في الثامن من شباط/ فبراير الجاري، تنفس الأسير يوسف المبحوح – 33 عامًا – نسائم الحرية ضمن الدفعة الخامسة من المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بعدما اعتقل عام 2019 بتهمة تنفيذ عمليات ضد جيش الاحتلال، وحكم عليه بالسجن 18 عامًا.
عرف عن المبحوح بأنه “المنتقم للأسيرات” بعد أن نفذ سنة 2021 عملية طعن لأحد السجانين الإسرائيليين وضرب آخر، داخل سجن نفحة الإسرائيلي انتقامًا لما تعرّضت له الأسيرات الفلسطينيات من تعذيب وانتهاكات داخل سجون الاحتلال، وبسبب هذا الحادث حُكم عليه بالمؤبد الأمني وعزل لمدة 3 سنوات في زنزانة انفرادية.
بعد أيام من تحريره، التقى “نون بوست” الأسير يوسف المبحوح ليتحدث إلينا عن محنته في سجون الاحتلال، وقصة انتقامه لأجل الأسيرات، واللحظة التي علم فيها خبر استشهاد عدد من أفراد أسرته خاصة ابنته “رانيا”، وماذا تعنى له غزة بعد الحرب.
إليكم الحوار..
بداية، اليوم تتنسم الحرية بعد سنوات من الاعتقال والتعذيب، كيف تصف فترة الأسر خاصة أنها المرة الأولى لك؟
كانت تجربة الاعتقال صعبة جدًا، خاصة في الفترات الأخيرة عندما خرجت من العزل بعد أكثر من ثلاث سنوات، صحيح أن مدة الحكم زادت من 18 إلى 25 سنة، لكن كان لدينا أمل كبير بالله، ولم أشعر باليأس حتى موعد الحرية.
الواقع كان مؤلمًا في سجون الاحتلال خاصة وأني من قطاع غزة، وزاد التهديد والوعيد والاستفزازت من قبل إدارة السجون بعد السابع من أكتوبر.
أصبحتَ شهيرًا بعد دفاعك عن الأسيرات، كيف خططت لعملية طعن الضابط، ولماذا بادرت بهذه الخطوة؟ وماذا جرى بعدها؟
في السجن، حياتنا منظمة ولدينا هيئة تدير الأمور، كان هناك تجاوز من قبل إدارة السجن بحق الأسيرات، وكان لا بد من الرد.
بعد اجتماع القيادة، تم اتخاذ القرار بالرد، ووقع عليّ التنفيذ مع وضع خطوط عريضة، مثل أن يكون المستهدف ضابطًا.
تم تحضير الأدوات اللازمة للعملية داخل السجن، حيث تعاونت مع أسرى آخرين في ذلك -لازالوا رهن الاعتقال-، عندما حان الوقت، نفذتُ المهمة.
أما عن العقوبات التي وقعت علي بعد الحادثة، فقد تعرضتُ لتعذيب جسدي ونفسي، وضربوني ضربًا مبرحًا وأخبرني الضابط “نريد قتلك” فكسر فكي وأضلعي ومفاصلي، وأضيف عشر سنوات إلى مدة حكمي، ليصبح المجموع 25 عامًا، كما وضعتُ في العزل الانفرادي لفترة طويلة، وعانيت من أضرار جسدية لا تزال آثارها قائمة.
برأيك إلى أي حد كان للعملية أثر على الأسيرات بعد ذلك، هل تحسنت ظروفهن؟
بعد فترة من العملية، اضطرت إدارة السجن لتقديم بعض التنازلات، مثل وضع الهاتف العمومي الذي كانت الإدارة تماطل فيه. كما أصبحت المعاملة أكثر حذرًا، لأنهم أدركوا أن المساس بالأسيرات خط أحمر ولن يمر دون رد، فأصبح يؤخذ بعين الاعتبار عواقب أي عقوبة تفرض عليهن خاصة وأنهن أولوية لدى الحركة الأسيرة، لكن بعد السابع من أكتوبر سلب منهن كل شيء كما الأسرى الشباب.
ما هي أبرز المحطات صعوبة التي مرت بها الحركة الأسيرة خلال فترة اعتقالك؟
كان هناك العديد من المحطات الصعبة، مثل أحداث أجهزة التشويش عام 2019، والاعتداءات بعد نفق جلبوع، حيث انتقمت إدارة السجون من الأسرى بشكل وحشي، لكن أسوأ الفترات كانت بعد 7 أكتوبر، حيث شهد الأسرى أشد أنواع القمع والتنكيل.
وبشهادة الأسرى أصحاب الأحكام العالية، أكدوا أن شهور الحرب هي الأقسى عليهم طوال فترر اعتقالهم، كانوا يقولون “كل سنوات الاعتقال بكف وشهور الحرب بكف آخر”.
وكيف كانت تصلكم الأخبار؟
الأخبار كانت تصل عبر المحامين أو الأسرى الجدد، لكن في العزل الوضع صعب، كنا معزولين تمامًا عن العالم الخارجي، حتى عن الأسرى الآخرين، لكن كان لدينا ثقة بإنجاز صفقة قريبة وتبيض السجون، رغم أن غالبية الأخبار التي كانت تصل قديمة.
قلتَ أن فترة الحرب كان الأقسى عليكم، حدثنا أكثر عن التفاصيل؟
كما قلت، فترة الحرب من أخطر المراحل التي مرت بها الحركة الأسيرة، حيث تعرض الأسرى لأبشع أنواع القمع والتنكيل، إذ لم تقتصر الانتهاكات على الضرب والتحرش، بل وصلت إلى الاعتداء المباشر على رموز الحركة الأسيرة وعزلهم في ظروف قاسية.
نجونا من الموت داخل السجون، كانوا يقيدوننا بالسرير المصمم للتعذيب، بملابسنا الداخلية، وعليه مسامير تُغرز في أجسادنا لمدة 48 ساعة، لم يسمحوا لي بدخول الحمام سوى مرة واحدة، وطعامي لم يتجاوز رغيفًا واحدًا، أما الضرب فكان مستمرًا كل ساعة وكل دقيقة.
كنت في العزل مع أغلب رموز الحركة الأسيرة، محرومين من الطعام، مهملين طبيًا، وكل شيء كان غير إنساني، فلم نشهد من قبل هذا المستوى من السادية.
وصلك نبأ استشهاد شقيقيك وابنتك رانيا، من أعلمك بتلك الأخبار وكيف تلقيتها؟
البداية كانت مع استشهاد أخي بعد تنفيذه عملية ضد الاحتلال في السابع من أكتوبر وتمكنه من اختطاف جنود، ثم استشهدت عائلتي بأكملها إثر قصف بيت العائلة، حيث فقدت والدتي ووالدي وأقربائي. بعد ذلك، وصلني خبر استشهاد ابنتي رانيا من قبل الأسير نائل البرغوثي “أبو النور”، وكان وقع هذه الأخبار قاسيًا جدًا.
وغالبية الأخبار عن أهالينا كانت تأتينا من قبل أهالي أسرى الضفة، كانوا يعلمونها قبلنا ويخفونها عنا وبالتدريج يزفون خبر ارتقاء أفراد عوائلنا.
كان السجان يحاول تثبيط عزائمنا من خلال الشماتة والسخرية حين يرتقى أحد من أقاربنا ويرددون “حماس تقتل أهاليكم”، لكن ردنا كان بتقوية عزيمتنا وإيماننا بالمقاومة وسعيها بالعمل لنيل حريتنا.
ماذا عن لحظة إعلامك أنك ستكون ضمن صفقة التبادل؟
لم أصدق الخبر في البداية، فقد دخلوا علينا بوحدات القمع التي أطلقت علينا النار المطاطي الذي يتسبب بكسر العظام وتسلج الجلد، ومن ثم قاموا بتعريتنا وبقينا بالملابس الداخلية ثم نقلونا إلى الباص وضربونا أمام الصليب الأحمر، لكن حين وصلنا إلى سجن النقب أدركتُ أنه إفراج كوني ممنوع من دخول النقب.
ولازلت ورفاقي الأسرى لدينا إيمان كبير بأنه رغم الألم الكبير الذي دفعه أهل غزة، إلا أن التضحيات ستكون جسراً نحو التحرير.
كيف رأيت غزة بعد الحرب؟ وما خطتك الآن؟
المشهد كان مأساويًا، خاصة في شمال القطاع، رأيت الدمار الهائل، والجثث لا تزال تحت الأنقاض، ولا توجد بنية تحتية، حتى الصحافة لا تستطيع دخول بعض المناطق بسبب حجم الدمار.
أما مخططاتي المستقبلية كما أخبرت السجان “عهد علي أول يوم سيكون في الرباط والميدان وفي سبيل الله”، رغم أن الضابط هددني أنه في حال مواصلتي العمل المقاوم سيتم اغتيالي.