ترجمة وتحرير: نون بوست
تعتبر تركيا لاعبًا إقليميًا ذا نفوذ وقوة لا يستهان بهما خاصة من حيث التقدم التكنولوجي، لذلك من غير المستبعد وجود علاقات تعاونية بينها وبين روسيا في مجال إنتاج الأسلحة وتوريدها، وذلك رغم تعاون أنقرة المستمر مع الولايات المتحدة وعضويّتها في حلف شمال الأطلسي. وفي الواقع، يمثل اختيار الأسلحة والبلد المصنع لها قضية سياسية بامتياز.
على هامش معرض “ماكس 2019” الدولي للطيران الذي أقيم في نهاية الشهر الماضي في ضواحي موسكو، عُرضت أحدث مقاتلة روسية من طراز “سو-57″، وقد فحصها كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
من الممكن أن تكون الخطوة التركية المتعلقة بشراء مقاتلات روسية وسيلةً للضغط على الولايات المتحدة، لا سيما أن الهدف الذي حددته تركيا يتمثل في المساومة من أجل ضمان ظروف أفضل.
في الوقت الراهن، تتفاوض تركيا مع الجانب الروسي حول إمكانية تزويدها بمقاتلات روسية عوضا عن مقاتلات الجيل الخامس الأمريكية من طراز “إف-35″، خاصة بعد أن استبعدت الولايات المتحدة الخبراء الأتراك من هذا المشروع. وقد أشار أردوغان إلى أنه سيبدأ النظر بجدية في إمكانية عقد هذه الصفقة مع روسيا في حال أصرت واشنطن على قرارها. وتعليقا على استبعاد تركيا من برنامج إنشاء مقاتلات الجيل الخامس الأمريكية “إف-35″، وإمكانية استبدالها بطائرات سوخوي الروسية، أشار أردوغان إلى الاختلافات بين المقاتلتين.
حيال هذا الشأن، أكد أردوغان أنه “إذا استمرت واشنطن في اتباع نفس النهج، سنعمل على حماية أنفسنا، سنقيّم كلا من “سو-35″ و”إف-35″ وسو-57” وغيرها من الطائرات المقاتلة. وعند خوضنا لمفاوضات ذات صلة، سنضع شروطا وفق ما يخدم مصالح المجال الدفاعي”، وهو ما يعني أن أنقرة ستثير قضايا الإنتاج المشترك والإقراض في مثل هذه المحادثات.
من الممكن أن تكون الخطوة التركية المتعلقة بشراء مقاتلات روسية وسيلةً للضغط على الولايات المتحدة، لا سيما أن الهدف الذي حددته تركيا يتمثل في المساومة من أجل ضمان ظروف أفضل. وإلى حد الآن، لم يُطوى ملف “إف-35” بالكامل، ولا تزال المفاوضات مستمرة. وفي الحقيقة، دائما ما تعتبر الأسلحة بضاعة ذات طبيعة سياسية، وفي هذا المجال يريد الأتراك درجة أكبر من الحرية.
من المهم تحليل الوضع الجيوسياسي الراهن في الشرق الأدنى والأوسط وفي الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط
مع إمكانية شراء أنواع معينة من الأسلحة والمعدات العسكرية، وخاصة الطائرات، بدأ بعض الخبراء في مقارنة الخصائص التكتيكية والفنية للطائرات، بما في ذلك نطاق الطيران والقدرة على المناورة والأسلحة. وتعتبر الدول المستورد للأسلحة عمليات شراء الأسلحة وسيلةً لحل المشاكل الجيواستراتيجية والجيوسياسية، وأداةً للحفاظ على المصالح الوطنية المهمة، الأمر الذي تراعيه قيادات جميع الدول ويتصدر قائمة أولوياتها.
من المهم تحليل الوضع الجيوسياسي الراهن في الشرق الأدنى والأوسط وفي الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط. وبغض النظر عن التناقضات الحالية القائمة بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، فإن عضوية تركيا في حلف الناتو لم تخدم مصالح روسيا خلال الحرب الباردة. في ذلك الوقت، كانت أنقرة في خط الدفاع على الجهة الجنوبية الشرقية لحلف الناتو، ووفقا الاستراتيجيين الغربيين، مثلت تركيا آنذاك عقبة أمام انتشار الشيوعية.
لكن تغير الوضع العسكري السياسي بشكل جذري ويتجلى ذلك في عدم تشكيل روسيا الحديثة خطرا على تركيا، ناهيك عن أن أقرب جيران تركيا الذين اتسموا بالقوة وكانوا حتى وقت قريب لاعبين إقليميين مؤثرين، إما هُزموا أو قُسّموا، مثل العراق أو إيران التي أنهكتها العقوبات الأمريكية، وحرمت من إحداث تكنولوجيات متقدمة والحصول على قروض غربية؛ وذلك ما أدى إلى عجزهم عن تكوين قوات مسلحة تعتمد على تكنولوجيا متقدمة.
لا تعد مسألة شراء مقاتلات سو-57 ذات طابع عسكري وتقني، وإنما ذات طابع جيوستراتيجي وعسكري وسياسي
من غير المستبعد أن تكون هناك حاجة إلى عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي في المستقبل لردع إيران ومنعها من تحقيق مشاريعها النووية. أما في الوقت الراهن، تعتبر تركيا لاعبا إقليميا ذا نفوذ، كما أن مصالحها اليوم تختلف عن الأمس ولا تهدف إلى احتواء انتشار الشيوعية أو مواجهة التهديد الروسي. بعبارة أخرى، تتمثل الاستراتيجية التركية اليوم في خلق إمكانات عسكرية معينة للقيام بأعمال في مجالات محددة، واختيار الأسلحة والمعدات العسكرية التي سوف تسمح لها بحل بعض المشاكل على غرار مشاكلها مع البلدان المجاورة لها مثل قبرص واليونان فيما يتعلق بتطوير الهيدروكربون في شرق البحر المتوسط. وتجدر الإشارة إلى التحالف اليوناني الإسرائيلي الذي بات جليا للعيان سواء في مناطق إنتاج النفط أو على طول الطرق الممكنة لنقل المواد الخام، قد يؤدي إلى نشوب أنواع مختلفة من المواجهات.
عموما، إن امتلاك الدولة معدات عسكرية متطورة أمر ضروري لكسب أي معركة، لأن القوة العسكرية تعكس قوة الدولة. ولا تعتبر الطائرات الأمريكية سلاحا ذي صيت عالمي يمكنه القيام بجميع المهام. ولا تعد مسألة شراء مقاتلات سو-57 ذات طابع عسكري وتقني، وإنما ذات طابع جيوستراتيجي وعسكري وسياسي. ويجهل الخبراء الروس في الوقت الراهن بعض خصائص مقاتلات الجيل الخامس من طراز “سو57” والخصائص التقنية والفنية لمقاتلات “إف-35″، علما بأن الولايات المتحدة مطلعة أكثر على النماذج الأجنبية للمعدات العسكرية مقارنة بروسيا.
سو-57 أو إف-35؟
استُعملت مواد ذات جودة عالية في صناعة المقاتلة الروسية “سو-57″، التي يمكن استخدامها لمدة خمسين سنة، وتتميز بقدرتها على تنفيذ هجمات واعتراض تلك التي تستهدفها في آن واحد، وإغلاق جميع المنافذ الممكنة أمام العدو. وتعتبر “سو-27” أقل حجما من “سو-57″، وأكبر حجما من “إف-35″، إلى جانب قدرة “سو-57” على نقل حمولة كبيرة، ناهيك عن أن إلكترونيات الطيران الروسية والأسلحة الموجهة أثقل بعض الشيء من نظيراتها الأمريكية. لذلك، يمكن أن تتفوق المقاتلة الروسية على نظيرتها الأمريكية، أو تكون قدرات “سو-57″ و”إف-35” قابلة للمقارنة أو قريبة من التكافؤ.
النظام اللوجستي والمعلوماتي المستقل في مقاتلات “إف-35” يمثل ثورة في المجال العسكري، وهو أول نظام في العالم لمراقبة الوضع التقني للطائرات بشكل يومي في الوقت الحالي
لم يتم الانتهاء من تصنيع محرك “سو-57” وسوف يتم تركيب العينات الأولى من محرك “إل41 إف1” في هذه الطائرات. وعلى الرغم من أن المقاتلات الأمريكية من طراز “إف-35” تتميز بقدرتها على الاندماج مع أنظمة قتالية كبيرة الحجم، بما في ذلك طائرات الإنذار المبكر المحمولة جوا، ومواقع التحكم الأرضي وناقلات الطائرات وأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات وغيرها من الأنظمة الأخرى، إلا أنها تفتقد لبعض الخصائص. وتشكل تقنية التخفي التي ستلعب دورا حاسما في المعارك الجوية المستقبلية فرقا رئيسيا بين “سو-57″ و”إف-35”.
والجدير بالذكر أن النظام اللوجستي والمعلوماتي المستقل في مقاتلات “إف-35” يمثل ثورة في المجال العسكري، وهو أول نظام في العالم لمراقبة الوضع التقني للطائرات بشكل يومي في الوقت الحالي. وفي الأجيال السابقة من المقاتلات، تم تنفيذ هذه الوظائف اليومية بواسطة عدة أنظمة مختلفة. ويسمح النظام اللوجستي والمعلوماتي المستقل بالتحكم في طائرة “إف-35” ومشغليها بغض النظر عن المنطقة التي تتواجد بها الطائرة، والحد من البعثات القتالية للطائرة في حال تطلب الأمر. لكن لا يمكن الجزم بمدى فاعلية هذا النظام في الوقت الحالي، ولا يمكن الإجابة على هذا النوع من الأسئلة إلا في المستقبل.
الخيار الاستراتيجي
على هامش معرض “ماكس 2019” الدولي للطيران، أفاد مدير الهيئة الفدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني، ديمتري شوغاييف، بأن روسيا وتركيا تناقشان تزويد تركيا بأنظمة الحرب الإلكترونية ومقاتلات “سو-35” و”سو-57″، واصفا المحادثات التي جمعته مع رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية، إسماعيل دمير، بأنها ذات أهمية خاصة.
على الرغم من أن مقاتلات “سو-35” أكبر حجما من نظيرتها الأمريكية، ويمكنها تحمل الأعباء القتالية، إلا أن تركيا مضطرة للاعتماد على مقاتلات “إف-16” في ظل غياب بعض المزايا الذي تتمتع بها المقاتلات الأمريكية في نظيراتها الروسية
فيما يتعلق بإمكانية شراء “سو-35″، فإن هذه المقاتلة يمكنها القيام بعدد قليل من المهام، ولا يمكنها التفوق على النسخة الحديثة من الطائرات المقاتلة الأمريكية “إف-16” المجهزة بأنظمة لم تستخدم في بقية المقاتلات الروسية، وتوجد فقط في مقاتلات “سو-57”.
لابد من معرفة وضع أسطول “إف-16” في تركيا في الوقت الراهن، ومدى قدرة الولايات المتحدة على تزويد تركيا ببعض المعدات. وفي حال كانت تركيا تمتلك نسخا حديثة من صواريخ جو جو من طراز “إيه آي إم120 أمرام”، الذي يتميز بقدرته الفائقة على بلوغ أهدافه، وإصدارات حديثة من مقاتلات “إف-16” وبعض الأجهزة الأخرى، فإن شراء مقاتلات “سو-35” الروسية لن يمنح أنقرة أي مزايا أساسية.
على الرغم من أن مقاتلات “سو-35” أكبر حجما من نظيرتها الأمريكية، ويمكنها تحمل الأعباء القتالية، إلا أن تركيا مضطرة للاعتماد على مقاتلات “إف-16” في ظل غياب بعض المزايا الذي تتمتع بها المقاتلات الأمريكية في نظيراتها الروسية.
المصدر: غازيتا