ترجمة وتحرير نون بوست
كان هناك شيء مقيت ومزعج للغاية في الصورة التي ظهرت خلال الأسبوع الماضي لبشار الأسد أثناء الإدلاء بصوته في أحد مراكز الاقتراع في دمشق، محاطًا بزوجته الجميلة أسماء، والعديد من أنصاره وعشاقه.
مقيت لأنه حتى أثناء إسقاطه ورقة الاقتراع خاصته في الصندوق، كانت قواته تسقط برميلاً متفجرًا جديدًا على المواطنين في حلب، وشديد الإزعاج لأن مثل هذه الصورة هي العلامة التجارية للديمقراطية في جميع أنحاء العالم، نوع الصور الذي يرغب الساسة التقاطه في كل العالم، إن الصورة ترسل رسالة اطمئنان أن النظام على ما يرام، وأن الشعب واحد وصوته واحد! كما ترون في الصورة: الشخص العظيم مجرد واحد مثلي ومثلك!
لكن الفارق أن الأسد ليس مثلي ومثلك! الأسد ديكتاتور عقد انتخابات رئاسية في عدد من المناطق الحضرية التي تسيطر عليها حكومته وقاطعتها كل جماعات المعارضة ذات المصداقية، لقد كانت خدعة، وكانت مهزلة! يحكم الأسد لأن والده الراحل “حافظ” والعلويين في سوريا سلموه وظيفته في وقت مبكر من العام 2000، لقد حاز على فرصٍ عديدة للإصلاح، لم يستغل أي منها! ومنذ أن اندلعت المظاهرات السلمية – في البداية – ضد نظامه منذ أكثر من ثلاث سنوات، أثبت الرجل أنه أحمق وجبان وفارغ! لقد فاقم الانقسامات ولجأ إلى العنف العشوائي الذي قاد إلى حرب مضى فيها بشكل أكثر تطرفًا .. هذا “الأسد” ليس منتخبًا، إنه قاتل ومجرم حرب في برنامجه الانتخابي أسماء 162 ألف سوري قتيل!
تاريخيًا، الأسد يبدو شيئًا مختلفًا، فهو سياسي “قوي” يسعى للهيمنة بلا ضمير مع ميول ديكتاتورية، يدفعه أفراد تافهون لديهم ذات ميوله، تمامًا مثلما كان “صدام حسين” في العراق، أو “معمر القذافي” في ليبيا.
في مصر، خلف الجنرال السابق، حسني مبارك، أنور السادات، الذي ورث بدوره السلطة عن جنرال آخر، جمال عبد الناصر، والآن، بعد الإطاحة بمبارك في 2011، تعود مصر مرة أخرى إلى نادي الدول التي يحكمها رجال “أقوياء”، بصعود جنرال جديد، وهو “عبد الفتاح السيسي” إلى الرئاسة، لقد كان من المفترض أن يحصل على الشرعية في الانتخابات التي جرت أواخر الشهر الماضي، ولكن على الرغم من عدم وجود منافس تقريبًا، ووسط أجواء مشكوك في أمرها، حصل الرجل على 23 مليون صوت من بين أكثر من 53 مليون لهم حق التصويت وبنسبة إقبال تبدو أقل كثيرًا من 50٪.
الوقت سيخبرنا إذا ما كان السيسي هو الزعيم الراسخ الذي تحتاجه مصر – كما يدعي أنصاره – أم لا، لكن شيئًا واحدًا صار مؤكدًا “السيسي ليس ديمقراطيًا” وجميع الناخبين المصريين يعرفون ذلك.
الرئيس المصري المنتخب “محمد مرسي” يقبع الآن في السجن بعد أن أُطيح به من السلطة العام الماضي مع أكثر من 15000 من أنصاره (المترجم: التقديرات الأخيرة تقول إن عدد المعتقلين تجاوز 40000 معتقل) مع تقديرات بأن هناك أكثر من 1400 قتيل سقطوا بعد الانقلاب العسكري، ظلال الخوف التي يبثها السيسي تحوم فوق مصر، فوق كل مؤسساتها بما فيها القضاء والإعلام، هناك فرعون جديد في طور التكوين.
وفي محاولة بعيدة عن القاهرة، يبدو الجيش التايلاندي قد حصل على الوصفة من السيسي، التأكيد على الاستقرار وقوة الدولة مقابل الحريات المدنية وحقوق الإنسان، نعلم ذلك، ما لا نعلمه هو كيف يخطط لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في مصر، ربما هو نفسه لا يعلم، لكنه أيضا يعلم أن ما سيفعله، سيفعله بحزم وقوة، وعنف!
سياسة “الرجال الأقوياء” تعود بقوة إلى الشرق الأوسط، بعد أن مُنيت الطموحات بالديمقراطية في دول الربيع العربي بالدموع والدماء، ليبيا فشلت في إقامة حكومة وطنية موحدة على الرغم من عدة محاولات، والبلاد تشهد الآن محاولة عسكرية -مرحب بها من بعض الأطراف – لكبح جماح الميليشيات والجهاديين، “نوري المالكي” رجل العراق القوي، يسيطر على السياسة العراقية في بغداد ما بعد الاحتلال، يسعى لولاية ثالثة على الرغم من نكساته المتتالية وفشله في وقف العنف الطائفي، من الجزائر، حيث أُعيد انتخاب بوتفليقة رئيسًا مدى الحياة، إلى اليمن حيث تعاني “فترتها الانتقالية المنظمة” من مشاكل خطيرة، تُذبل التطلعات الديمقراطية بينما يعرض الأقوياء الجدد عضلاتهم، ويرفض الأقوياء القدامى الانسحاب.
لقد عزى بعضهم ظاهرة “الرجل القوي” للظروف المحلية لكل دولة، وللتاريخ والثقافات الوطنية، لكن هذا لا يفسر عودة الظاهرة في عالم اليوم المتعولم، لكن أحد العوامل التي من الممكن أن تفسرها هو التدخل الأجنبي، الأسد على سبيل المثال سيبقى، ليس لأنه محبوب في سوريا أو لأن الشعب يريده، لكن لأن أعداءه في الخارج يسمحون بذلك، إبقاء نظامه يناسب روسيا وإيران، في حين أن الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج ينبذون التدخل العسكري المباشر، ولا يمتلكون وسيلة لإجباره على التنحي، في مصر، فاز السيسي بسرعة وبدعم من واشنطن وتوابعها لأنها ترى فيه مواليًا لمصالحها، من نوع مبارك الذي يمكّنهم من عقد الصفقات معه، والأهم من كل ذلك، أنه ليس مرسي!
في ليبيا، حصل حفتر على موافقة حذرة من الإدارة الأمريكية، لا يمكننا أن نقول إن الأمريكيين يفتقدون القذافي، لكنهم يكرهون بشدة الفوضى التي تصاعدت بعد أن ساعد الغرب في الإطاحة به، والأمر ذاته بالنسبة للمالكي في العراق.
الفشل المركب الذي مُنيت به الديمقراطيات الغربية في تعزيز الديمقراطية يساعد أيضًا في دعم “الرجل القوي”، في بريطانيا، فرنسا ودول أوروبية أخرى، يشكو المصوتون بلا كلل من فشل السياسة، أحيانًا يقاطعون الانتخابات أو حتى يبطلون أصواتهم احتجاجًا كما حدث في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت الشهر الماضي، ينسى المصوتون أن البدائل كلها أسوأ من واقعهم كثيرًا، الاتحاد الأوروبي، وهو أوسع تحالف للدول الديمقراطية في التاريخ، فشل فشلاً ذريعًا في دعم المجموعات العربية المؤيدة للديمقراطية بشكل منسق منذ الأيام الأولى لثورة تونس، الولايات المتحدة كذلك، إنها أكثر ارتياحًا مع الوجوه والأفكار المألوفة، وشخصية سلطوية مثل السيسي هي ما تبحث عنه واشنطن، لا انتخابات تعددية لا تعرف فيها من الرابح القادم.
هذا الفشل في دعم قيادة ديمقراطية يظهر بشكل أكثر وضوحًا في واشنطن، فكلما بقي “باراك أوباما” طويلاً في السلطة، رهينة للكونغرس الذي يعاديه، كلما قصر نظره وضعفت رؤيته الاستراتيجية العالمية، وفي كل القضايا، ابتداءً من التطورات في الأحداث والتي تناقض الديمقراطية في أسيا أو حول روسيا، أو حتى إذا كان الأمر يتعلق بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، يبدو أوباما غير واع بما يحدث، أو ربما غير مهتم!
وصعودًا في هذا الفراغ، ظهر الروسي “فيلاديمير بوتين” والذي يعتمد على نموذج “الديمقراطية الموجهة” والذي يقوض الديمقراطية الحقيقية خاصة في بلدان الربيع العربي، فنتائج الانتخابات المجهزة مسبقًا، على غرار نموذج بوتين، هو النموذج الذي بدأ في العودة من جديد إلى أفريقيا وأسيا والشرق الأوسط، إن بوتين هو الرجل القوي بالفعل، لكنه ليس المثال الذي يجب أن يُتبع.
المصدر: أوبزرفر