مع تصاعد حدة الصراع بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لم تستثن إدارة الرئيس دونالد ترامب مجالًا إلا وأخضعته لنظام العقوبات الأمريكية على إيران، منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في مايو 2018، وهذه المرة كان العنوان الأبرز هو وكالة الفضاء الإيرانية، إذ فرضت الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة عقوبات على وكالة الفضاء الإيرانية، فضلًا عن منظمتين بحثيتين، اتهمتهما بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.
حيث أعلنت وزارتا الخارجية والخزانة الأمريكيتين يوم الثلاثاء 3 من أغسطس/آب 2019، فرض عقوبات على هذه الوكالة، زاعمتان أن وكالة الفضاء الإيرانية إلى جانب مركز إيران لأبحاث الفضاء ومعهد أبحاث الملاحة الفضائية، تقدمت بخطوات باتجاه تطوير برنامج طهران الصاروخي، تحت غطاء مهمة مدنية لإطلاق الأقمار الصناعية في المدار الفضائي الإيراني، إذ قالت إدارة الرئيس ترامب وعبر بيان صحفي، إن الانفجار الأخير الذي حصل في منصة الإطلاق كان علامة على عمل صاروخي، وقال مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي: “الولايات المتحدة لن تسمح لإيران باستخدام برنامج إطلاقها المدني للفضاء، كغطاء للمضي قدمًا في برامج الصواريخ الباليستية”.
بناءً على النظام الأساسي المعتمد في تشكيل وكالة الفضاء الإيرانية، تم تكليف الوكالة بمعالجة ودعم جميع الأنشطة التي تتعلق بالتطبيق السلمي لعلوم وتكنولوجيا الفضاء في إيران
ماهية وكالة الفضاء الإيرانية
في 10 من ديسمبر 2003، أقر مجلس الشورى الإيراني المادة التاسعة من قانون تنظيم مهام وصلاحيات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيرانية، التي دعت إلى إنشاء نظام جديد للتعامل مع قضايا الفضاء الخارجي للأمة الإيرانية، واتخذت إيران الخطوة الأولى في هذا المجال من خلال تأسيس وكالة الفضاء الإيرانية ISA في 1 من فبراير 2004، وجعلها كيانًا مرتبطًا بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتم تكليفها بتنفيذ الإستراتيجيات التي يضعها المجلس الأعلى للفضاء، وحصل قانون تشكيل وكالة الفضاء الإيرانية على موافقة مجلس صيانة الدستور في إيران يوم 18 من يونيو 2005، وبذلك أصبحت أول وكالة فضائية رسمية في إيران.
وبناءً على النظام الأساسي المعتمد في تشكيل وكالة الفضاء الإيرانية، تم تكليف الوكالة بمعالجة ودعم جميع الأنشطة التي تتعلق بالتطبيق السلمي لعلوم وتكنولوجيا الفضاء في إيران تحت قيادة المجلس الأعلى للفضاء الذي يرأسه رئيس الجمهورية، إذ أشارت المادة التاسعة من نفس القانون إلى أن “يسعى المجلس الأعلى للفضاء بقيادة رئيس جمهورية إيران الإسلامية، إلى تطبيق تكنولوجيات الفضاء للاستخدامات السلمية في الفضاء وحماية المصالح الوطنية والاستغلال المستدام للفضاء، من أجل التنمية الاقتصادية والثقافية والعلمية والتقنية في البلاد، إذ تتحدد الأهداف الرئيسة للمجلس الأعلى للفضاء بالمجالات الآتية:
- صنع السياسات لتطبيق تكنولوجيات الفضاء على الاستخدامات السلمية في الفضاء الخارجي.
- صنع السياسات في تصنيع وإطلاق واستخدام الأقمار الصناعية البحثية الوطنية.
- اعتماد البرامج المتعلقة بالفضاء للدولة والمؤسسات والهيئات الخاصة.
- الموافقة على البرامج الطويلة الأجل والقصيرة الأجل لقطاع الفضاء في البلاد.
- تعزيز الشراكات بين القطاعين الخاص والعام من أجل الاستخدام الفعال للفضاء.
- تحديد المبادئ التوجيهية المتعلقة بالتعاون الإقليمي والدولي في القضايا المتعلقة بالفضاء، وتوضيح موقف جمهورية إيران الإسلامية من هذه المبادئ.
كان تأسيس وكالة الفضاء الإيرانية معاصرًا للسنوات الأخيرة من ولاية الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي
لم يكن المجلس الأعلى للفضاء على هذا النحو منذ بدايات تأسيسه، بل كان مجلسًا علميًا على المستوى الوزاري، وجرت العادة أن يكون رئيسه هو نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وكان يضم العديد من المراقبين والمستشارين، إلا أن بعد صدور القانون رقم تسعة أصبح المجلس الأعلى للفضاء يضم:
- رئيس الجمهورية الذي هو بنفس الوقت رئيس المجلس الأعلى للفضاء.
- وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
- وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا.
- وزير الدفاع والقوات المسلحة.
- وزير الخارجية.
- وزير الصناعة والمعادن إلى جانب وزير التجارة.
- وزير النقل والمواصلات.
- مدير هيئة الإذاعة الإيرانية.
- رئيس وكالة الفضاء الإيرانية.
الهدف من تأسيس وكالة الفضاء الإيرانية
كان تأسيس وكالة الفضاء الإيرانية معاصرًا للسنوات الأخيرة من ولاية الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، فبعد انتخابه في يونيو 1997، شهدت إيران موجة من الإصلاحات في الجوانب الاجتماعية والسياسية والعلمية والتقنية، وخلال هذه السنوات أعادت إيران تنظيم وتعزيز تفاعلها الإيجابي مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بالتعاون الدولي في مجال الاستخدامات السلمية للفضاء، وهي جهود بدأت في وقت سابق من هذا العقد، اعتقادًا من الرئيس خاتمي أنه من الضروري إشراك القطاع الأكاديمي في الإدارة والتنظيم من أجل تحقيق الإصلاحات المطلوبة.
وتمت دعوة العلماء وأساتذة الجامعات والمعلمين للمساهمة، لكن الخطة فشلت في تحقيق النجاح بسبب المشاكل الاجتماعية والسياسية والثقافية التي واجهت البلاد، ولم يُعط مجال للأشخاص ذوي الكفاءة في مجال العلوم والإدارة، بسبب رفض الحرس الثوري الإيراني توجهات خاتمي الإصلاحية.
نشاطات وكالة الفضاء الإيرانية العسكرية
عملت إيران خلال الفترة الماضية على إقامة العديد من التجارب الفضائية الهادفة إلى إرسال أقمار صناعية إلى الفضاء الخارجي، عبر تطوير العديد من البرامج الصاروخية، التي كان أبرزها صاروخ سيمورغ الذي طورته وكالة الفضاء الإيرانية عام 2010، وبدأت أولى محاولات إطلاقه في أبريل 2016 عن طريق قاعدة الإمام الخميني الفضائية الوطنية، وعلى الرغم من السرية التامة التي أحاطت عملية إطلاق هذا الصاروخ، فإن تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية اعتبرت أن هذه المحاولة حققت نجاحًا جزئيًا، ما يهيئ بوضوح الأرضية اللازمة لإرسال المزيد من صواريخ سيمورغ محملة بأقمار صناعية يصل وزنها إلى 250 كيلوغرامًا إلى الفضاء، ووضعها في مدار قريب من الأرض يبعد 500 كيلومتر.
وستمثّل حمولة بهذا الحجم زيادة بخمسة أضعاف عن حامل الأقمار الصناعية الإيراني من الجيل السابق سفير الذي سجل أربع محاولات ناجحة وعدة محاولات فاشلة، لكن استنادًا إلى الاستنتاج المنطقي، يمكن لجيل سيمورغ الحاليّ نقل حمولة يصل وزنها إلى 100 كيلوغرام إلى المدار الفضائي الإيراني.
ويضم حامل الأقمار الصناعية سيمورغ عددًا كبيرًا من التكنولوجيات الشائعة مع صواريخ باليستية عابرة للقارات، ويقدّر مهندسو الصاروخ أن يصل مداه إلى 7500 كيلومتر، وأن يصل وزن رأسه الحربي إلى 700 كيلوغرام، ولا يصل هذا الصاروخ إلى القارة الأمريكية لكنه يغطي أوروبا وآسيا بالكامل، وبفضل صواريخ كاوشكار، باتت إيران تتمتع أيضًا بخبرة في مجال المراكب العائدة الصاروخية.
وتنص قاعدة عامة في علم الصواريخ على أنه في حين توفر المحركات العاملة بالوقود الصلب قدرة دفع أكبر بتكلفة أقل، تُعتبر المحركات العاملة بالوقود السائل أكثر كفاءةً وتسمح بالسيطرة على المسار المختار بكامله بشكل أكبر، وقد أصبحت تكنولوجيا صواريخ الوقود الصلب المفضلة لدى إيران بسبب مميزاتها، إلى جانب النجاحات التي حققتها كوريا الشمالية مؤخرًا في هذا المجال، واحتمال ازدياد التعاون بين طهران وبيونغ يانغ.
مع ذلك، نظرًا لخبرة إيران في تطوير صاروخ سيمورغ ذي المحرك العامل بالوقود السائل، لا يمكن استبعاد احتمال مواصلة طهران اعتماد الوقود السائل كليًا في حال قررت تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات، فالتعاون الوطيد بين طهران وبيونغ يانغ يعزز هذه المخاوف.
ماذا تعني العقوبات الأمريكية؟
بموجب العقوبات الجديدة، سيتحمل جميع المواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية جنائية عن المشاركة في برنامج الفضاء الإيراني، ويمكن أن تخضع أي شركات وحكومات أجنبية، وكذلك المنظمات الدولية للتعاون في مجال الفضاء، لعقوبات إذا ثبت تورطها بالتعاون مع مؤسسات الفضاء الإيرانية، كما ستجمد الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا أي أصول لوكالة الفضاء الإيرانية في الولايات المتحدة، رغم أنه من غير المحتمل أن يكون هناك أصول للوكالة، إذ قال الوزير بومبيو: “هذه التسميات يجب أن تكون بمثابة تحذير للمجتمع العلمي الدولي من أن التعاون مع برنامج الفضاء الإيراني، يمكن أن يسهم في قدرة طهران على تطوير نظام إيصال أسلحة نووية”.
إيران: الانفجار في المحطة الفضائية خطأ فني
نفت إيران أن تكون أنشطتها الفضائية غطاءً لتطوير برنامج الصواريخ الباليستية، إلا إأن الوزير بومبيو أشار إلى أن محاولة إيران اختبار مركبة إطلاق فضائية في 29 من أغسطس 2019، في مركز الإمام الخميني الفضائي، أبرزت رغبة إيرانية في استخدام المحطات الفضائية المدنية للاستخدامات العسكرية، ففي أعقاب الانفجار نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريدة على موقع تويتر، واضعًا صورة مراقبة تصور آثارها الواضحة، معلنًا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا علاقة لها بالحادث.
وعلى الجانب المقابل أشار علي ربيعي المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإيرانية، إلى إن الانفجار “مسألة تقنية وخطأ فني”، فضلًا عما تقدم لا بد من القول إن إيران تصر أن وكالة الفضاء تطور صواريخ لإطلاق أقمار صناعية إلى الفضاء، وكان الانفجار الأخير الذي حصل في مركز الإمام الخميني الفضائي هو ثالث محاولة فاشلة لإيران، مما يثير الشكوك في إمكانية حدوث تخريب، ففي شهري يناير وفبراير الماضيين، أخفقت وكالة الفضاء الإيرانية بعملية إطلاق القمر الصناعي Payam وDoosti، وتزعم الولايات المتحدة الأمريكية أن المحاولة الإيرانية الأخيرة تتحدى قرار مجلس الأمن الدولي الذي ينص على أنه لا ينبغي لإيران القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية القادرة على إيصال أسلحة نووية.