ترجمة حفصة جودة
بمجرد أن أنهى المصلون صلاتهم انطلقت قنابل الغاز المسيلة للدموع وتشكلت سحب الدخان في السماء، كانت القوات الأمنية قد شنت هجومًا آخر على أنشار، جيب المقاومة الوحيد في كشمير.
تقول فازي – جدة تعيش في أنشار إحدى ضواحي مدينة سريناغار الكشميرية: “يسمع الناس فقط عن يوم القيامة، لكننا نعيشه الآن”، تضيف فازي أن القنابل الصغيرة والغاز المسيل للدموع انطلقوا ناحية حديقة بالقرب من ضريح كان المصلون يتجمعون عنده للصلاة، هرع السكان إلى خط المواجهة على أطراف أنشار الذي يبعد نحو 500 متر لصد هجوم قوات الأمن، كان الهجوم السابق يوم 30 من أغسطس قد استمر 5 ساعات.
“كانت الكريات الصغيرة تنهمر كالمطر والدخان في كل مكان، نحن لا نملك أي سلاح، ليس معنا إلا الله وهو الذي سينصفنا” قالت فازي، لقد مر الآن أكثر من 5 أسابيع على نقض الحكومة الهندية لاتفاقية الحكم الذاتي في جامو وكشمير ووضعت الولاية تحت الحصار الصارم، يخشى العديد من سكان كشيمر أن تصبح طريقتهم للحياة في الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة معرضة للخطر.
المواطنون يركضون في أنشار خلال مواجهات الشهر الماضي
مع انتشار القوات بشكل مكثف وحظر وسائل الاتصال وانتشار حملة اعتقالات واسعة، لم يعد ممكنًا القيام بأي احتجاجات كبيرة، تسيطر القوات شبه العسكرية على كل شبر في سريناغار باستثناء أنشار، استخدم المواطنون – الذين يعمل معظمهم حرفيين مبدعين في نسج شالات الباشمينا – حفارات “JCBs” لحفر الخنادق حول الحي بأكمله، واستخدموا صفائح القصدير وحاويات القمامة والأسلاك الشائكة وجذوع الأشجار كحواجز، وفي الليل يقف فريق المراقبة لمعرفة إذا كانت قوات الأمن ستقترب.
تعد هذه المرة الأولى في العقود الأخيرة التي يمنع فيها المدنيون بكشمير القوات شبه العسكرية الهندية والشرطة المحلية من دخول منطقة ما، حيث تشارك عائلات بأكملها في الأمر، يقول أحد الرجال: “عندما نلقي حجرًا، تقف نساؤنا خلفنا لتمنحنا حجرًا آخر”.
يقول محمد سبحان – في أوائل الخمسينيات وأحد المشاركين في الحراسة الليلية -: “نحن نقوم بذلك لـ3 أسباب: الأول حتى لا يتعرض الشباب للاعتقال، والثاني حتى لا تتعرض منازلنا للنهب، والثالث حتى لا يُنتهك شرف بناتنا ونسائنا”.
النساء يهتفن في مواجهات سريناغار
كانت زوجة سبحان وبناته الأربعة في ضريح بينجاب سحاب عندما بدأ الهجوم، ومثل العديد من النساء جرت سايما الابنة الكبرى لمساعدة المدافعين عن أنشار، يقول أحد الرجال: “تؤدي النساء جميع الأعمال اللوجيستية، فهن يجمعن الحجارة ويجلبن الماء والملح، من المستحيل أن نواصل القتال دون دعمهن”، يستخدم المواطنون الماء المالح لمقاومة تأثير الغاز المسيل للدموع.
أصيبت سايما واثنتان من شقيقاتها – ميسرة 14 عامًا وقرات 12 عامًا – بجروح نتيجة الكريات الصغيرة في أثناء الهجوم، اخترقت كرية معدنية عين ميسرة فهربوها إلى منزل خالتها في مكان آخر في سريناغار وخضعت للعلاج في المستشفى.
أما قرات فقد أصيبت في رأسها، وأصيبت سايما في عنقها وذراعيها، تقول سايما: “في البداية كنت أشعر وكأن رمالاً ساخنة وقعت عليّ، ثم شعرت بعدها بأن رقبتي تحترق”، حصلت سايما على العلاج في الضريح عند المساء بواسطة أطباء تم تهريبهم إلى الحيّ، وأعطوها مسكنات الألم والحقن اللازمة لمنع الالتهابات.
يقول سبحان: “لا أعلم إذا ما كانت ميسرة في المستشفى أم أنها خرجت، فمع انقطاع الاتصالات لا يملك الناس أي فكرة إذا ما كان أقرباؤهم في أمان أم لا”، أما بلال حفيد فازي – 22 عامًا – فقد أصيب بالعمى في عينه اليمنى بسبب إحدى الكريات، يقول محمد رمضان والد بلال: “لم يتوقف النزيف فأرسلناه إلى المستشفى لكن الأطباء قالوا إنهم لا يستطيعون إنقاذ عينه ونصحونا بإرساله إلى مستشفى متخصصة في العيون خارج كشمير”، وعليه فقد تم تهريبه خارج المدينة، لكن رمضان لا يعلم إذا كان ابنه في أمان الآن أم لا.
جرافيتي في أنشار مكتوب عليه “مرحبًا طالبان”
علقت الحكومة في دلهي خدمات الهاتف والإنترنت منذ الشهر الماضي عندما أعلنت إلغاء الاتفاقية، وعادت بعض الخطوط الأرضية إلى العمل لكن لا يمكن الوثوق بها، يعلم القليلون في كشمير حجم الأحداث في أنشار، بينما يجرؤ القليل من سكان أنشار على مغادرتها.
ما زالت الأسواق مغلقة في كل مكان في سريناغار كرد فعل مقاوم من العمال على ادعاء الحكومة في دلهي بأن الأمور عادت إلى طبيعتها في المنطقة، كما أن المواصلات العامة ما زالت مغلقة أيضًا.
بعد إبطال اتفاقية كشمير تم تجريد المنطقة من دستورها وعلمها، أما القوانين التي كانت تمنع الغرباء من شراء الأراضي في المقاطعة فقد اختفت تمامًا، وفي انشار تم وضع منشورات المقاتلين على المتاجر المغلقة ويقول أحد الشباب هناك: “لا تنادوهم بالمسلحين، إنهم مجاهدون يقاتلون من أجل قضيتنا”، حيث يعتقد الكثيرون أن هؤلاء المقاتلين أملهم الوحيد في أعقاب قرار دلهي.
قالت الحكومة الهندية إن هذا القرار سيساعد على التخلص من حالة الإرهاب وجلب التنمية، كما أنها ما زالت مصرة على هدوء الوضع، يقول سبحان: “إنهم يقولون إن الأوضاع طبيعية، فما الطبيعي؟ لقد أغلقوا المسجد الرئيسي، فمسجد جاميا مغلق الآن، إذا كانت هذه البداية فما الذي سيحدث بعد ذلك؟” قرر سبحان أن يواصل المشاركة في الحراسة الليلية قائلاً: “أنشار تقاتل من أجل كشمير كلها”.
الجروح التي أصابت جسد أحد الطلاب
في المساء تنتشر مجموعات الشباب على طول الطريق في المدينة، يقول طالب جامعي يجلس في منزله للتعافي من الإصابة: “عندما يدق جرس الإنذار ينطلق الجميع للدفاع عن المكان”، كانت أكثر من 100 كرية قد أصابت جسد الطالب وعنقه ورأسه، حيث يقول: “كان الأمر مؤلمًا للغاية، فعندما أصبت أحسست وكأن 100 إبرة قد وخزتني”.
تشعر خديجة – والدة الطالب – بقلبها يرتجف كل ليلة خشية وقوع غارة أخرى، حيث تقول: “فليبعث الله إلينا رحماته الآن”، أما ابن خديجة الأكبر – 24 عامًا – الذي يعمل حائك شالات فهو يشارك بانتظام في الحراسة الليلية حيث يقول: “يخرج الناس من منازلهم مثل النحل عند انطلاق صافرة الإنذار الخاصة بغارة قادمة، إننا جميعًا مثل أسرة واحدة وقبضة يد واحدة”.
وصف الابن مقاومة أنشار بأنها “قتال من أجل البقاء” حيث يقول: “نحن نقاتل من أجل الحق ومن أجل الحرية، إنهم يريدون إبادتنا وإبادة تاريخنا، ولن نسمح بحدوث ذلك”.
المصدر: الغارديان