خطة نتنياهو لضم وادي الأردن ستسهم بخراب “إسرائيل”

netanyahu_2019_afp_3

ترحمة وتحرير نون بوست

كان هذا الوعد تتويجا للمرحلة التي سبقت الانتخابات، حيث فكّر بنيامين نتنياهو، الذي سيطر على إسرائيل طوال ثلاثة عقود، مليا بتقديم رصاصة الرحمة لمنافسيه السياسيين فيما يتعلق بحقوق المستوطنين، وبالتحديد لأفيغادور ليبرمان، صانع الملوك. ولكن لم يحظ إعلان نتنياهو عن تعهده بضم غور الأردن، إلى جانب حوالي ثلث الضفة الغربية، بالدعم كما كان يأمل.

تباهى نتنياهو بقدرته على ضم جميع المستوطنات الموجودة في وطنه، وذلك بفضل “علاقتي الشخصية مع الرئيس ترامب”، على حد تعبيره. في المقابل، رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذه المرة، خوض هذه اللعبة.

إقالة بولتون

أصدر البيت الأبيض بيانًا أكد فيه أنه لم يطرأ أي تغيير في السياسة الأمريكية في هذا الوقت. وبهدف تعزيز موقفه، أقال ترامب مستشار الأمن القومي، جون بولتون، الذي تعتبره إسرائيل رجلها المفضل في واشنطن. وحيال هذا الشأن، زعم مراسل صحيفة معاريف الإسرائيلية بن كاسبيت أن نتنياهو طلب من ترامب أن يعترف بضم غور الأردن كما فعل سابقا عند ضم هضبة الجولان. والجدير بالذكر أن بولتون عبّر عن استعداده لتنفيذ هذه الخطة، لكن ترامب رفض الأمر.

أشار كل من كاسبيت وغيره من المراسلين إلى أن نتنياهو لم يكن بحاجة إلى طلب إذن من ترامب لضم غور الأردن، الذي تبين أن له تاريخًا قانونيًا مختلفًا تمامًا عن هضبة الجولان، التي وقع الاستيلاء عليها من الأراضي السورية.

 وقع التقاط صورة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، في واشنطن في نيسان/ أبريل سنة 2018.

كل ما يحتاجه نتنياهو هو أغلبية أصوات بسيطة في الكنيست لضم غور الأردن نظرا لأن القانون الذي يمكّنه من اتخاذ مثل هذه الخطوة موجود بالفعل. ويُذكر أنه وقع تنقيح قانون أصدره نواب ينتمون إلى الجناح اليساري في سنة 1967 خلال عهد الانتداب البريطاني، والذي يخوّل للحكومة إصدار مرسوم ينص على الأجزاء من الأراضي الفلسطينية التي سينطبق عليها صلاحيات السلطات الإسرائيلية وإدارتها، وهو في الحقيقة القانون ذاته الذي سمح لحكومة ليفي أشكول بضم القدس الشرقية سنة 1967.

في المقابل، لا يعدّ الأمر على قدر كبير من الأهمية، فهو معتاد على عدم الظهور اللافت. وكان نتنياهو مضطرا لأن ينسحب من الخطاب الذي كان يقدمه في حملته الانتخابية في أسدود الواقعة في جنوب إسرائيل محاطا بحراسه الشخصيين، عندما أُطلقت صفارات الإنذار تحذّر من الصواريخ التي أطلقتها غزة. وكان ذلك تذكيرا لنتنياهو وجميع المستوطنين الإسرائيليين بهوية الأرض التي نصبوا فيها خيامهم.

الرواية الخيالية للسلطة الفلسطينية

مهما كانت مساحة الأراضي التي سيقع ضمها، فلن يعمل ذلك على إيقاف هذا الصراع القائم. ولا يهم الفلسطينيين كيف وقع احتلال أراضيهم، أو ما إذا كان 33 بالمئة من أراضيهم سيقع اقتطاعها من الأراضي التاريخية المتبقية لهم، والتي تبلغ 20 بالمئة من إجمالي الأراضي.

ويعتبر الأمر بالنسبة إليهم بمثابة مغالطة أن يعلموا أي جيب أو بانتوستان أو سجن هم فيه محتجزون، أو ما إذا وقع بالفعل حل السلطة الفلسطينية، أو ما إذا كان الرئيس محمود عباس سيسلم مفاتيح الضفة الغربية إلى أقرب قائد للجيش الإسرائيلي. فكما هو معلوم، ينبغي على محمود عباس أن يقدم طلبا للحصول على إذن عسكري من السلطات الإسرائيلية كلما أراد أن يقدم على أية حركة.

في الواقع، لا تملك السلطة الفلسطينية أية صلاحيات فعلية، ولا تتعدى سلطتها أن تكون وسيلة بيد إسرائيل لتجبر رجال الشرطة الفلسطينيين على تنظيف الشوارع قبل أن تشن قوات الاحتلال غارات ليلية في جميع أنحاء الضفة الغربية.

ويعتبر حلم الحكم الذاتي في المنطقة (أ) مجرد خيال. وفي حال وقع حل السلطة الفلسطينية، فسيكون اهتمام إسرائيل الوحيد يتمثل في استعادة حوالي 100 ألف قطعة سلاح تملكها قوات الأمن الفلسطينية.

بسبب طبيعتها المفرغة، أصبحت جميع المؤسسات والهياكل الفلسطينية لا تحظى بأهمية بالنسبة للفلسطينيين، باستثناء كونها مصدر دخل لهم. ولم تعد معرفة الطرف الذي يقود هذا الاحتلال أو عدد القوانين التي تحرمهم من التمتع بهويتهم الوطنية وحقوق الملكية والدولة، أمرا مهما. وعلى الرغم من إنشاء العديد من الجيوب للفلسطينيين، ستظل قضية النمو الديمغرافي، التي تعتبر محور هذا الصراع، على حالها، حيث يوجد الآن أعداد كبيرة من الفلسطينيين مقارنة باليهود الإسرائيليين المتواجدين بين النهر والبحر.

الفصل العنصري في “إسرائيل”

في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قدم نائب رئيس الإدارة المدنية، اللواء حاييم منديس للجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست تقريرا يضم بيانات لعدد السكان. وتشير البيانات إلى أن هناك 6.8 مليون فلسطيني بين النهر والبحر (خمسة ملايين في غزة والضفة الغربية، و1.8 مليون داخل إسرائيل والقدس الشرقية)، في حين يوجد 6.6 مليون يهودي إسرائيلي وذلك وفقا لما أعلنه المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل.

تتمثل الطريقة الوحيدة لتغيير قضية الصراع في قيام إسرائيل بطرد جماعي آخر أو شن عمليات تطهير عرقي، كما حدث في سنتي 1948 و1967. وبغض النظر عن ذلك، لن تتغير حياة الفلسطينيين. بمعنى آخر، مهما كانت التصريحات التي يتم الإدلاء بها في الحملات الانتخابية، بات أعداد اليهود الإسرائيليين الذين يدعون أنهم أرضهم الخاصة أقلية، ولا يمكنهم سوى فرض تفوقهم من خلال فرض نظام الفصل العنصري. وعلى الرغم من أن ذلك لا يغير حالة الاستبعاد التي فُرضت على الفلسطينيين في أرضهم، إلا أنه يشوه من صورة إسرائيل بين النخب السياسية في أوروبا والولايات المتحدة، الذين أغدقتهم إسرائيل بمليارات من الشيكل.

قبل عملية ضم الوادي، وعندما كان لايزال مبدأ “الأرض مقابل السلام” المهيمن في عملية أوسلو، كان يمكن للطبقة السياسية سواء من اليسار أو اليمين في بريطانيا والولايات المتحدة وعبر أوروبا أن تؤيد الرؤى المتعارضة لحل النزاع في الوقت نفسه. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يتعهدوا بأن يكونوا “مؤيدين لإسرائيل”، بينما يناصرون، في الوقت ذاته، حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم في دولة فلسطينية مفترضة، ولكن لا يمكن تحقيقها أبدًا.

فقدان الشرعية الدولية

عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، كانت الخرافة التي كانوا يروجون لها تتمثل في أن هناك شيئًا يسمى “إسرائيل الأصلية”، وهو ما اعتُرف به دوليًا. بعد ذلك، للأسف، كانت هناك أشياء تسمى المستوطنات، كانت غير قانونية، ولكن ماذا يمكننا أن نفعل حيال ذلك؟ بالإضافة إلى ذلك، كان يعتقد الرأي العام الدولي أنه إذا استطاع الطرفان المتنازعان التوصل إلى حل وسط، فيمكن إيجاد حل إقليمي.

صورة للجدار العازل الإسرائيلي التقطت في السابع عشر من شهر كانون الثاني/ يناير.

مع اتباع الضم كسياسة رسمية، ستتغير الكثير من المعطيات، حيث تتمثل اللحظة التي تعتبر فيها إسرائيل المستوطنات جزءًا منها، هي اللحظة نفسها التي يزول فيها عن وجود مفهوم “إسرائيل الأصلية”. لذلك، تصبح إسرائيل بأسرها مستوطنة واحدة ما يجعلها تفقد شرعيتها الدولية. وإذا كان مفهوم الضم مدمرا لصورة إسرائيل الدولية كدولة أوروبية متقدمة تقع في صحراء العرب غير العقلانيين والانفعاليين، فسيؤثر كذلك على احتمال بناء دولة يهودية والحفاظ عليها على الصعيد الداخلي.

عموما، لم يكن التنازل الأكثر ضررًا الذي قدمه ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية خلال عملية أوسلو يتمثل في عدم الاعتراف بدولة إسرائيل، بل في التخلي عن 20 بالمئة من السكان الفلسطينيين، الذين يعيشون فيها.

الصراع من أجل السيادة

خلق هذا الصراع نوعا من المفارقات، حيث كانت القدس في قلب الصراع.  وعلى الرغم من أنها عاصمة الدولة الفلسطينية، غير أن السلطة الفلسطينية لم يكن لها أي سلطة على سكان القدس الذين يعيشون هناك. وبالنسبة لأجزاء كبيرة من عملية السلام، لم يشكل الفلسطينيون الذين كانوا يقيمون في الأراضي المحتلة سنة 1948، أولئك الذين سُمح لهم بالبقاء، أو الذين نزحوا داخليا عندما أنشأ الكيان الإسرائيلي، أي جزء من الصراع ضد الاحتلال. وكان لديهم الجنسية الإسرائيلية ويُطلق عليهم أسيادهم الإسرائيليين العرب.

علاوة على ذلك، ستغير خطة الضم كل ذلك، حيث تدمر جميع الجدران المنتصبة بعناية والتي بنتها إسرائيل لتقسيم الفلسطينيين عن بعضهم البعض. وأصبحت كل من غزة والضفة الغربية والفلسطينيون الذين كان يقيمون في الأراضي المحتلة سنة 1948 والشتات، شعبًا واحدًا يناضل من أجل الحصول على سيادة أراضيه. ومن دون أن تكون مدركة لذلك، تدمر خطة الضم الحلم الصهيوني بقيام دولة ذات أغلبية يهودية.

يعدّ الزعماء الفلسطينيون الذين لم تغتلهم أو تسجنهم إسرائيل ذوي أهمية حيوية للحفاظ على الوضع الراهن، والذي وقع بموجبه ضم مناطق مثل وادي الأردن بشكل فعلي. ولم يكن بإمكان الفلسطينيين استخدام وزراعة وادي الأردن، الذي يعد من أراضيهم الأكثر خصوبة، التي تبلغ مساحتها حوالي 160 ألف هكتار وتشكل حوالي 30 بالمئة من الضفة الغربية. في المقابل، تستغل إسرائيل جميع وادي الأردن تقريبًا لتلبية احتياجاتها الخاصة، وتمنع الفلسطينيين من دخول أو استخدام حوالي 85 بالمئة من المنطقة، سواء للبناء أو تركيز البنية التحتية أو الرعي أو حتى الاستخدام العائلي.

في سنة 2016، كان هناك حوالي 65 ألف فلسطيني و11 ألف مستوطن يعيشون هناك، ما يعني أنه يُسمح لأقلية من السكان بالتجوّل في 85 بالمائة من الأراضي.

الموت البطيء

على الرغم من أن إسرائيل لم تكن بحاجة إلى ضم وادي الأردن، فقد فعلت ذلك بالفعل. ومع تراجع القيادة الفلسطينية، ستنظر أجيال الفلسطينيين القادمة إلى المشهد بشكل مختلف تمامًا. علاوة على ذلك، سيضطرون إلى إعادة التفكير في استراتيجيتهم، وتصحيح أخطاء الماضي، واعتبار أنفسهم مرة أخرى كجزء من شعب واحد نازح من الأرض نفسها.

راعي بدوي وهو يمشي مع قطيعه من الأغنام في وادي الأردن في الحادي عشر من شهر أيلول/ سبتمبر.

نتيجة لذلك، تعتبر خطة الضم بمثابة وفاة لكيان إسرائيل سنة 1948، الذي كان ذو أغلبية يهودية، وولادة آخر ذو أقلية يهودية لا يمكنها الحفاظ على بقائها إلا من خلال قمع الأغلبية الفلسطينية والسيطرة عليها. وللقيام بذلك في قارة أغلب سكانها من العرب والمسلمين، ينبغي عليك أن تُسلم نفسك إلى الموت البطيء والدائم.

بغض النظر عن العديد من القادة العرب الذين استطاعت إسرائيل شراء ولاءهم، تثير إسرائيل غضب العرب والمسلمين باستمرار أينما كانوا. لذلك، لن يحمي الجدار والجيش وأسطول الطائرات المسيرة والترسانة النووية فضلا عن أي رئيس أمريكي على المدى الطويل كيانا ذو أقلية يهودية.

المصدر: ميدل إيست آي