عرفت تونس، عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، بروز العديد من الشخصيات الناشطة سواء في المجتمع المدني أم السياسة، شخصيات لم يكن أحد من التونسيين يعلم عنهم شيئًا إلا عائلتهم المقربة أو بعض من أصدقائهم، منهم رئيس الحكومة التونسية المتخلي والمرشح الرئاسي يوسف الشاهد الذي انتقل بسرعة البرق من موظف عادي إلى وزير فرئيس وزراء، وها هو اليوم ينافس بجدية على منصب رئيس الدولة، مستغلاً كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة لتحقيق هدفه الأسمى.
الحملة الانتخابية متواصلة
يواصل رئيس الحكومة التونسية المتخلي والمرشح الرئاسي يوسف الشاهد حملته الانتخابية الرئاسية التي يطمح من خلالها إلى الوصول لكرسي قرطاج وشغل منصب رئيس البلاد، منصب عمل الشاهد كثيرًا للوصول إليه.
ويبدأ اليوم الخميس، التونسيون في الخارج الاقتراع لاختيار رئيس البلاد المقبل، على أن يتوجه التونسيون في داخل البلاد يوم الأحد، إلى صناديق الاقتراع في ثاني انتخابات رئاسية ديمقراطية وتعددية تشهدها تونس بعد ثورة يناير 2011. وكان من المقرر إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية العادية في تونس يوم 17 من نوفمبر/تشرين الثاني، لكن بسبب وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي في 25 من يوليو/تموز الماضي، قررت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تقديم موعدها، وذلك وفقًا لمتطلبات الدستور.
لم يكن وصول يوسف الشاهد إلى المكانة التي عليها الآن ومنافسته على كرسي الرئاسة بالأمر الذي جاء صدفة
قدم الشاهد ترشحه صحبة 98 شخصًا، قبل أن يتقلص عددهم ويستقر في حدود 26 مرشحًا نتيجة عدم استيفاء بعضهم للشروط التي ضبطها القانون للترشح لمنصب الرئاسة، ومن المنتظر أن يتم إعلان النتائج الأولية للانتخابات في 17 من سبتمبر/أيلول بحسب برنامج الانتخابات الذي أعلنه رئيس الهيئة العليا للانتخابات نبيل بفون، غير أنه لم يتم تحديد موعد الجولة الثانية التي يفترض أن تجرى، إذا تطلب الأمر، قبل الـ3 من نوفمبر/تشرين الثاني بحسب نبيل بفون.
وظهر الشاهد خلال هذه الحملة بمثابة الرجل القوي والمنافس الجدي على منصب رئيس البلاد، فقد جاب أغلب مناطق البلاد، ونظم العشرات من اللقاءات الشعبية داخل تونس وخارجها للترويج لشخصه وتأكيد أهليته لمنصب الرئاسة.
من موظف عادي إلى رئيس حكومة
قبل الخوض في فرص نجاح يوسف الشاهد والآليات التي اعتمدها للوصول إلى هذه المكانة في ظرف وجيز لا بد من العودة إلى مسيرته وكيفية بدايتها، فقبل اندلاع الثورة التونسية، لم يكن رئيس الحكومة التونسية معروفًا لدى عامة الناس.
بداية عهده بالسياسة، كانت في مارس/آذار 2011، حيث كان الشاهد من مؤسسي حزب الوفاق الجمهوري صحبة عبد العزيز بلخوجة وسليم العزابي، ثم انضم لاحقًا إلى القطب الديمقراطي الحداثي (ائتلاف أحزاب يسارية) في نفس السنة، قبل أن يذهب إلى الحزب الجمهوري بقيادة نجيب الشابي، لم يطل به المقام هناك، فقد اختار أن يلتحق بحركة نداء تونس عام 2013، بعد سنة من تأسيس الحركة من الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
بدأ يوسف الشاهد منخرطًا عاديًا، ثم عضوًا في مكتبه التنفيذي، ليكلف بعدها برئاسة لجنة التوافق التي أسسها رئيس الجمهورية الراحل خلال الأزمة التي عصفت بحزبه “نداء تونس” أواخر سنة 2015، قبل أن يستقيل منها.
لم يكن الشاهد المولود في 18 من سبتمبر/أيلول 1975، قبل الثورة إلا خبيرًا في سياسات الزراعة، وكان قد شغل منصب خبير في المشاريع الفلاحية في قسم الخدمات الزراعية الخارجية في السفارة الأمريكية بتونس، لأكثر من خمس سنوات، كما كان أستاذًا في هذا المجال بجامعات فرنسا.
رغم فشله في الحكم ما زال الشاهد يحظى بشعبية مهمة في تونس
تورد السيرة الذاتية ليوسف الشاهد أنه اختص منذ سنة 2003 بمتابعة السياسات الفلاحية بتونس والمغرب بالتنسيق مع وزارات الفلاحة بالبلدان المذكورة، وتولى وضع وتخطيط سياسات التعاون في ميدان الأمن الغذائي وتطوير الشراكة الفلاحية بين تونس والولايات المتحدة، كما اشتغل على إنجاز المشاريع الفلاحية والدعم التقني، إضافة إلى اشتغاله على تطوير الشركات التعاونية في تونس بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، وتدريب إطارات ديوان الحبوب التونسي.
على مستوى المناصب الحكومية، فقد تولى يوسف الشاهد خطة كاتب دولة مكلفًا بالصيد البحري، في حكومة حبيب الصيد الأولى سنة 2015 ثم وزيرًا للشؤون المحلية في حكومة الصيد الثانية سنة 2016، ثم رئيسًا للحكومة خلفًا للصيد نهاية شهر أغسطس/آب 2016، ليتربع بذلك في قصر الحكومة بالقصبة كأصغر رئيس للحكومة في تاريخ تونس الحديث.
الكل مباح للوصول إلى الهدف
لم يكن وصول يوسف الشاهد إلى المكانة التي عليها الآن ومنافسته على كرسي الرئاسة بالأمر الذي جاء صدفة، فقد عمل الرجل كثيرًا للوصول إلى هذه المكانة مستغلاً كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة الشرعية وغير الشرعية، فالمهم الوصول لا كيفية الوصول.
وصوله إلى الوزارة في البداية، كان نتيجة التقارب العائلي بينه وبين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي فضلاً عن عمله مع السفارة الأمريكية في تونس، فقد كان السبسي يبحث عن وزير مطيع ينفذ أوامره دون نقاش أو حتى مجرد سؤال.
تمكن الشاهد من أساليب الحكم فأدار وجهه للسبسي منقلبًا عليه، وتحول من مجرد وزير أول كما كان يريده السبسي إلى رئيس حكومة كما سطر دستور البلاد لسنة 2014، وهو ما لم يرق للسبسي الأب والابن ولا الدائرين بهم، فبدأت معركة كسر العظام.
لم يتوقف يوسف الشاهد عند استعمال مؤسسات الدولة وهياكلها، بل لجأ في العديد من الأحيان إلى اتخاذ قرارات عديدة وصفها البعض بالشعبوية
لم يعد حزب نداء تونس الذي عبد له طريق الحكم، يتسع للشاهد فخرج منه، مؤسسًا حزبًا جديدًا يحمل اسم “تحيا تونس”، في حادثة هي الأولى في البلاد، فلم يسبق لرئيس حكومة تونسي أن أسس حزبًا وهو بمنصبه.
حزب جاء من رحم نداء تونس، فأغلب المنتمين إليه منشقين عن الحركة التي أسسها الرئيس الراحل السبسي، صيف 2012، لينضاف بذلك إلى قائمة الأحزاب التي ولدت من رحم هذه الحركة التي تصدرت المشهد السياسي في البلاد لفترة وجيزة ثم دبت فيها الخلافات فانقسمت واضمحلت.
بقاء الشاهد على رأس الحكومة ومنافسته على كرسي قرطاج رغم الصراع الكبير الذي دخل فيه ضد السبسي الراحل وجماعته، يرجع في جزء كبير منه إلى استغلال الأول لكل الإمكانات أمامه من مؤسسات دولة وهياكلها إلى القضاء إلى رجال الأعمال، حتى الرياضة لم تسلم من استغلاله.
بدأ الشاهد بما سماه “الحرب على الفساد”، لكنها كانت حربًا انتقائية وموجهة لرجال الأعمال الذين رفضوا العمل معه، وخاصة من أولائك الذين عملوا مع السبسي وابنه، حتى إن “النداء” أو ما تبقى منه رأى أن الشاهد أراد من خلال هذه الحملة الترويج لشخصه على حساب الحزب.
فضلاً عن ذلك، حرص يوسف الشاهد على تسخير كل إمكانات الدولة التونسية ومؤسساتها العمومية، فضلاً عن موظفيها لخدمة مشروعه السياسي والترويج لشخصه حتى يكون في المشهد السياسي ما بعد الانتخابات القادمة.
تمثل استغلال أجهزة الدولة مثلاً في اختيار رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس لرئاسة لجنة إعداد مؤتمر ”تحيا تونس”، رغم أنه يرأس هيئة عمومية، كما استغل الشاهد المسؤولين الجهويين والمحليين للترويج لشخصه داخل البلاد، واستغل القنصليات والسفارات خارجها.
كما وظف الشاهد أجهزة الحكم ومستشاريه وبعض وسائل الإعلام المحلية لتشويه شخصيات وطنية عديدة وكسب ود البعض منهم، إلى جانب ضم رجال أعمال مهمين في البلاد إلى صفه لمعاضدته في مجهوداته المستقبلية، بعد أن أغراهم بصفقات ومشاريع كبرى، على حساب رجال أعمال آخرين بقوا في صف السبسي الأب والابن وجماعتهما.
لم يتوقف يوسف الشاهد عند استعمال مؤسسات الدولة وهياكلها، بل لجأ في العديد من الأحيان إلى اتخاذ قرارات عديدة وصفها البعض بالشعبوية، حتى يزيد من شعبيته لدى فئات مختلفة من التونسيين، من ذلك حظر ارتداء النقاب في الإدارات والمؤسسات العامة في البلاد.
يغازل الشاهد الجماهير الرياضية
كرة القدم لم تسلم هي الأخرى من استغلال الشاهد، فبعد محاولته التقرب من جماهير الفرق الرياضية وخاصة الترجي التونسي والنادي الإفريقي بمحاولته الظهور في ثوب المدافع عن الفريقين إقليميًا، استغل مشاركة المنتخب الوطني التونسي في كأس إفريقيا والمردود الجيد الذي ظهر به في كأس إفريقيا الأخير الذي أقيم في مصر.
ليس هذا فقط فقد نشط الشاهد مؤخرًا وقام بالعديد من الزيارات الميدانية وأصدر العديد من القرارات التي سبق أن صدرت في أوقات سابقة دون أن يتم الوفاء بها، فالمهم عنده إصدار القرارات أما التطبيق فلا أهمية له، فالذاكرة قصيرة.
كما أنه كثيرًا ما ينسب بعض الإنجازات إلى شخصه والحال أن لا علاقة له بها، فهي إنجازات الحكومات السابقة لكنه دشنها مرة أخرى حتى تكتب له، فكما قلنا فالذاكرة قصيرة والشعب التونسي يحتاج لأخبار تثلج صدره وتمنح له الأمل ولو كان قليلاً، في هذه الظرفية السيئة التي تمر بها البلاد.
حظوظ كبيرة للفوز
تضع عمليات سبر الآراء الأخيرة الخاصة بالانتخابات الرئاسية، رئيس الوزراء المتخلي يوسف الشاهد في المراتب الأولى، فهو ينافس على المرتبة الثانية كل من مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو (رئيس البرلمان بالنيابة)، والمرشح المستقل عبد الكريم الزبيدي الذي يشغل منصب وزير دفاع في الحكومة الحاليّة.
ويرى الشاهد أحقيته في الفوز برئاسة البلاد، فهو الجامع للعائلة “الحداثية” في البلاد وفق أنصاره، وهو خليفة الباجي قائد السبسي القادر على توحيد “الديمقراطيين” في وجه من يعتبرونهم “تهديدًا لنمطهم المجتمعي” الذي وضع دعائمه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
ويعول الشاهد في الفوز بكرسي الرئاسة على دعم الأحزاب السياسية والشخصيات العامة التي تعادي حركة النهضة التونسية، ورجال الأعمال الذين يرون مصلحتهم في وجود الشاهد على رأس الحكم في قرطاج، رغم يقينهم بإمكانية انقلابه عليهم كما حصل مع السبسي.