يُعاني كوكب الأرض من أزمات وكوارث حقيقية ناتجة عن عوامل كثيرة تسبب الإنسان في معظمها، من المصانع التي يُشغلها والأسلحة التي يستخدمها وصولًا لتعامله السلبي مع بيئته، وجميعنا يرى الآن عواقب هذا الاستهتار البيئي الذي يقوم به ابن آدم على الحيوانات والنباتات والمناخ والطبيعة، وحتى على نفسه وصحته.
لا شك أن ملف الاحتباس الحراري واحد من أبرز الملفات المطروحة اليوم على الساحة الدولية، وبالتالي لقد كثر الحديث عن هذا الأمر ما بين حقائق علمية وإشاعات لا صحة لها، وتم طرح الحلول من علماء وباحثين بهذا الخصوص، وهنا يتم التساؤل: هل كل ما يتم تداوله من معلومات بشأن أزمة البيئة صحيحًا؟ وما الأسباب الحقيقية؟ وهل هناك حلول جادة ومنطقية؟ وإلى أين تتجه الأرض؟
ظاهرة الاحتباس الحراري ومسبباتها الحقيقية
تُعرف هذه الظاهرة على أنها الزيادة التدريجية في درجة حرارة أدنى طبقات الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية، ناتجة عن زيادة انبعاثات “الغازات الدفيئة” أو “غازات الصوبة الخضراء”Greenhouse Gasses ، التي تتكون من بخار الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وغاز أكسيد النيتروز والأوزون وغاز الكلورفلوركربون، منذ عصر الثورة الصناعية وصولًا ليومنا هذا.
حذرت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC من الارتفاع المتزايد في نسبة هذه الغازات وتأثيرها على مستقبل البشرية القريب
هذه الغازات في الأصل، غازات طبيعية لها دورها المهم في تدفئة سطح الأرض حتى يصبح قابلًا للحياة، فدونها قد تصل درجة حرارة الأرض ما بين 19 درجة لـ15 درجة سلزيوس تحت الصفر، حيث تؤدي دورها بامتصاص جزء من الأشعة تحت الحمراء التي تنبعث من سطح الأرض، كانعكاس للأشعة الساقطة من الشمس، وتحتفظ بها في الغلاف الجوي لتحافظ على درجة حرارة الكرة الأرضية في معدلها الطبيعي.
وقد حذرت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC من الارتفاع المتزايد في نسبة هذه الغازات وتأثيرها على مستقبل البشرية القريب، في تقرير لها عن تغير معدل الإصدارات والانبعاثات الغازية في المستقبل، مشيرة إلى أن نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون ستزداد من 541 إلى 970 ppm، أي جزء من المليون عام 2100، خصوصًا أن احتياطي الوقود الأحفوري سيكون كافيًا في السنوات القادمة، حال استغلاله، للوصول لمثل هذه المستويات، وهذا أول الأسباب.
أما ثاني الأسباب فيتعلق بالأرض نفسها، وهو حدوث تغيرات في مسار دوران الأرض حول الشمس، مما يزيد من قربها من الشمس، الأمر الذي يؤدي إلى تغير كمية الإشعاع الشمسي الواصل لكوكب الأرض بالزيادة عن المعدل الطبيعي، وبالتالي ينتج عنه تغيرات مناخية تظهر بشكل واضح، كارتفاع درجات الحرارة واختلال مواعيد مواسم الأمطار وذوبان الثلوج والجليد في قطبي الأرض.
ويتعلق السبب الثالث بالطبيعة، فالانفجارات البركانية واندفاع الحمم الناجمة عنها، تعمل على زيادة ارتفاع حرارة الغلاف الجوي، فضلاً عن انبعاث كميات كبيرة من الغازات والرماد الضارة بالبيئة والغلاف الجوي.
الإفراط في استخدام الوقود الأحفوري والاعتماد عليه كليًا في توليد جميع أنواع الطاقة، يؤدي لمضاعفة كمية ثاني أكسيد الكربون في الجو
أما عن السبب الرابع، فهو تزايد انطلاق الملوثات العضوية الثابتة إلى الغلاف الجوي من المصانع، وهي مجموعة من المركبات العضوية التي تتسم بالسمية العالية والتحلل البطيء في البيئة، كما تتسم بقابليتها للتراكم الحيوي خاصة في الأنسجة الدهنية للإنسان التي تنتقل إليه عن طريق السلسلة الغذائية.
أهم هذه الملوثات المبيدات مثل (د. د. ت)، والمواد الكيميائية الصناعية مثل (مركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور ومركبات ثنائي الفينيل متعدد البروم) والإنتاج غير المقصود (مثل الديوكسين والفيوران)، وتنشأ انبعاثات هذه المركبات عن أربعة مصادر هي: عمليات الإنتاج الكيميائي والعمليات الحرارية والاحتراق وعمليات التوالد، حيث تتشكل هذه المركبات من طلائع مثل بنتا كلور وفينول، تشكل سابقًا في المقالب القديمة للنفايات والتربة والرسوبيات الملوثة، حيث تراكمت فيها هذه المركبات على مدى من الزمن.
وبهذا الخصوص، فإن عدم وجود الرقابة الصارمة على المصانع والمعامل التي تنفث الغازات الناتجة عن عمليات التصنيع الهائلة التي تقوم بها إلى الغلاف الجوي دون معالجة، هو السبب الخامس، وكذلك الأمر فإن الإفراط في استخدام الوقود الأحفوري والاعتماد عليه كليًا في توليد جميع أنواع الطاقة، يؤدي لمضاعفة كمية ثاني أكسيد الكربون في الجو.
آخر الأسباب البارزة للاحتباس الحراري، هو القطع الجائر وغير المسؤول للأشجار والغابات التي تعمل بدورها الطبيعي على تقليل الإشعاع الشمسي وامتصاص الغازات، خصوصًا غاز ثاني أكسيد الكربون المستخدم في عملية البناء “التمثيل” الضوئي.
تؤدي انبعاثات الكربون إلى إلحاق الضرر بالجسم البشري والعقل بطرق مختلفة، أبرزها مخاطر السكتات الدماغية الحرارية
هذه المسببات جميعها، أحدثت هذه الحرارة الزائدة على كوكب الأرض، وبالفعل كشف تقرير دعمته الأمم المتحدة مؤخرًا بشأن تغير المناخ والاحتباس الحراري، عن مدى خطورة هذه العملية بقوله: “لقد ارتفعت درجة حرارة الأرض 1.5 مئوية، وقد ترتفع درجات الحرارة بدرجة أكبر، مما يؤدي إلى تغيير كبير في الحياة كما نعرفها”.
كيف تؤثر ظاهرة الاحتباس الحراري على حياتنا؟
الصحة
بدأ العاملون في مجال الطب يدقون ناقوس الخطر بشكل متزايد بشأن مخاطر وعواقب حرق الوقود الأحفوري باستمرار، فانبعاثاتها السامة التي تساهم في تأثير الاحتباس الحراري تؤدي إلى أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو لدى الأطفال والبالغين.
كما من المحتمل أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة تلوث الهواء، وتداخل المواسم السنوية في بعضها، لتكون أرضًا خصبةً لانتشار الحساسية بين الناس، والأمراض التي تنقلها الحشرات، فضلًا عن الخطورة الحقيقية التي تتسبب في مقتل الإنسان نتيجة موجات الحر الأكثر تواترًا، والعواصف الممطرة والفيضانات الأكثر كثافة وقوة.
فيما تؤدي انبعاثات الكربون إلى إلحاق الضرر بالجسم البشري والعقل بطرق مختلفة، أبرزها مخاطر السكتات الدماغية الحرارية، كما أن درجات الحرارة الأكثر ارتفاعًا ترتبط بزيادة قدرها 2% في مشكلات الصحة العقلية مثل التوتر والقلق وحتى اضطراب ما بعد الصدمة.
إن تلوث الهواء يتسبب في وفاة أكثر من 400 ألف حالة سنويًا، بل ويتوقع الخبراء أن يصل هذا العدد إلى 600 ألف حالة بحلول عام 2030، بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري بحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية.
ارتفع متوسط عدد أيام الفيضان السنوي منذ عام 2005 لـ2015 بأكثر من الضعف على الساحل الشرقي بين فلوريدا ونورث كارولينا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع منسوب مياه البحر
المسكن في المدن الساحلية
بالنسبة لمن يسكنون في المجتمعات الساحلية، قد يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى حركة مفاجئة وغير مرغوب فيها، فمع ارتفاع درجات حرارة الكرة الأرضية، تتسرب الأنهار الجليدية الذائبة ومياه المحيطات لنا، ومنذ عام 1900 ارتفع متوسط مستوى سطح البحر بنحو 7 إلى 8 بوصات، ونحو 3 بوصات من ذلك منذ عام 1993، الأمر الذي يحدث الفيضانات الداخلية على سبيل المثال لا الحصر.
في الولايات المتحدة، ارتفع متوسط عدد أيام الفيضان السنوي منذ عام 2005 لـ 2015 بأكثر من الضعف على الساحل الشرقي بين فلوريدا ونورث كارولينا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع منسوب مياه البحر، وفي ميامي، يتم إجبار حتى المقيمين الذين يعيشون بعيدًا عن الشاطئ على الانتقال من مساكنهم.
ولهذا الأمر أيضًا ضرره على أصحاب الدخل المنخفض بأن يفقدوا منازلهم أمام الأثرياء الذين يريدون الابتعاد عن الساحل وإلى الأحياء الآمنة من الماء، مما يؤدي إلى ارتفاع قيم الممتلكات والإيجارات لأعلى بعيدًا عن متناول الناس العاديين، وهذا ما يسمى “تحسين المناخ 1“، وهو موضوع متداول داخل حركة العدالة البيئية 2.
وهناك مدن ساحلية تحت خط خطر الغرق والاختفاء التام، تحمل على سطحها ملايين من الناس، ومن هذه المدن أوساكا اليابانية والإسكندرية في مصر وريو دي جانيرو البرازيلية وشنغهاي في الصين وميامي في الولايات المتحدة الأمريكية.
إذا لم نقلل انبعاثات الكربون في الوقت الحاليّ، فقد يؤدي هذا إلى مشكلة كبيرة بالنسبة لنظامنا الغذائي
الطعام
قد لا يوجد شخصان في هذا العالم متطابقان تمامًا من ناحية الشخصية واللغة والجنسية والثقافة، ولكن هناك شيئًا نفعله جميعًا، أن جميعنا كبشر نأكل ونتغذى مما وهبته لنا الطبيعة، وقد وصلت آثار تغير المناخ السلبية إلى غذائنا.
تكمن العملية في أن ثاني أكسيد الكربون ذاته المتراكم في جونا بفضل الوقود الأحفوري يغير فعليًا في تكوين الفواكه والخضراوات التي نتناولها، مما يقلل من قيمتها الغذائية التي يحتاجها الإنسان، حيث يعمل ثاني أكسيد الكربون الإضافي على تسريع عملية التمثيل الضوئي ويتسبب في نمو النباتات باستخدام كميات أكبر من السكر وأقل من الكالسيوم والبروتين والزنك والفيتامينات المهمة.
وبحسب باحثين في جامعة هارفرد، إذا لم نقلل انبعاثات الكربون في الوقت الحاليّ، فقد يؤدي هذا إلى مشكلة كبيرة بالنسبة لنظامنا الغذائي، كما يمكن أن يصاب ما يقارب 175 مليون شخص بنقص الزنك، كما يمكن أن يصبح 122 مليون شخص يعانون من نقص البروتين نتيجة لهذه التغييرات في فسيولوجيا النبات بحلول منتصف هذا القرن.
زيادة خطر حرائق الغابات بسبب زيادة الجفاف الحاد الذي يجعل الغابات أكثر عرضة للحرائق، كما حدث منذ مدة قليلة في غابات الأمازون
الحيوان والنبات
من الطبيعي أن يؤثر الاحتباس الحراري على الثروة الحيوانية والنباتية التي ورثها الإنسان على سطح الأرض، كانقراض بعض الحيوانات والنباتات، كما ستواجه الغابات والمزارع والمدن آفات جديدة ضارة ومزعجة، وموجات حرارية وأمطار غزيرة وزيادة في الفياضانات التي ستقضي على الكثير من هذه الثروة، فسرعة التغير المناخي قد تكون أسرع من تكيف الكائنات الحية على التغير.
تحمض المحيطات، حيث يتم إذابة ثلثي ثاني أكسيد الكربون في مياه المحيطات والبحار الذي ينتج حمض الكربونيك، الذي يؤدي إلى إضعاف وانقراض مجموعة كبيرة من الكائنات البحرية القاعية والعائمة مثل الشعب المرجانية والقواقع البحرية وبعض أنواع الأسماك.
علاوة على ما سبق، تواجه الطبيعة أيضًا خطر التصحر، فارتفاع درجات الحرارة يجعل المناطق القاحلة وشبه الجافة أكثر جفافًا من ذي قبل، وتحوّل الأرض الخصبة الصالحة للزراعة والعيش إلى أرض جافة وقاحلة، وينطوي هذا على خسارة لا رجعة فيها للموارد الطبيعية، مما قد يؤدي إلى انخفاض إنتاجية الأراضي وزيادة خطر حرائق الغابات بسبب زيادة الجفاف الحاد الذي يجعل الغابات أكثر عرضة للحرائق، كما حدث منذ مدة قليلة في غابات الأمازون.
وفي هذا الشأن، يمكننا التطرق إلى ما يتم تداوله في وسائل الإعلام حديثًا بعد الحريق الذي حدث في غابات الأمازون، وهي عبارة “الأمازون رئة الأرض” و”الأمازون تنتج 20% من الأكسجين الذي نتنفسه”، وأصبحت تُشاع على أنها حقيقية علمية مثبتة، لكن ما مدى صحة هذا الأمر؟
غابات الأمازون المطيرة – رغم عظمتها – لا تنتج إلا جزءًا بسيطًا من الأكسجين في الجو
نشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية مقالًا علميًا بهذه الخصوص قالت إن هذه الفكرة متجذرة بقوة في العقول، بحيث أصبحت عبارة “الرئة الخضراء لكوكب الأرض” مرادفة لغابات الأمازون المطيرة، لكن الواقع أن إنتاج الأكسجين لا يعتمد فقط على الغطاء النباتي الأرضي.
ونوهت إلى تداول البعض بأن الأمازون تنتج “20% من الأكسجين” الذي نتنفسه، وأنها رئة الأرض بأنهما معلومتان غير صحيحتين، وأنهما قد تجعلان بعض الناس يعتقدون أن استمرار حرائق الأمازون قد يسبب نقصًا في الأكسجين، الأمر الذي أكدت الصحيفة أنه غير صحيح البتة.
وفسرت الصحيفة ذلك بقولها إن غابات الأمازون المطيرة – رغم عظمتها – لا تنتج إلا جزءًا بسيطًا من الأكسجين في الجو، وأضافت أن المحيطات هي التي تنتج نصف الأكسجين الذي نتنفسه، والباقي ينبعث من الغطاء النباتي الأرضي الذي لا تمثل منه غابات الأمازون إلا جزءًا صغيرًا جدًا، وبالتالي فهي مصدر لنحو 5% فقط من إجمالي الأكسجين في الغلاف الجوي.
موضوع الاحتباس الحراري وإيجاد الحلول للحد من مخاطره الحتمية يشغل بال العلماء والمختصين بالبيئة منذ سنوات طويلة
لكن في المقابل هذا لا يعني أن إزالة الغابات من حوض الأمازون لا يمثل كارثة حقيقية، إذ إنه يعرض السكان الأصليين للخطر، ويزيل هذا التنوع البيولوجي الفريد من نوعه في العالم، سواء بالنسبة للنباتات أو الحيوانات، كما أن له تأثير كبير على المناخين الإقليمي والعالمي وفقًا للصحيفة.
إلى جانب ذلك، تلعب غابات الأمازون دورًا منظمًا أقل شهرة لمناخ قارة أمريكا الجنوبية بأكملها، إذ إن هذه الغابة المطيرة الاستوائية تمثل مصيدة للسحب المتبخرة من المحيط وتعيد توزيعها في جميع أنحاء القارة.
على أي حال، فإن موضوع الاحتباس الحراري وإيجاد الحلول للحد من مخاطره الحتمية يشغل بال العلماء والمختصين بالبيئة منذ سنوات طويلة، أبرزهم عالم الفلك والفيزيائي ستيفن هوكينج الذي حذر البشرية مرارًا وتكرارًا من الانقراض إن ظلت على كوكب الأرض ولم تجد كوكبًا بديلًا خلال الألف عام المقبلة، مشيرًا إلى أن الحياة على الأرض تواجه خطر تزايد وقوع كارثة بسبب تغير المناخ والأسلحة النووية والروبوتات الفيروسات المعدلة وراثيًا.