انطلقت اليوم فعاليات المؤتمر الثامن للشباب وسط حالة من الترقب لما ستتضمنه محاور مؤتمر اليوم الواحد، لا سيما أنه يتزامن مع الزلزال الذي أحدثته الفيديوهات التي نشرها الفنان المقاول، محمد علي، التي كشف من خلالها بعض أوجه الفساد داخل الجيش، وهو ما أثار حالة من الجدل داخل الشارع المصري.
المؤتمر الذي جاء إعلانه بصورة مفاجئة فضلاً عما يتضمنه من محاور خاصة بخطورة نشر ما وصفته السلطات المصرية بالشائعات وحروب الجيل الرابع على أمن واستقرار الدولة، يهدف في المقام الأول وفق ما ذكر ناشطون وسياسيون إلى تجميل وجه النظام بعد المأزق الذي أوقعه فيه شريكهم السابق، صاحب شركة أملاك العقارية.
سيناريوهات عدة يتوقع مقربون من دوائر صنع القرار اللجوء إليها من أذرع الدولة السياسية والإعلامية لتوجيه أنظار الرأي العام بعيدًا عن التأثير المتدفق الذي سببته تلك الفيديوهات التي ثبت مع التجربة فشل كل إستراتيجيات الرد عليها، فهل تنجح تلك الأذرع من خلال فعاليات المؤتمر في احتواء تسريبات الفساد؟
الإعلان المفاجئ يثير التساؤل
أول تساؤل فرض نفسه مع تدشين هذا المؤتمر الإعلان المفاجئ عن تنظيمه، الذي جاء على غير المتوقع ودون سابق إنذار، رغم أن آخر مؤتمر للشباب تم عقده كان في أغسطس الماضي، أي قبل شهر ونصف تقريبًا، وكان قبل عام تقريبًا من المؤتمر السادس الذي عقد بجامعة القاهرة في يوليو 2017، وهو الأمر الذي أثار الشكوك في دوافع المؤتمر الحاليّ.
قرار رئاسة الجمهورية أن يكون المؤتمر في نسخته الحاليّة يوم واحد فقط، تساؤل آخر فرض نفسه، فمن المعتاد أن تستمر مثل هذه النوعية من المؤتمرات لأكثر من يوم، وعليه بات من الواضح أن هناك رسالة عاجلة يسعى النظام الحاليّ إلى توصيلها في أقرب وقت، حتى لو كانت من خلال يوم واحد.
ووفق المتحدث باسم الرئاسة، فإن المؤتمر سيحتوي على ثلاث جلسات، إحداها تناقش موضوع “تأثير نشر الأكاذيب على الدولة في ضوء حروب الجيل الرابع”، ثم جلسة “تقييم تجربة مكافحة الإرهاب محليًا وإقليميًا”، بالإضافة إلى جلسة مخصصة يجيب فيها السيسي عن أسئلة واستفسارات المواطنين، في جلسة بعنوان “اسأل الرئيس”.
هل يرد السيسي على المقاول؟
المؤتمر عقد خصيصًا من أجل الرد على محمد علي، هذا ما أكده سياسيون ونشطاء على منصات السوشيال ميديا، لكن يبقى السؤال: هل يجرؤ أحد على توجيه سؤال مباشر للرئيس عن هذا الموضوع الشائك؟ خاصة بعد الهزيمة المدوية التي تلقاها إعلام النظام إثر الفشل الواضح في الرد على ما تم تسريبه بشأن وقائع الفساد.
الأسماء التي تم اختيارها بعناية فائقة للمشاركة في مثل هذه المؤتمرات لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تشذ عما رُسم وخُطط لها، فلكل منها دور مرسوم، محدد سلفًا، ومن ثم فإن التوقعات بشأن إقدام أي من الحضور على توجيه أسئلة بعينها تعبر عن نبض الشارع للسيسي درب من الخيال.
خبراء حددوا 3 سيناريوهات محتملة للسيسي للخروج من مأزقه الحاليّ
الصمت الرسمي على وقائع الفساد التي كشفتها فيديوهات المقاول، بجانب فشل الأذرع الإعلامية في مجاراتها، عبر مداخل تشويه علي من خلال تجنيد أفراد عائلته، يضع السيسي ونظامه في موقف حرج، فالمؤتمر الحاليّ لا بد أن يكون له دور في التغطية بشكل أو بآخر على حالة الحراك الشعبي التي أحدثتها تلك الفيديوهات التي ضربت ثقة الشعب في رئيسه وأركان حكمه في مقتل بحسب وصف البعض.
الزخم الذي أحدثه شريك الجيش السابق والشعبية التي تزداد ساعة تلو الأخرى، وحالة التلهف على ما يقدمه من مقاطع حديثة تكشف دفعة جديدة من الأسماء المتورطة في وقائع فساد، سيزيد من حجم الضغوط على النظام الحاليّ الذي ما عاد أمامه إلا أحد خيارين: إما الرد المباشر على ما جاء من اتهامات، أو التغطية بملفات أخرى أكثر أهمية لدى الشارع، معتمدًا في ذلك على ذاكرة المصريين السمكية.. فما السيناريوهات المتوقعة؟
3 سيناريوهات
خبراء حددوا 3 سيناريوهات محتملة للسيسي للخروج من مأزقه الحاليّ: الأول استحداث قضايا سياسية مهمة تغطي على ما أثير من فيديوهات، وهو السيناريو الذي ذهب إليه الكاتب الصحفي المصري نزار قنديل الذي يرى أن مؤتمر اليوم هو محاولة أخيرة من الرئيس المصري للتغطية على تسريبات الفساد.
قنديل في تصريحاته لبرنامج (المسائية) على شاشة “الجزيرة مباشر” كشف أن إدارة السيسي تواصلت مع 6 ممن يصفونهم بكبار الصحفيين في مصر ليديروا نقاشًا في مؤتمر الشباب يتحدثون خلاله عن قضايا سياسية مهمة، على رأسها الإصلاح السياسي، وهو ما بدأ تروجيه قبل يومين من خلال مقال للصحفي المقرب من السيسي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأخبار، ياسر رزق.
الكاتب المصري وصف ما حدث خلال الأيام الماضية بأنه “زلزال سياسي هز أركان النظام” خاصة أن شريكهم المقاول تحدث بجرأة كبيرة إلى المصريين، الأمر الذي أقلق السلطات من أي تحرك أو رد فعل يعيد للأذهان ما حدث مع الرئيس الأسبق حسني مبارك في نهاية 2010.
وتابع “أتوقع أيضًا أن هذا المؤتمر تحديدًا سيشهد عددًا غير مسبوق من الصحفيين والإعلاميين المرقعين والمطبليين، لخلق حالة نقاشية حول قضايا سياسية، كنوع من الموسيقى التصويرية تضفي على السيسي نوعًا من المصداقية في ردوده، والتشويش على فيديوهات محمد علي، والرد على فيديوهاته بشكل غير مباشر”.
وفي الإطار ذاته ذهب البعض إلى استدعاء فزاعة “الإرهاب” و”المؤامرات الخارجية” التي تحاك ضد مصر، في محاولة للترهيب من التعاطي مع ما يبث من تسريبات تزعزع الثقة في مؤسسات الدولة، وهي الإستراتيجية التي طالما لجأ إليها النظام الحالي في كافة الأزمات التي يتعرض لها، دون الولوج في تفاصيل الفيديوهات أو الرد على الاتهامات المباشرة الموثقة بالمعلومات والأسماء.
هذا بخلاف ما يتوقع بشأن التعليق المقتضب على ما أثير من معلومات تضمنتها المقاطع المصورة، مع تكذيب معظمها ونفيها بالكلية، بجانب التحذير من المساس بمكانة وهيبة الجيش المصري، الذي طالما يشير السيسي إلى تماسكه.
كان علي قد توعد، الأربعاء الماضي، في مقطع فيديو جديد بتفنيد كلام السيسي، وبرد قاسٍ على ما سيقوله في المؤتمر بعد دقائق من انتهائه
السيناريو الثاني: استمالة الشباب، وذلك عبر إبراز دور البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، والأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب، في تفريخ مجموعات جديدة يمكن الدفع بها مستقبلاً في مضمار العمل السياسي، وخوض انتخابات مجلس النواب المقبلة بقوة، وهي المغازلة التي ربما تسيل لعاب الكثير من صغار السن الطامعين في تسلق سلم السياسة في مصر.
مصادر أشارت إلى أن حزب “مستقبل وطن” الذي تديره الاستخبارات، يقوم بهذا الدور على أكمل وجه، متوقعة أن يكثف هذا الكيان من نشاطه خلال الفترة المقبلة للعزف على هذا الوتر، في محاولة لتفتيت كتلة الشباب المتعاطفين مع ما يبثه المعارضون هنا وهناك.
فيما جاء السيناريو الثالث، وهو الأبعد نسبيًا، أن يبادر السيسي نفسه باستباق خطوة للأمام، وإعلان فتح باب التحقيق فيما ورد من معلومات وبيانات، والرد بشكل مباشر على الاتهامات الواردة، في محاولة لامتصاص غضب الرأي العام الذي تمحور حول سؤال واحد: لماذا لم يرد النظام على ما جاء في تلك الفيديوهات؟
هذا السيناريو رغم بعده في ظل ما يتمتع به السيسي من “نرجسية” وزيادة في منسوب تضخم الذات، فإنه وارد بشكل كبير وفق سياسيين، إذ إنه قادر على أن يقلب الطاولة على الجميع، ليصدر نفسه أنه المدافع الأول عن الفساد حتى لو كان داخل المؤسسة العسكرية التي تحميه، غير أن هذه الخطوة في حد ذاتها تعد مغامرة غير محسوبة العواقب، ربما تهز الثقة في ثوابت الجيش، وهو ما دفع البعض لاستبعاد هذا الخيار.
ماذا عن الفنان المقاول؟
ومما يزيد الوضع سخونة، حالة السجال المحتمل بين المؤتمر ومحمد علي، إذ إنه من المتوقع أن يكثف المقاول من فيديوهاته في أثناء المؤتمر، وأن يرد على تصريحات السيسي، أيًا كان مضمونها، حتى إن لم تتطرق إليه بشكل مباشر، وربما تحمل التسريبات الجديدة مفاجآت عن الفساد وإهدار المال العام بهدف مزيد من الإحراج للرئيس خلال مشاركته في المؤتمر.
وكان علي قد توعد، الأربعاء الماضي، في مقطع فيديو جديد بتفنيد كلام السيسي، وبرد قاسٍ على ما سيقوله في المؤتمر بعد دقائق من انتهائه، مشيرًا إلى أنه “فرعون مصري صغير”، وقادر على القضاء عليه كلية، وجاء هذا التصعيد بعد لجوء النظام إلى استخدام ما وصفه بـ”الأساليب القذرة” لتشويه صورته.
يذكر أن ضغوط مورست على عائلة محمد علي لإحراجه وتلويث سمعته، البداية كانت مع والده علي عبد القادر الذي ظهر باكيًا على شاشة “صدى البلد” مع الإعلامي المقرب من النظام أحمد موسى، ليعلن أن ابنه شوه صورة عائلته وأنه بذلك يعرضها للخطر، مشيرًا إلى فضل الجيش عليه وعلى ثروته الحاليّة.
الأمر كذلك تكرر مع شقيقه الذي ظهر في أكثر من مقطع مصور، يتهم علي بالاستيلاء على ميراث والدته، ثم بعدها حرمان أبناء أخيه المتوفي من حقهم في الإرث، فضلاً عن اتهامه بأنه “كومبارس فاشل” موجهًا العديد من سهام النقد والهجوم له لما سماه “نكران الجميل” للدولة.
تجميل المشهد
تحت عنوان “نحن نسأل الرئيس عن سجناء الأمل ونطالب بالإفراج عن المعتقلين”، أصدر عدد من النشطاء السياسيين، بيانًا قبل ساعات من انطلاق المؤتمر الذي سيتضمن جلسة بعنوان “اسأل الرئيس” يجيب فيها عن الأسئلة التي تلقتها صفحة المؤتمر على “فيسبوك”، كاشفين أن الهدف من هذا المؤتمر هو تجميل المشهد لا أكثر.
النشطاء في بيانهم أشاروا “فيما لم يمر أكثر من شهرين على المؤتمر الأخير، وبينما يوجه المدعوون الأسئلة المكررة والمعدة سلفًا لرأس النظام أمام الكاميرات، تبقى عشرات ومئات الأسئلة حبيسة جدران السجون، أو ممنوعة من التداول داخل جنبات قاعات المؤتمر”.
وأضافوا “يجتمع بعد ساعات مجموعات من الشباب الذين انتقتهم أجهزة الدولة بعناية للمشاركة، فيما يعرف بمؤتمر الشباب، لتقديم وجبة جديدة من الجلسات والصور والأحاديث لكاميرات الإعلام، وملء الصفحات بأحاديث عن اهتمام الرئيس بالشباب، في محاولة لتجميل مشهد عام مشوه، أو الرد على اتهامات باتت تلاحق النظام حتى من داخله أو ممن عملوا معه واستفادوا منه لسنوات، فيما يقبع خلف القضبان شباب كل تهمتهم الأمل والحلم بغد مختلف، أو التفكير خارج السياق المرسوم”.
كما وجهوا أسئلة للرئيس آملين أن يجيب عنها في المؤتمر منها: “نسأل عن سجناء الأمل الذين ألقي القبض عليهم منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، وكل تهمتهم أنهم حضروا اجتماعًا تنسيقيًا لأحزاب رسمية، لمناقشة المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة التي تدعو أجهزة إعلام الدولة ليل نهار للمشاركة فيها، وتتوعد من يقاطعها أو يدعو لمقاطعتها بل ويتم القبض عليهم، ليجتمع من يطالبون بالمشاركة ومن ينادون بالمقاطعة تحت سقف سجن واحد، في رسالة للجميع أن كل فعل خارج المرسوم له والمعد له سلفًا من النظام وأجهزته الأمنية بات ممنوعًا بل ومجرّمًا”.
وحسب البيان “بينما تأتي الإجابات المتوقعة عن أسئلة شباب المؤتمر الرئاسي، أو يتم الإعداد لها من خلال مقالات الكتاب القريبين من السلطة، لتبشر بما يطلقون عليه بدء مرحلة ما يسمونه بالإصلاح السياسي، فإنهم يؤكدون أن أي تحرك سياسي لا يقوم على احترام الرأي العام والتصدي للفساد ومحاسبة منتهكي الحقوق والرد على الاتهامات المشرعة في وجه النظام وفتح الباب لمشاركة حقيقية والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين وفتح المجال العام وتحرير المجتمع المدني والإعلام الذي بات تحت السيطرة الكاملة لأجهزة الأمن والسماح بحياة حزبية حقيقية بدلاً من القبض على أعضاء الأحزاب لمجرد تفكيرهم في المشاركة في الانتخابات، لن يكون إلا تكريسًا للوضع الاستبدادي الحاليّ”.
وقد أنهى النشطاء بيانهم محذرين من “خطورة الاستمرار في الوضع الحاليّ على مستقبل مصر، وشددوا على أن أزمة هذا المجتمع لن تحل بمؤتمرات يخاطب فيه النظام نفسه”، مطالبين بإعادة النظر في الإستراتيجيات المتبعة التي لا تهدف إلا إلى مزيد من تكريس الوضع المذري دون أي اعتبار لمفاهيم حقوقية أو ديمقراطية.