أقل من أسبوع يفصل تونس على موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة، انتخابات هامة ينتظرها التونسيون بشغف كبير فمن خلالها سيعرفون رئيس البلاد الجديد، غير أن العديد منهم يخشون أن تفرز هذه الانتخابات فوز الشعبويين برئاسة مهد الثورات العربية.
القروي في الصدارة
كشفت نتائج سبر آراء بشأن نوايا التصويت بالانتخابات الرئاسية، تصدّر الشعبويون الذين امتهنوا الخطابات الشعبوية والمتاجرة بآلام الناس ومعاناتهم قائمة المرشحين، ونقصد هنا المرشّح نبيل القروي الذي يتهم بالتهرّب الضريبي.
أما في العلاقة بالانتخابات التشريعية فقد تصدّر حزب نبيل القروي، نوايا التصويت بـ29.8% متفوقًا على النهضة بفارق كبير، حيث حصلت فقط على 16.8%، وحل حزب عبير موسى في المرتبة الثالثة بنسبة 11.3% فيما حلت حركة تحيا تونس التي يتزعمها يوسف الشاهد في المرتبة الرابعة بـ8.6% متقدمة على التيار الديمقراطي الذي حصل على 5.8% وعن قائمات عيش تونسي التي دخلت السباق لأول مرة واحتلت المرتبة السادسة بـ5.4%.
تصدّر القروي نوايا التصويت رغم إيداعه السجن بتهم فساد تقول منظمة “أنا يقظ” إنها ثابتة عليها ولا يمكن دحضها، يؤكّد تغلغل الشعبويين داخل المجتمع التونسي
من المقرّر إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها يوم 15 من سبتمبر/أيلول، فيما تجرى في الخارج أيام 13 و14 و15 من نفس الشهر، بعد أن كان مقرّرا إجراؤها يوم 17 من نوفمبر/تشرين الثاني، لكن بسبب وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي في 25 من يوليو/تموز الماضي، قررت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تقديم موعدها وذلك وفقًا لمتطلبات الدستور.
ومن المنتظر أن يتم إعلان النتائج الأولية للانتخابات في 17 من سبتمبر/أيلول بحسب برنامج الانتخابات الذي أعلنه رئيس الهيئة العليا للانتخابات نبيل بفون، غير أنه لم يتم تحديد موعد الجولة الثانية التي يفترض أن تجري، إذا تطلب الأمر، قبل الـ3 من نوفمبر/تشرين الثاني بحسب رئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون.
مازال متفوقا رغم السجن
تصدّر نبيل القروي وحزبه “قلب تونس” نوايا التصويت للانتخابات القادمة، جاء رغم القبض عليه وإيداعه السجن على خلفية شكاية رفعتها ضده منظمة “أنا يقظ” منذ سنة 2016 بتهمة التهرب الضريبي، وتمثل منظمة أنا يقظ التي تأسست إثر الثورة التونسية في 21 من مارس 2011، نقطة الاتصال الرسمية لمنظمة الشفافية الدولية بتونس منذ نوفمبر 2013.
جدير بالذكر أنه قبل عملية الإيقاف، قرر قاضي التحقيق المتعهد بالقضية بالقطب القضائي الاقتصادي توجيه تهم للمرشح الرئاسي نبيل القروي – وهو مالك قناة نسمة التليفزيونية وممثل جمعية خليل تونس الخيرية – “غسل الأموال والتحيل”، باستغلال التسهيلات التي خولتها خصائص النشاط المهني، وذلك طبقًا لأحكام القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال ليتم على إثرها تحجير السفر على المظنون فيه، وتجميد التعامل على الأملاك المنقولة والعقارية التابعة له، وتجميد الأرصدة البنكية الراجعة له، في 8 من يوليو/تموز الماضي.
يستغل القروي جمعية خيرية لكسب ودّ الناخبين
يعد نبيل القروي، أحد رجال نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ثم أحد مؤسسي حزب نداء تونس، وريث التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي)، وأحد رجال الأعمال الذين يتهمون بالفساد والتحيل وتبييض الأموال، كما يتهم باستغلال معاناة المحتاجين والفقراء في تونس.
وكانت منظمة “أنا يقظ” قد نشرت ضمن تحقيقات بشأن الفساد في قطاعات متعددة مثل قطاع الإعلام والقطاعين العام والخاص وفي المجالات التي تهم السياسيين ورجال الأعمال، في يوليو 2016، تحقيق استقصائي عن شركة “نسمة برودكست ش م م” وهي إحدى الشركات محدودة المسؤولية التابعة لمجموعة القروي، تم الكشف فيه عن حصول “أنا يقظ” على أدلة بخصوص شبهة فساد تتعلق “بالتهرب الضريبي للقناة وعدم تسديدها للعديد من الخطايا المتخلدة بذمتها لفائدة الدولة”.
فشل المنظومة الحاكمة وراء صعود الشعبويين
تصدّر نبيل القروي نوايا التصويت الخاصة بالانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها قبل أقل من أسبوع على موعدها رغم إيداعه السجن بتهم فساد تقول منظمة “أنا يقظ” إنها ثابتة عليها ولا يمكن دحضها، يؤكّد تغلغل الشعبويين داخل المجتمع التونسي وامكانية قيادته البلاد طيلة الخمس سنوات القادمة.
تعود أسباب صعود الشعبويين في تونس، وفق الباحثة التونسية في مجال الإعلام والاتصال عائشة الغربي، إلى فشل المنظومة الحاكمة في الاستجابة لحاجيات المواطنين وضعف آليات الاتصال المباشر معهم، مما دفع ببعض السياسيين لاستغلال ذلك ومحاولة ملئ الفراغ بخطاب عاطفي لاستمالتهم.
وتبيّن الغربي في تصريح لنون بوست، “الشعبوية ليست استثناء تونسيًا بل هي قاعدة وفلسفة سياسية حاضرة بقوة في العالم أجمع، متجذرة في الخطاب السياسي لإثارة سيكولوجية الجماهير، التي تحدث عنها العالم الفرنسي غوستاف لوبون، يتحايل فيها السياسي على أفكار الجماهير، سرعة تأثرهم، عاطفيتهم، تعصبهم لبعض بالأفكار وغياب المحاججة العقلية لديهم، مما يجعلهم غير قادرين على التفريق بين الخطاب العقلاني القابل للتطويع في الواقع والخطاب العاطفي لاستغلالهم كناخبين.
لايخفي “أحمد محروق” خوفه على مسار انتقال بلاده الديمقراطي، إلا أنه متيقن بأن شباب هذه الثورة اليتيمة سيكونون بالمرصاد لكل من يهدد مكاسبها المجيدة
من جهته يرى الصحفي التونسي كريم البوعلي، أن “الشعبويون يراهنون على خطاب تعبوي ودعائي وإشهاري بمضامين تخاطب مشاعر الناس عوض عقولهم لاستمالة العاطفة أكثر من الحكمة في حين تقتضي المراهنة السياسية الجدية طرح أسس عملية لبرامج اقتصادية واجتماعية بشعارات واقعية انطلاقا من مرجعيات فكرية وأدبية تؤسس لرؤية سياسية شاملة يحملها المرشح للانتخابات”.
ويستغل نبيل القروي مؤسسته الإعلامية الخاصة التي حصلت على حقوق البث زمن نظام الرئيس المخلوع بن علي، نتيجة الخدمات التي قدمه له ولنظامه، للترويج لخطابه الشعبوي القائم على نصرة المستضعفين والفقراء، يذكر أن القروي يرفض تجديد رخصة البث لقناته لأسباب عدة.
وبرع مالك قناة نسمة الخاصة نبيل القروي الذي أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، في توظيف العمل الخيري والإعلامي بمجال العمل السياسي، فهو يستخدم منذ سنوات برنامجًا خيريًا يبث يوميًا على قناته، لتقديم مساعدات للفقراء بغية الوصول إلى كرسي الرئاسة.
خطر يهدد الانتقال الديمقراطي في تونس
هذه الشعبوية – التي فشلت في إيطاليا بعد إقصاء زعيمها ماتيو سالفيني من الحكم إثر تغيير حكومة جوزيبي كونتي – من شأنها أن تفسد العرس الانتخابي التونسي بالتحايل على المواطنين من قبل متحيلين و” متحولين ” سياسيا، وفق كريم بوعلي، الذي يرى أيضا أن الشعبوية باتت خطرًا يهدد الانتقال الديمقراطي في بلاده.
الشعبوية في اعتقادي، يقول البوعلي، “لن تحل مشاكل تونس بل ستخلق مشاكل جديدة بإيصال أحزاب وشخصيات بارعة في الخطاب الشعبوي التعبوي لها مرجعيات منفعية ذاتية دون رؤى وبرامج حقيقية لمعالجة مواطن المشاكل والمصاعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبالتالي فعلا أعتقد أنها خطر يهدد صيرورة الانتقال الديمقراطي في بلادنا”.
بدورها ترى الباحثة عائشة الغربي، أن “خطر هذه الفئة ليست في كونها خيارا خاطئا فحسب بل لأن قراراتها ستكون مرتبطة بالمال الفاسد والأجندات الغامضة مع مخاوف على الديمقراطية، باعتبار أن أصحاب هذا الخطاب ينظرون إلى الشعب ككتلة واحدة بخطاب أحادي يؤجج الصراع ويخلق تشاحنات قائمة على نظرية المؤامرة وأن الكل ضده”.
وأضافت، “هذا الأمر نفسه ما نعيشه في تونس من خلال مساعدات تطال أغلب المناطق، تستثمر في آلام الناس ومعاناتهم، مثل جمعية خليل تونس، التي يعتمد عليها المرشح نبيل القروي للوصول إلى أكبر عدد من الجماهير الناخبين، من خلال سياسة اتصالية تجعله أبو الزواولة والفقراء في تونس”.
يحظى القروي بشعبية كبيرة لدى المهمشين في تونس
يشارك الصحفي أحمد محروق ما ذهب إليه كلّ من كريم وهاجر، فهو يقرّ أيضًا بوجود خطر يهدّد ديمقراطية بلاده الناشئة من قبل الشعبويين الراديكاليين الاستئصالين الذين لا يعترفون بالآخر، وفق قوله لنون بوست.
“أمثال نبيل القروي وعبير موسى يشكلون تهديدًا مباشرًا لمسار الانتقال الديمقراطي التونسي، فهم استفادوا من مناخ الحريات والديمقراطية التي تنهم به بلادنا فتنظموا و أسسوا أحزابا و هاهم يترشحون للانتخابات و يقومون بحملات انتخابية يشتمون فيها ثورتنا المجيدة و يتوعدون شقا كبيرا من التونسيين بالسجون و المنافي”، يقول أحمد محروق.
يضيف محدّثنا، “تلك مساوئ الديمقراطية التي وجب علينا احترامها.. للأسف في تونس لم نصل بعد إلى درجة من الوعي والنضج السياسي التي تسمح لنا بتبيان المتحيلين من الجديين،” ولا يخفي محروق خوفه على مسار انتقال بلاده الديمقراطي، إلا أنه متيقن بأن شباب هذه الثورة اليتيمة سيكونون بالمرصاد لكل من يهدد مكاسبها المجيدة.