يتخذ النزاع بين حركتي فتح المتمثلة بالسلطة الفلسطينية وحماس التي تسيطر على قطاع غزة شكلًا قانونيًا باتجاه واحد، حيث تحاول السلطة القضاء على جميع المؤسسات التي تعتبرها غير رسمية في قطاع غزة بعيدًا عن سيطرتها، وإن تم تشكيلها ضمن قوانين السلطة التشريعية سابقًا، وذلك بهدف تقويض سلطة حماس القانونية على القطاع، ما دفع الأخيرة لاتخاذ خطوات تعتبرها قانونية تجاه السلطة.
تزايد قرارات “الحل” أو “الباطل” أو “غير الشرعي” في الفترة الأخيرة ينذر بكارثة تقويض الصلاحيات تحت ذريعة القوانين منها المعطَل أو المتجاوز عنه، ويضع النظام السياسي الفلسطيني في مأزق الانقسام الحاد، فقد ابتدأت القرارات حين حل الرئيس الفلسطيني محمود عباس المجلس التشريعي الذي يمثل السلطة التشريعية في نهاية ديسمبر الماضي، واعتبرت حماس أن القرار “ليس له أي قيمة دستورية أو قانونية”، سبقه انفصال في السلطة القضائية ومنظومة القضاء في غزة والضفة، فطال هذا التعطيل القضائي حقوق الناس البسطاء وأضعف السلطة القضائية و“مبدأ سيادة القانون”، حيث آلاف القضايا العالقة في المحاكم حتى اللحظة، وطال أمدها بين غزة والضفة بسبب هذا الانقسام.
حل السلطة التشريعية والقضائية في الضفة الغربية وقطاع غزة وانقسام السلطة التنفيذية، يدخل جغرافيا الانقسام في الصراع الحاد بين حماس والسلطة الفلسطينية وليس مجرد النزاع
وكان الرئيس عباس قد أصدر قرارًا بحل مجلس القضاء الأعلىفي 17 من أغسطس/آب 2019، وإنشاء مجلس انتقالي لمدة عام، وبذلك لم يبق في النظام السياسي الفلسطيني إلا السلطة التنفيذية التي يمثلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعيدًا عن سلطة حماس التنفيذية في قطاع غزة.
حل السلطتين التشريعية والقضائية والإبقاء على التنفيذية من جهة واحدة
حلُّ السلطة التشريعية والقضائية في الضفة الغربية وقطاع غزة وانقسام السلطة التنفيذية، يدخل جغرافيا الانقسام في الصراع الحاد بين حماس والسلطة الفلسطينية وليس مجرد النزاع.
شككت حماس في كل القرارات الصادرة عن السلطة الفلسطينية، أهمها تشكيل المحكمة الدستورية، في حين تعتبر السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس المؤسسات التي تقودها حماس في قطاع غزة بمستواها الرسمي وغير الرسمي “غير شرعية” يجب حلها أو تقويض سلطتها، لتخضع بالكامل لسيادة قرارات السلطة بقيادة فتح.
وقد صرح عباس في أكتوبر 2017 قائلًا: “القيادة الفلسطينية لا تريد أن تأخذ في غزة نماذج الميليشيات لأنها غير ناجحة، يجب أن تكون هناك سلطة واحدة وقانون واحد وبندقية وسلاح واحد بحيث لا تكون هناك ميليشيات وغيرها”، حيث وصف حماس والفصائل بـ”المليشيات”.
تصاعدت الأزمة لتصل إلى حل اللجان الشعبية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في قطاع غزة في يوليو الماضي
في المقابل اعتبر أحمد بحر النائب الأول للمجلس التشريعي المنحل بقرار الرئيس عباس في تاريخ 11 2019 من سبتمبر/أيلول أن: “المحكمة الدستورية في غزة أقرت انتهاء ولاية عباس واستمرار عمل المجلس التشريعي حتى انتخاب آخر”.
وكانت المحكمة الدستورية العليا التابعة لحركة حماس في قطاع غزة قد أصدرت في 9 من سبتمبر/أيلول 2019 حكمًا بعدم دستورية اللوائح والأنظمة الصادرة عن حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض (2007-2013) لعدم حصولها على ثقة المجلس التشريعي وفقًا للقانون الأساسي.
الأزمة تطال العشائر واللجان الشعبية
تصاعدت الأزمة لتصل إلى حل اللجان الشعبية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في قطاع غزة في يوليو الماضي، وفي الوقت الذي اعتبر فيه عدد من رؤساء اللجان الشعبية في غزة أن القرار “سياسي وغير قانوني” أكد رئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي أن القرار يتوافق مع النظام، ما دفع الفصائل الفلسطينية للتساؤل عن سبب حل اللجان في قطاع غزة دون الضفة الغربية.
ويجب الإشارة أن هناك دائرة لشؤون اللاجئين تتبع لحماس في قطاع غزة، وتعمل منفردة عن قرارات دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
تطور الأمر سريعًا، فقد أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًا في 19 من أغسطس/آب 2019 وينتظر نزوله في الجريدة الرسمية بحل هيئة شؤون العشائر في قطاع غزة التي تشكلت عام 2012 بقرار رئاسي وبرئاسة أبو سلمان المغني، حيث يقع على كاهلها حل المشكلات المجتمعية والنزاعات بين العوائل الفلسطينية في قطاع غزة.
اعتبر محللون أن خطوة حل هيئة العشائر ستضر بحالة الاستقرار والسلم المجتمعي
وقد علق المغني في تصريح له على القرار بإمكانية تشكيل هيئة عشائر تابعة للتيار الإصلاحي الذي يتزعمه محمد دحلان في قطاع غزة، ويجدر الإشارة إلى أن حماس أنهت بعد عيد الأضحى مباشرة في 15 من أغسطس/آب 2019 حملة الزيارات الخاصة بقيادات مكتبها السياسي في قطاع غزة تحت عنوان “تواصل” التي استهدفت بشكل أساسي زيارة دواوين العشائر والعائلات الكبرى والمخاتير في قطاع غزة.
وقد اعتبر محللون أن خطوة حل هيئة العشائر ستضر بحالة الاستقرار والسلم المجتمعي، يقصد هنا أن هناك من قيادات العشائر أو المخاتير من سيرفض الانضمام لأي لجان جديدة أو تنفيذ أوامر هيئات قد تشكلها حماس أو تيار دحلان خوفًا على راتبه أو رواتب أبناء العائلة التي يتقاضونها من السلطة الفلسطينية.
هنا يدخل الانقسام الفلسطيني ليس فقط في السلطات الثلاثة، بل حتى في الضابط الأساسي لحالة الاستقرار المجتمعي التي كانت تضبط الاستقرار المجتمعي قبل السلطة، وضبطتها في أوقات تعطيل السلطة “اللجان الشعبية ولجان العشائر”، وكل ذلك يهدف لتقويض أي سلطة خارج قرارات السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح.
لكن ذلك لن يدفع حماس للتراجع رغم أزمتها المالية، أو السلطة للتراجع، ما يجعل عواقب المراسيم الجديدة أكثر تأثيرًا على المواطن الفلسطيني في المقام الأول، ويجعل الحالة الفلسطينية الداخلية في الضفة وغزة أكثر قبولًا لأي مؤامرات أو إملاءات خارجية.
لن يصل الطرفان إلى نتيجة ما دامت الفصائل وحماس يتلقيان تمويلهما المتناقص بعيدًا عن يد السلطة الفلسطينية، وما دامت الأخيرة تعاني أزمة مالية حادة بعد تقليص المساعدات الدولية للحد الأدنى، ووقف إيرادات المقاصة دون قدرة السلطة على توفير الأموال والرواتب لقطاع غزة بشكلها الكامل، وفي ظل المؤامرات الخارجية متمثلة في حصار الطرفين (السلطة وحماس)، لكن المعاناة الأكبر ستقع على كاهل المواطن الفلسطيني في خضم الصراع القائم بين الطرفين والمؤدي إلى إضعافهما، ليبقى السؤال: من المستفيد من حالة الإضعاف المستمرة للنظام السياسي الفلسطيني؟