ترجمة وتحرير نون بوست
خلال السنة الماضية، توفي باتريك ترنر البالغ من العمر 16 سنة إثر إقدامه على الانتحار. كان باتريك، وهو طالب سنة ثانية في مدرسة كورونا ديل مار الثانوية الفخمة الواقعة في شاطئ نيوبورت بولاية كاليفورنيا، مولعا بممارسة لعبة كرة القاعدة والتزلج، وكانت نتائجه الدراسية تتراوح بين جيد ومتوسط، ناهيك عن أنه كان لديه الكثير من الأصدقاء.
لقد سلّطت وفاة باتريك الضوء على الأزمة الحالية لانتحار المراهقين في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد ترك هذا المراهق خلفه سلسلة من الرسائل وجّه فيها أصابع الاتهام للثقافة الحالية للمدرسين الذين يمارسون ضغوطا هائلة على الطلبة (على غرار الضغط عليهم للحصول على درجات عالية في العديد من دورات التعيين المتقدم) المنتشرة في بعض المدارس. كما شدّد باتريك على خطر هذه البيئة الأكاديمية عالية الضغط من خلال قول: “قد تجعل هفوة بسيطة الطفل يحتقر نفسه”.
شكّلت رسائل باتريك تحديا للمدرسين والآباء لإعادة تعريف النجاح الدراسي، وتشجيع التدريب المهني كبديل قابل للتطبيق وجعله موضع تقدير. كما تحدى باتريك زملاءه لإعادة النظر في الكمالية غير الواقعية المتفشية بين صفوف المراهقين على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل صور السيلفي على موقع إنستغرام التي يسعى فيها الأصدقاء لالتقاط صور وهم يبتسمون بعد اختيارهم بعناية لوضعيات معينة، أو نشر صور معدلة بالفوتوشوب تتماشى مع معايير المظهر المثالي.
كشفت أحدث الإحصائيات حول انتحار الأطفال والمراهقين أن معدلات الانتحار لدى هذه الفئة ارتفعت بشكل كبير، الأمر الذي جعل الوضع حرجا للغاية. إن معدلات الانتحار في صفوف الأطفال والمراهقين هي الأعلى منذ أصبح هناك سجلات توثق حالات الانتحار انطلاقا من سنة 1960. وفي الفترة المتراوحة بين سنتي 2000 و2017، تضاعفت معدلات الانتحار في صفوف المراهقات. وتجدر الإشارة إلى أن الانتحار يعتبر السبب الرئيسي الثاني للوفاة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 سنة، كما أنه السبب الرئيسي الأول لوفاة الفتيات المراهقات الأكبر سنا في جميع أنحاء العالم. لذلك، تستوجب هذه الأزمة العالمية برامج وقاية فعالة وتدخلا فوريا.
رغم هذه الإحصاءات المثيرة للقلق، هناك أمل. شهدت السنوات الأخيرة جهودًا منظمة على نطاق واسع لتحسين الوعي بمخاطر الانتحار وعمليات التدخل. فعلى سبيل المثال، تملك المؤسسة الأمريكية للوقاية من الانتحار نموذجا متاحا على نطاق واسع لمساعدة الأسر على وضع خطة أمان. وتحتفل الولايات المتحدة هذا الأسبوع بـ “الأسبوع الوطني لمقاومة الانتحار”، حيث أن الجهود المبذولة لتحسين الوعي تظهر بشكل متزايد عبر منصات متعددة بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، والبودكاست الذي يحتوي على معلومات مفيدة، على غرار بودكاست الدكتورة كريستين موتير المخصص لكيفية التعامل مع اليأس من خلال تقديم يد المساعدة في إزالة خطر الانتحار وعلاجه.
قد يكون المراهق المصاب باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط معرضا لخطر متزايد بسبب اندفاعه. فضلا عن ذلك، يزيد تاريخ الأسرة المرتبط بالانتحار من خطر إقدام بعض أفراد الأسرة على إيذاء أنفسهم
في هذا الصدد، تلقى الأخصائيون في مجال الصحة العقلية للأطفال برامج ميدانية مكثّفة لتدريبهم على طرق مقاومة الانتحار والتدخل الفوري، مثل “برنامج التدخل الأسري للوقاية من الانتحار” الذي طورته الدكتورة جوان أسارنو. وفي مستشفى رادي للأطفال في سان دييغو، خضع جميع أفراد الطاقم الطبي المختص في الصحة العقلية للأطفال الذين يعملون في قسم الطب النفسي في العيادات الخارجية، في أوائل سنة 2019، إلى تدريب سريري صارم على هذا البرنامج. كما سعى هؤلاء الأطباء لعقد اجتماعات أسبوعية لتقديم الاستشارة ومناقشة كيفية مساعدة الأطفال والأسر في التعامل مع الانتحار.
إلى جانب ذلك، هناك أبحاث جوهرية موجهة للوالدين ومقدمي الرعاية توضح كيفية مساعدة الأطفال. وتوجد استراتيجيتان مهمتان، أولهما تتمثل في تحديد وفهم عوامل الخطر لطفلك وعلامات التحذير، في حين تتمحور الاستراتيجية الثانية حول تحديد وتعزيز عوامل الوقاية.
يمكن أن تشمل عوامل الخطر:
1) خسارة كبيرة، على غرار وفاة أحد أفراد العائلة، أو فقدان شخص عزيز، أو طلاق الوالدين، أو مشاكل شخصية (مثل إنهاء علاقة عاطفية)، أو خسارة مالية مثل فقدان أحد الوالدين لوظيفته.
2) إمكانية الوصول إلى الأساليب المميتة، مثل الأسلحة النارية.
3) التعرض للتنمر أو أن يكون شخصا متنمرا.
4) الانتماء إلى مجتمع الميم؛ شباب يكافحون في بيئة لا تدعم هوية الطفل.
5) تعاطي الكحول أو المخدرات.
6) وجود مخاوف متعلقة بالصحة العقلية، مثل الاكتئاب والقلق والصدمات النفسية أو غيرها من الاضطرابات المرتبطة بالتوتر. وقد يكون المراهق المصاب باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط معرضا لخطر متزايد بسبب اندفاعه. فضلا عن ذلك، يزيد تاريخ الأسرة المرتبط بالانتحار من خطر إقدام بعض أفراد الأسرة على إيذاء أنفسهم.
7) عدوى الانتحار، مثل مشاهدة تقارير إخبارية مثيرة عن وفيات المشاهير، أو إقدام أحد الأقران على الانتحار.
هناك اعتقاد شائع بأن التطرق لموضوع الانتحار مع المراهق يدفعه للتفكير في الموت منتحرا، وهذا يُعتبر مصدر قلق بالغ بالنسبة للوالدين.
ينبغي على الآباء والأمهات أن يأخذوا حذرهم عند ملاحظة علامات التحذير المحددة التالية:
1) حدوث تغييرات في السلوك: صعوبة التركيز بشكل عام، عدم إيلاء أهمية للدراسة أو متابعة الأنشطة الروتينية، البحث عن طرق للانتحار على الإنترنت، زيادة تعاطي الكحول أو المخدرات، التصرف باستهتار.
2) حدوث تغييرات في الشخصية: الانطواء، والانعزال في الغرفة، وحدّة الطبع، والتغيرات المزاجية الشديدة التي تتجاوز المزاجية المتعارف عليها، وإظهار الغضب أو الحديث عن السعي للانتقام.
3) حدوث تغييرات في أنماط النوم: الأرق، والإفراط في النوم، ورؤية كوابيس.
4) الحديث عن الموت: أيّ إشارة للموت، أو الاختفاء، أو الابتعاد، أو أنواع أخرى من إيذاء النفس.
يمكن أن تشمل عوامل الوقاية:
1) وجود شخص بالغ على الأقل متاح لتقديم الدعم للطفل. من المحتمل أن يلجأ الأطفال المحاطون بالحب والدعم إلى الأشخاص البالغين المتواجدين باستمرار في حياتهم خلال الأوقات الصعبة طوال سنوات المراهقة.
2) عدم السماح للأطفال والمراهقين بالحصول على الأسلحة النارية وغيرها من أساليب الانتحار المميتة.
3) ترسيخ المعتقدات الثقافية أو الدينية التي تحاول أن تثني الطفل أو المراهق عن الانتحار.
4) اكتساب مهارات التكيف مع الحياة، لا سيما مهارات حل المشاكل وحل الصراعات.
5) الحصول على رعاية فعالة في مجال الصحة العقلية.
دع ابنك يعلم أنك تحبه ويتأكد من مكانته ومدى أهميته بالنسبة إليك. كن متعاطفًا واستمع له، ولا تحاول أن تقلل من شأن الضغوط التي يمر بها، وشجعه على تحديد أهدافه المستقبلية
كيف يمكننا أن نجعل الأطفال والمراهقين يطلبون المساعدة؟
في الواقع، هناك اعتقاد شائع بأن التطرق لموضوع الانتحار مع المراهق يدفعه للتفكير في الموت منتحرا، وهذا يُعتبر مصدر قلق بالغ بالنسبة للوالدين. ولكن البحث في هذا الموضوع من شأنه أن يساهم في التخفيف من حدة هذه المخاوف. وقد أظهرت دراسات عديدة أن الحديث عن الانتحار لا يزيد من خطره، بل يمكنه أن يقلل من حدوثه، ومن المحتمل أن ينقذ الأرواح في نهاية المطاف.
إذا كان المراهق يفكر في الانتحار، فإن تجنب الخوض في هذا الموضوع معه فيه إشارة للمراهق بأن مشكلته مخيفة للغاية ولا يمكن إيجاد حلول لها، وهو ما يمنع الوالدين من التحدث معه حولها. فضلا عن ذلك، يمكن أن يزيد ذلك من شعور المراهق بالعزلة ومشاعر اليأس.
فيما يلي مثال على كيفية التواصل مع ابنك المراهق حول الأفكار المحتملة للانتحار: “لاحظت أنك تقضي وقتا طويلا في غرفتك منذ أن انفصلت عن صديقتك، وقد لاحظت اليوم أنك أجريت بحثًا على مواقع الإنترنت عن قصص تتعلّق بالانتحار. فهل تراودك أفكار حول إيذاء نفسك؟”.
خلال حديثك معه، دع ابنك يعلم أنك تحبه ويتأكد من مكانته ومدى أهميته بالنسبة إليك. كن متعاطفًا واستمع له، ولا تحاول أن تقلل من شأن الضغوط التي يمر بها، وشجعه على تحديد أهدافه المستقبلية. حاول أن تجعله يُدرك أنه ليس وحيدا، وأنك تقدمه له الدعم المناسب. إثر ذلك، اعلمه بوجود علاجات فعالة لمساعدته على التخفيف من حالة اليأس التي يمر بها. قدم أمثلة محددة عن الأشخاص الذين تعرفهم والذين تلقوا مساعدة نفسية ونجحوا في تجاوز أزمتهم.
إذا شعرت بأن طفلك ليس على ما يرام أو لاحظت أنّ هناك علامات تحذيرية أو إذا أدركت أن طفلك لديه عوامل الخطر المؤدية للانتحار وبعض العوامل الوقائية، فسارع إلى تقديم المساعدة له عن طريق عرضه على أخصائي
ما الذي يتوجب على الوالدين أو مقدّمي الرّعاية فعله لتوفير المساعدة للمراهق/ الطفل؟
ساعد طفلك على تنشيط سلوكه، فقد أثبتت الدراسات أنّ تنشيط السلوك، من خلال جعل الطفل ينخرط في سلوكيات مجزية وتزيد من التعزيز الإيجابي، أكثر فعالية. وقد أثبتت التحليلات التلوية أن تنشيط السلوك فعال تماما مثل الأدوية (على المدى القصير) وأفضل إلى حد ما من العلاج المعرفي في علاج السلوك الانتحاري والاكتئاب.
شجّع طفلك على ممارسة أنشطة مجزية وتزيد من التعزيز الإيجابي مثل الذهاب مع الأصدقاء لمشاهدة فيلم، أو أخذ الكلب في نزهة، أو ممارسة الألعاب الرياضية، أو العمل على مشروع ليغو، أو لعب البولينغ أو التنزه. وفي الواقع، تساعد هذه الأنشطة بشكل أكثر إذا تضمنت التواصل المباشر مع الأشخاص. وبينما تشجع طفلك على القيام بهذه الأنشطة، تأكد من تلقيه المساعدة الطبية اللازمة من قبل أخصائي نفسي يتمتع بالخبرة في العلاج بالتنشيط السلوكي.
تأكد من الحد من تعرض طفلك لكافّة الوسائط الإعلامية (بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي) التي تعرض محتوى يتعلق بعمليات الانتحار. فالقراءة والاستماع المتكرر لقصص الانتحار قد يزيد من احتمال محاولة الفرد الانتحار. إن عدوى الانتحار ظاهرة يمكن التعامل معها عبر الحد من تعرض الطفل المكثف لوسائل الإعلام خاصة في الفترة التي يزيد فيها خطر الانتحار.
أخيرا، عندما يتعلق الأمر بالأفكار الانتحارية فإنه من الأفضل توخي الحذر. وإذا شعرت بأن طفلك ليس على ما يرام أو لاحظت أنّ هناك علامات تحذيرية أو إذا أدركت أن طفلك لديه عوامل الخطر المؤدية للانتحار وبعض العوامل الوقائية، فسارع إلى تقديم المساعدة له عن طريق عرضه على أخصائي.
إن شعور المراهقين بالانتماء والترابط داخل محيطهم سوف يحدّ من عزلتهم ويطور العوامل الوقائية التي ستحميهم من مخاطر الانتحار
في هذه الحالة، إن الاتصال بأيّ مختص في الصّحة العقلية غير كافٍ، لذلك تأكّد من إيجاد مختص في الصحة العقلية يتمتّع بالخبرة في مساعدة المراهقين على مكافحة الأفكار الانتحارية، ومدرّب على تطبيق علاجات مثبتة للانتحار والاكتئاب بالنسبة للأطفال والبالغين، والذي تستطيع التحدّث معه أنت وطفلك بأريحية من الحصّة الأولى.
ما الذي نستطيع فعله لمساعدة الأطفال والبالغين في مجتمعات أخرى؟
إن موت باتريك ترنر، البالغ من العمر 16 سنة، حثنا جميعا على: “عدم إقصاء أي طرف…وأن نكون لطفاء مع بعضنا البعض”. وبإمكاننا تعليم أطفالنا وأقرانهم من خلال أفعالنا وتعاليمنا كيف يقدمون المساعدة لزملائهم ويكونوا ودودين مع بعضهم البعض. ومن شأن هذه الجهود البسيطة أن تساعد على تعزيز الروابط الاجتماعية.
إن شعور المراهقين بالانتماء والترابط داخل محيطهم سوف يحدّ من عزلتهم ويطور العوامل الوقائية التي ستحميهم من مخاطر الانتحار. شجع طفلك على عقد الصدقات مع الأشخاص الذين لن يتوانوا عن الوقوف إلى جانبهم عند الحاجة. وفي مدرسة توراي بيناس الابتدائية بلاهويا بكاليفورنيا، مثلا، تترأس ولية أحد الطلبة وهي الدكتورة سارة ويبال ناديًا يقوده الطلاب يركز على الإدماج والتنوع ومساعدة الأطفال على الشعور بالانتماء لمحيطهم المدرسي. بإمكان هذه المجهودات إنقاذ طفلك الذي تعرض للتنمر، أو يكافح من أجل ميولاته الجنسية، أو يشعر بالعزلة. إن انتشار هذه الجهود في العالم بأسره سيساعدنا على القيام بخطوة كبيرة لمكافحة ظاهرة الانتحار في صفوف الشباب.
المصدر: سايكولوجي توداي