مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس والمقررة في منتصف الشهر أيلول سبتمبر، واشتعال الحرب الإعلامية بين المرشحين المتنافسين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصاعد التوظيف السياسي لوسائل الإعلام، تصاعدت التحذيرات من ارتفاع منسوب التوتر في المشهد السياسي خاصة بعد تقارير تحدثت عن محاولة الاحتلال الإسرائيلي التأثير في نتائج ونزاهة الانتخابات.
وحذرت منظمة سكاي لاين الدولية الأطراف التونسية من التدخل الإسرائيلي عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير في الانتخابات الرئاسية، وقالت في بيان أصدرته في الغرض، إنّ شركات إسرائيلية متخصصة بالأخبار المزيفة (fake news) على وسائل التواصل الاجتماعي دأبت على الدوام استهداف عدد من الدول أهمها تونس، من خلال عشرات الصفحات الإخبارية التي تقوم بنشر الأخبار الكاذبة.
وفق المنظمة فإن اكتشاف “فيسبوك” للتدخل الإسرائيلي في تونس جاء متأخرًا، بعد ثماني سنوات من بدء نشر أخبار كاذبة منذ عام 2011، تاريخ الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي المخلوع
وتأسست المنظمة سكاي لاين بستوكهولم، في أبريل/ نيسان 2017، بهدف رصد انتهاكات حقوق الأفراد والتجمعات الأهلية والثقافية والأكاديمية المتعلقة بالتعبير عن حرية الرأي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سواء بالكتابة أو الرسم أو صناعة الأفلام أو إصدار الأغاني أو النقد الساخر.
ووفق المنظمة فإن اكتشاف “فيسبوك” للتدخل الإسرائيلي في تونس جاء متأخرًا، بعد ثماني سنوات من بدء نشر أخبار كاذبة منذ عام 2011، تاريخ الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي (1987-2011).
وحذر السكرتير العام لـ”سكاي لاين”، معاذ حامد، من أنّ الصفحات الإخبارية والحسابات المزيفة التي كانت تستهدف تونس يتابعها أكثر من 3 ملايين متابعًا، مضيفًا أن الشركة الإسرائيلية ما زالت تعمل في مجال الإعلام الاجتماعي وهندسته، وأنّ معلومات المنظمة الحقوقية تشير إلى أن محاولاتها مستمرة في التدخل بالانتخابات التونسية.
بدوره، كتب المسؤول عن سياسة الأمن الإلكتروني ناثانيال غليتشر، تدوينة في فيسبوك، قائلًا: “إن أصحاب تلك الحسابات الزائفة قدّموا أنفسهم على أنهم جهات محلية، بينها مؤسسات أخبار محلية، ونشروا معلومات زعموا أنها مسرّبة عن سياسيين. وقد توصلت تحقيقات إلى أن بعضًا من تلك الأنشطة ارتبط بمجموعة شركات أرخميدس الإسرائيلية“، مضيفًا أنّ “فيسبوك حظرت هذه الشركة وفروعها، وكانت قد أرسلت إليها إشعارًا بإيقاف نشاطها”.
تواجه فيسبوك انتقادات متزايدة لإخفاقها في استئصال المعلومات المضللة التي يمكن أن تؤثر على مجريات التصويت في الانتخابات.
وذكرت شركة “فيسبوك” أن المجموعة الإسرائيلية أنفقت أكثر من 800 ألف دولار على إعلانات وحسابات في المنصة وأن لديها 161 حسابًا على “فيسبوك” وأربعة حسابات على “أنستغرام”، ويتابع نحو 2.8 مليون حساب صفحة أو أكثر من هذه الصفحات.
وأوردت شبكة “سي إن إن” في وقت سابق أنّ موقع إلكتروني يبدو أنه يتبع مجموعة أرخميدس تباهى بأن فرقها “لعبت أدوارًا مهمة في العديد من الحملات السياسية والعامة، من بينها الانتخابات الرئاسية وغيرها من مشاريع التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم”، ويقول الموقع: “لقد أنشأت أرخميدس وتعمل في مجال فريد من نوعه داخل مجال وسائل الإعلام الاجتماعية، وما زالت مستمرة”.
وتواجه فيسبوك انتقادات متزايدة لإخفاقها في استئصال المعلومات المضللة التي يمكن أن تؤثر على مجريات التصويت في الانتخابات.
إجراءات تونسية
من جانبه، أكد نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر أكّد لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (رسمية)، على خلفية قرار إدارة شركة “الفيسبوك الدولية”، حذف حسابات مُزيّفة نشرت أخبارًا عن سياسيين في تونس تعلقت بالانتخابات، أنه “يُمنع على وسائل الإعلام الإلكترونية نشر معلومات خاطئة بخصوص المُترشّحين والأحزاب أو ثلبهم أو سبهم أو التشهير بهم”، مضيفًا أن الهيئة تُراقب انطلاقًا من بداية فترة الحملة الانتخابية، وسائل الإعلام الإلكترونية والمتمثلة في جميع أنواع الوسائط الإلكترونية المُوجّهة للعموم، سواء على شبكة الإنترنت أو شبكات التواصل الاجتماعي أو غيرها والتي تنشر وتبث مادة إعلامية، وفق طرق الإنتاج الصحفي للأخبار والمعلومات.
أثارت محاولات الكيان الصهيوني التدخل في مسار الانتخابات التونسية جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي وطالب نشطاء على فيسبوك بضرورة إيلاء المسألة أهمية قصوى
في مقابل ذلك، أوضح المسؤول التونسي أنّ الرقابة على الفضاء الإلكتروني تبقى محدودة، بالنظر إلى نقص الإمكانيات اللوجستية التي تُخوّل ذلك، والفراغ التشريعي الذي يُمكّن من التدخل والردع.
وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري “الهايكا” (هيئة دستورية)، نوري اللجمي، قال في تصريح سابق لـ”نون بوست” إنّ المؤسسة الرقابية تواصلت مع ممثل شركة فيسبوك في المغرب العربي من أجل بحث حلول لمنع التدخل في الانتخابات عبر الصفحات الممولة إضافة إلى مكافحة الأخبار الكاذبة والإشاعات، مضيفًا أن الأخير تعهد بالتعاون مع “الهايكا”، من خلال إجراءات عاجلة وعبر إقامة ورشات مع طاقم التقني للهيئة بشأن كيفية التعامل مع الإشكاليات، مشيرًا أن الهيئة أعدت برنامجًا تدريبيًا للصحفيين قصد إعدادهم للتعامل مع عملية توجيه الرأي العام وتكوين فريق لمراقبة التجاوزات ومحاولة تضليل الناخبين والتأثير على مسار الاستحقاق الرئاسي.
الاحتلال والربيع العربي
إلى ذلك، أثارت محاولات دولة الاحتلال التدخل في مسار الانتخابات التونسية جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي وطالب نشطاء على فيسبوك بضرورة إيلاء المسألة أهمية قصوى، باعتبارها تهديدًا للأمن القومي وتمثل مسًا لسيادة البلاد.
كان الكاتب الصحفي التونسي والمرشح لانتخابات الرئاسية الصافي السعيد قال في تصريحات إنّ اختراق الاحتلال الإسرائيلي يعود أساسًا إلى أن جزء من الطبقة المثقفة في تونس
وكتب أبو الولاء وجدي واصل: “لماذا تمرّ فضيحة التدخّل الإسرائيلي في الانتخابات التونسيّة عبر صفحات فيسبوك الوهميّة بلا مبالات شديدة، أليست أمن قومي”.
وكان الكاتب الصحفي التونسي والمرشح لانتخابات الرئاسية الصافي السعيد قال في تصريحات إنّ اختراق الاحتلال الإسرائيلي يعود أساسًا إلى أن جزء من الطبقة المثقفة في تونس أو ما يُسمى بالنخبة تُخفي العار وتعتبر الاحتلال الإسرائيلي “صديق”، مضيفًا أنّ أشكال الاختراق المتعددة تظهر جليًا في شركات (offshor) “خارج البلد” ورجال الأعمال والسفارات والجمعيات والسياحة، مؤكدًا أن تونس لم تصل بعد إلى مرحلة تأمين أمنها القومي.
وفي سياقٍ ذي صلة، قال المحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجوشي في تصريح لـ”نون بوست”: “توالت المؤشرات على وجود محاولات إسرائيلية لاختراق الساحة التونسية سواء عن طريق التجسس أو التهديد أو محاولات المس من الديمقراطية الناشئة في تونس”.
وتابع الجورشي قوله: “أصبح واضحًا أنّ تل أبيب تريد إفساد هذه التجربة نظرًا لكونها تعطي نموذجًا مغايرة لإدارة الحكم، “إسرائيل” تريد أن تبقى النظام الوحيد الذي يستند على الآليات الديمقراطية وهو ما كانت تروج له باستمرار”.
وأشار المحلل السياسي إلى أنّ “الاحتلال الإسرائيلي يتخوف من الاحتكام إلى الشعوب ويجعلها بالضرورة في حالة مواجهة دائمة مع هذه الشعوب المساندة للحق الفلسطيني، في حين أنها تريد أن تتعامل مع أنظمة مستبدة وطائفة من شعوبها، هي تخاف من التغييرات السياسية العميقة وتسعى إلى اللقاء على الأوضاع السياسية الراهنة”.
من جهة أخرى، يرى الكثير من النخب الإسرائيلية أن الربيع العربي سمح بالتعبير عن طابع المشاعر الحقيقية للجماهير العربية تجاه “إسرائيل”، وفي الوقت ذاته مهد الطريق أمام الجماهير العربية لإجبار النخب الحاكمة في العالم العربي على أخذ رأيها في الاعتبار عند بلورة سياساتها تجاه “إسرائيل”.
لم تقتصر مخاوف التونسيين من تأثير تدخل الاحتلال الإسرائيلي عن طريق شركات أو أشخاص في الانتخابات الرئاسية، بل أفصح عدد من السياسيين عن هواجسهم من تعاظم دور القوى الخارجية وسعيها إلى إفشال الديمقراطية “الوليدة”
وفي مقال نشره في صحيفة “معاريف” يجزم الجنرال عاموس جلبوع أن الربيع العربي أعاد “إسرائيل” للمربع الأول من حيث رفض شرعيتها لدى الجمهور العربي، لأنه منح الفرصة للجماعات التي تتخذ مواقف عدائية من الحركة الصهيونية للتعبير عن ذاتها وإبراز مدى التفاف الجماهير حول مواقفها. وقد انعكس الاهتمام بالرأي العام في العالم العربي على آليات عمل المنظومات الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية.
من جانبه، اعترف الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” عاموس يادلين بخروقات الكيان في إفريقيا بالقول: “لقد تقدمنا إلى الأمام كثيراً في نشر شبكات التجسس في كل من ليبيا وتونس والمغرب، والتي أصبح فيها كل شيء في متناول أيدينا، وهي قادرة على التأثير السلبي أو الإيجابي في مجمل أمور هذه البلاد”.
ويتنافس على كرسي رئاسة قصر قرطاج 26 مرشحًا من تيارات إسلامية محافظة وقوى ثورية ومن تيارات علمانية حداثية وأخرى يسارية وشعبوية وشخصيات مستقلة وأخرى موالية لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وبين هؤلاء المترشحين امرأتان.
لم تقتصر مخاوف التونسيين من تأثير تدخل الاحتلال الإسرائيلي عن طريق شركات أو أشخاص في الانتخابات الرئاسية، بل أفصح عدد من السياسيين عن هواجسهم من تعاظم دور القوى الخارجية وسعيها إلى إفشال الديمقراطية “الوليدة” بعد ثورة 14 يناير، وكان المرشح الرئاسي ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي اتهم في وقت سابق الإمارات بـ”خرق السيادة الوطنية بالإملاءات والمال والإعلام”، فيما اتهم الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، السعودية والإمارات و”إسرائيل” بتسببها في “خلق الفوضى” بعدد من الدول العربية ضمن جهودها للتصدي لثورات عام 2011.