“برنامجي الانتخابي ليس بيعًا للأحلام أو حديثًا عن مشاريع يمكن أن تتحقق أو لا، فالأمر يتعلق بإيجاد آليات قانونية جديدة تمكّن الشعب التونسي من أن يرتقي بإرادته إلى مستوى القرار”، بعد سماع هذه المداخلة بدأ التصفيق بقوة، وبدأت الحناجر تنادي “قيس.. قيس.. قيس..”
إنهم ينادون بأعلى أصواتهم على مرشحهم المفضّل للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، رجل القانون والمرشح الرئاسي التونسي قيس سعيّد، ذلك الرّجل الذي وضعته عمليات سبر الآراء ضمن أبرز المؤهلين للفوز بمنصب الرئاسة التونسية، لما له من قدرة كبيرة على إقناع الجمهور بكلامه.
ظاهرة تستحق الدراسة
“ذاع صيت أستاذ القانون الدستوري والمرشح للانتخابات الرئاسية قيس سعيد بعد الثورة التونسية بمداخلاته التلفزيونية في عدد من المسائل القانونية والدستورية واعتماده على اللغة العربية الفصحى وحديثه بنبرة غير مألوفة لدى عامة الشعب التونسي”، يقول الصحفي التونسي كريم البوعلي متحدّثنا عن “سعيّد”.
غير أن صعود الرجل السياسي، يقول الصحفي التونسي لنون بوست، كان “بعد إعلانه -وكان سبّاقا لذلك- الترشح للانتخابات الرئاسية فلاقى قبولًا كبيرًا عند شرائح واسعة من المجتمع ووُضِع في استطلاعات الرأي ضمن أبرز الشخصيات المراهنة على السباق لقرطاج رغم عدم امتلاكه لحزب سياسي يدعمه”.
يعرف عن قيس سعيد استخدامه المتقن للغة العربية الفصحى في كل تدخلاته وتصريحاته للصحافة
بدوره يرى الصحفي حمدي الزايدي، “المرشح للرئاسيات قيس سعيد بات يعتبر ظاهرة تستحق الدرس والبحث عن أسباب تصدره للمراتب الأولى في كل عمليات سبر الآراء، فهذا المرشح تقدم دون أن يكون له حزب أو جهة سياسية تدعمه ومع ذلك أصبح ظاهرة لها إشعاع جماهيري لافت”.
“استطاع هذا الرجل رغم الحملة الانتخابية المتواضعة جدًا والظهور الإعلامي القليل وتنقلات جهوية تعد على أصابع اليد لمّ شمل العديد من الجماهير المساندة له وأغلبها من الشباب والطلبة خاصة حسب بعض الاستطلاعات”، يقول حمدي.
طريقة مميز في الحديث
“لقد قدم قيس سعيد تصورًا مخالفًا لما تعرفه التجربة التونسية سياسيًا”، يقول حمدي الزايد، ويضيف، “إذ يطرح تصورًا تشريعيًا وتنظيمًا ينطلق من القاعدة إلى أعلى السلطة يكون الانتخاب فيها حتى للمسؤولين المحليين والجهويين لنصل إلى رئاسة الجمهورية”.
يضيف حمدي، “طريقة كلامه التي عرف بها أعجب بها التونسيون وصارت مضرب تندر و إعجاب لدى العديد من الفئات وحرصه على الشفافية إلى درجة أنه رفض التمويل العمومي للمرشحين للرئاسيات بحجة أن مال عام وهو حق للشعب التونسي فقط، قد زاد من شعبيته”.
بدوره يقول كريم البوعلي لنون بوست: “كانت مداخلاته تروج في وسائل التواصل الاجتماعي إما للتندر عادة أو نتيجة الانبهار بثقافة قانونية واسعة تلامس وقائع قانونية وسياسية بجدية وطرح أكاديمي يقدم مبادرات تشريعية لمسائل خلافية”.
في ختام حديثه لنون قال البوعلي: “لا يمكن إنكار كفاءته في التدريس الجامعي – بغض النظر عن ميولاته السياسية وأرائه التي برهنت المناظرة السياسية الأخيرة عن نضجها وإلمامه بالسياسات الداخلية والإقليمية، مما يفسر رغبة تيار واسع من الناخبين في المراهنة على شخصه”.
ويعرف عن قيس سعيد استخدامه المتقن للغة العربية الفصحى في كل مقابلاته وتصريحاته للصحافة، لا تسمعه أو تراه يتكلم في حواراته الإعلامية إلا لغة الضاد ولا تراه يبتسم أبدًا، إذ تنضح من ملامحه جدية رجل القانون الأكاديمي المغرق في المعرفة والعلم، إلى درجة أن البعض يتندر بوصفه بـ”الرجل الآلي”.
نظافة اليد
“عرف قيس سعيد أولا في كليات الحقوق بسوسة وتونس بصدقه وأمانته ووطنيته ، رجل صاحب سجل وطني نظيف، لا قضايا فساد، لا تتبعات من أي نوع”، تقول الناشطة في المجتمع المدني، وإحدى أنصار قيس سعيد، نوال غريبي.
بدوره يقول كريم البوعلي”خلال حملته الانتخابية، لم يعوّل قيس سعيّد على رجال أعمال أو مؤسسات، بل عوّل على ترسانة من المتطوعين الشباب الذين انخرطوا في حملته تشجيعًا لشخصية مستقلة تحظى باحترام من أوساط أكاديمية واجتماعية وسياسية لعدم انخراطها في المسائل الجدلية والمواقف الشعبوية”.
يركز “سعيد” على ضرورة مراجعة المدونة القانونية التونسية، انطلاقا من الدستور وكيفية ممارسة السلطة التشريعية لصلاحياتها
في نفس السياق، يقول حمدي الزايدي، “يبدو أن نظافة يده و مواقفه الحازمة والواضحة في القانون هي من خوّلت له أن يكسب ثقة التونسيين الذين كرهوا الانتهازية المستشرية داخل الطبقة السياسية، والفساد الذي تؤكد كل المؤشرات والتقارير الوطنية والدولية بلوغه درجات متقدمة على غاية من الخطورة”.
وكان قيس سعيد، قد دعا خلال المرات القليلة التي ظهر فيها على التلفزيون التونسي الرسمي إلى ضرورة استرداد الأموال من الفاسدين ووضعها في حساب الجهات المحرومة والمهمّشة، كما دعا أيضًا إلى ضرورة الاهتمام بالأخلاق في الحياة السياسية والاقتراع على الأشخاص.
وعلى عكس منافسيه، لم يظهر المرشح المستقل في تجمعات انتخابية كبيرة، حيث اكتفى فقط بالتجوّل في عدد من المدن التونسية للقاء المواطنين في المقاهي والأسواق والساحات العامة، كما لم يكثف من ظهوره الإعلامي.
رجل قانون ودولة ارجع للشباب الثقة في السياسة
قيس سعيّد الذي يخوض الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها كمستقل، ولد عام 1958 بتونس العاصمة واختص بالقانون الدستوري، وساهم الأكاديمي في إعداد مشروع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، إلى جانب تدريسه في عدد من الجامعات التونسية.
تقول الناشطة في المجتمع المدني، نوال غريبي، إن مرشحها في هذه الانتخابات رجل قانون بامتياز لكنه أيضًا رجل دولة بامتياز، “أستاذنا نتفق جميعا على مدى صدقه و حبه الوطن، فقد قدّم أمام طلبته ثم أمام الشعب التونسي حلولا عملية لإنقاذ تونس مما هي عليه”.
وترى غريبي، أن “قيس سعيد هو السياسي الأكثر شعبية بين التونسيين وخاصة في صفوف الشباب الذي فقد ثقته في كل السياسيين في الساحة السياسية من حكومة و معارضة”، وتعتقد نوال أن الشباب يستعيد اليوم ثقته في قيس سعيد ويدعمونه بعد سنين من مقاطعة المشاركة في الحياة السياسية والانتخابات”. يذكر أن العديد من الشباب أنشأوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لمساندة قيس سعيد.
برنامج طموح
صعود قيس سعيد الكبير في الساحة السياسية بتونس، ترجعه نوال غريبي إلى ثقة ودعم الشباب له، “فضلًا على أن كل مكونات المجتمع المدني أجمعت على صدقه وحبه لوطنه وقدرته على ضمان الحقوق والحريات وكذلك تقديمه برنامج إنتخابي متكامل يعالج مباشرة أزمات الشعب”.
اختار “سعيد” شعار “الشعب يريد” لحملته الانتخابية
“أنا من بين آلاف الشباب الذين يدعمون قيس سعيد لأنه المرشح الوحيد الذي امتنع عن قبول 100 ألف دينار من الدولة للقيام بالحملة انتخابية واعتبرها مال الشعب واكتفى بأجرة التقاعد دون أن يثقل كاهل الميزانية الوطنية”، تقول غريبي.
“قيس سعيد كان من أكثر المرشحين إقناعا في برنامج المناظرة، “وفق ما ذهبت إليه الحقوقية نوال غريبي، وتضيف، “قدّم حلولا واقعية ومنطقية ووعودا انتخابية صادقة ومعقولة دون كذب ودون ترويج لأحلام زائفة للشعب الذي وعده بأن يمكّنه من الآليات القانونية ليحقق أهدافه”.
يركز “سعيد” على ضرورة مراجعة المدونة القانونية التونسية، انطلاقا من الدستور وكيفية ممارسة السلطة التشريعية لصلاحياتها، وكثيرا ما يخرج ناصحًا التونسيين فيما يتعلق بالعديد من المسائل القانونية التي تثير الجدل.
وكان قيس سعيد قد اختار عبارة “الشعب يريد” شعارًا لحملته الانتخابية، لتلخص تمسكه بأهداف ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي قامت أساسًا ضد منظومة سياسية حكمت تونس لعقود عدّة وكان من نتائجها انتشار الفساد والفاسدين في البلاد.