بينما كانت منصات السوشيال ميديا تعزف منفردة على أنغام فيديوهات الفنان المقاول محمد علي (صاحب شركة المقاولات الذي فضح وقائع الفساد داخل الجيش)، تلك المقاطع التي أحدثت هزة عنيفة على مواقع التواصل، وساهمت في تحريك المياه الراكدة في الشارع السياسي المصري، إذ بالناشط السياسي المعروف وائل غنيم يعود بصورة مفاجئة عبر مقطعي فيديو أثارا حالة من الجدل.
الفيديوهات التي نشرها غنيم أحد أبرز رموز ثورة 25 يناير، ومؤسس صفحة “كلنا خالد سعيد” أيقونة الثورة، جاءت بمثابة الصدمة للكثير من المتابعين، سواء فيما يتعلق بالشكل الذي جاء به، حليق الرأس، مهتز النفس، أم في المضمون الذي وصف بأنه غامض وغير مرتب، فضلاً عن توقيت الظهور الذي أثار العديد من التساؤلات عن دوافعه.
ردود فعل متباينة أحدثتها عودة غنيم المفاجئة بعد فترة غياب خارج مصر دامت طويلاً، أصابت الكثير من المنتمين للثورة بالإحباط واليأس للحالة التي وصل إليها أحد أيقونات الحراك منذ بدايته، فيما اعتبرها البعض شهادة وفاة ليناير، الأمر الذي رفضه آخرون ممن ألمحوا أن لظهوره أهداف أخرى غير التي يسعى لترويجها من خلال كلماته ومظهره العام.
رسائل للمقاول والسيسي وأسرة مرسي
استهل غنيم حديثه بتفسير الحالة التي ظهر بها كونه وصل إلى مرحلة ما عاد يمكنه الصمت حيالها، وذلك حين قال “عاوزين تقتلوني اقتلوني، أنا خلاص ماليش آخر”، مضيفًا: “أنا في الظروف دي، وأنتم كلكم قلقانين، وشايفين إني مجنون، عاوز أشكر أمي، لأنها اللي علمتني أحترم الناس، وأحترم كرامتي… أنا لما سافرت بره مصر ماطلعتش أهزأ نفسي، ولما خرجت مارضتش أشتم، رغم إني كنت قاعد في ماونتن فيو… واتصلت بعبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، وشتمته، وها يزعل إني قلت كده بس عادي”.
كما وجه 3 رسائل أساسية خلال مقطعي الفيديو ، الرسالة الأولى: إلى الفنان المقاول محمد علي ، قال فيها : “أنا تعبت منكم كلكم، وشايف إننا لازم نهدى بقى… ويا محمد علي (صاحب شركة المقاولات الذي فضح وقائع الفساد داخل الجيش) أتلم، وبطل عيب، أنت جاي عايز فلوس”، مستطردًا “اليوم بداية جديدة بالنسبة لي، وأنا كويس، ومسامح نفسي في كل حاجة… وبالنسبة لموضوع الشعر، كل واحد خايف الناس تحكم عليه، وأنا النهارده مش خايف حد يحكم عليا… أنا اللي جوة قلبي كويس، ونفسي عبد الفتاح السيسي يبقى كويس، ونفسي مصر تبقى كويسة”.
أما الرسالة الثانية فكانت من نصيب أسرة الرئيس الراحل محمد مرسي، مضيفًا “نفسي الناس اللي في السجن تخرج منه، ونفسي أم عبد الله (زوجة الرئيس الراحل محمد مرسي) اللي زوجها اتحبس، وبعدين مات، ثم ابنها مات تهدى… الست دي بتتعذب أد إيه دلوقتي، وحاسة بإيه عشان إحنا كلنا ما بقاش عندنا دم… فبدل ما تهتموا بيا، وبشكلي، أنا كويس على فكرة، وهادي، بصوا على الست اللي جوزها كان رئيس مصر، واترمى مات، وبعدين ابنها مات… الست دي مكسورة دلوقتي”.
بينما اختتم رسائله بتلك الموجهة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، موجهًا خطابًا له قال فيه: “لو يا سيسي عندك دم، روح حب على إيد الست دي، وورينا فعلاً إن عندك دم، وإن أمك ربتك… غير كده أنت أمك ماربتكش، لأنك وجعت الست دي، وضريتها، وفي الآخر أمك ماعلمتكش… لو أنت أمك حية، لازم تقولك اللي أنت بتعمله ده غلط، أنا مش هاشتمك لأنك راجل جواه خير، وأنا عارف… بس لو سمحت حب على إيد الست دي، وقولها إن أنت آسف!”.
إحباط وانكسار
فريق ذهب إلى تفسير حالة الإعياء وفقدان التوازن التي ظهر عليها غنيم إلى الوضع المذري الذي وصل إليه في أعقاب إجهاض حلمه في نجاح الثورة التي كان أحد أبرز الداعمين لها، وهو ما ذهب إليه محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية الذي علق بقوله “محدش هيفهم ولا هيحس بوجع إن حلمك اللي شوفته بيتحقق قدامك يتحول لكابوس عليك وعلى كل اللي حواليك وعلى بلدك وعلى وطنك وعلى ناسك”.
“غالبيتنا وصل مرة أو مرات، للحالة اللي فيها وائل غنيم حاليًّا، غضب ويأس، وإحساس بظلم فادح مع عدم القدرة على تغيير الواقع السيء” نشطاء على السوشيال ميديا
كامل في منشور له على صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك” أضاف “محدش هيحس غير اللي جرب يحلم، محدش هيحس بوجع إن صوته اللي كان عالي بيرج الكون بقى صوت مكتوم جواه غير اللي جرب يصرخ ويعلي صوته، محدش هيحس بوجع إنك تموت كل يوم بالبطيء غير شخص بيحس وعنده دم – ودول مبقوش كتيرر- فعلى الأقل ياللي مبتحسش ولا بتحلم سيب اللي بيموت يموت في حاله وسيب اللي اتجنن لربه الكريم”.
الرأي ذاته أكده الكاتب الصحفي سلامة عبد الحميد الذي ألمح إلى أن “غالبيتنا وصل مرة أو مرات، للحالة اللي فيها وائل غنيم حاليًّا، غضب ويأس، وإحساس بظلم فادح مع عدم القدرة على تغيير الواقع السيء”، مضيفًا “مش إحنا بس كمصريين. الوضع دا عايشه غالبية شباب العرب، وشباب كتير حول العالم مطحونين بلا حقوق ولا مستقبل في عالم يتحكم فيه فاسدون وأغبياء”.
فيما تناست الصحفية ياسمين محفوظ مضمون الكلام الذي قاله الناشط السياسي، مبدية تعاطفها مع الحالة التي وصل إليها، قائلة:” شوفت فيديوهات #وائل_غنيم.. حقيقي تعاطفت معاه بعد الحالة اللي وصل لها.. ربنا يعافيه يارب.. رغم تناقض كلامه واللي مفهمتش منه هو مع مين ولا ضد مين واللي يتضح منه أنه في حالة نفسية صعبة ربنا يعينه يارب ويفك كربه”.
الإعلامية سولافة مجدي وصفت الفيديوهات بـ”المرعبة”، مشيرة في منشور لها على صفحتها على “فيسبوك” أن القلق التي بدا على غنيم “ما أظنش أننا عيشناه قبل كده”، وأضافت “فكرة أننا نشوف نفسنا بننهار في العلن ومش خجلانين أننا بنعلن انهيارنا رغم أنه واضح بنسبة كبيرة أنه في غير وعيه، وأنه يظهر بالمنظر ده، ده في حد ذاته مؤشر خطير إن الشخص ده بيمر بمرحلة غير آمنة على حياته”.
ماذا حدث لشباب الثورة؟
فيما طالب الكاتب الصحفي أيمن الصياد المستشار السابق لرئيس الجمهورية الراحل محمد مرسي، بعدم الانشغال بالتفاصيل التي بدا عليها الناشط السياسي، مضيفًا في تدوينة له على “تويتر” باختصار، هذا ما جرى لكثير من المصريين (وإن أنكروا)، أو بالأحرى لشبابهم.، هذا ما يفعله الإحباط، واليأس، والمرارة، والارتباك، والإحساس بالعجز. #وائل_غنيم ليس أكثر من تعبير عن اللحظة، والخاسر الأول هو مستقبل هذا البلد”.
الإعلامي حافظ الميرازي، تساءل تعليقًا على الهيئة التي ظهر بها غنيم قائلاً:” ماذا حدث في ٨ سنوات لشباب ثورة يناير: وائل غنيم ومصطفى النجار (على سبيل المثال)”، وأجاب عن نفسه عبر صفحته على “فيسبوك” بأن “حديث وائل غنيم غير المتسق إلا مع مظهره وحالته الصحية المقلقة، لا يقارن بالمرة بحديثه معي ومظهره قبل ثماني سنوات وسبعة أشهر فقط في برنامج إستوديو القاهرة على الهواء بقناة العربية يوم 11 من فبراير 2011 وقبل ساعات من الإطاحة بحكم الرئيس مبارك، وكان مع وائل زميله من شباب الثورة مصطفى النجار، الذي لقي مصيرًا اسوأ، إذ اختفى مصطفى، العام الماضي.. كما يُفترض أو يُعتقد، عند الحدود السودانية، في محاولته الهروب من مصر!
فشل الدولة بأجهزتها الرسمية وإعلامها بشقيه، العام والخاص، في مواجهة البيانات والأرقام والمعلومات التي أوردها الفنان المقاول في فيديوهاته وضعت النظام في موقف حرج جدًا أمام انصاره على الأقل
آخرون ذهبوا إلى أن غنيم بظهوره هذا قد أعلن وبشكل رسمي وفاة ثورة يناير، وهو ما أشار إليه الصحفي أحمد ثروت حين قال: “فيديوهات وائل غنيم مرعبة، وجعت قلبي جدًا، واضح جدًا إنه مكانش في كامل وعيه ساعة ما سجلها، وواضح عليه من تفصيلة حلق الشعر اللي واضح انه سجل الفيديو بعدها على طول إنه كان مصاب بانهيار عصبي خلاه مش قادر يربط أفكاره ويقول حاجات متناقضة وغريبة!”.
وأضاف “واضح إن الواقع بقى مؤلم جدًا، وبيمثل ضغط نفسي على أعصاب شباب كتير، من اللي شافوا تحولات مصر من 2011 إلى 2019، وبيحولهم مع الوقت لقنابل موقوتة ممكن تنفجر في وش الجميع دون أي ضوابط، أصدق تعليق قريته على الفيديوهات دي: وائل غنيم يعلن وفاة ثورة يناير.. البقاء لله”.
مهمة محددة
وعلى الجهة الأخرى فإن توقيت ظهور غنيم بعد فترة غياب وصمت دامت طويلاً أثار الكثير من الشكوك لدى البعض، خاصة في ظل التأثير القوي الذي أحدثته ولا تزال المقاطع المصورة للفنان المقاول محمد علي، التي كشف من خلالها بعض أوجه الفساد داخل الجيش.
فشل الدولة بأجهزتها الرسمية وإعلامها بشقيه، العام والخاص، في مواجهة البيانات والأرقام والمعلومات التي أوردها علي في فيديوهاته وضعت النظام في موقف حرج جدًا أمام أنصاره على الأقل، هذا بخلاف هشاشة رد الفعل التي انبرى لها بعض الإعلاميين الموالين للنظام على رأسهم مصطفى بكري وغيره.
لجأت بعض أجهزة الدولة لاستحداث قوانين وتشريعات تهدف إلى إرهاب المواطنين من الترويج لمثل هذه الشائعات على حد وصف رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (حكومية) الكاتب مكرم محمد أحمد
وعليه كان لا بد من كسر حالة الاجتياح الكامل لتلك الفيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك عبر سياسة “لا يفل الحديد إلا الحديد”، ومن ثم جاء ظهور غنيم بهذه الهيئة في هذا التوقيت، ينتقد المقاول فيرد عليه، وهكذا تتحول قضية الكشف عن الفساد إلى تلاسن وسجال شخصي على منصات السوشيال، هذا وفق ما ذهب إليه البعض.
علاوة على تخصيص مؤتمر الشباب القادم للتحذير من خطورة الشائعات، وبجانب تقديمه عن موعده في محاولة لعرقلة الفيضان المنتشر لتلك الفيديوهات التي باتت الشغل الشاغل للشارع الذي ينتظرها على أحر من الجمر، لجأت بعض أجهزة الدولة لاستحداث قوانين وتشريعات تهدف إلى إرهاب المواطنين من الترويج لمثل هذه الشائعات على حد وصف رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (حكومية) الكاتب مكرم محمد أحمد.
الكاتب الصحفي سليم عزوز يعتبر أن ظهور غنيم في هذا التوقيت الغرض منه القيام بمهمة محددة، وهي التغطية على الحراك الذي أحدثته فضائح محمد علي، مضيفًا على صفحته على “فيسبوك”: “سكت وائل غنيم دهرًا ونطق سفهًا.. استدعاء لقيام بمهمة، من أول يوم ظهر فيه وأنا رأيي فيه لم يتغير.. شخص مشوه بدأ إخوان، وانقلب سلفًا من تلاميذ الحويني ومحمد حسين يعقوب، وكتب كتابه وجدي غنيم، ثم انطلق في اتجاهات أخرى ليصنعوا منه ممثلاً للثورة ليتفاوضوا معه فسقط مبكرًا.. وأراد الأمريكان أن يجعلوه زعيمًا للثورة فسقط أيضًا. عقل مرتبك وذهن مشوش”.
وهو ما اتفق معه الناشط إبراهيم غانم الذي علق بقوله: “أستنتج أن ظهور #وائل_غنيم في الوقت الحاليّ أداه لإبعاد المصريين عن قضية #محمد_علي على الرغم من مهاجمته للنظام الحاليّ وظهوره بالشكل ده يترك علامات استفهام كثيرة ولكن المرتقب ظهور مفاجآت كثيرة الفترة القادمة دعونا نشاهد”.
وبين الشعور بالإحباط واليأس مما آلت إليه ثورة يناير والقيام بمهمة محددة عبر تكليف رسمي للتغطية على فضائح محمد علي، تبقى عودة الناشط وائل غنيم مثار جدل وتساؤل في الشارع المصري لحين ما تكشفه الأيام القادمة، إذ من المتوقع أن تشهد مفاجآت من هذا القبيل وعودة أسماء كانت غائبة عن الساحة لفترات طويلة.