منذ عصور تاريخية ضاربة في القدم وحتى يومنا هذا تعد الهند بلد التعددية العرقية والدينية واللغوية بامتياز، فطوال تاريخها حافظت الهند على هذا الطابع الفريد والمميز دون أن تمس نسيجها المتنوع ومجتمعها المتعدد، إذ يتوزع سكانها في انتماءاتهم العرقية إلى المغول والآريين واليونانيين إضافة إلى الشعوب المنحدرة من وسط آسيا والعرب والترك وكذلك الأفغان الذين حكموا الهند في فترة تاريخية قديمة بدأت خلال القرن الثاني عشر الميلادي.
فعقب الفتوحات الإسلامية الأولى تعرضت شبه القارة الهندية لبعض الاضطرابات التي أثرت على استقرار الحكم في بعض أجزائها وذلك حتى نجحت “الدولة الغزنوية” خلال أواسط القرن الثالث الهجري في بسط سيطرتها على الأجزاء الوسطى والجنوبية من شبه القارة الهندية بالإضافة إلى أفغانستان، وبعد منتصف القرن الخامس الهجري انهارت الدولة الغزنوية على يد الأتراك السلاجقة لتجتاح بعدها الفتن السياسية شبه القارة الهندية وأفغانستان، وذلك حتى ظهور أمراء أقليم الغور الأفغان بقيادة معز الدين محمد بن سام المعروف باسم شهاب الدين الغوري ومن هنا قامت الدولة الغورية على أنقاض الدولة الغزنوية التي حكمت شبه القارة الهندية أكثر من قرنين من الزمان.
أصل الغوريون
اختلفت الروايات التاريخية في تحديد أصل الغور حيث ذهبت بعض المصادر إلى نسب الغوريين إلى الضحاك الذي حكم إيران قديماً وقضى على دولته الملك أفريدون بن أثغيان، ويقول القرماني بأن الغوريين من الترك أما ابن بطوطة فينفرد بروايته التاريخية الخاصة ومفادها بأن الغوريين ينسبون إلى غور الشام وهم نتاج اختلاط الدم العربي بالإيراني.
بينما يرى فريق من المؤرخين أن الغور ينحدون من أصول أفغانية قديمة استقرت في المنطقة الجبلية المسماة بالغور والتي تقع في المنطقة الجبلية من أفغانستان الحالية وتحيط بها الجبال من جميع الجهات.
النفوذ السياسي للغوريين: مرحلة ما قبل قيام الدولة
في البداية كان الغوريون تابعين للدولة الغزنوية ففي عهد السلطان محمود الغزنوي بدأ الأمير محمد بن سوري في مد نفوذه إلى بلاد الغور وذلك بنية التوسع خارج حدود ولايته ومن ثم نيل الاستقلال السياسي والتخلص من كافة أشكال التبعية للغزنويين ولهذا قام بتشكيل قوة عسكرية فعالة من الغوريين الذين لم يكتفوا بدورهم الصغير كونهم جنود تحت قيادة الأمير ولكنهم توسعوا في تعلم فنون القتال وتنظيم العمليات الحربية ساعدهم في ذلك الأمر معرفتهم القوية بطبيعة التضاريس الجرافية لمنطقة الغور ذات الجبال الوعرة، وما إن بدأ الضعف يدب في جسد الدولة الغزنوية حتى لاحت في الأفق قوة الغوريين.
اعتمدت الدولة الغورية في بداية تأسيسها على الأسرة الغورية التي تولت حكم المناطق المهمة والولايات الكبيرة كما استعان السلطان شهاب الدين الغوري في توطيد دعائم دولته على المماليك
جدير بالذكر أن سقوط الدولة الغزنوية لم يكن فقط بسبب الغوريين؛ ففي منتصف القرن السادس للهجرة” القرن الثاني عشر الميلادي” أخذت الدولة الغزنوية في الضعف نتيجة عدة عوامل أبرزها كان انشغالها الدائم في حروب كثيرة في بلاد الهند وخرسان، هذا بالإضافة إلى أن أغلب رجال الدولة انغمسوا في حياة الترف والرفاهية وعلى الرغم من المصاهرات الموجودة بين الغوريين والغزنويين إلا أن تلك المصاهرات لم تمنع حكام الغور من التوجه إلى عاصمة الدولة الغزنوية “غزنة” والسيطرة عليها.
قيام الدولة الغورية
اعتمدت الدولة الغورية في بداية تأسيسها على الأسرة الغورية التي تولت حكم المناطق المهمة والولايات الكبيرة كما استعان السلطان شهاب الدين الغوري في توطيد دعائم دولته على المماليك فقد كان يشتريهم ويخصهم برعايته وذلك من أجل إعدادهم للغزو والجهاد كما كان يرقي منهم أصحاب المواهب العالية في القيادة والحكم.
وعلى الرغم من أن الغور اتخذوا مدينة فيروزكوه عاصمة لهم وهي مدينة جبلية بعيدة عن الهند إلا أن ذلك لم يمنع سيطرتهم القوية على شبه القارة الهندية، حيث قادوا حملات واسعة النطاق من أجل نشر تعاليم الإسلام في الهند.
توسعات الدولة الغورية
وجه السلطان غيث الدين جيشه صوب الملتان عاصمة السند وذلك بقيادة أخيه شهاب الدين الذي تمكن من إزاحة الإسماعيليين في السند حيث استولى على دولتهم وبعد أن استقر الأمر في الملتان سار شهاب الدين بجيشه قاصداً قلعة “إج” الحصينة واستطاع أيضاً ضمها إلى نفوذه.
حقق الغوريون تلك الانتصارات بسبب مهاراتهم العسكرية في إدارة العمليات الحربية بالإضافة إلى فقدان الهند للوحدة السياسية حيث أساس الغوريين الأفغان دولة إسلامية قوية وموحدة في الهند
وقد حاول الهنود مراراً وتكراراً وقف النفوذ الغوري إذ اشتبكوا معهم في عدة معارك أهمها معركة شاندران التي انتصر فيها الغوريون وتمكنوا بعدها من الاستيلاء على قنوج وبنارس وجاولار ونهرواله ثم زحفوا على إقليم بهار والبنغال وكالنجار مما زاد من قوة دولتهم وخاصة بعد السيطرة على الأراضي في شمال الهند كلها حيث شيدوا فيها المساجد وأصبح الطريق مفتوحاً أمام دلهي التي وقعت في نهاية الأمر تحت سطوة الغوريين بعد قتال شديد مع أهلها وعين عليها الأمير شهاب الدين مملوكه قطب الدين أيبك الذي أسس فيما بعد لسلالة المماليك الأتراك في دلهي واتسعت حدودهم لتصل إلى حدود دولة الصين.
وقد حقق الغوريون تلك الانتصارات بسبب مهاراتهم العسكرية في إدارة العمليات الحربية بالإضافة إلى فقدان الهند للوحدة السياسية حيث أسس الغوريين الأفغان دولة إسلامية قوية وموحدة في الهند لها كيانها ومقوماتها.
شهاب الدين الغوري: الأمير الذي أقام دولة إسلامية قوية في الهند
يعد شهاب الدين الغوري هو حاكم البلاد الحقيقي وواضع أساس الإمبراطورية الإسلامية في الهند، حيث قاد أغلب المعارك الحربية طوال فترة حكم أخيه السلطان غياث الدين الذي كان ملكاً قوياً رغم قله حروبه، ففي الوقت الذي كان شهاب الدين يصول ويجول في أرض المعركة كان غياث الدين يبني المساجد والمستشفيات كما كان بلاطه ملجأ للشعراء والعلماء ورغم جميع الانتصارات التي حققها شهاب الدين إلا أنه لم يجلس على كرسي العرش سوى عامين فقط بعد أخيه غياث الدين ليُقتل خلال عام 1206 ويتولى مملكوه قطب الدين أيبك مقاليد الحكم من بعده.
اضطراب الدولة الغورية ونهايتها
بعد وفاة الأمير شهاب الدين الغوري دبت الصراعات السياسية في بناء الدولة الغورية واستطاعت التمكن من النيل منه إذ تنافس الأمراء الغوريين على عرش السلطنة مما أنهكها وأضعفها، وفي الوقت الذي كان يتصارع فيه الغوريين على الوصول لسدة الحكم كانت الأسرة الخوارزمية قد رفعت لواء السلطنة في خوارزم وكذلك ماوراء النهر ولأن الصراع بين الدولتين المتجاورتين كان حتمياً فقد تمكنت دولة خوارزم من حسم الصراع بسبب قوتها بالإضافة إلى استغلال بعض الولايات الهندية لانشغال الغور بالحرب من الخوارزميين مما شجعهم على انتزاع بلاد خرسان ثم ممتلكاتهم في أفغانستان وذلك حتى تمكنوا في النهاية من السيطرة على فيروزكوه وذلك بسبب ضعف أميرها علاء الدين محمد بن شجاع الدين علي وبذلك انتهت الدولة الغورية تماماً بعد أن أنهكت في صراعات داخلية وحروب خارجية مع الهنود والخوارزميين.
عاصر التمش اجتياح المغول المدمر للبلاد بزعامة جنكيز خان إلا أن المغول انسحبوا سريعاً من الهند ووجهوا معاركهم الضارية صوب الغرب فنجت بلاد التمش من الدمار المؤكد
ورغم ضعف وتصدع دولة الغوريين إلا أن قطب الدين أيبك استطاع الحفاظ على ولاية دلهي إذ كان قائداً سياسياً ماهراً وحاكماً عادلاً ولكن الحياة لم تطل به كثيراً حيث لقي مصرعه بعد أن وقع من فوق ظهر حصانه عام 1210 ميلادية، وخلفه من بعده ابنه “آرام شاه” الذي لم يكن مؤهلاً لإدارة شئون البلاد ثم تولى مقاليد الحكم من بعده “شمس الدين التمش” أحد مماليك والده البارزين والذين كان قائداً موهوباً صاحب دراية وخبرة كبيرة في التنظيم والإدارة إذ يعد المؤسس الحقيقي لدولة المماليك في الهند واستمرت ولايته حتى عام 1236 وقد خلفه أبناؤه من بعده.
وقد عاصر التمش اجتياح المغول المدمر للبلاد بزعامة جنكيز خان إلا أن المغول انسحبوا سريعاً من الهند ووجهوا معاركهم الضارية صوب الغرب فنجت بلاد التمش من الدمار المؤكد وفي الوقت الذي انشغل فيه الغرب بمحاربة المغول تمكن شمس الدين التمش من استعادة جميع الأراضي الهندية وبلغ النصر مداه حين اعترفت الخلافة العباسية بولايته على الهند وأقرته سلطاناً على عرشها كما بعث له الخليفة المستنصر بالله بالتقليد والألوية والخلع فأصبح أول سلطان هندي يحصل على هذا التقليد، وفي عهده ضُربت نقود فضية نُقش فيها اسمه بجوار اسم الخليفة العباسي وكانت حينها أول نقود عربية تُضرب في الهند.