بقي الجيش التونسي منذ تأسيسه سنة 1956 بعيدًا عن الحياة السياسية والعامة رغم إغراءات السلطة، محافظًا على مدنية الدولة ونظامها الجمهوري، ما جعله جيشًا جمهوريًا له مواقف مشرّفة، غير أن وزير الدفاع الحاليّ والمرشح الرئاسي عبد الكريم الزبيدي لم يرق له ذلك – حسب ما يبدو – فها هو يعمل جاهدًا لإقحام الجيش في السياسة حتى يعبّد له الطريق إلى قرطاج.
الاستنجاد بالمؤسسة العسكرية
يلاحظ المتتبع لنشاط المرشح عبد الكريم الزبيدي سعيه المتواصلة لإقحام المؤسسة العسكرية وتوظيفها من أجل دعم حظوظه في الفوز بالانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والمقرّر إجراء دورتها الأولى يوم الأحد المقبل، فيما ينطلق التصويت بالنسبة للتونسيين في الخارج يوم غد الخميس.
ونشرت حملة وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي صورًا وفيديوهات في اجتماع شعبي بمدينة المنستير الساحلية تضمنت نشاطه الانتخابي، وأخرى تناولت مسيرة الرجل المهنية مرفقة بصور له مع بعض القيادات العليا في الجيش الوطني.
يتأكّد يومًا بعد يوم، توجّه وزير الدفاع التونسي والمرشح الرئاسي عبد الكريم الزبيدي، العسكري ونهجه التسلطي
صور يرى العديد من التونسيين، أن الزبيدي سعى من خلال نشرها، للترويج لكونه مرشّحًا للجيش التونسي والضامن لوحدة البلاد في هذه الظرفية الدقيقة التي تعرفها، وذلك قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية.
ويؤكّد رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية سمير بن عمر في تصريح لنون بوست، أن سعي الزبيدي إلى الظهور كأنه مرشح المؤسسة العسكرية للانتخابات الرئاسية، يتنافى مع أخلاقيات العمل السياسي ويخالف القانون الانتخابي.
ويطرح هذا الأمر وفق سمير بن عمر، من جديد مسألة استعمال الدولة ورموزها في الحملة الانتخابية من الوزراء والمسؤولين، مستنكرًا سلبية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي لم تتحرك لإيقاف مثل هذه الممارسات المنافية للقانون.
يرتبط الزبيدي بشخصيات نافذة في البلاد
سبق أن حذر مدير الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي محمد عبو، محمد العربي الجلاصي مما سماه استمرار توظيف الزبيدي المؤسسة العسكرية، وتداعيات ذلك على المناخ الانتخابي، داعيًا في تصريح للجزيرة نت هيئة الانتخابات ووزارة الدفاع إلى إيقاف ما وصفها بالتجاوزات الخطيرة.
جدير بالذكر أن تأسيس الجيش التونسي كان يوم 24 من يونيو/حزيران 1956، حيث تشكلت يومها أول نواة للجيش الوطني وكان عدد أفرادها نحو 5000 عسكري، قاموا بأوّل استعراض في شارع محمد الخامس بالعاصمة شاركت فيه تشكيلات من المشاة ومدفعية الميدان والمدرّعات.
نموذج السيسي في تونس
تدلّ حملة عبد الكريم الزبيدي الانتخابية على أنه مزيج من مدرسة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وفق قول الصحفية التونسية خولة بن قياس، فالرجل يطمح في الحكم والمسك بزمام الأمور مهما كلّفه الأمر.
ويطمح الزبيدي وفق قول محدثتنا، في أن يكون الجيش في مفاصل الدولة وفي عصب الحكم، فهو يحمل صورة مشوهة عن المؤسسة العسكرية التونسية التي لم يسبق لها أن تدخلت في الحياة السياسية ، التي يشهد الجميع بنزاهتها.
“لو توافرت له الإمكانات اللوجستية والمادية والدعم الخارجي الكافي سيكون سيسي ثاني في تونس”، تقول خولة بن قياس، وتضيف “هو رجل خام ينفذ تعليمات القائمين عليه فقط، ومن شأن فوزه في الانتخابات أن يجعله يستبدّ أكثر”.
يحظى الجيش التونسي باحترام وتقدير التونسيين للدور الذي لعبه في أثناء ثورة يناير 2011، ورفضه إطلاق النار على المتظاهرين السلميين
سبق أن كشف الزبييدي خلال حوار تليفزيوني نيته توجيه دبابتين أمام مجلس نواب الشعب لإيقاف جلساته حماية – كما قال – من انقلاب محتمل كان يدبر ضد الرئيس الراحل قايد السبسي، ما أكّد للتونسيين خطر هذا الشخص على ديمقراطيتهم الناشئة، فهو لا يعارض مبدأ الانقلاب.
يتأكّد يومًا بعد يوم، توجه وزير الدفاع التونسي والمرشح الرئاسي عبد الكريم الزبيدي، العسكري ونهجه التسلطي، ويظهر ذلك من خلال برنامجه الانتخابي أو حتى من خلال حملته الترويجية، فالرجل يسعى جاهدًا إلى أن يظهر في ثوب المسيطر على كلّ شيء رغم شخصيته الضعيفة والمهتزّة.
يشغل الزبيدي (69 سنة) الذي ينحدر من محافظة المهدية (الساحل) منصب وزير الدفاع منذ 12 من سبتمبر/أيلول عام 2017 في حكومة يوسف الشاهد، وكان كاتبًا للدولة مكلفًا بالبحث العلمي والتكنولوجيا بين 1999 و2000، ثم وزيرًا للصحة عام 2001 في حكومة محمد الغنوشي الأولى تحت حكم زين العابدين بن علي، وبعد الثورة التونسية، أصبح الزبيدي وزير الدفاع خلفًا لرضا قريرة، في تغيير وزاري بحكومة محمد الغنوشي الثانية في 27 من يناير 2011، وهو في الأصل طبيب.
لا خوف على تونس
من جهته، يعتقد سمير بن عمر أن التجربة التونسية لها خصوصياتها ولا يمكن إعادة استنساخ التجربة المصرية التي تبقى نتاج بيئة وواقع معين، ففي تونس المؤسسة العسكرية جمهورية وغير مسيسة وقد انحازت للثورة وقامت بحمايتها ومنعت الانزلاق يمينًا أو يسارًا.
“لذلك فإن أي كان اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية فإنه لا خوف على المسار الديمقراطي في تونس خاصة أن النظام السياسي يمنع أي كان من الاستفراد بالحكم”، وكان دستور سنة 2014 قد أقرّ النظام البرلماني لتونس بعد عقود طويلة من حكم النظام الرئاسي.
تقتصر مهمة الجيش التونسي، بمقتضى الدستور، على الدفاع عن الوطن وحماية النظام الجمهوري، وينص الفصل 18 من الدستور على أن “الجيش الوطني جيش جمهوري وهو قوة عسكرية مسلحة قائمة على الانضباط، مؤلفة ومنظمة هيكليًا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام، ويدعم الجيش الوطني السلطات المدنية وفق ما يضبطه القانون.”
صور رفعت في أثناء الحملة الانتخابية للزبيدي
يحظى الجيش التونسي باحترام وتقدير التونسيين للدور الذي لعبه في أثناء ثورة يناير 2011، ورفضه إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، ويرجع انحياز الجيش الوطني للثورة من أول أيامها ومساهمته في نجاح عملية الانتقال الديمقراطية وزهده من الحكم إلى ابتعاد الجيش عن السياسة وعدم ارتباطه بها وتهميش الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة له بسبب خشيته من الانقلابات، كذلك عدم حرص الجيش على تطوير طموحاته السياسية أو المؤسساتية التي تقوده للتدخل في الحياة السياسية.
وكانت تونس، قد عرفت عشية هروب بن علي يوم 14 من يناير/كانون الثاني 2011 فراغًا سياسيًا وأمنيًا ملأه الجيش فمثل أحد أهم عوامل الاستقرار وحفظ التوازن بين مختلف الأطراف الفكرية والسياسية وتمكن من استعادة الأمن العام وفرض قانون الطوارئ، واكتفى الجيش حينها بتأمين الظروف الأمنية لعملية الانتقال السياسي والإشراف الأمني على الانتخابات والمساعدة في استقبال مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الحرب في ليبيا إبان الثورة على نظام العقيد الراحل معمر القذافي.