في فجر يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان “وإسرائيل” حيز التنفيذ، وكان من أبرز بنوده انسحاب القوات الإسرائيلية تدريجيًا من المناطق التي احتلها في جنوب لبنان باتجاه الخط الأزرق الحدودي، خلال 60 يومًا، بيد أن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بالموعد المحدد، لتعلن واشنطن لاحقًا تمديد المهلة حتى 18 فبراير/ شباط الجاري.
ومع اقتراب الموعد الجديد، تواصل قوات الاحتلال التوغل في لبنان، وتزداد التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وتتصاعد معها التساؤلات حول مدى صمود الاتفاق في وجه الخروقات الإسرائيلية، فهل ستحترم “إسرائيل” الاتفاقية وتنسحب فعلاً في الموعد المحدد أم تنكثها كما عهدناها ليكون بقائها أمرًا واقعًا ممهورًا بمباركة أمريكية؟
مراوغة إسرائيلية
منذ تمديد المهلة الأخيرة، لم تخف “إسرائيل” نيتها في استمرار وجودها العسكري في جنوب لبنان، فقبل أيام قليلة، سعت لإقناع الإدارة الأمريكية بتأجيل الانسحاب أو تعديل الوضع الحدودي لصالحها، لترد واشنطن برسالة واضحة إلى تل أبيب: وقف إطلاق النار في لبنان لن يُمدد، والجيش الإسرائيلي يجب أن ينسحب بحلول 18 فبراير/ شباط الجاري.
وفي محاولة أخرى تكشف عن نوايا الاحتلال في عدم الانسحاب، لم يخل الأمر من مناورة إسرائيلية برفع بطاقة “التمديد للتمديد” من 18 فبراير/ شباط الجاري إلى 28 من الشهر نفسه، وهو طلب رفضته الرئاسات اللبنانية الثلاث، وأصرت على الحصول على تعهد أمريكي بإتمام الانسحاب في الموعد المحدد.
رغم أن هناك تأكيدات على الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، وكانت هناك تحركات أمريكية لضمان هذا الأمر إلا أن المشهد برمته انتهى تمامًا إلى إجابة غير الإجابة التي كان ينتظرها اللبنانيون وقادتهم الجدد سواء رئيس الحكومة اللبنانية أو رئيس الجمهورية، الذين وُضعوا في اختبار صعب ودقيق للغاية إلى جانب الوسطاء الذين يسعون للتدخل في هذه المسألة.
وتحت ذريعة “حفظ أمن المستوطنات من هجمات حزب الله والحاجة لاستكمال جهودها للقضاء على بنية حزب الله التحتية”، تروج “إسرائيل” لربط وجود جيشها في 5 نقاط في جنوب لبنان لوقت إضافي بعد انتهاء مهلة انسحابها، وهو ما يعكس نية مبيتة لديها للبقاء في مراكز إنذار مبكر لحماية حدودها، وربما لحماية خلفية قواتها التي أصبحت في جبل الشيخ الواقع بين سوريا ولبنان.
جاء الإعلان عن هذا الطلب الإسرائيلي الذي قدمته لأمريكا في أعقاب اجتماع اللجنة الدولية لتنفيذ الاتفاق في بلدة رأس الناقورة جنوبي لبنان للمرة الخامسة، برعاية اليونيفيل ورئاسة الولايات المتحدة، وبحضور فرنسي ولبناني وإسرائيلي، لبحث نقل السيطرة الكاملة على القرى المتبقية في جنوب الليطاني إلى الجيش اللبناني قبل حلول يوم الثلاثاء القادم.
جديد ذلك تأكيد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بأن الأمريكيين أبلغوه أن “إسرائيل” ستنسحب من القرى التي ما زالت تحتلها، لكنها تتمسك بالبقاء في المواقع الخمسة، وهو ما ورد أيضًا على لسان وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر المقرب من نتنياهو، الذي قال إن “إسرائيل” ستحتفظ بهذه المواقع الاستراتيجية داخل لبنان، وهو ما يصفه مراقبون بـ”المناورة الإسرائيلية” التي تهدف للبقاء في نقطتين استراتيجيتين، وهما تلَّتي الحمامص واللبونة، بحيث تشرف الأولى على القطاع الشرقي فيما تشرف الثانية على القطاع الغربي.
لكن بعد رفض لبنان، عرضت فرنسا تسلم قواتها النقاط الخمس، وكذلك فعلت الولايات المتحدة إلا أن لبنان رفض العرض، ما يثير تساؤلات حول مدى أهمية هذه التلال الخمس “الحاكمة” التي يشكل عدم إنسحاب “إسرائيل” منها إخلالاً بالاتفاق المعقود معها برعاية الأمريكيين الذين عليهم أن يفرضوه.
هي ليست مجرد تلال بل مفاتيح هيمنة ومراقبة ومحاور تتحكم في المشهد الأمني والتوازن الجيوسياسي في الجنوب، وتشرف هذه المراكز الحدودية ليس فقط على الداخل الإسرائيلي، وإنما تؤمِّن أيضًا الإشراف على أجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية والفلسطينية المحتلة في آن معًا.
هذه النقاط تبدأ من الساحل اللبناني غربًا، وتحديدًا من تلة اللبونة المحاذية لبلدة الناقورة، وصنَّفها الاحتلال منطقة حراسة دفاعية تطل على مدينة صور ومخيم البص للاجئين الفلسطينيين، وتشرف على نقطة بارزة لليونيفيل.
أمَّا في القطاع الشرقي فحدد الاحتلال الاسرائيلي 3 تلال استراتيجية، وهي تلة جبل بلاط المحاذي لبلدة مروحين الحدودية، ويشرف على بلدات لبنانية عديدة، وكذلك على المستوطنات الإسرائيلية في زرعيت وشلومي.
وهناك تلة الحمامص بين بلدتي الخيام وكفركلا، وتقع في موقع استراتيجي يطل على مستوطنة “المطلة” داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي نقطة مهمة أيضًا لأنها تقطِّع أوصال الجنوب اللبناني، وتقسمه إلى مناطق منعزلة، وهذا الموقع المرتفع في بلدة سردة جنوب منطقة الخيام الشهيرة، يجعل التلة محور اهتمام دائم في النزاع اللبناني الإسرائيلي.
وكذلك تلة العويضة الاستراتيجية التي تتحكم بمراقبة مناطق عديدة وصولاً الى مجرى نهر الليطاني، وكانت حتى العام 1975 من أهم مرابض المدفعية لدى الجيش اللبناني، وتقع في مرماها معظم قرى ومستوطنات الجليل ومدن الشمال الإسرائيلي، وحولتها “إسرائيل” في الفترة الأخيرة موقعًا عسكريًا محصنًا.
أمَّا النقطة الخامسة فهي تلة العزية الواقعة بين بلدتي كفركلا ودير ميماس، وتشرف على الجليل المحتل وبلدات لبنانية عديدة، وتسمح لـ”إسرائيل” بكشف مناطق واسعة، وهي – كسواها من التلال – غير مأهولة بالسكان وخالية من المباني العالية، ما يسمح لـ”إسرائيل” بالتحرك بسهولة باتجاه الأراضي اللبنانية لتنفيذ أي عدوان.
تأجيل بمباركة أمريكية
لم تكن هذه المرة الأولى التي تماطل فيها “إسرائيل” في تنفيذ بنود الهدنة، وتختلق ذرائع مختلفة لتأجيل خروجها من كامل الأراضي اللبنانية، ففي المهلة الأولى التي انتهت في 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، طلبت “إسرائيل” من واشنطن منحها الضوء الأخضر لتأجيل موعد انسحابها لمدة شهر إضافي قبيل انقضاء مهلة الـ60 يومًا، بدعوى أن بنود اتفاق وقف إطلاق النار لا يتم تنفيذها بالسرعة الكافية، وأنه لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به.
وقبل يومين من انتهاء تطبيق شروط الاتفاق، كشف مكتب نتنياهو أن الانسحاب من لبنان لن يكتمل في المهلة المحددة بـ60 يومًا بدعوى عدم التزام الجانب اللبناني بشكل كامل بالاتفاق، وزعم البيان أن “حزب الله لم ينسحب إلى ما وراء نهر الليطاني كما هو متفق عليه”، مشيرًا إلى أن الانسحاب الإسرائيلي سيكون مرحليًا بالتنسيق مع أمريكا.
وحتى قبل 3 أسابيع من حلول هذا الموعد، لم تُبد “إسرائيل” أي رغبة في الانسحاب من جنوب لبنان بعد انتهاء المهلة، ليس لسبب واحد، بل لـ3 أسباب – أو بالأحرى حجج – عسكرية ولوجستية، وفقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” التي أوضحت حينها لماذا تريد “إسرائيل” تأخير بقائها في جنوب لبنان لشهر إضافي على الأقل، وهو ما حدث لاحقًا بالفعل.
الحجة الرئيسية وفق التقرير المطول الذي أعده المحلل العسكري رون بن يشاي الذي يرافق قوات الاحتلال في الجنوب اللبناني، هو افتقار الجيش اللبناني إلى الوسائل والأفراد اللازمين للقيام بدوره في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار، وأنه لم ينشر بعد عددًا كافيًا من القوات في المناطق التي ينص عليها الاتفاق، رغم تأكيد الجيش اللبناني على جاهزيته لاستكمال انتشاره بمجرد خروج قوات الاحتلال التي يعقِّد وجودها انتشار قواته.
وتتعلق الحجة الثانية بعدم اكتمال إنشاء خط الدفاع الحدودي الجديد الذي يشمل منشآت المراقبة وتجهيزات متطورة تكشف الصواريخ والطائرات المسيرة، ويقطع بين المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للسياج ولبنان، في ظل احتمال اندلاع مواجهة جديدة مع حزب الله، وتوقع بن يشاي أن الأمر قد يستغرق عدة أشهر وليس شهرًا واحدًا فقط قبل أن يتمكن المستوطنون من العودة بأمان.
وينتفي هذا السبب اليوم مع إصدار جيش الاحتلال قرارًا يسمح بعودة سكان شمال “إسرائيل” إلى منازلهم اعتبارًا من مطلع الشهر المقبل، بعد نحو 18 شهرًا من عمليات الإخلاء، عندما تبادلت “إسرائيل” وحزب الله إطلاق النار بشكل شبه يومي منذ اليوم التالي للسابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ورغم وجود مؤشرات على تراجع ما يسميها الاحتلال “التهديدات الأمنية التي يشكلها حزب الله على الجبهة الشمالية”، فإن الحجة الثالثة التي توردها الصحيفة تزعم أن المهلة غير كافية للجيش الاسرائيلي، وأن اكتشاف وتدمير البنية التحتية لحزب الله يستغرق المزيد من الوقت، معتبرة أنها تمثل تهديدًا لـ”إسرائيل”.
وبررت ذلك بأن اتفاق وقف إطلاق النار ينص على أنه في حال تم اكتشاف انتهاك خطير من قبل حزب الله، فإن الجيش الاسرائيلي يتخذ إجراءات فورية دون أي تنسيق مسبق.
منذ ذلك الحين، يسوق الاحتلال هذه الحجج للبقاء في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة عام 2000 لتأكيد انسحاب “إسرائيل” من لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويحاول جيشه تمديد فترة احتلاله لبعض البلدات اللبنانية بدعوى ضمان عدم قيام حزب الله بإعادة بناء بنيته التحتية، فيما لم تتلق بيروت أي طلب غربي بذلك، وتصر على الانسحاب الكامل في الموعد النهائي المحدد، كما ترفض استحداث أي مواقع إسرائيلية في الأراضي اللبنانية.
وفي تأكيد على نيتها إبقاء قواتها في لبنان بعد 18 فبراير/ شباط الجاري، رفضت “إسرائيل” – التي خططت للبقاء لفترة أطول في نقاط معينة وفقًا لوصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو – مقترحًا فرنسيًا نال موافقة الأمم المتحدة وحظي بدعم لبناني، ويقضي بانسحاب قوات الاحتلال من لبنان بشكل كامل بجانب النقاط الـ5 التي تتمسك بها، ونشر قوات من اليونيفيل بمشاركة جنود فرنسيين لتحل محل القوات الإسرائيلية في النقاط الرئيسية لضمان انسحاب تلك القوات من لبنان في الموعد النهائي المحدد.
وينقل لبنانيون عن مسؤولين في البيت الأبيض أن واشنطن مصممة على تنفيذ الاتفاق بشكل كامل وشامل مع تحفظ أساسي يتصل بالمُهل الزمنية، وفي هذا الإطار ثمة ترجيحات بتكرار تمديد الهدنة لأن “المطلوب أمريكيًا هو التنفيذ الدقيق للاتفاق”، أي الانسحاب الكامل وسقوط ذرائع بقاء “إسرائيل” في الجنوب، وهو ما يجعل احتمال بقائها لمدة أطول في الجنوب مفتوحًا.
ووفق تلك المعطيات، فإن الوعود الغربية، ولا سيما الأمريكية، بإتمام الانسحاب الإسرائيلي باتت على المحك، وليس واضحًا ما إذا كانت ستؤيد المطلب الإسرائيلي مجددًا على حساب لبنان، لكن هذة الشكوك تبددها وسائل إعلام إسرائيلية التي قالت إن واشنطن – بالرغم من رفضها طلب تمديد البقاء العسكري الإسرائيلي في قرى لبنانية- وافقت على إقامة جيش الاحتلال 5 نقاط تفتيش ومراقبة على تلال لبنانية محاذية للحدود.
ومع وجود رئيس أمريكي لا يتردد في اتخاذ أي قرار يصب في مصلحة “إسرائيل”، تبدو الإجابة أبعد من مجرد التزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي لا يقتصر على انسحاب “إسرائيل” من البلدات اللبنانية التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة، بل يشمل أيضًا وساطة أمريكية في مفاوضات غير مباشرة بين لبنان و”إسرائيل” للوصول إلى حدود برية معترف بها، وقد يُظهر خلالها ترامب كرمًا مشابهًا تجاه “إسرائيل” كما كان في القضية الفلسطينية وجبهة غزة.
وإلى جانب الإصرار الإسرائيلي على عدم الانسحاب من الجنوب، يبدو أن هناك مباركة أمريكية على وجود عسكري إسرائيلي طويل الأمد في جنوب لبنان وفقًا لوسائل إعلام عبرية، خاصة وأن نتنياهو – الذي يحظى بدعم كبير من جانب ترامب وإدارته – يقول بشكل واضح أن بقاء قواته “سيستمر إلى أن يتم تجفيف كافة المنابع التي يمكن أن تهدد بشكل أو بآخر المستوطنات الإسرائيلية” على حد تعبيره.
بمعنى آخر، تتبنى أمريكا الرواية الإسرائيلية بأن هناك محاولة من حزب الله مرة أخرى لإعادة بناء قواته واستعادة قدراته بشكل واضح، وهذا أدَّى بشكل كبير إلى التوافق في الموقف الأمريكي والإسرائيلي على مسألة تمديد هذا التواجد.
خروقات تحت ستار الهدنة
تعتبر “إسرائيل” موعد انسحابها الكلي المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار “ليس مقدسًا”، وعليه، فهي لم تلتزم بعد لا بوقف عملياتها العدائية في الجنوب، ولا بانسحابها من القرى الجنوبية، بل تحاول تحقيق مكاسب ميدانية خلال فترة تمديد الانسحاب بعد إخفاقها في التقدم البري خلال عدوانها الأخير.
ورغم أن الهدف الأساسي للهدنة كان وقف العنف، فإن الجيش الاسرائيلي نفَّذ عمليات نسف لمنازل المدنيين وتجريف الأراضي في الجنوب اللبناني وفق ما رصدته الأقمار الصناعية بعد نحو 50 يومًا من توقف الحرب، في حين التزمت الأطراف اللبنانية بوقف العمليات القتالية.
ولا يبدو أن مسألة الانسحاب هي المعضلة الوحيدة التي تهدد وقف اتفاق وقف إطلاق النار، فـ”إسرائيل” تبدو منشغلة باستهداف مواقع في لبنان، وتواصل خرقها للاتفاق عبر مواصلة عملياتها العسكرية في الجنوب اللبناني وقصف ما تسميه أهدافًا لحزب الله في العمق في دلالة على عدم التزامها ببنود الاتفاق.
وتشهد تلة الحمامص الحدودية على انتهاك الاحتلال للمواثيق، فبعدما أخفقت “إسرائيل” في الوصول إليها خلال المواجهات العسكرية المباشرة، نشرت وزارة الدفاع بعد يوم واحد من دخول الهدنة حيز التنفيذ مقطع فيديو وصورًا توثق زيارة قائد الفرقة 91 للمنطقة.
وفي 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وصلت “إسرائيل” إلى منطقة لا تقل أهمية عن تلة الحمامص، إذ توغَّلت داخل وادي السلوقي الذي لم تستطع التوغل فيه قبل الهدنة، وأقامت سواتر ترابية بينه وبين وادي الحجير، والذي يحظى بأهمية استراتيجية لكونه بوابة رئيسية للوصول إلى نهر الليطاني في القطاع الأوسط من جنوب لبنان، وقد مثَّل التوغل الإسرائيلي فيه تحولاً كبيرًا.
كما توغَّل جيش الاحتلال في بلدة بني حيان جنوبي لبنان في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حيث نفذ عمليات هدم استهدفت منشآت مدنية، وشن عملية تمشيط بالأسلحة الرشاشة، وأحرق عددًا من المنازل في المنطقة، واستمر انتشار قوات الاحتلال داخل البلدة لعدة ساعات حيث واصل إحراق المنازل ومبنى البلدية وفقًا للوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية.
وفي اليوم التالي للهدنة المباشرة وسَّع الجيش الاسرائيلي انتشاره في مناطق جنوب لبنان، وحذَّر السكان من التوجه جنوبًا نحو مناطق محددة تضم عدة قرى بارزة منها شبعا والهبارية ومرجعيون وزعرتون ويحمر، وهذه المناطق صُنفت بأنها ضمن “منطقة حظر جديدة”.
ورغم اقتراب نهاية المهلة الجديدة، لا تزال القوات الإسرائيلية منتشرة في بعض المناطق خصوصًا في القطاع الشرقي، ففي بلدة الناقورة الساحلية التي كانت قد شهدت دمارًا كبيرًا لا يزال الجيش اللبناني يمنع السكان من العودة إلى بيوتهم حفاظًا على سلامتهم رغم تنفيذ وقف إطلاق النار، وقد اختفى معظم السكان بسبب الأضرار التي لحقت بالمنازل في حين يتابع الجيش اللبناني تعزيز انتشاره في المنطقة.
وواصلت “إسرائيل” توغلها في القرى الجنوبية كوادي الحجير ومارون الراس وأطراف بنت جبيل وغيرها، في عمليات تمشيط واسعة، مع تجريف بنى تحتية في قرى لبنانية بشكل شبه يومي، وتدمير للمناطق السكنية والأراضي الزراعية والطرقات بحجة إزالة خطر حزب الله عنها لإعادة مستوطنيها إلى الشمال.
ومن جهة أخرى، تبادل الطرفان الاتهامات بانتهاك الاتفاق الذي يُفترض أنه أنهى قتالاً استمر لأكثر من عام، حيث يواصل جيش الاحتلال خروقاته وينفذ غارات على الجنوب اللبناني ويهدم المنازل، ويقصف منصات صواريخ بزعم أنها موجهة نحو الأراضي الإسرائيلية، بينما يطالب حزب الله بتطبيق الاتفاق بالكامل وبدء انسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة.
ورغم تراجع حزب الله إلى شمال الليطاني، لم ينسحب جيش الاحتلال من المناطق الجنوبية، بل نشر خريطة تُظهر أكثر من 60 بلدة وقرية في جنوب لبنان ما زال يحتلها، وينفذ فيها عمليات عسكرية، وحذر اللبنانيين من الاتجاه إليها حتى إشعار آخر.
#عاجل 🔴 إلى سكان لبنان ولا سيما سكان الجنوب اللبناني: #حزب_الله كعادته يضع مصلحته الضيقة فوق مصالح الدولة اللبنانية ويحاول من خلال أبواقه تسخين الوضع وذلك رغم كونه السبب الرئيسي في تدمير الجنوب.
🔸في الفترة القريبة سنواصل اعلامكم حول الأماكن التي يمكن العودة إليها. لحين الوقت،… pic.twitter.com/KHHGyiHYdx
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) January 26, 2025
لكن هذه التحذيرات لم تثن المئات من سكان جنوب لبنان ومناصري حزب الله خصوصًا عن الاندفاع باتجاه البلدات الحدودية في محاولة لدخولها رغم عدم انسحاب جيش الاحتلال منها بحلول المهلة المحددة، وقابلهم جيش الاحتلال بإطلاق النار، ما خلَّف عشرات القتلى والمصابين بحسب وزارة الصحة اللبنانية.
وتأجل حلم استكمال عودة أهالي البلدات الحدودية إلى منازلهم مع تأجيل موعد الانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من القرى الحدودية عقب انتهاء مهلة الـ60 يومًا، التي استغلتها “إسرائيل” منذ اليوم الأول، محاولة البقاء لأطول وقت ممكن، في تدمير البنية التحتية بشكل كامل لضمان عدم عودة اللبنانيون إلى أرضهم.
وفي المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي بالفعل يستكمل الجيش اللبناني توسيع انتشاره تمهيدًا لدخول البلدات الحدودية منذ السادس من يناير/ كانون الثاني الماضي.
ويؤكد السكان أن حجم الدمار يفوق الوصف، وأن “إسرائيل” وخلال وقف إطلاق النار أحرقت الأخضر واليابس في البلدة، وحولتها إلى بلدة أشباح خلفت تحت أنقاض منازلها المدمرة عشرات الجثث.
وتُظهر خلاصة هذه التحركات أن المناطق التي دخلها الجيش الإسرائيلي قبل الهدنة بلغت مساحتها 160 كيلومترًا مربعًا، أمَّا المناطق المدرجة ضمن الحظر بعد الهدنة، فبلغت مساحتها 320 كيلومترًا مربعًا، أي أن “إسرائيل” استولت بعد الهدنة في لبنان على ضعف الأراضي التي احتلتها قبل الهدنة.
وفي هذه الحالة، ليس غريبًا أن تستميت “إسرائيل” في مماطلتها لتأجيل الانسحاب من المناطق التي تحتلها في لبنان، وتعبر رغبتها المعلنة في مواصلة احتلالها لجنوب لبنان تحت ستار الهدنة، لأن ما أخفقت فيه عسكريًا حققته ببساطة دون قتال.