافظة إدلب أظهرت مدى تخوف الشارع السوري من وجود هيئة تحرير الشام، في حين حاول قياديو الهيئة وصف المتظاهرين بـ”العملاء” الذين يعملون لصالح النظام، وأظهر مناصروها أن المظاهرات تصب في صالح روسيا لإحداث شرخ بين الشعب والهيئة.
وخلال حديث “نون بوست” مع مصطفى سيجري قال: “اتضحت مساعي هيئة تحرير الشام خلال المعارك الأخيرة التي شهدتها المنطقة، ولذلك فقدت حاضنتها الشعبية”، وأضاف “لطالما قالت خلال اعتداءاتها السابقة على الفصائل الثورية أنها تريد حماية الساحة ومحاربة فصائل أستانة لكن المعارك أظهرت زيف وكذب قادة الهيئة”.
https://twitter.com/MustafaSejari/status/1168258427233157123
ومن المتوقع أن تتجاوب الهيئة مع المطالب بشكل غير مباشر، وهذا ما ظهر بالفعل حيث أخلت الهيئة بعضًا من مقارها العسكرية وحواجزها في ريف إدلب الجنوبي، في حين أعادت الجبهة الوطنية للتحرير الانتشار في المناطق التي أخلتها الهيئة.
وقال صهيب الجابر: “الهيئة لن تستجيب للمطالبات بحل نفسها وذلك لأن قيادة الهيئة تتصرف بعقلية جهادية بحتة، وبمجرد إذابة مجموعاتهم ضمن فصائل أخرى لن يبقى في أرض الشام جهاد، وسيكون الواقع الميداني مرتهنًا بالأجندات الخارجية، بحسب اعتبارهم”.
ولم تظهر هيئة تحرير الشام فاعلية في المطالب التي تطالبها بحل نفسها للحفاظ على المناطق المحررة ويعتبر كثير من السوريون أن حل الهيئة سيبعد تقدم قوات النظام ويوقف العمليات العسكرية تجاه المناطق السورية، بينما يرى أنصار الهيئة أن هذه العملية التي تسعى إليها روسيا أشبه بعملية المصالحة التي أجرتها بمناطق سورية مختلفة، وبإعادة المدنيين إلى مناطق النظام برعاية روسية، تكون قد حققت طموح كل من روسيا وتركيا، وبحسب ما أكد سيجري فإن الجيش الوطني السوري ليس لديه أي تواصل مع هيئة تحرير الشام، وهي متمسكة بموقفها الذي يهدد المنطقة، فهل تتماشى الهيئة مع مطالب الشارع؟