لا يخفي حكام الإمارات العربية المتحدة، عداءهم الكبير للثورات العربية، فمنذ انطلاقة موجة الربيع العربي نهاية سنة 2010 من تونس، بدأ هؤلاء حربهم “الضروس” ضد موجات التحرّر التي عرفها العرب، مستعملين لأجل لك كلّ الإمكانيات، الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية وحتى الإعلامية، حتى أنها تحولت لمنصة إعلامية لدعم الثورات المضادة وضرب إرادة الشعوب الحرة، وفق وصف الليبيين.
موقف إماراتي “عدائي” تجاه ليبيا
آخر المستنكرين للدور الإماراتي “الخبيث” كانت ليبيا، حيث استنكر وزير خارجيتها محمد سيالة موقف الإمارات “العدائي” بجعل عاصمتها منصة إعلامية لمليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر للتحريض على طرابلس، مطالبًا مجلس الأمن بالتدخل.
وجاءت هذا الاستنكار ردًا على احتضان أبوظبي مؤتمرًا صحفيًا للناطق باسم قوات حفتر، العميد أحمد المسماري، السبت الماضي، بعد أن ظل لأشهر طويلة يخرج من بنغازي، مقر قوات حفتر في الشرق الليبي، تحدث فيه عن تطورات الهجوم على العاصمة الليبية، وقال إن قواته قررت التوجه إلى طرابلس “لاجتثاث” من وصفهم بالإرهابيين، في إشارة للحكومة المعترف بها دولياً.
يرى مراقبون أن الإمارات أكّدت في أكثر من مرة، تحولها إلى منصة إعلامية تحتضن عديد المؤسسات الإعلامية التي تعمل خصيصا لضرب لثورات العربية
في رسالة قدّمها سيالة إلى مجلس الأمن أول أمس الأحد، قال إن تصرف الإمارات دعمٌ للمعتدين على العاصمة الليبية، وإعانة لهم على قتل الليبيين، ودعم لارتكابهم المزيد من الانتهاكات وجرائم الحرب. وأضاف سيالة أن تصرف دولة الإمارات يعد دعمًا للانقلاب على الحكومة الشرعية وخرقًا صارخًا لقرارات مجلس الأمن، داعيًا المجلس للقيام بواجباته وحفظ السلم والأمن الدوليين، ووضع المسؤولين والداعمين لهذا العدوان تحت طائلة القانون الدولي.
جاءت هذه الرسالة بعد يوم من إصدار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية بيانًا وصف فيه سماح أبو ظبي للناطق باسم حفتر بعقد مؤتمره بأنه “موقف عدائي”. وقال المجلس إن هذا الموقف يدل على “سماح الإمارات بأن تكون عاصمتها منصة إعلامية للمليشيات المعتدية على طرابلس”.
وتتهم السلطات الليبية في طرابلس الإمارات بدعم قوات حفتر إعلاميًا عبر دعم مجموعة من المنصات الإعلامية التي تمولها حكومة أبو ظبي، إضافة إلى الدعم العسكري بالطائرات المسيرة الحديثة والمدرعات الإماراتية والأسلحة المتطورة للقوات الساعية لإسقاط حكومة الوفاق في طرابلس.
تشويه تونس
قبل ذلك بأيام قليلة، طالبت نقابة الصحفيين التونسيين، قناة العربية التي تتخذ أبو ظبي مقرا لها بالاعتذار، بعد بثها الثلاثاء 3 سبتمبر/أيلول الحالي تقريرا قالت النقابة إنه موجه ويمس بصورة تونس ويحتوي على تضليل.
وقالت النقابة إن التقرير الذي دام دقيقتين ونصف، يحتوي على مغالطات عديدة تمس جوهر العمل الصحفي، فضلا على إنه افتقر “للمصداقية كما تضمن تزييفا لشهادات المستجوبين ومسا من صورة تونس عامة ومواطني منطقة الذهيبة خاصة”.
وكانت قناة “العربية”، قد بثّت تقريرا إخباريا، عن منطقة الذهيبة الواقعة على الحدود التونسية الليبية الجنوبية، جاء فيه أن هذه المنطقة معقل لتنظيم داعش الإرهابي، وسكانها يقتاتون من التهريب، كما جاء فيه أيضًا أن سكان هذه المنطقة ندموا على تصويتهم في الانتخابات الماضية لصالح حركة النهضة، واكتشفوا أنها توظف الدين للوصول إلى السلطة، وأنها امتداد للإخوان المسلمين.
اعتبرت لجنة أخلاقيات المهنة الصحفية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، أن التقرير انتهك أخلاقيات المهنة الصحفية كونه “تقرير صحفي غير محايد وقد تم اختيار المستجوبين بطريقة انتقائية مما يبرهن على أن ما تم بثه موجها وموظفا سياسيا بغاية التشويه والتضليل”.
وأضافت اللجنة: “تؤكد لجنة أخلاقيات المهنة الصحفية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها مجموعة قنوات العربية، بنشر أخبار زائفة ومضللة بهدف الإساءة الى تونس وشعبها”.
ويتّهم سياسيون تونسيون، دولة الإمارات باستدعاء التجربة الديمقراطية في بلادهم والسعي إلى مصادرة القرار السيادي التونسي من خلال ضخ الكثير من الأموال في الساحة التونسية ودفع الأمور في اتجاه يشبه ما حدث في مصر.
منصة إعلامية لضرب استقرار الدول
هذان الحادثان يؤكّدان بما لا يدع من شكّ، وفق العديد من المراقبين، تحوّل الإمارات إلى منصة إعلامية لضرب الاستقرار في البلدان التي عرفت ثورات، والتي تأمل شعوبها في التحرّر من الاستبداد والقطع مع الأنظمة الشمولية الديكتاتورية الشبيهة بالنظام الإماراتي الحالي.
يرى هؤلاء أن دولة الإمارات العربية المتحدة أكّدت في أكثر من مرة، تحوّلها إلى منصة إعلامية تحتضن عديد المؤسسات الإعلامية التي تعمل خصيصًا لضرب لثورات العربية والديمقراطيات الناشئة في المنطقة على غرار تونس.
“لا ينكر ترؤس الإمارات العربية المتحدة موجات الثورات المضادة في العالم العربي عاقل”، يقول الناشط السياسي التونسي سليم الهمامي، ويضيف الهمامي في تصريح لنون بوست، “أضحى اسم الإمارات مرتبطا في الأذهان كونه عراب وأد ثورات العالم العربي كارتباطه بعلاقات وطيدة بالكيان الصهيوني ولعل استباقها لضرب “عدوى” تهددها هو الأمر الأساسي وراء ذلك”.
تخشى دولة الإمارات من نجاح أي من ثورات الربيع العربي حتى لا تكون ملهمة لإحداث تغيير داخلها
يتابع محدّثنا، “لم تفتأ هذه الدولة الخليجية منذ 2011 تاريخ اندلاع شرارة الربيع العربي، تنتهج كل السبل ومهما كانت الخسائر لضرب هذا الحراك الثوري، سوى بالدعم اللوجستي للثورات المضادة، أو حتى التدخل المباشر، وفي اليمن مثال على ذلك، إذ أضحى اليمنيون يرون من جنود الإمارات جيشا محتلا”.
“في بلدان أخرى”، يقول الناشط التونسي، “كان للمال الإماراتي دور البطل في ضرب النفس الثوري، وفي مصر نموذجا لذلك، إذ وضع الإماراتيون أيديهم على مدينة الإنتاج وماسبيرو، ولم يعد المنشطون إلا مسبحين بحمد ممثلهم في مصر والذي افتضح أمره، فعداؤه لم يقتصر على جماعة الإخوان فقط بعد كلّ من يعارضه حتى ممن كانوا يدعمونه، فقد زج بسامي عنان وجنينة في السجن.”
بدوره يقول الإعلامي والباحث السياسي اليمني مصطفى الشامي، إن الإمارات العربية المتحدة هي دولة تنظر إلى ثورات الربيع العربي بأنها ثورات تهدد كيانها، وثورات لديها بعد كبير في بناء الدولة التي تنشد الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وهو ما يهدد النظام الإماراتي.”
نتيجة هذا الأمر، شكلت الإمارات لوبيات في أكثر من دولة وحاربت بكل الوسائل المتاحة عبر فرق خطيرة جدا تعمل على زعزعت وإفشال هذه الثورات التي تنظر إليها الإمارات على أنها إحدى العوامل الخطيرة التي من الممكن أن تؤثر في المستقبل القريب عليها وعلى النظام القمعي الذي تعيشه، وفق محدّثنا.
تكييف الأحداث في دول المنطقة وفق أجنداتها
دأبت دولة الإمارات وإعلامها الموالي لها على تكييف الأحداث في دول المنطقة وفق أجندات تخدم توجهها العام، فهي تلعب دورًا مهمًا في الاستقطاب الجماهيري إعلاميًا وتكيف الأحداث وفق زاوية نظر تخدم توجهها.
واعتادت القنوات الإماراتية والخليجية العاملة فوق الأراضي الإماراتية على نشر الإشاعات والأخبار الزائفة، خاصة فيما يتعلق بدول الثورات العربية، قصد تأجيج الأوضاع هناك ودفعها إلى عدم الاستقرار خدمة لأجندات الثورات المضادة، وذلك بعد أن فقدت الأمل في إجهاض هذه التجارب الجديدة عن طريق المراهنة بسياسيين موالين لها.
يخشى الإماراتيون وصول موجات الربيع العربي إليهم
يرى ناشطون أن الإمارات لم يبقَ أمامها بعد فشل جلّ محاولاتها لضرب الثورات العربية، إلا تسخير وسائل الإعلام الموالية لها كخيار أخير ووسيلة وحيدة متبقية لإشعال فتيل الفتنة في هذه الدول، وهو ما نراه في اليمن والسودان وتونس وليبيا والجزائر.
تخشى دولة الإمارات من نجاح أي من ثورات الربيع العربي حتى لا تكون ملهمة لإحداث تغيير داخلها، يقول الناشط ضمن صفوف المحتجين السودانيين عمار النوراني، هذه الخشية حتمت على الإماراتيين السعي لإحداث ثورات مضادة، وفق قوله، وذلك لإفشال ثورات الربيع العربي.
وأوضح مصطفى الشامي أن “جروح الدول العربية لن تنتهي إلا بسقوط دولة الإمارات التي أدخلت هذه البلدان في جحيم من الحروب والتقسيمات الطائفية وغيرها من الكوارث الإنسانية التي ما تزال بلدان الربيع العربي تعيشها حتى اليوم”.