موجة من السخرية تعم وسائط التواصل الاجتماعي بشأن كتاب مدرسي يتضمن عبارات بالدارجة المغربية، وتنفي وزارة التربية الوطنية نفيًا قاطعًا أن “يتضمن أي من الكتب المدرسية المقررة صفحة بهذا الشكل أو بهذا المضمون”، لكن السخرية تستمر من المناهج والمقررات التي لم تعد تعرف استقرارًا منذ مطلع الألفية، فكل سنة يفاجأ المتعلمون بتغييرات تلحق كتبهم لدرجة أن أصبح الأمر شبيهًا بالفوضى.
تغييرات جذرية عمت كتب الفصل الثالث والرابع من المرحلة الابتدائية خاصة مواد الفرنسية والعربية والتاريخ والجغرافيا والعلوم والرياضيات، كما أن محافظ تلاميذ الأول والثاني ستحمل ملاحق جديدة عبارة عن ملخصات تضاف إلى كتبهم التي تجددت بالكامل قبل سنتين، ولاحقًا سيشهد كل من المستوى الخامس والسادس تجديدًا كاملاً في الكتب والمناهج.
وزارة التربية الوطنية: “لا يتضمن أي كتاب مدرسي معتمد صفحة بهذا الشكل”
“تعديلات متسرعة وعشوائية”
مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية أعلنت أن عملية توزيع الكتب المدرسية للسنوات الأربعة الأولى من التعليم الابتدائي المحينة برسم الموسم الدراسي الجديد البالغ عددها 49 كتابًا من أصل 390 كتابًا مصادقًا عليه، ستنتهي بحلول 25 سيتمبر الحاليّ، وبخصوص المخزونات من الكتب المدرسية التي كانت معتمدة خلال السنوات المنصرمة ولم تنفد من السوق، تم الاتفاق مع الكتبيين على إرفاق الكتب القديمة التي ما زالت بحوزتهم، وهي في حدود 100 ألف نسخة، بملاحق تتضمن ملخصات لمستجدات الكتب الجديدة.
خسائر بالملايين خشي منها مهنيو قطاع نشر وبيع الكتب، إذ قُدرت حجم الأموال التي كان من المتوقع خسارتها بـ130 مليون درهم حسب تقديرات ومخاوف المهنيين، خلال نهاية الموسم الماضي، جراء ما سموه “التعديلات المتسرعة والعشوائية” لمديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية.
ويعجز عدد كبير من الناشرين والكتبيين عن فهم المنطق الذي تتعاطى به الوزارة مع شركائها، ذلك أن التعديلات التي تقوم بها مديرية المناهج على سلسلة من المقررات والكتب سنويًا، تتطلب منهم استثمارات مالية ضخمة سواء في الطبع أم البيع والتوزيع، دون أن يتمكن عدد من أصحاب المكتبات من إرجاع الكتب المتبقية.
الكتبيون طالبوا الوزارة الوصية على القطاع، في وقت سابق، بتأجيل تنزيل قرار تغيير المقررات الدراسية للسنة القادمة على الأقل، حتى يكون بمقدورهم التخلص من مخزون الكتب المدرسية التي يتوافرون عليها، ولتقليص الخسائر التي سيتكبدونها، مؤكدين أنهم ليسوا ضد التغيير ولكن لا يمكنهم قبول تغيير يضر آلاف المهنيين، كما دعوا لإعادة النظر في تدبير عملية المبادرة الملكية مليون محفظة، التي أصبحت حسب الكتبيين توزع أربعة ملايين محفظة، تتزود بها وزارة الداخلية عن طريق صفقات عمومية، دون الأخذ بعين الاعتبار الكتبي الصغير والمتوسط.
العودة إلى المدرسة.. فرحة بطعم خاص
المبادرة الملكية لتوزيع “مليون محفظة” تستهدف تلاميذ الطبقة الفقيرة والهشة، حيث أعلن انطلاقها العاهل المغربي محمد السادس خلال الموسم الدراسي 2008/2009 في خطابه بمناسبة الذكرى الـ55 لثورة الملك والشعب، وتعتبر المبادرة مكسبًا وطنيًا في مجال الدعم الاجتماعي، تعكس إرادة الملك للنهوض بأداء المدرسة المغربية وتخفيف أعباء الفئات الأكثر احتياجًا من خلال التكفل بتمكين أبنائها من ولوج مقاعد الدراسة بكل يسر والإسهام في تكريس تعميم التعليم الأساسي وإلزاميته.
ووفقا لأرقام الوزارة فقد انتقل عدد المستفيدين من المبادرة الملكية “مليون محفظة” من 1.27 مليون تلميذ خلال موسم الانطلاقة إلى ما يناهز 3.9 مليون خلال موسم 2014/2013، أي بنسبة زيادة بلغت 206%.
منذ اعتلائه العرش، قام العاهل المغربي بالعديد من المبادرات الاجتماعية
التعلم من كتاب مستعمل بات مستبعدًا
قبل ثلاث سنوات، عملت وزارة التربية الوطنية بشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على إخضاع مقررات ومناهج التربية الإسلامية لمراجعة شاملة في المدارس الابتدائية والإعداديات والثانويات التأهيلية، وفق تصور جديد للمادة يراعي القيم الأصيلة للمغاربة ومقومات الهوية الوطنية والثوابت الدينية، كما يروم هذا التغيير إلى تلبية الحاجات الدينية للمتعلمين التي يتطلبها سنهم وزمانهم ونموهم العقلي والنفسي والسياق الاجتماعي وتنشئتهم وبناء شخصيتهم.
تجارة الكتب المدرسية المستعملة في تراجع
التعديل المستمر للمقررات والمناهج الدراسية جعل من الدراسة في كتاب مستعمل أمرًا مستبعدًا عكس ما كان في السابق، فعادة ما كان التلميذ يبيع كتبه التي درس فيها ويشتري كتبًا أخرى مستعملة، وهكذا تقل تكلفة الدخول المدرسي التي أضحت ترهق الأسر المغربية بسبب ارتفاع أسعار الكتب والأدوات الدراسية، وتزامن عطلة الصيف مع عيد الأضحى.
كان التلاميذ في مختلف ربوع الملكة يدرسون في مقرر موحد، أما الآن فلكل منطقة معينة مقرراتها الخاصة، حتى داخل الإقليم نفسه تجد الاختلاف، والحال أن المقررات القديمة كانت مديرية المناهج بالوزارة الوصية هي من تعمل على إعدادها، أما الآن يشترك فريق يضم مفتشين تربويين وأساتذة باحثين في تأليف كتاب مدرسي وطبعه وتوزيعه بترخيص من الوزارة، ومن الثمن الذي أصبح غاليًا يظهر أن الغاية الأساسية من هذا التحيين هو الربح المادي.
مدارس تعكس الفوارق الاجتماعية
في الواقع يفتقر تطوير المناهج إلى مخطط عملي ناجح ينطلق من تشخيص الوضع وتحديد حاجيات الأفراد المتعلمين، كما لا تتوافر كل مدرسة على برنامج بيداغوجي ومشروع المؤسسة الخاص بها، ذي علاقة بالخصوصيات البيئية والمجتمعية والاقتصادية للمنطقة.
مبادرات تبعث الحياة في المدارس
المدرسة المغربية كوحدة منسجمة لم يكن سوى شعار فضفاض لا غير، لأننا نجد عدة مدراس تعكس انعدام العدالة الاجتماعية والمجالية، فهناك مدارس خاصة بالأغنياء وأخرى بالطبقة المتوسطة ومدارس الفقراء والطبقة الهشة التي تنتشر في الأحياء الهامشية وضواحي المدن والقرى النائية.
قصور مناهج التعليم في المنظومة التربوية وعدم اهتمامها بهذه الفوارق الاجتماعية يعكس انعدام تكافؤ الفرص، وتتصف هذه المناهج بطول برامجها ومحدودية الوقت المخصص لكل مادة دراسية والأعداد الكبيرة من التلاميذ في كثير من الفصول الدراسية.
الميثاق والمخطط الاستعجالي.. أي نتائج؟
البداية الحقيقة لمحاولة إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب كانت مع إطلاق الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999، حيث نص الميثاق على مراجعة المناهج والبرامج الدراسية، وتقوم سلطات التربية والتكوين بتنظيم عملية المراجعة هذه بتنسيق وتشاور وتعاون مع كل الشركاء التربويين والاقتصاديين والاجتماعيين، وتشرف هذه اللجنة الوزارية على إنتاج الكتب المدرسية والمعينات البيداغوجية وفق مقتضيات المنافسة الشفافة بين المؤلفين والمبدعين والناشرين، على أساس دفاتر تحملات دقيقة مع اعتماد مبدأ تعددية المراجع ووسائل الدعم المدرسي.
فصل دراسي في الريف
لم ينتظر القائمون على الشأن التربوي نهاية العشرية الأولى من إعلان الميثاق الوطني للتربية والتكوين، إذ سرعان ما أعلنت وزارة التربية المخطط الاستعجالي لإنقاذ المدرسة المغربية من السكتة القلبية، وامتد هذا المشروع الضخم من 2009 إلى 2012، إلا أنه لم ينجح في تحقيق الأهداف التي حددت له، رغم الغلاف المالي الكبير الذي رصد له ويقدر بـ43 مليار درهم، حسبما أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة رسمية) أن النظام التعليمي ما زال يعاني من العديد من النقائص، خصوصًا فيما يخص الطاقة الاستيعابية، ولا تزال الإنجازات المتعلقة بالعرض المدرسي غير كافية.
المخطط الاستعجالي كان موضوع انتقادات من مؤسسات دستورية عديدة ونقابات وجلسات مساءلة في البرلمان، وخلص تقرير المحاكم المالية (الأعلى للحسابات) إلى أن المخطط لم يكن له التأثير الإيجابي المتوقع على منظومة التربية الوطنية على اعتبار أن الوزارة المعنية لم تعتمد بشكل كافٍ بعض المرتكزات اللازمة لإنجاح أي سياسة عمومية عند مراحل التخطيط والبرمجة والتنفيذ والحكامة، والمقصود بهذه المرتكزات القيام بتشخيص دقيق للوضعية الراهنة واتخاذ التدابير اللازمة قبل الشروع في تنفيذ أي برنامج، ثم تقييم المخاطر والتفكير في حلول بديلة.
فراغ تنظيمي وقانوني استمر لثلاث سنوات، حتى سارع المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى تقديم الرؤية الإستراتيجية التي تمتد من 2015 إلى 2030، وجاء هذا المخطط لبناء مدرسة جديدة تتسم بالإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة والارتقاء، وعمل الفاعلون التربويون على تنزيلها لتقليص الفوارق بين الخطاب والممارسة، واستبشر الناس خيرًا إلى أن جاءت حكومة العثماني بالقانون الإطار الذي يعيد إدخال الفرنسية إلى النظام التعليمي، ويلغي مجانية التعليم حيث يُلزم “الأسر الميسورة” بدفع رسوم تسجيل أبنائها في المدارس العمومية والجامعات.