ترجمة وتحرير نون بوست
باعتباره رجل المفاجآت دون منازع، فاجأ دونالد ترامب العالم في نهاية هذا الأسبوع بخطوتين، كانت أولهما تحديد اجتماع “سري في كامب ديفيد في محاولة لتسوية النزاع في أفغانستان، وثانيهما إلغاء هذا الاجتماع وعملية السلام برمتها. إن القرار الثاني بلا شك قرار حكيم. فقد شنت طالبان قبيل وصول وفدها إلى الولايات المتحدة هجوما إرهابيا في أفغانستان أسفر عن مقتل 12 شرطيا وجنديا، كان بينهم أمريكي.من البديهي أن لا يتحمل أي رئيس لقاء ممثلي طالبان بعد هذه الإساءة. لقد أوضح الهجوم أن المجموعة التي كانت تسيطر على أفغانستان إلى أن أطاح بها الغزو الأمريكي إثر هجمات 11 أيلول/ سبتمبر التي شنتها القاعدة في الولايات المتحدة، لا تعمل بشكل جدي من أجل السلام بقدر ما تكافح للعودة إلى السلطة عن طريق العنف
هجمات المخربين على عملية صنع السلام
هل يهاجم المخربون بالفعل عملية صنع السلام؟ كما هو الحال بالنسبة للعديد من الجماعات الإرهابية والمجموعات السياسية العادية في هذه المنطقة أو مناطق أخرى من العالم، يعتبر الحديث عن أي “جماعة” من منطلق كونها تتبنى فكرا موحدا أو تضمر نية موحدة غير صحيح بشكل عام. ففي حين أن الهجوم الأخير قد يكون منفذًا بأمر من القيادة العليا لطالبان، فإنه من السهل أن تقوم به مجموعة فرعية.
إذا كان الأمر كذلك، فإن الأهداف ستكون كالآتي: أولا، جعل الخروج بنتيجة إيجابية من اجتماع كامب ديفيد الوشيك أمرا مستحيلا. ثانيا، إطلاق السباق من أجل السلطة السياسية داخل أفغانستان عقب انسحاب الجيش الأمريكي، الذي يعتبر حضوره ضروريا للحفاظ على الرئيس أشرف غني وأتباعه في الإدارة. وتكمن المشكلة في أننا غالبًا ما ننسى أنه عندما يكون هناك فراغ كلي أو جزئي مؤكد في السلطة، لا ينتظر المتنافسون بل يتحركون على الفور. لذلك، يبدوا أن آثار انسحاب الولايات المتحدة من السياسة الأفغانية بدأت بالفعل.
بغض النظر عن إمكانية اعتباره نتيجة سلمية أو على الأقل إيجابية لخروج الولايات المتحدة من أفغانستان، فإن ظهور المخربين وأجندتهم ليس شيئًا جديدًا أيضًا. ونحن نرى الآن إمكانية بداية المفاوضات المباشرة بين إدارة ترامب وجزء من القيادة الإيرانية على الأقل. في الأثناء، إن مصادر القوة العسكرية في إيران، التي يمثلها الحرس الثوري الإيراني الذي يعتبر كليبتوقراطية لا تريد تغيير العلاقات مع الغرب، قد كثفت مؤخرا أنشطتها العسكرية. في المقابل، صعدت إسرائيل التي لا ترغب في رؤية أي تخفيف للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران من هجماتها العسكرية على القوات الإيرانية ووكلائها في سوريا.
من الواضح أن هذه الأفعال مصممة بوضوح لإعاقة أي تواصل دبلوماسي بين البلدين. في الآن ذاته ونتيجة لهذه الخطوات، فقدت مبادرة أوباما التي تعتبر إنجازا استراتيجيا كبيرا الكثير من قيمتها.
إن تقنية التخريب ليست حديثة العهد. قبل ثلاث سنوات، وتحديدا عندما اختتمت إدارة أوباما خطة العمل الشاملة المشتركة المصممة لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، أجرت طهران على الفور بعض اختبارات الصواريخ الباليستية. ومن الواضح أن هذه الأفعال مصممة بوضوح لإعاقة أي تواصل دبلوماسي بين البلدين. في الآن ذاته، قام مسؤولون في وزارة الخزانة التابعة لأوباما بدراسة رفع بعض العقوبات على إيران، كما هو متفق عليه في خطة العمل الشاملة المشتركة، عبر فرض عقوبات جديدة بسبب سلوكيات إيران السيئة الأخرى. نتيجة لهذه الخطوات، فقدت مبادرة أوباما التي تعتبر إنجازا استراتيجيا كبيرا الكثير من قيمتها.
بالعودة إلى التاريخ، يتذكر الجميع القتل الوحشي للمقعد ليون كلنغهوفر الذي ألقيت جثته سنة 1985 في البحر الأبيض المتوسط من على متن السفينة السياحية “أكيلي لاورو” من قبل إرهابيين ينتمون إلى منظمة جبهة التحرير الفلسطينية. هذا الفعل لم يكن مجرد عمل قاس وإنما تم في إطار محاولة ناجحة لتخريب الاجتماع الوشيك لكبار المسؤولين الإسرائيليين مع القادة الأردنيين لمتابعة سبل السلام.
السياسة الأمريكية الجديدة في أفغانستان
حتى قبل الإعلان المفاجئ عن اجتماع كامب ديفيد بين الرئيس ترامب وقادة طالبان، كان الجميع يعلمون أن الولايات المتحدة تستعد لخفض عدد قواتها في أفغانستان بشكل كبير. ويتمثل الرقم الذي عادة ما تتداوله وسائل الإعلام في تخفيض عدد القوات من حوالي 14 ألف إلى 8 آلاف جندي، تاركة وراءها القوات الخاصة وبعض الدعم للجيش الأفغاني. إن الرسالة واضحة، وهي تتمثل في تغيير الولايات المتحدة لاستراتيجيتها في أفغانستان والقيام بما في وسعها لإنهاء أو خفض أي اعتداءات إرهابية صادرة عن أفغانستان ضد الولايات المتحدة أو (ربما حلفائه أيضا).
والجدير بالذكر أن الجولات التسع من المفاوضات التي أجريت في الدوحة بين طالبان والمفاوض الأمريكي السفير زلماي خليل زاد -المولود في أفغانستان والذي يتحدث بطلاقة لغتي الباشتو والداري- قد أقصت غني وأي فرد من أعضاء حكومته الآخرين. حسب ما ورد في بعض التقارير، كان من الممكن لترامب أن يجري محادثات كامب ديفيد بين طالبان وغني بشكل منفصل، مع إمكانية إقامة بعض الاجتماعات المشتركة إذا كان هناك تقدم كبير نحو اتفاق. لذلك، تبدو رسالة الولايات المتحدة واضحة وضوح الشمس، فهي ستتولى رعاية مصالحها الخاصة في حين على غني أن يدافع عن نفسه.
إن ذلك يضاهي قرار الولايات المتحدة في ظل قيام إدارة نيكسون بفتمنة حرب فيتنام، الذي ينص على خروج الولايات المتحد، دون التخلي عن مساعدة الفيتناميين الجنوبيين في الدفاع عن أنفسهم (وقد تعهدت بذلك الولايات المتحدة آنذاك، بناءً على الطلب الكونغرس الأمريكي).
بدى هذا المفهوم ساذجًا لكنه حقق هدفا حظي بدعم واسع من الجمهور الأمريكي، ليس فقط من قبل “الحمائم” الذين أرادوا أن تنسحب أمريكا من الحرب فحسب،
تضمنت المحادثات عنصرا آخر اقترحته الفيتنام. لقد تحدث الرئيس ريتشارد نيكسون ومستشار الأمن القومي هنري كيسنجر عن اتفاق لوقف إطلاق النار الذي أبرم قبل انهيار فيتنام الجنوبية. في ذلك الوقت، بدى هذا المفهوم ساذجًا لكنه حقق هدفا حظي بدعم واسع من الجمهور الأمريكي، ليس فقط من قبل “الحمائم” الذين أرادوا منذ فترة طويلة أن تنسحب الولايات المتحدة من الحرب فحسب، بل من قبل “الصقور” أيضا الذين لم يريدوا أن تكون الولايات المتحدة جزءًا في حرب لم يكن قادتها مصممين على الفوز بها.
يمكن أن يُطلق على ما يجري في الدبلوماسية الأمريكية الأفغانية اسم الجهود المبذولة من أجل خلق تصعيد في مجريات هذه الحرب. لكن ما إذا كانت هناك أسباب وجيهة لذلك فيما يتعلق بالمصالح الأمريكية أو غيرها من العوامل المعنية، فيجب دراسة ذلك بعناية. فمن جهة، من المؤكد أن حركة طالبان ستحظى بالنفوذ والسلطة، إن لم يكن في جميع أنحاء أفغانستان فإنه على الأقل في أجزاء رئيسية منها، خلال فترة قصيرة من مغادرة القوة العسكرية الأمريكية. لذلك، لا ينبغي على أحد المراهنة على عكس ذلك.
في المناطق الخاضعة لسيطرة حركة طالبان، ومع توسع مناطق نفوذها، فإن التطور الاجتماعي الذي حققته أفغانستان خلال السنوات الثماني عشر الماضية سينعكس بشكل شبه مؤكد. وستكون وطأة ذلك شديدة على وجه الخصوص بالنسبة للنساء والفتيات، حيث سيشمل ذلك العودة إلى الممارسات الإسلامية الأصولية في العصور الوسطى وتفكيك كل معالم الحداثة في حياة الناس.
من جهة أخرى، لن تواصل الولايات المتحدة إنفاق الكثير من الأموال التي يمكن استخدامها لأغراض أخرى. حتى الأشخاص في الولايات المتحدة الذين لا يعارضون استمرار المشاركة العسكرية الأمريكية الكبيرة في أفغانستان، من المحتمل أن يكون لديهم أولويات عسكرية أخرى تتمثل في إعادة هيكلة القدرات العسكرية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالصين وشرق آسيا. (على الصعيد الاستراتيجي، لا تزال أفغانستان تشكل مأزقًا لمصالح الولايات المتحدة، وتحتل المرتبة الأولى في أي قائمة حول أولويات الولايات المتحدة).
هل ينبغي أن يكون دور الولايات المتحدة في الحرب أكبر للحد من استخدام أفغانستان كقاعدة للإرهاب ضد الغرب؟
من الناحية النظرية، ستتراجع نسبة المخاطر التي تهدد حياة العسكريين الأمريكيين، ولكن من المحتمل أنها لن تنعدم بتاتا. فقد تخفض طالبان من حجم الهجمات التي قد تعرض حياة الجنود الأمريكيين للخطر طالما أن القوات الأمريكية لازالت موجودة هناك. من هذا المنظور، يمكن أن تفسر عملية قتل أحد الجنود الأمريكيين، التي جدّت خلال الأسبوع الماضي، على أنها “خطأ”.
في الواقع، إن ثمن استمرار الدعم الأمريكي الذي كلف بعض الأرواح والكثير من ثروات الحكومة الأفغانية كان ثمنا مقبولا منذ زمن طويل في السياسة الأمريكية. وفي الغالب، تكون مسألة فقدان الأرواح على ساحة المعركة في الولايات المتحدة بمثابة مأساة فردية. ومع عدم وجود عمليات تجنيد عسكرية في الوقت الحالي، لا يحظى هذا الموضوع بالصدى ذاته في المجتمع الأمريكي، كما كان الحال مع حرب الفيتنام. علاوة على ذلك، نادرا ما تناقش تكلفة السياسة الأمريكية الأفغانية بين صناع السياسة الأمريكية، على الرغم من أن هذه المسألة باتت ضرورية.
معضلة حقيقية
هل ينبغي أن يكون دور الولايات المتحدة في الحرب أكبر للحد من استخدام أفغانستان كقاعدة للإرهاب ضد الغرب؟ أم هل ينبغي على الولايات المتحدة إلى حد كبير، إن لم يكن بالكامل، “الخروج” وقبول الخطر المتمثل في قلب مسار عملية التحديث التي مرت بها أفغانستان؟ لن تغير حركة طالبان وغيرها من الجماعات الإرهابية من مواقفها الأيديولوجية، فضلا عن أنها ستظن أنها قد تغلبت على الولايات المتحدة. ولا يمكن اعتبار الوعود التي يمكن أن تقطعها بعدم تصدير الإرهاب صادقة، وخير دليل على ذلك ما حدث الأسبوع الماضي. وبالنسبة لطالبان، هناك ثمن ضئيل يتعين دفعه مقابل الحصول على فرصة لمحاولة الحصول على كل شيء.
لن يكون من الصعب عليهم تقديم هذا التعهد. فبعد كل شيء، لم تكن طالبان هي المسؤولة عن أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وإنما نفذها أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة الذي وفرت له طالبان المأوى. لقد كانوا هدفًا بديهيا للولايات المتحدة، خاصة أن الحركة لم تكن على وشك مهاجمة المملكة العربية السعودية، موطن 19 من منفذي هجمات 11 أيلول/ سبتمبر الانتحارية والذين كانت مؤسستهم الدينية مسؤولة عن إرساء منذ فترة طويلة كل الإرهاب الإسلامي السني، وانتشاره من جنوب شرق آسيا وحتى الشرق الأوسط إلى إفريقيا.
لا تزال المملكة العربية السعودية الراعي الرئيسي للإرهاب، وليس إيران، كما تزعم الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى. وقد حظيت عملية غزو أفغانستان في خريف سنة 2001 بدعم واسع النطاق في الولايات المتحدة، حتى الكاتب ذاته دعم ذلك. بخلاف محاولة القبض على أسامة بن لادن وقتلته، التي فشلت، لم تكن هذه “الحرب ضرورية”، لكنها حرب انتقام. في بعض الأحيان، تلجأ بعض الدول إلى حرب الانتقام، بيد أنه من الناحية التاريخية أُثبت أن اعتماد استراتيجية عدم التعرض ناجح أكثر.
قد لا يكون من الممكن تحديث الدولة من الداخل مهما كان حجم الأموال الخارجية التي يقع ضخّها.
لكن بمجرّد تدمير الولايات المتحدة لهيكل الدولة في أفغانستان الذي كان هشًا، فقد علقت هناك. وبدلاً من مجرد إيجاد بعض البدائل لحكم طالبان في كابول ثم المغادرة، الذي كان يبدو وكأنه تمرين لدواعي تتطلّبها المصلحة العليا، فإن الولايات المتحدة قد حملت على عاتقها مهمة تحديث واحدة من أكثر دول العالم “تخلفًا”.
نسيت القيادة في واشنطن، التنفيذية والتشريعية على حدّ سواء والمنحدرة من كلا الحزبين، الحرب التي استمرت 13 سنة والتي كانت ضرورية لإنهاء القتال ضد الوجود الأمريكي في الفلبين عقب 1898، إلى جانب الفشل المريع لجهودنا لتحويل المنهج السياسي وهيكل المجتمع الفيتنامي الجنوبي، والتي لم تكن تفتقد للحماس فقط، بل كانت أيضا مستحيلة.
إنّ تحديث أفغانستان ظاهريا يعدُّ بالفعل مُستحيلا. وفي هذه المرحلة من تطوّرها، قد لا يكون من الممكن تحديث الدولة من الداخل مهما كان حجم الأموال الخارجية التي يقع ضخّها. كما استفادت بعض الدول غير الحديثة من الموارد التي تقدّمها الجهات الأجنبية، وتُعدُّ الهند من أبرز الأمثلة على ذلك. ولكن هذا ليس مؤكدًا تماما، حيث أنّه في كثير من الأحيان، عمّق التدّخل المباشر للجهات الأجنبية الأزمات السياسية والاجتماعية المحلية.
تداعيات ذلك على منظمة حلف شمال الأطلسي
في بيئة مختلطة كهذه، ينبغي على الولايات المتحدة أيضًا التفكير في جميع حلفائها الأوروبيين، إلى جانب العديد من الدول الأخرى التي انخرطت في حرب أفغانستان بناءً على طلب الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أنّ دوافع الأوروبيين كانت متماثلة تقريبا. فقد كانوا جميعا قلقين بشأن تداعيات الهجوم على الولايات المتحدة في 11 أيلول/ سبتمبر، حيثُ من الممكن أن تفقد الولايات المتحدة الاهتمام بالأمن الأوروبي وتُرّكز بدرجة أكبر على ما أصبح يُعرف بـ “الحرب العالمية على الإرهاب”، التي لطالما عكست توصيفًا مبالغاً فيه للتهديد الذي واجهته الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. لذلك، ودون أن تطلب الولايات المتحدة ذلك، تذرّع حلفاء الناتو في 12 أيلول/ سبتمبر بالمادّة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي، والمتمثّلة في التعهد بالتصدّي لأيّ هجوم يقع توجيهه على أيّ أحد من الحلفاء واعتباره هجوما على جميع الحلفاء.
مع تعمّق تدّخل الولايات المتحدة في أفغانستان، حشد الحلفاء الدعوات لدعم التدّخل العسكري المباشر من خلال نشر قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن، وقد انتهى ذلك بحلول سنة 2014 بأدنى مستويات من الالتزام من خلال ما يُعرف حاليا ببعثة الدعم الحازم، التي ضمّت حوالي ستّة آلاف جندي (بالإضافة إلى قوات الولايات المتحدة) من 36 دولة من حلف الناتو ودول من منظمة “الشراكة من أجل السلام”.
لا تزال الأمور غير واضحة فيما يتعلّق بإبقاء واشنطن حلفاءها على اطلاع تام بالدبلوماسية المتّبعة في أفغانستان، على الرغم من أنّ هذا هو المطلوب.
لم يكن التدّخل العسكري المتحالف في أفغانستان مدفوعًا بمخاوف من التهديد الإرهابي الذي يشكّل خطرا عليهم محليّا، وإنما بهدف ضمان عدم فقدان الولايات المتحدة اهتمامها بأوروبا، وخاصة ارتكاب الأمر الوحيد الذي لا تتجرّأُ أيّ دولة أخرى حليفة على القيام به وهو التعامل مع روسيا. ومن المفارقات المشكوك في صحتها، أنه إذا كانت هناك علاقة خاصة من نوع ما بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين -على الرغم من أن هذا يمكن أن يكون شعارا يعكس السياسة الداخلية للولايات المتحدة أكثر منه حجة منطقية – فإن الحلفاء لم يتوصلوا حتى إلى هذه الضمانات.
لا تزال الأمور غير واضحة فيما يتعلّق بإبقاء واشنطن حلفاءها على اطلاع تام بالدبلوماسية المتّبعة في أفغانستان، على الرغم من أنّ هذا هو المطلوب. كما تُواجه العلاقة بين ضفتي الأطلسي ما فيه الكفاية من الصعوبات دون دواعي قلق جديدة بشأن السياسة الأمريكية في أفغانستان (وعلى الرغم من أن جميع الحلفاء سيقومون بسحب قواتهم التي لا تزال متمركزة في أفغانستان في أسرع وقت ممكن، إلا أنهم لا يحبّذون التذبذب والتعتيم الإعلامي الذي تمارسه الولايات المتحدة).
إصدار الأحكام
لن ينتهي هذا العمود بالإرشاد المعتاد حول ما يجب القيام به. إن المعضلة حقيقية: إذ يقول صوت “العقل” إنه يجب على الولايات المتحدة الخروج من أفغانستان، بينما تحاول التوصّل إلى أفضل صفقة ممكنة لمنع طالبان من رعاية الإرهاب في الغرب؛ في حين يقول صوت “القلب” إن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية الأخرى لا يمكنها التخلي عن هؤلاء الأفغان الذين استفادوا من فترة الحداثة. إنه حقّا خيار صعب.
ما يتعيّن على الولايات المتحدة فعله، رغم تواصل مخطّطها بشأن طالبان – بينما الاتجاه الواضح لإدارة ترامب نحو صوت “العقل” بدلاً من صوت “القلب”- هو الاستمرار في تقديم مبالغ كبيرة من المال وغيرها من المساعدات إلى حكومة الرئيس غني، خلافا للخيانة التي قامت بها واشنطن في حقّ الفيتناميين الجنوبيين بعد مغادرة القوات الأمريكية.
قد تكون هذه الخطوات حجر أساس لسياسات الولايات المتحدة الجادّة تجاه المنطقة، والتي لم تكن أبدًا فعّالة أو واضحة ومتماسكة بما يكفي
ينبغي على واشنطن تكثيف دبلوماسيتها مع دول أخرى، بما في ذلك باكستان التي قد تفكّر في مصلحتها الخاصة، أمّا الهند فتمتلك طموحاتها الخاصة، بالإضافة إلى روسيا والصين. وتبقى مسألة أن تستمع أيّ من هذه الدول إلى الولايات المتحدة بمجرد أن تقرّر المغادرة شأنا آخر. بالتأكيد تحتاج الولايات المتحدة أخيرا إلى مطالبة المملكة العربية السعودية بإقناع جميع شعبها بالتوقف عن الترويج للإرهاب، وهو أمر لم يكن ترامب أو أسلافه الجدد على استعداد للقيام به.
على الأقل، قد تكون هذه الخطوات حجر أساس لسياسات الولايات المتحدة الجادّة تجاه المنطقة، والتي لم تكن أبدًا فعّالة أو واضحة ومتماسكة بما يكفي، حتى لو اتبعت الولايات المتحدة الآن مسار السياسة الواقعية التي وعد بها اجتماع كامب ديفيد الذي باء بالفشل.
المصدر: لوب لوغ