بعد النجاح الكبير الذي حققته رواية “حكاية أَمَة” The handmaid’s tale الصادرة عام 1985، للكاتبة الكندية مارغريت آتوود، عادت لنا من جديد أمس الأول 10 سبتمبر الجاري بالجزء الثاني من الرواية تحت عنوان “الوصايا” The Testaments، متابعة الحكاية من جديد.
“حكاية أمة” ببساطة -لمن لم يقرأها – هي رواية “ديستوبية” تتحدث عن وقوع حرب أهلية ثانية في الولايات المتحدة تؤدي إلى سيطرة جماعة دينية مسيحية متطرفة على السلطة، وتتتبع القصة حكاية امرأة شابة تُدعى “جون” تُجبر على أن تُصبح “أمة” أو خادمة مملوكة لتُنجب الأطفال لأزواج القادة في جمهورية “جلعاد” كما أعادوا تسمية أمريكا، وجميع النساء القادرات على الإنجاب يصبحن مملوكات للعوائل غير القادرة على الإنجاب بعد انخفاض معدل الخصوبة في العالم كله وتراجع معدلات المواليد.
تحولت الرواية إلى فيلم عام 1990، بعد ذلك استولت شبكة “هولو” على حقوق تحويلها إلى مسلسل من 10 حلقات عام 2017، وأشاد النقاد بالمسلسل.
حصل في موسمه الأول على 13 ترشيحًا في حفل توزيع جوائز الإيمي الـ69 في العام نفسه، وكان من ضمن تلك الجوائز التي حظي بها جائزة أفضل مسلسل درامي، ليصبح بذلك أول مسلسل يُبث على شبكة أونلاين يحصل على هذه الجائزة، كما فاز المسلسل بعدد من الجوائز الأخرى، وجددت هولو المسلسل لموسم رابع بعد انتهاء عرض الموسم الثالث في أغسطس الماضي، في الوقت الذي يعض المعجبون على أصابعهم في انتظار الجزء الجديد من المسلسل والرواية أيضًا.
بدأت مارغريت آتوود Margaret Atwood كتابة “حكاية أمة”The handmaid’s tale وهي في “برلين”، في ذلك الوقت كانت برلين ما زالت محاطة بجدارها، الجو غائم، والحديث نادر بسبب خوف الأشخاص التحدث ليكون هناك أحد الوشاة، وكان ذلك أحد أهم الأشياء المُلهمة لها في أثناء الكتابة.
تقول مارغريت آتوود Margaret Atwood في إحدى المقابلات معها: “عندما كتبت “حكاية أمة” The handmaid’s tale في الثمانينيات كانت هناك بعض الأصوات التي تحاول دفع النساء للخلف بعد الحركات النسوية التي ظهرت في السبعينيات، وما حققته المرأة في ذلك الوقت، لكن بعد ذلك في الثمانينيات ظهرت أصوات تنادي بأن مكان المرأة هو المنزل، فجاءت “حكاية أمة” لترد على ذلك السؤال المطروح: إذا كنت سوف تُعيد النساء إلى منازلهن وتُجردهن من كل إنجازاتهن.. فكيف ستفعل ذلك؟”.
الإجابة بالطبع عن هذا السؤال ستكون “الثورة الدينية” التي تُفسر الأديان وفقًا لما تراه مصالحهم الخاصة.
لكن إذا نظرنا لأحداث المسلسل أو الفيلم أو الرواية.. فهل خيال مارغريت آتوود Margaret Atwood خيالٌ محض؟ وهل تلك الأمور البشعة التي تصفها في روايتها بعيدة عن الواقع الذي نعيشه؟
دعونا نلقي نظرة:
1- قيادة السيارات
في “جلعاد” لا تستطيع المرأة قيادة أي سيارة، كما أن خروجها بحاجة إلى إذن كتابي من المسؤول عنها، أيضًا لا تخرج المرأة المملوكة وحدها، بل لا بد لها من مرافق، حتى السيدات لهن سائق خاص.
هل هذا يذكركم بشيء؟
منذ فترة ليست ببعيدة تمكنت المرأة السعودية من قيادة السيارة للمرة الأولى، وبدأت تأخذ جزءًا جديدًا من حقها المُنتزع، لكن ليس هذا هو وجه التشابه الوحيد فأيضًا النساء في “جلعاد” لا يستطعن التصرف في أموالهن وأملاكهن، وهذا بالطبع ليس غريبًا عما نراه اليوم، فحتى في مصر هناك نسبة كبيرة من النساء اللاتي تؤكل أموالهن بسبب عائلاتهن.
٢- زواج القاصرات
في “حكاية أمة” The handmaid’s tale تستعد الطفلة للزواج ما إن تأتيها عادتها الشهرية، أي في سن الـ14 على أقصى تقدير، وهذا يحدث في واقعنا اليومي في دول العالم الثالث دون أدنى مشكلة في دولة مثل الهند التي تملك أعلى معدلات لزواج القاصرات، وتليها:
بنجيلاديش ونيجيريا والبرازيل وإثيوبيا وإندونيسيا وباكستان والمكسيك والنيجر والكونغو، وأيضًا في المناطق الريفية في مصر ولبنان وغيرها من الدول العربية. كذلك ليس من حق أي واحدة فيهن اختيار من تتزوجه، فقط يُجبرن على الزواج من شخص ما، وهذا بالطبع يحدث كل يوم.
٣- حرمان المرأة من التعليم
في “جلعاد” حُرقت الكتب، وحُرّم التعليم على النساء، وتلك الظاهرة موجودة في العديد من المناطق الفقيرة في مصر والمغرب وباكستان، وغيرها من الدول التي يكون عدد أفراد الأسرة فيها كبيرًا فيحاولون تعليم الذكور فقط، لأن المرأة بالتالي لن تفعل شيئًا إلا الذهاب لبيت زوجها وتلد له طفلًا، فبالتالي لا يستثمرون أموالهم في نسائهم.
٤- الختان
في إحدى حلقات مسلسل “حكاية أمة” The handmaid’s tale نرى فتاة حُكم عليها بالختان لكونها اختارت شريكها، لكن الختان واقع في دول العالم الثالث، فنجده منتشرًا بكثرة في دول مثل: الصومال وجيبوتي ومصر والسودان وموريتانيا واليمن والعراق وإندونيسيا.
ورغم تجريمه دوليًّا إلا أن الأطباء ما زالوا يمارسونه، ويقع كل سنة عدد كبير من الضحايا بسبب اللجوء إلى حلاقين أو أشخاص ليس لديهم أي معرفة طبية.
٥- الملابس
الإماء يرتدين الأحمر مثل خطيئة مريم المجدلية، والمارثا -نسبة إلى مارثا في الكتاب المقدس- يرتدين الأخضر الفاتح وهن مسؤولات عن التنظيف والطعام، والعمات المسؤولات عن الإماء وتدريبهن يرتدين البني، بينما الزوجات يرتدين الأزرق نسبة إلى مريم العذراء.
النساء لا يتركن شعرهن أبدًا والإماء يرتدين الأجنحة، وهي قبعات بيضاء لها جانبين لتمنع الإماء من الالتفات، وغرضها النظر إلى الأمام فقط.
الأمر لا يختلف كثيرًا عن مجتمعاتنا العربية التي تُحذر من الاختلاط وتفصل النساء عن الرجال وتفرض زيًا معينًا للنساء، الأمر قد يقتصر على طبقات معينة أو بلاد بأكملها، مثل النساء في أفغانستان اللائي يمنعن من التعليم كذلك يفرض عليهن زيًا محددًا.
في الوقت الذي نرجو فيه أن تتحسن الظروف بالنسبة للنساء في دول العالم الثالث تبدو “حكاية أمة” مثل أضحوكة للقراء من هذه الدول، فأسوأ تلك المخاوف قد تحقق بالفعل، وتعيشه النساء وتحاربه يومًا بعد يوم.