تسعى القيادة السورية إلى إنهاء أنشطة الاتجار غير المشروع والجرائم وعمليات الخطف وتجارة المخدرات التي ينفذها حزب الله على الحدود السورية اللبنانية، وذلك تحت غطاء بعض أفراد العشائر الشيعية الموالية له والنشطاء في قرى الحدود بين سوريا ولبنان.
منذ السادس من شباط/فبراير الجاري أحرز الجيش السوري نتائج ملموسة في حملته الواسعة على الحدود السورية اللبنانية، حيث أسفرت العمليات عن ضبط أسلحة ومعامل تصنيع مخدرات، ومطابع لتزوير العملة.
جاءت هذه الإجراءات في إطار مواجهات مفتوحة ضد مجموعات موالية لحزب الله اللبناني، التي تمتهن تهريب الأسلحة وتصنيع وتجارة المخدرات في قرى وبلدات ريف منطقة القصير جنوبي حمص.
عمليات عسكرية واسعة
اندلعت شرارة المواجهات في قرى “حاويك وجرماش وهيت”، التي كانت تحت سيطرة حزب الله باعتبارها قرى تمتد من بلدة القصير السورية إلى الهرمل اللبنانية، وتضم عائلات لبنانية من عشائر الهرمل ومرتبطة بحزب الله مثل: عائلات زعيتر وجعفر ونون ومدلج وراشيني وجمال.
أسفرت الاشتباكات عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، مما دفع الجيش السوري إلى إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة، واستخدام دبابات ومدرعات ومسيرات شاهين إلى جانب طائرات استطلاع جوي مكثفة في قرى ريف حمص الغربي الحدودية مع لبنان.
وتركزت عمليات الجيش السوري في قرى حاويك وبلوزة والفاضلية وأكوم والجرود وصولاً إلى الحدود اللبنانية، بهدف طرد المسلحين والمهربين والمطلوبين من تجار المخدرات وشخصيات مقربة من حزب الله اللبناني.
حسب المكتب الإعلامي في محافظة حمص، فإن هدف الحملة هو إغلاق منافذ تهريب الأسلحة والمخدرات، ضمن استراتيجية شاملة لتعزيز سيادة القانون والحد من الأنشطة غير المشروعة التي تؤثر سلبًا على الشعبين السوري واللبناني.
وأشار المكتب، إلى أنه خلال تنفيذ الحملة، وقعت اشتباكات بين قوات أمن الحدود وعدد من المطلوبين، ما أسفر عن اختطاف عنصرين من إدارة العمليات العسكرية من قبل مجموعة من المطلوبين المتورطين في تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود السورية اللبنانية، قبل تحريرهما، فيما أدت الحملة إلى توقيف عدد من المطلوبين المتورطين في عمليات تهريب غير مشروعة، وضبط كميات من الأسلحة والمخدرات التي كانت بحوزتهم.
وفي أول بيان رسمي صادر من الإدارة السورية، قال المقدم مؤيد السلامة قائد المنطقة الغربية في إدارة أمن الحدود السورية، “جرت اشتباكات مع عصابات التهريب المسلحة في قرى حاويك وجرماش ووادي الحوراني وأكوم السورية، أثناء حملة تمشيطٍ أطلقناها لضبط حدود البلاد الغربية من عمليات التهريب التي تقوم بها عصابات تتبع معظمها لمليشيات حزب الله، الذي بات يشكل تهديداً بتواجده على الحدود السورية من خلال رعايته لمهربي المواد المخدرة والسلاح”.
وأشار السلامة إلى أن حملة التمشيط ضبطت عددًا كبيرًا من مزارع ومستودعات ومعامل صناعة وتعليب مواد الحشيش وحبوب الكبتاغون، بالإضافة لمطابع تختص بطباعة العملة المزورة، حيث كانت هذه المنطقة تمثل الشريان الاقتصادي لهذه العصابات، كما ضبطت العديد من شحنات السلاح والمواد المخدرة في المناطق الحدودية مع لبنان، والتي كانت في طريقها للعبور.
السلامة أكد على عدم استهداف الداخل اللبناني، واقتصار العمليات على القرى السورية المحاذية، على الرغم من القصف الذي طال وحدات الجيش السوري من قبل حزب الله.
في حديثه لـ”نون بوست”، يرى رشيد الحوراني، الباحث بالشؤون العسكرية في مركز جسور للدراسات، بأن عمليات التطهير التي بدأها الجيش السوري جاءت بعد التأكد من قيام المحسوبين على حزب الله في الداخل السوري سواء من السوريين أو اللبنانيين المقيمين على الأراضي السورية بتهريب السلاح إلى داخل لبنان لصالح حزب الله، وهو ما تعتبره القيادة السورية خطًا أحمرًا.
وأضاف الحوراني أن الحملة اشتدت على الحدود بسبب تدخل حزب الله ومحاولته دعم المسلحين المرتبطين به، وهو ما دعا الفرقة 103 في الجيش السوري إلى التدخل، حيث تمّ الإعلان من قبل قائد الفرقة أن الحدود لن تعود إلى ما كانت عليه سابقاً من تهريب السلاح والمخدرات، ليتم تأمين الحدود من الطرف السوري بعد التنسيق مع الجيش اللبناني.
واعتبر أن سرعة تأمين الحدود السورية يدل على المستوى العسكري المميز للقوات السورية الوليدة، إضافة إلى نجاحها بالقيام بمهامها بأعلى درجات المهنية والحفاظ على حسن الجوار، والتعاون مع الأجهزة المختصة في الطرف المقابل، وقدرتها على الوصول لمعلومات أمنية تسهل وتوفر عليها الكثير من الجهد والخسائر عند تنفيذ المهمة.
أما على المستوى السياسي -حسب الحوراني- فهي تدل على جدية الدولة السورية بأنها لن تكون مهددًا لأي من جيرانها، والتزامها بمنع أن تكون سورية معبرًا لإمداد حزب الله بالسلاح، كما تدل على استمرار محاولة إيران العبث بالداخل السوري.
انتكاسة حزب الله
نقلاً عن مصدر أمني لبناني، قالت صحيفة “لوريان لو جور” اللبنانية الفرنسية، إن العشائر الموجودة في بعض قرى ريف القصير هي من الطائفة الشيعية، وتنتمي إلى حزب الله، ومعروفة بتورطها في التهريب، وهو ما يفسر سبب رغبة السلطات السورية في مهاجمتها.
وبعد الحملة العنيفة التي حقق من خلالها الجيش السوري أهدافه في توجيه ضربات عنيفة للمرتبطين بالحزب ودحرهم من الحدود، أطلقت عشيرة “آل جعفر” اللبنانية، وللمرة الأولى نداء إلى الجيش اللبناني للتدخل وحلّ المشكلة، معلنة الانسحاب من قراها على الجانب السوري نحو لبنان لتجنب أي احتكاك، زاعمة بذات الوقت أن العشيرة ليست متورطة على الإطلاق في مواجهة الجيش السوري، رغم أن المؤشرات كلها تؤكد ارتباط العشيرة بحزب الله.
بالمقابل سارع الجيش اللبناني لتلبية نداء العشيرة بعدما كان عاجزاً أمام سيطرة الحزب المطلقة على الحدود السورية ودخول مقاتليه لدعم النظام البائد برفقة العشائر المرتبطة به خلال سنوات الثورة السورية، إذ أعلن عن تنفيذ تدابير أمنية على امتداد الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا، والرد على مصادر النيران بالأسلحة المناسبة.
وأشار بيان الجيش اللبناني إلى أن وحداته تمكنت من مداهمة منازل مطلوبين في بلدَتي القصر- الهرمل والعصفورية- عكار، وضبط كمية كبيرة من القذائف الصاروخية والرمانات اليدوية والأسلحة الحربية والذخائر.
من المعروف أن الجيش اللبناني يعاني من نقص حاد في اللوجستيات، خاصة على امتداد الحدود اللبنانية–السورية الطويلة، ووفقًا للمعايير العسكرية التي تستلزم وجود 200 جندي لكل كيلومتر، فإن تأمين هذه الحدود يتطلب قوة تصل إلى نحو 75 ألف جندي، في حين أن إجمالي عدد الجنود النظاميين المنتشرين في الأراضي اللبنانية لا يتجاوز 60 ألف جندي.
حسب الباحث اللبناني المتخصص في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، نبيل الحلبي، فإن هناك معوقات لوجستية كبيرة أمام الجيش اللبناني من حيث العدد وضبط الحدود باعتبارها حدودًا كبيرةً ذات تضاريس وعرة جدًا، إضافة إلى أن الجيش اللبناني مقيّد بطوق حزب الله والذي يتفادى الصدام معه.
يرى الباحث الحلبي في حديثه لـ”نون بوست” أن الأنظار تتجه نحو الجانب اللبناني بعد ضبط الحدود من الجانب السوري، إذ لم تعد تلك العصابات تجد ملاذًا آمنًا في الجانب السوري، خاصةً مع امتلاكها للراجمات والمدفعية والسلاح الثقيل الذي استُخدم ضد الجيش السوري من داخل الأراضي اللبنانية.
وبالتالي فإن هناك فرصة تاريخية للحكومة اللبنانية الجديدة لنشر الشرعية في هذه المناطق الحدودية وسحب السلاح غير الشرعي الثقيل والخفيف من أيدي هذه العشائر المرتبطة بحزب الله، وتفكيك منظومة عصابات الجريمة المنظمة في المنطقة.
ويتفق الباحث السياسي مؤيد غزلان قبلاوي في أن ما يمنع الجيش اللبناني من تأمين الحدود اللبنانية هو سطوة حزب الله المتأصلة واستعانته بالبعد الطائفي وطول الحدود المشتركة، إلا أن الموازين السياسية في لبنان تغيرت، فبعد انحسار النفوذ السياسي للحزب لن تعد تتمتع قواته بنفوذ كما كانت عليه سابقًا ما سيسهل عملية السيطرة على الحدود، لكن عبر سياسات توافقية بين لبنان وسوريا.
ويضيف قبلاوي لـ”نون بوست”، أن الحل الأمثل لبنانيًّا نزع سلاح حزب الله وهي إحدى القضايا المحورية في لبنان وترجمة الانحسار السياسي للحزب وحلفائه إلى تجريده تدريجيًا من نفوذه ومن سلاحه، أما سوريًّا فيكون عبر تظافر الجهود الأمنية مع لبنان لمحاصرة الميليشيات الطائفية في البلدين وخاصة على الحدود ومنع أية مصادر لتمويلها.
معللاً السبب بأن حزب الله يتمادى في رفد أتباع النظام البائد عسكريًا وماديًا، كما يسعى لاستجلاب الأسلحة المتوسطة التي تركها في سوريا بعد هزيمة قواته عبر أنفاق مهيأة في المناطق الجبلية على الحدود.
القرى الحدودية
مع إعلان إدارة أمن الحدود السورية سيطرتها على كامل الحدود مع لبنان ونشر قواتها على مفارق القرى، يكون الجيش السوري قد بسط سيطرته على طول 330 كيلومتراً ولا سيما في الجهة الشمالية الشرقية والتي لا تزال أجزاء واسعة منها غير مرسّمة، مما جعلها مستباحة لعمليات تهريب واسعة النطاق، عدا عن تعقيد كبير في جغرافية المنطقة من حيث التضاريس الصعبة والمنحدرات القاسية والتداخل الاجتماعي والعشائري.
منطقة القصير جنوب غرب مدينة حمص، هي أعقد المناطق كونها على حدود السفوح الشرقية لجبال لبنان الغربية، وتتبع لها أكثر من 80 قريةً وبلدةً موزعةً بين أكثرية سنّية وأقلية مسيحية وعلوية وشيعية، وسكان أكثر من 10 قرى متداخلين مع سكان الجانب اللبناني.
ومن أبرز تلك القرى المتداخلة “الحاويك” التي تقع بين القصر جهة البقاع وأكروم من جهة عكار، إضافة إلى قرى الجاماش والفاضلية وزيتا وربلة، والتي تعتبر رأس حربة في تاريخ التهريب الطويل، وسكانها من حَمَلة الجنسية اللبنانية، ومعظمهم من الشيعة، فيما يعد “أبو جبريل نون” المنتمي لحاويك هو مسؤول “حزب الله” الذي أدار المعارك ضد الجيش السوري، وهو ما أعطى البلدة رمزية بفعل الحضور الحزبي البارز بين سكانها اللبنانيين.
ومن العائلات التي تسكن على أراضٍ زراعية تمتد على الطرف السوري واللبناني، عائلة جعفر التي يقطنها أفرادها في بلدة جرماش، المنقسمة بين جزء لبناني في البقاع وجزء آخر في الداخل السوري. كما توجد قرية هيت، القريبة من أكروم، والتي يقطنها عائلات من وادي خالد، حيث يشكل اللبنانيون حوالي 90% من سكانها.
وشكلت تلك القرى الشيعية ولا سيما “حاويك” خزاناً بشرياً لحزب الله في حربه على السوريين، وشاركته في تهجير القرى السنية إلى وادي خالد ولا سيما قرى غرب العاصي، وتحويل أراضي القصير لزراعة الحشيش وتجارة الكبتاغون، ومعبر لنقل السلاح والمقاتلين بين لبنان وسوريا بعد الاستيلاء عليها وتوزيعها على عائلات المقاتلين المنتمين للحزب، عدا عن تحويل المساجد إلى حسينيات، حتى باتت القصير الصندوق الأسود لحزب الله منذ العام 2013.
ختاماً لا خيار أمام تلك العائلات الشيعية والعشائر المرتبطة بحزب الله إذ ما أرادت أن تعيش في قراها بسلم وأمان كما كانت عليه قبل اندلاع الثورة السورية، إلا التبرؤ من حزب الله وقطع شرايين التواصل معه وفكّ ارتباطها به، فهو سيبقى في نظر السوريين وقيادتهم الحالية منظمة إرهابية متوحشة نكلت بهم طائفياً، ودمرت بنيتهم التحتية، وساهمت في إفقارهم ونهبهم وقتل أبنائهم.