في بداية الشهر الحاليّ، أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، نيته بسط السيطرة على مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، قائلًا: “سنمد السيادة اليهودية على جميع المستوطنات كجزء من أرض “إسرائيل”، كجزء من دولة “إسرائيل” الكبرى”، وذلك تبعًا لخطة حزب الليكود الإسرائيلي الذي تعهد بذلك عام 2017.
ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 17 من سبتمبر/أيلول الحاليّ، كرر نتنياهو وعوده بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت في حال إعادة انتخابه وتشكيله حكومة جديدة، كما أضاف “هذه المناطق بالإضافة إلى هضبة الجولان هي الحزام الأمني المهم لنا في الشرق الأوسط”، منوهًا إلى عزمه التنسيق مع الإدارة الأمريكية بهذا الخصوص كما فعل سابقًا فيما يتعلق بالجولان السوري المحتل من أجل “الوصول إلى حدود ثابتة لدولة “إسرائيل” وضمان عدم تحول الضفة الغربية إلى منطقة كقطاع غزة”.
في هذا التقرير، نستعرض معارك البقاء التي خاضتها هذه المنطقة ضد سياسات التهميش والتهجير والتدمير التي مارستها سلطات الاحتلال بحق أراضيها وسكانها، لا سيما أن قرار الضم ليس جديدًا، فمنذ عقود طويلة تتسرب أخبار وتكشف دراسات عن رغبة سلطات الاحتلال في استئجار الغور أو ضمه بالقوة، فما سبب اهتمام “إسرائيل” بهذه البقعة؟
الأغوار.. عقود من النهب والتهجير
تمتد الأغوار الفلسطينية التي تشكل نحو 30% من أراضي الضفة الغربية من بيسان حتى صفد شمالًا ومن عين جدي حتى النقب جنوبًا ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربًا، وتبلغ مساحتها الإجمالية نحو 720 ألف دونم، وتضم 27 قرية فلسطينية، يسكنها ما بين 65 إلى 70 ألف فلسطيني.
شكل التضييق الإسرائيلي الخانق نوعًا من أنواع الحصار على منطقة الأغوار، وهو الأمر الذي أعدم أي فرصة اقتصادية لسكانها الفلسطينيين
احتلت المنطقة عام 1967 ومن حينها سارعت قوات الاحتلال إلى نهب خيراتها وأراضيها وتهميش الوجود الفلسطيني فيها، لا سيما بعد مفاوضات أوسلو عندما تمت الموافقة على أن تكون 91% من أراضي الأغوار ضمن مناطق “ج” التي يعني أنها تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة ولا يستطيع الفلسطينيون بناء المنشآت السكنية أو إقامة بنية تحتية إلا بموافقة سلطات الاحتلال، مما دفع الكثيرين منهم إلى السكن في بيوت متهالكة أو الهجرة إلى مناطق أخرى.
إذ تشير التقديرات إلى أن سلطات الاحتلال هدمت 698 وحدة سكنية على الأقل بالأغوار بين عامي 2006 و2017 يسكنها قرابة 3 آلاف نسمة، وهدمت منذ 2012 وحتى نهاية سبتمبر/أيلول 2017 ما لا يقل عن 806 مبانٍ زراعية.
يضاف إلى هذه الانتهاكات إجراءات أخرى من التضييق والتطهير العرقي، فلقد حاربت سلطات الاحتلال المزارعين وهدمت برك تخزين المياه وفرضت إجراءات معقدة على تسويق منتجاتهم بالضفة الغربية، كما حظرت السيارات التي تحمل لوحات تسجيل إسرائيلية من نقل منتجاتهم إلى داخل الخط الأخضر، مما شكل نوعًا من أنواع الحصار على منطقة الأغوار، وهو الأمر الذي أعدم أي فرصة اقتصادية لسكانها الفلسطينيين.
واصلت دولة الاحتلال تجاوزاتها القانونية عبر إخطارات الهدم والحرمان من البناء وأبسط الخدمات الأساسية ومقومات العيش، وذلك من خلال تسمية هذه المنطقة “مناطق تدريبات عسكرية” أو “أراضي دولة” أو “محميات طبيعية”، لتعطي نفسها النفوذ والشرعية التي تمكنها من مواصلة سرقتها للأراضي الزراعية والثروات الحيوانية في المنطقة.
تزيد خسائر الفلسطينيين في المناطق (ج) على 3.4 مليار دولار سنويًا
جدير بالذكر أن تعامل “إسرائيل” مع 56% من مساحة الأغوار باعتبارها مناطق عسكرية مغلقة، تسبب في خسائر اقتصادية هائلة للموارد الطبيعية، وخاصةً فيما يتعلق بتربية المواشي والأغنام، لأن التدريبات العسكرية التي تجري على مدار السنة تتسبب في نفوقها عندما تأتي أوامر بالنقل والإخلاء.
أما على الصعيد الزراعي، فغالبًا ما كان يعتمد المزارع الفلسطيني على المزروعات المروية بمياه الأمطار وحركة الدبابات والآليات العسكرية الثقيلة تجعل التربة الرطبة صعبة الحراثة مرة أخرى، وبالتالي يؤثر على الموسم الزراعي الحاليّ والذي يليه أيضًا.
حيال هذا الشأن، أشارت دراسة أجراها البنك الدولي بالشراكة مع وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية إلى أن خسائر الفلسطينيين في المناطق (ج) تزيد على 3.4 مليار دولار سنويًا، في المقابل تظهر دراسات أخرى أجرتها الوزارة أن خسائر الفلسطينيين بسبب استمرار الاحتلال عمومًا تزيد على 9.8 مليار دولار. يعود السبب في ذلك إلى أن 87% من المياه الجوفية موجودة في المناطق (ج)، و90% من الموارد الطبيعية موجودة فيها أيضًا.
وذلك عدا عن الخسائر السياحية والبيئية بسبب سيطرة “إسرائيل” على معظم المواقع السياحية البارزة في المنطقة، بما في ذلك شواطئ البحر الميت الغربية ووادي قلط والمغطس على نهر الأردن، إضافة إلى إنشائها مصانع تستغل أملاح البحر الميت ومرافقه السياحية، من جانب آخر، توظف التنغيصات اليومية التي تشمل اقتحام البيوت وإخلاؤها وإطلاق النيران والقذائف العشوائية من أجل تعقيد حياتهم وإلحاق أضرار مادية ونفسية لسكان هذه المنطقة.
حجج أمنية ودوافع اقتصادية وسياسية دعائية
بحسب إحصاءات عام 2015، تنتج أراضي الأغوار نحو 50% من إجمالي المساحات الزراعية في الضفة الغربية و60% من إجمالي الخضراوات و40% من الحمضيات و100% من التمور والموز، ما يعني أن وزنها يتعدى الأهمية الجغرافية، فهي تمثل السلة الغذائية للأراضي المحتلة، لكن سياسات الاحتلال حولتها إلى منطقة صحراوية عسكرية مغلقة تحت حجج وذرائع أمنية واهية.
كما تحتوي منطقة الأغوار الجنوبية على 91 بئرًا، والأغوار الوسطى على 68 بئرًا، أما الأغوار الشمالية فتحتوي على 10 آبار. وحفرت 60% من هذه الآبار في العهد الأردني، وسيطرت دولة الاحتلال “إسرائيل” على معظمها.
إذ تُعرف الأغوار التي وصفها الرئيس الراحل ياسر عرفات بـ”بيدر فلسطين”، بخصوبة أرضها ووفرة منتجاتها الزراعية، فهي تتميز بمناخ وتربة مميزة وثروة مائية وفيرة، وذلك ما دفع “إسرائيل” إلى وضع يدها بالكامل على المنطقة وتوسيع عمليات الاستيطان التي لا تنتهي، وليس كما تزعم لأسباب أمنية.
من المحتمل أن يؤدي قرار الضم إلى تهديد علاقات السلام بين “إسرائيل” والمملكة الهاشمية، ولا سيما أن الأراضي أردنية الأصل، فلقد كانت تحت حكم الأردن قبل عام الـ67، مما قد يثير بعض التوترات بين الحكومتين.
بالنهاية، يرى مدير مكتب الجزيرة في رام الله وليد العمري إن “هذه الخطوة هي دعاية انتخابية بامتياز، لأن نتنياهو اختار منطقة تحظى بنوع من الوفاق الإسرائيلي بين الوسط واليمين واليمين المتطرف على أنها ستكون تحت سيادة الاحتلال في كل الظروف، حتى لو تم التوصل إلى حل مع السلطة الفلسطينية”، مضيفًا بأن ” نتنياهو يدرك أنه إذا لم ينجح في الانتخابات ويفز مجددا برئاسة الحكومة فسيذهب إلى السجن نتيجة قضايا الفساد التي يلاحق بها، لذا فإنه سيفعل أي شيء لاكتساب أكبر قدر من الأصوات”.
ورغم ذلك، يرى البعض الآخر أن التهميش الممنهج الذي فرضته “إسرائيل” على المنطقة خلال السنوات الماضية، يضع الفلسطينيين أمام مواجهة جديدة من أجل الدفاع على ما تبقى من أراضي الأغوار. من جانب آخر، من المحتمل أن يؤدي قرار الضم إلى تهديد علاقات السلام بين “إسرائيل” والمملكة الهاشمية، ولا سيما أن الأراضي أردنية الأصل، فلقد كانت تحت حكم الأردن قبل عام الـ67، مما قد يثير بعض التوترات بين الحكومتين.