في يونيو/حزيران 2016، وبعد فشل محاولة انقلاب الجيش على حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان في تركيا، أصدر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تقريرًا، يتهم فيه محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح ومستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، بإرسال أموال والتواصل مع المعارض التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، المتهم الرئيسي بتدبير محاولة الانقلاب، وذلك قبل أسابيع من المحاولة الفاشلة.
وبعد عام من صدور التقرير الذي أعده الصحفي ديفيد هيرست معتمدًا على مصادره الأمنية التركية الخاصة، بدأ دحلان دعوى قانونية ضد الموقع البريطاني، كما رفع دعوى مشابهة ضد موقع “فيسبوك”، زاعمًا عدم صحة المعلومات التي نشرت عن دوره في تدبير المحاولة الانقلابية للإطاحة بالرئيس أردوغان، وكان من المقرر أن تعقد المحاكمة في نوفمبر المقبل.
انسحاب ودفع تكاليف
إلا أن دحلان وقبل أيام من الاستجواب، انسحب من القضية ليخسر بذلك دعواه القضائية بعد أكثر من عامين على رفعها، وفي ظل تراجعه عن القضية فإن المحكمة تلزمه بكل تكاليف المحاماة للطرفين والقضية البالغة أكثر من نصف مليون جنيه إسترليني، وبحسب “ميدل إيست آي“، فإن دحلان كان على موعد في المحكمة لتبادل الأوراق الرسمية المتعلقة بالقضية، التي كان يتوجب على دحلان و”ميدل إيست آي” أن يكشفا فيها بياناتهما، بما فيها كل المراسلات الإلكترونية الخاصة بالدعوى.
محمد دحلان
ويثير انسحاب اللحظة الأخيرة لدحلان من المواجهة القضائية عدة تساؤلات، خاصة أنه سيتكلف نصف مليون جنيه إسترليني، بشأن أسباب هذا الهروب للأمام، وما إن كانت المرافعة ستكشف تورط دول أخرى يعمل لحسابها أو أنه توصل إلى أن الأدلة التي سيقدمها الطرف الآخر قد تعريها وتحرج داعميه.
إلا أنه وفي بيان نشره على صفحته الرسمية على فيسبوك برر دحلان سحب القضية بأنه حقق أهدافه في المحاكم الإنجليزية، في سياقٍ غير مفهوم، مشيرًا إلى أنه “سيركز الآن جهوده على مواصلة الإجراءات القانونية بقوة ضد Facebook أمام المحكمة العليا في دبلن على خلفية نشر هذه الادعاءات الكاذبة دوليًا على نطاق واسع وشامل، وكذلك لنشره بيانات خاصة بالنائب دحلان بشكل غير دقيق”.
وفي معرض دفاعه أمام المحكمة قال “ميدل إيست آي” إن ما نشره كان يتعلق بمصلحة عامة عليا ومحاولات بلد التدخل في شؤون بلد آخر، ولفت إلى أن “دحلان لا يتمتع بسمعة جيدة، حيث سبق أن أدين غيابيًا بتهم احتيال وفساد عندما كان رئيسًا لجهاز الأمن الوقائي في غزة، كما أنه يعمل حاليًّا لدى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وليس لديه سمعة كافية لحمايته من هذه المزاعم.
يقول الموقع: “المحكمة كانت قد وضعت جدولًا زمنيًا صارمًا من أجل إنهاء الإجراءات، حيث كان من المقرر أن تنتهي المحاكمة ويتم البت في الدعوى في نوفمبر المقبل، بعد أن يكون دحلان قد خضع لاستجواب المحكمة وأجاب عن استفساراتها، لكن هذا لم يحدث بسبب تراجع دحلان عن الدعوى في اللحظات الأخيرة”.
صحافة مصانة
من جهته احتفى ديفيد هيرست بانسحاب دحلان قائلاً: “صحافتنا مصانة”، وبنبرة تحدٍ أضاف “المقال الذي نشرناه في العام 2016 لا يزال منشورًا على الموقع وبصيغته الأصلية”، مضيفًا “ما حدث كان مصممًا لإخافتنا وإسكاتنا، وعندما رأى دحلان أننا جاهزون تمامًا للدفاع عن أنفسنا وذلك في مرافعتنا لدى المحكمة العليا تراجع ثم أصبح عليه أن يدفع كل التكاليف القانونية التي تكبدناها”، ورأى هيرست أن انسحاب دحلان يؤكد أنه “لم يكن مستعدًا للدفاع عن سمعته أمام المحكمة العليا في بريطانيا”.
الصحفي ديفيد هيرست
تورط محقق
وبالعودة لمحاولة الانقلاب الفاشلة، يتكرر اسم محمد دحلان بكل تقرير أو تسريب عن داعمي المحاولة الفاشلة، ففي يونيو الماضي، قالت صحيفة صباح التركية: “الجاسوس الإماراتي الذي اعتقلته تركيا، أدلى باعترافات مثيرةٍ تتعلق بالقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان”، واعترف الجاسوس الذي ألقت أنقرة القبض عليه ضمن ما قالت إنها خلية تجسس إماراتية “بأن محمد دحلان أبلغه قبل أسبوع من محاولة الانقلاب الفاشلة بتركيا، في يوليو/تموز 2016 أنه سيجري حدث بتركيا”، وأضافت الصحيفة، عن مصادر أمنية، أن محمد دحلان متورط بتقديم الدعم المالي في محاولة الانقلاب بتركيا.
وقبل محاولة الانقلاب بشهور نشرت مجلة “غيرتشيك حياة” التركية، تقريرًا تحت عنوان: “مخطط انقلابي جديد ضد أردوغان”، وتحدث التقرير عن نشاطات محمد دحلان الإقليمية والدولية، وأشارت إلى أنّ “مخطط انقلابي متعدد الجنسيات ضد حزب العدالة والتنمية ترؤسه الإمارات بإشراف من دحلان”، وذكرت المجلة حينها أنّ “كلًا من روسيا والإمارات، قامتا بتكليف محمد دحلان، بمهمة إسقاط حُكم أردوغان في تركيا”.
وفي سياقٍ متصل، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية نقلًا عن دبلوماسي عربي، إن دحلان يعامل في الإمارات “كشيخ من الأسرة الحاكمة، أي معاملة تفوق تلك التي تخصص للوزراء، ففي باريس مثلًا، تفتح له السفارة الإماراتية قاعة الشرف في المطار ويستقبل بسيارات الليموزين”.
وحسب مصادر “ميدل إيست آي“، فإن الإمارات شعرت بالخوف بعد فشل المحاولة الانقلابية، وحاولت أنْ تنأى بنفسها عن دحلان واتصالاته بفتح الله غولن.
محمد بن زايد ومن خلفه مستشاره دحلان
وتبرز هذه القضية حاليًّا، في ظل صعود دحلان كذراع لأنظمة الثورات المضادة، التي تعادي الربيع العربي وحركات التحرر وتنشط في تحريك المكائد ضد الدول بدءًا من ليبيا وليس انتهاءً بتركيا، من أجل ذلك كان مكتب المحاماة المدافع عن الموقع البريطاني واثقًا من الفوز بالقضية قبل انسحاب مستشار ابن زايد منها، مشيرًا إلى أن “دحلان لا يتمتع بسمعة جيدة داخل بريطانيا ولا في الشرق الأوسط ولا في منطقة الخليج، وبالتالي فإن مطالبه بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بسمعته جراء المقال لا معنى لها”.