في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها القضية الفلسطينية، ومع استمرار مفاعيل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يبرز الحديث عن المنعطفات التي يواجهها مسار التهدئة في ظل التلكؤ الإسرائيلي، والموقف الأمريكي المنحاز الذي يعمّق من معاناة الشعب الفلسطيني.
في هذا السياق، أجرى “نون بوست” حوارًا خاصًا مع الأستاذ حازم قاسم، الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، للحديث عن آخر المستجدات على الساحتين السياسية والميدانية. تناول الحوار موقف الحركة من خروقات الاحتلال للتهدئة، وآفاق الحلول السياسية، ومستوى التنسيق مع القوى الفلسطينية، بالإضافة إلى تقييم دور المجتمع الدولي والإقليمي في مواجهة التحديات الراهنة.
هذا الحوار يقدّم قراءة معمّقة لمواقف حماس تجاه القضايا المصيرية، ويسلط الضوء على رؤيتها في التعامل مع المرحلة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية اليوم.
كيف تقيمون الموقف الإسرائيلي من الهدنة في المرحلة الأولى، خاصة فيما يتعلق بالمراوغات والتعطيل المستمر؟
من الواضح أن الاحتلال كان ينوي الإخلال ببنود الاتفاق منذ البداية، حتى أثناء فترة التفاوض، فقد حرص على وضع صياغات وبنود معدة بطريقة تتيح له التنصل منها لاحقًا. هذا أمر معروف عن كيان الاحتلال استنادًا إلى تجاربه السابقة، سواء في اتفاقياته مع الدول العربية، أو في اتفاق أوسلو، وحتى اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، وصولًا إلى الاتفاقات مع غزة.
كنا ندرك هذه النوايا منذ البداية، ولذلك سعينا إلى جعل الاتفاق محكمًا قدر الإمكان، مع تعزيز البنود بضمانات من الوسطاء والدول الأخرى، لكن الاحتلال اخترق الاتفاق منذ اللحظة الأولى. على سبيل المثال، لم يلتزم بموعد وقف إطلاق النار المحدد في الساعة 8:30، ثم أعاق وصول النازحين من جنوب القطاع إلى شماله.
كما استمرت الانتهاكات بإطلاق النار على المواطنين في عدة نقاط ومناسبات، ما أسفر عن سقوط شهداء وإصابات. بالإضافة إلى ذلك، هناك إخلال واضح بالبروتوكول الإغاثي والإنساني، إذ لم يلتزم الاحتلال بإدخال المعدات الثقيلة لإزالة الركام، أو الوقود اللازم للمناطق الجنوبية والشمالية من القطاع. كذلك، لم يتم إدخال المواد الإغاثية الأساسية، مثل الخيام أو البيوت المؤقتة (الكارفانات).
كل هذه الاختراقات تمثل انتهاكًا صارخًا لبنود المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وتُظهر عدم التزام الاحتلال الواضح بتنفيذ الاتفاقيات.
في حال استمرار خروقات الاحتلال للتهدئة، هل ستستأنف حركة حماس المواجهة العسكرية أم ستسعى لتطبيق آلية أخرى لوقف العدوان؟
حركة حماس ملتزمة بالاتفاق بشكل كامل، طالما التزم به الاحتلال. ومع ذلك، الحركة لديها خيارات متعددة للتعامل مع أي انتهاك لوقف إطلاق النار، وليس بالضرورة أن تنحصر في المواجهة العسكرية المباشرة.
لقد وصلنا إلى اتفاق وقف إطلاق النار بهدف حقن دماء أبناء شعبنا الفلسطيني في مواجهة هذه الحرب الإجرامية، حرب الإبادة ضد شعبنا في قطاع غزة، ومن الخطوات التي اتخذتها المقاومة لتأكيد جديتها وللضغط على الاحتلال، إعلان كتائب القسام عن تأجيل تسليم الدفعة السادسة من الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة.
هذا القرار يهدف إلى إلزام الاحتلال بتطبيق ما جاء في بنود التهدئة. إضافة إلى ذلك، نحن نواصل العمل عبر قنوات أخرى، مثل التواصل مع الوسطاء، وتكثيف الجهود الدبلوماسية والإعلامية، والعمل الوطني المشترك مع باقي مكونات المشهد الفلسطيني. كل هذه المسارات تشكل أدوات ضغط مجتمعة لإجبار الاحتلال على الالتزام بالاتفاق وضمان تطبيق بنوده.
هل تعتقدون أن هناك جدية من المجتمع الدولي في الضغط على “إسرائيل” للامتثال لمتطلبات التهدئة والقرارات الأممية بوقف إطلاق النار، خاصة بعد تكرار خروقات الاحتلال؟
للأسف، المجتمع الدولي أظهر ضعفًا واضحًا في التعامل مع كافة تفاصيل الحرب التي شنها الاحتلال على شعبنا الفلسطيني على مدار 471 يومًا. خلال هذه الفترة، وقف المجتمع الدولي عاجزًا عن إيقاف المجازر المفتوحة التي ارتكبها الاحتلال على مرأى من كل العالم على البث المباشر، وعاجزًا عن تطبيق القرارات الصادرة عن المؤسسات الدولية، بل وقف متفرجًا على الانتهاكات غير المسبوقة للقوانين والقرارات الدولية، وعلى القيم التي يدّعي الالتزام بها.
لذلك، نحن لا نرى جدية حقيقية من المجتمع الدولي في هذا الشأن، خاصة في ظل الدعم الكبير جدًا الذي تقدمه الولايات المتحدة للاحتلال. صحيح أن هناك مواقف نظرية وتصريحات إعلامية معلنة من بعض الدول والمؤسسات الدولية تدعو إلى استمرار وقف إطلاق النار، ولكن هذه المواقف تفتقر إلى الإرادة الحقيقية لإجبار الاحتلال على الالتزام بالتهدئة أو الضغط عليه لتنفيذها.
بالتالي، يظل الموقف الدولي محصورًا في إطار البيانات الإعلامية والسياسية دون ترجمة فعلية على أرض الواقع.
هل بدأت مفاوضات المرحلة الثانية؟ وهل تواصل معكم الوسطاء بهذا الخصوص؟
مفاوضات المرحلة الثانية لم تبدأ بعد، والسبب في ذلك يعود إلى إخلال الاحتلال بالتزاماته، حيث لم يبدأ بالمفاوضات في الموعد المنصوص عليه ضمن الاتفاق. من جانبنا، أعلنت حركة حماس بشكل واضح أنها جاهزة تمامًا للدخول في مفاوضات المرحلة الثانية. نحن مستعدون على المستوى الفني والتقني، وأيضًا على المستوى السياسي، لاتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق أهداف المرحلة الثانية، والتي تتركز على وقف العدوان والحرب على شعبنا الفلسطيني، والبدء بعملية إعمار حقيقية، ونزع كل ذرائع الاحتلال المتعلقة بإمكانية إعادة الحرب على قطاع غزة.
لكن من الواضح أن الاحتلال حصل على ضوء أخضر من الولايات المتحدة، وتحديدًا من الرئيس ترامب، لعدم المضي قدمًا في هذه المفاوضات، وهذا مرتبط بطرح ترامب الخاص بتهجير أهالي قطاع غزة، الذي أعطى قادة الاحتلال شعورًا بوجود مساحة أكبر للمناورة والتملص من التزاماتهم.
إضافة إلى ذلك، هناك خشية لدى رئيس الوزراء نتنياهو من سقوط ائتلافه الحكومي، مما يجعله يتجنب اتخاذ خطوات قد تفتح المجال أمام المرحلة الثانية. بناءً على ذلك، من الواضح أن الاحتلال يحاول تعقيد هذه الخطوة وتعطيل الانتقال إليها، في مقابل إرادة واضحة وثابتة من طرف حركة حماس للوصول إلى المرحلة الثانية، ومن ثم المرحلة الثالثة، بهدف مركزي يتمثل في وقف هذه الحرب بشكل كامل.
هل هناك ملامح واضحة لمستقبل حكم قطاع غزة في ظل الظروف الحالية، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني؟ وهل هناك آفاق للتوصل إلى تسوية داخلية بين الفصائل الفلسطينية؟
اجتهدت حركة حماس طوال الفترة الماضية للوصول إلى صياغات وطنية ومقاربات سياسية تقوم على قاعدة الإجماع الوطني بشأن اليوم التالي للعدوان على قطاع غزة، بهدف ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني بشكل وطني لا يسمح بتدخل القوى الخارجية فيه، وتركز على محددين رئيسيين: الأول هو نزع الذرائع من الاحتلال لإعادة شن الحرب على قطاع غزة، والثاني إطلاق عملية إعادة إعمار شاملة وجادة لكل القطاع.
في هذا الإطار، أُجريت العديد من الحوارات واللقاءات، خصوصًا مع الأخوة في حركة فتح والسلطة الفلسطينية. الإرادة السياسية لدى حركة حماس حاضرة بقوة، وكذلك لدى باقي الفصائل الفلسطينية، للوصول إلى هذه المقاربات. ومع ذلك، تصطدم هذه الجهود دائمًا بموقف السلطة الفلسطينية غير الواضح تجاه الترتيبات الإدارية والسياسية المتعلقة بقطاع غزة.
مؤخرًا، تم طرح المقترح المصري الخاص بتشكيل “لجنة الإسناد المجتمعي”، وهو مقترح تم التوافق عليه. ننتظر من السلطة الفلسطينية أن تتقدم باتجاه حالة الإجماع الوطني لتحقيق ترتيبات سياسية مقبولة، بحيث لا نترك مجالًا لتدخل القوى الخارجية، ونعمل جميعًا على تحقيق مصالح شعبنا الفلسطيني.
نؤكد أن هذه الترتيبات يجب أن تكون فلسطينية خالصة، ضمن المؤسسات الفلسطينية الرسمية، وبناءً على توافق وطني كامل يشارك فيه جميع القوى. شعبنا الفلسطيني قادر على ابتكار صيغ ومقاربات سياسية متعددة لإنهاء حالة الانقسام أو إدارة قطاع غزة بشكل يحقق وقف العدوان وإعادة الإعمار.
أما على المستوى الأمني والترتيبات الإدارية، فهذه القضايا يجب أن تُطرح للنقاش على طاولة حوار موسع بمجرد استتباب حالة الهدوء. الأولوية الآن هي الإعلان عن تشكيل الجهة الوطنية التي ستدير قطاع غزة، والتي سيكون منوطًا بها دراسة كل التفاصيل ووضع الآليات المناسبة للعمل وفق أسس الإجماع الوطني.
كيف تفسر حركة حماس التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول عدم ضمان استمرار التهدئة؟
حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول عدم ضمان استمرار التهدئة يتناقض تمامًا مع دور الإدارة الأمريكية في الوصول إلى الاتفاق، إذ كان هناك تعهدات واضحة بأن هذا الاتفاق يهدف إلى وقف إطلاق النار بشكل كامل، وأن الولايات المتحدة تعد أحد الضامنين له. هذه التعهدات شكلت أساسًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه.
تصريحات ترامب الأخيرة تتناقض مع ما تم الحديث عنه سابقًا من قبله، وهي تصريحات تُشجع الاحتلال على التنصل من الاتفاق، كما يمنح هامشًا أوسع للقوى المتطرفة داخل حكومة الاحتلال لرفع صوتها وزيادة قدرتها على تخريب الاتفاق، سواء في مرحلته الأولى أو في مراحله التالية.
بهذه التصريحات، تصبح الولايات المتحدة شريكة في تخريب الاتفاق وتتحمل مسؤولية النتائج المترتبة على ذلك.
كيف تقيمون مستوى التنسيق مع القوى الفلسطينية الأخرى؟ وما هي أبرز أوجهه، سواء الميدانية أو العسكرية وكذلك السياسية؟
مستوى التنسيق مع القوى الفلسطينية الأخرى هو مستوى عالٍ للغاية، وقد ظهر هذا بوضوح من خلال تفويض قوى المقاومة المركزية لحركة حماس بقيادة المفاوضات للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
على الصعيد الميداني والعسكري، شهدنا تنسيقًا وثيقًا في العمليات المشتركة، حيث صدرت البلاغات العسكرية المشتركة في العديد من العمليات. أما سياسيًا، فقد كانت المواقف شبه موحدة من قبل جميع القوى الوطنية والإسلامية في تفاصيل هذه المعركة، وهو ما يعكس حالة الإجماع الوطني.
التنسيق امتد أيضًا إلى بناء مقاربة سياسية وطنية لإدارة قطاع غزة، حيث هناك توافق كامل بين حركة حماس ومختلف القوى الوطنية والإسلامية حول هذا الأمر. المواقف الإعلامية للقوى الفلسطينية كذلك متقاربة إلى حد بعيد، مما يعكس الإدراك المشترك بالمصير الواحد للجميع.
الاحتلال لا يستهدف فصيلًا بعينه أو جهة محددة، بل يستهدف الكل الفلسطيني. هذا الاستهداف لا يقتصر على قطاع غزة فقط، بل يشمل الضفة الغربية، وحتى السلطة الفلسطينية ليست بمنأى عن دائرة الاستهداف، خصوصًا من قِبَل اليمين الصهيوني المتطرف.
في ظل هذا الاستهداف الشامل، من الضروري أن يكون هناك موقف فلسطيني شامل، والأيام القادمة ستشهد أنشطة وطنية وميدانية تعكس حالة الإجماع الفصائلي، وتؤكد وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
هل هناك حوار بين حركة حماس ودول الإقليم لبلورة رؤية موحدة فيما يتعلق بمستقبل قطاع غزة؟ وكيف تقيّمون الموقف الإقليمي في مواجهة الملامح التي رسمها ترامب لمستقبل الشعب الفلسطيني والمنطقة في خطابه الأخير؟
نعم، هناك حوار واسع ومستمر مع دول الإقليم، وخاصة مع مصر، بحكم الجوار التاريخي وتداخل الكثير من القضايا المشتركة، وقد توافقنا مع الجانب المصري على صيغ متعددة، من بينها تشكيل “لجنة الإسناد المجتمعي” كجزء من الترتيبات المستقبلية المتعلقة بقطاع غزة.
كما أجرينا حوارات مع الأشقاء في قطر، باعتبارهم طرفًا وسيطًا، ومع دول إقليمية أخرى، وخلال هذه النقاشات، أبدينا مرونة كبيرة للوصول إلى توافقات وطنية وإقليمية، سواء على المستوى الإداري أو السياسي، بخصوص من يتولى إدارة الحكم في غزة.
حماس ليست معنية بالبقاء في حكم قطاع غزة، وإنما يهمها أن يكون هناك حكم وطني حقيقي لا يسمح بالتدخل الخارجي، ويكون قادرًا على تحمل المسؤوليات الكبيرة المطلوبة لإعادة بناء مقومات الصمود في قطاع غزة، في ظل الكارثة الإنسانية والاقتصادية التي نواجهها.
هذه هي المحددات التي يجري وفقها الحوار، والذي ما زال مستمرًا ومفتوحًا، وتُبدي حماس خلاله المرونة اللازمة لإنجاز التوافقات المجمع عليها.
أما فيما يتعلق بالموقف الإقليمي من خطط التهجير التي طرحها ترامب، فهو موقف متقدم ويُبنى عليه. الشعب الفلسطيني يمثل خط الصمود الرئيسي في مواجهة هذه المخططات، ونتطلع إلى استكمال هذا الموقف الإقليمي بخطوات عملية أكثر لدعم صمود الشعب الفلسطيني، ومواجهة الخطط الأمريكية الرامية إلى تهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم.
كيف ترون القرار الأخير الصادر عن رئيس السلطة الفلسطينية بخصوص إحالة رواتب الأسرى إلى مؤسسة أهلية فلسطينية؟
قضية الأسرى هي قضية سياسية بامتياز، وهم يمثلون جوهرة تاج العمل الوطني الفلسطيني، ولا يجب التعامل معهم بمنطق اجتماعي بحت، فذلك يشكل استهتارًا بتضحياتهم وإهانة لرموز الشعب الفلسطيني، فالأسرى هم مناضلون، ومن بينهم قيادات بارزة للحركة الوطنية وقادة لهم تاريخ طويل في المقاومة الفلسطينية.
نحن ندعو السلطة الفلسطينية إلى التراجع عن هذا القرار وعدم تقديم تنازلات أو قرابين لإرضاء الإدارة الأمريكية الجديدة. هذا السلوك لا يجلب إلا مزيدًا من التشدد من قبل الإدارة الأمريكية، التي ستصعّد من مطالبها واشتراطاتها، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
كفلسطينيين، يجب أن نتكاتف لمواجهة هذه المخططات، لا أن نساعد الاحتلال أو الإدارة الأمريكية على تنفيذها.
للأسف، في الوقت الذي تكسر فيه المقاومة قيود الأسرى بالقوة وتحررهم عبر عمليات التبادل، تأتي مثل هذه القرارات لتضعف قضية الأسرى وتضر بنضالهم. لذلك، نؤكد أن على السلطة التراجع عن هذا القرار فورًا للحفاظ على كرامة الأسرى وتضحياتهم ومكانتهم الوطنية.