واصلت الدبلوماسية بين واشنطن وباريس مناقشاتها حول صفقة تسليم فرنسا سفينة حربية برمائية للجيش الروسي في 5 يونيو الحالي.
فمنذ ضم روسيا في شهر مارس شبه جزيرة القرم، ظلت إدارة أوباما تحث بقوة باريس لوقف بيع السفينة الحربية، لما يمكن أن توفره للجيش الروسي من قدرات حربية جديدة واكتساب للتكنولوجيا الحديثة.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي “لوران فابيوس” يوم 6 يونيو، أن صفقة بيع سفن حربية من فئة ميسترال لروسيا سيتم تنفيذها، وقال “هذه الصفقة ستمكن من خلق العديد من فرص العمل”.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، حرصت الولايات المتحدة على إقناع الدول الأوروبية للحد من عمليات نقل الأسلحة إلى الدول المثيرة للقلق مثل الصين، إيران، وليبيا، وعادة ما كانت الولايات المتحدة تحث حلفاءها الأوروبيين لتركيز اهتماماتهم على الأمن العالمي كأولوية كبرى مقارنة بالدعم الداخلي لصناعة الأسلحة.
ونجحت حكومة الولايات المتحدة إلى حد كبير في الحد من الصادرات العسكرية الأوروبية إلى دول مثل الصين وإيران وليبيا باعتبارها هي أيضًا كانت تمارس ضغوط على صادراتها العسكرية نحو هذه الدول.
وقال “جون هولم” المستشار البارز في برنامج الحد من التسلح والأمن الدولي بوزارة الخارجية: “إذا كان هناك سبب أمني لعدم تصدير الأسلحة، فلن نقوم به حتى في صورة وجود مصالح اقتصادية”، كما أشار إلى أنه يؤيد فكرة أنه “يجب الحصول على إذن الحكومة الأمريكية قبل تصدير كل السلع العسكرية حتى الغير متطورة تكنولوجيا، لأنه يمكن لهذه الأسلحة أن يكون لها تأثير خطير على البلدان والمناطق الأقل تقدمًا”.
وساعدت هذه الضوابط لعدة سنوات على حماية مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، غير أن النفوذ الأمريكي بدأ بالتراجع مؤخرًا، فكجزء من مبادرة الإصلاح حول الرقابة على الصادرات العسكرية، والتي تهدف إلى زيادة القدرة التنافسية الأميركية في صناعة الأسلحة، خفضت إدارة أوباما من الضوابط على أنواع عديدة من صادرات الأسلحة، مولية اهتمامات اقتصادية في تصديرها للأسلحة، على غرار ما تقوم به فرنسا مع روسيا.
وفي إطار مبادرة إصلاح الرقابة على الصادرات العسكرية، فرضت وزارة الخارجية رقابة صارمة فقط على الأسلحة ذات القيمة التكنولوجية العالية، مثل الطائرات بدون طيار، فجعلت عشرات الآلاف من المواد متوسطة ومنخفضة التقنية الحربية مثل طائرات هليكوبتر من طراز بلاك هوك، وتقنيات تشغيل الصواريخ وأنظمة الأقمار الصناعية، تقع الآن تحت ضوابط التصدير في وزارة التجارة.
ووفقًا للبيت الأبيض، فإن ما يقارب من 90 في المائة من التجهيزات العسكرية، وافقت وزارة الخارجية أن تكون تحت تصرف وزارة التجارة بداية من سنة 2009، وهكذا فإن الولايات المتحدة تقوم برفع تدريجي للحواجز التصديرية على أسلحتها.
كما أنشأت الإدارة تعريفًا جديدًا، وهو ما يعرف في القانون الأمريكي بـ “المصممة خصيصًا”.
وهذا التعريف، الذي يبدو أنه يتعارض مع تفسير القضاء الاتحادي الأمريكي وموقف حكومة الولايات المتحدة منذ فترة طويلة في العديد من الاتفاقات المتعددة الأطراف بشأن الحد من التسلح ومنع الانتشار النووي، سوف يمكن الشركات من تجنب ضوابط التصدير من خلال تصميم أدوات فيها بعض التغييرات والإحداثات التي تستعمل مثلاً في الجانب المدني، ويمكن وقتها تصديرها من دون ضوابط.
فمثلاً إذا قامت شركة مصنعة للطائرات بتغييرات في قمرة القيادة لطائرة مقاتلة تستخدم بصفة ثانوية في الطائرات المدنية، فمن المحتمل أن هذه الطائرة لن تخضع لضوابط تصدير المعدات العسكرية في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن إدارة أوباما قيدت مؤخرًا صادرات الأسلحة إلى روسيا، فإن التعريف الجديد للـ “المصممة خصيصًا” يمكن الشركات من تصدير أنواع كثيرة من المعدات العسكرية المتطورة للجيش الروسي دون مراجعة الحكومة الأمريكية.
وبعض هذه المعدات تشمل المواد المستخدمة في الرادارات وأنظمة المراقبة، ونظم توجيه الأسلحة التي يسعى الجيش الروسي بالفعل إلى استغلال هذه الوضعية القانونية الجديدة وشرائها من الولايات المتحدة من خلال وسائل غير مشروعة.
ولو كانت الولايات المتحدة، وليس فرنسا، من قام ببيع سفينة حربية لروسيا، فإنها يمكن أن تقع خارج نطاق ضوابط تصدير الأسلحة الأمريكية بناء على أنها سفينة تجارية مدنية.
وبالتالي فإنه كما في حكومات جميع أنحاء العالم يجب على الإدارة الأمريكية مراجعة ضوابط تصدير الأسلحة، فكثير من هذه الدول سيضعف من الضوابط الخاصة بتصدير الأسلحة لكسب رهان المنافسة ضد الولايات المتحدة في سوق بيع الأسلحة.
فكندا خفضت بالفعل بعض لوائح الرقابة على صادراتها للأسلحة، ومثل فرنسا، قد تبدأ الدول أيضًا بالإدعاء أن مبيعات الأسلحة ذات الاستخدامات المدنية يجب أن تخفف عليها قيود الرقابة عند التصدير؛ فالحكومات الأجنبية يمكن ألا تتأثر بضغط الحكومة الأمريكية للحد من عمليات نقل الأسلحة إلى دول مثل روسيا والصين، باعتبار أنه أصبح من الممكن أن تصدر الشركات الأمريكية العديد من العناصر العسكرية الأمريكية المتطورة لهذه البلدان باعتبارها تستعمل لأغراض مدنية.
ولوقف هذا التهديد الخطير للأمن العالمي ومصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ينبغي على الكونغرس الأميركي أن يصغي لبعض المشورة من أمثال “هولم”، فعلى الشركات الأميركية الحصول على موافقة الحكومة الأمريكية قبل تصدير سلع أو خدمات ذات صلة بالأغراض العسكرية للبلدان أو المؤسسات التي تخضع لحظر الأسلحة الأمريكية، وهذا الإجراء سيساعد في الحد من عمليات نقل الأسلحة الأمريكية لهذه الكيانات.
كما ينبغي على الكونغرس الأميركي أيضًا تقييم المخاطر ومنع انتشار الأسلحة النووية ودعم جهود الولايات المتحدة في الرقابة على الصادرات الأمريكية على التكنولوجيا العسكرية والمعدات الحربية.
ودون ضوابط فعالة تضاف إلى صادرات الأسلحة الأمريكية، فإن حكومة الولايات المتحدة لا تزال تفقد نفوذها لتشجيع الدول الأوروبية وغيرها في جميع أنحاء العالم لوقف تصديرها للأسلحة إلى بلدان مثل بيلاروسيا، الصين، روسيا، والصومال.
وإذا استمرت الأمور على هذا النحو قد يكون اللوم على إدارة أوباما التي ساعدت على إضعاف العديد من الضوابط على تصدير الأسلحة في جميع أنحاء العالم وتسببت في انتشارها.
المصدر: نون بوست + فورين بوليسي