ساعات قليلة تفصل التونسيين عن موعد الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، التي من المنتظر أن تفرز رئيسًا للبلاد على مدى السنوات الخمسة القادمة. انتخابات رئاسية مبكرة لا يعلم أحد إلى الآن الفائز فيها، فالمشهد غامض ومفتوح على كل الاحتمالات، لكن الأكيد أنه سيكون هناك دورة ثانية ذلك أنه من الصعب على أي مرشح أن يحسمها من الدورة الأولى.
26 مرشحًا يمثلون أحزابًا سياسية وائتلافات حزبية ومستقلين
يتوجه نحو 6 ملايين و688 ألفًا و513 ناخبًا، غدًا الأحد إلى مراكز الاقتراع في تونس البالغ عددها وفق إحصاءات رسمية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات 4567، لانتخاب رئيس للبلاد يخلف الرئيس المؤقت محمد الناصر الذي اعتلى هذا المنصب خلفًا للرئيس الراحل في 25 من يوليو/تموز الماضي.
وكانت هيئة الانتخابات قد فتحت 302 مركز اقتراع في الخارج لتمكين 386 ألفًا و53 ناخبًا تونسيًا في الخارج من الانتخاب، وتتوزع الدوائر الانتخابية للتونسيين في الخارج على 6 دوائر رئيسية، وتنقسم دوائر الخارج على الأجزاء بحسب عدد الجالية التونسية المقيمة في المهجر، وهي أساسًا فرنسا وإيطاليا وألمانيا ودائرة الأمريكتين وبقية أوروبا ودائرة الوطن العربي والبلدان الأخرى.
يشارك في هذه الانتخابات المنتظرة 26 مرشحًا يمثلون أحزابًا سياسية وائتلافات حزبية ومستقلين، وذلك بعد استيفاء كل إجراءات البت في كل النزاعات القضائية المتعلقة بقائمة المرشحين التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات منتصف شهر أغسطس/آب الماضي، وكان أكثر من 98 شخصًا قد تقدموا بترشحاتهم للانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة المقررة في سبتمبر/أيلول، قبل أن يتقلص عددهم نتيجة عدم استيفاء بعضهم للشروط التي ضبطها القانون للترشح لمنصب الرئاسة.
يرجع هذا الغموض إلى أهمية الشخصيات المرشحة لهذه الانتخابات، وأيضًا إلى تشتت أصوات الناخبين
كان من المقرر إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية العادية في تونس يوم 17 من نوفمبر/تشرين الثاني، لكن بسبب وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي في 25 من يوليو/تموز الماضي، قررت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تقديم موعدها وإجراءها في 15 من سبتمبر/أيلول، فيما تجري في الخارج أيام 13 و14 و15 من نفس الشهر، وذلك وفقًا لمتطلبات الدستور.
ومن المنتظر أن يتم إعلان النتائج الأولية للانتخابات في 17 من سبتمبر/أيلول بحسب برنامج الانتخابات الذي أعلنه رئيس الهيئة العليا للانتخابات نبيل بفون، غير أنه لم يتم تحديد موعد الجولة الثانية التي يفترض أن تجري، إذا تطلب الأمر، قبل الـ3 من نوفمبر/تشرين الثاني بحسب نبيل بفون.
غموض كبير
ما يسجل في هذه الانتخابات، أنها المرة الأولى التي لا يملك فيها التونسيون فكرة مسبقة وواضحة عمن سيكون رئيس البلاد بعد انتهاء التصويت، فقبل الثورة كان الجميع يعرف أن الانتخابات صورية والنتيجة حاضرة مسبقًا لصالح الرئيس المخلوع بن علي، وبعد الثورة أقيمت انتخابات واحدة نتيجتها كانت محصورة بين اثنين من البداية، وهما المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي.
في هذه الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، كل شيء وارد، فمعظم المرشحين لهم حظوظ جدية للفوز بكرسي الرئاسة في قصر قرطاج، في مشهد سياسي يحفه الكثير من الغموض والضبابية، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام الكثير من المفاجآت.
يرجع الغموض في جزء منه إلى تشتت الأصوات
يرجع هذا الغموض إلى أهمية الشخصيات المرشحة لهذه الانتخابات، وأيضًا إلى تشتت أصوات الناخبين فالعديد من المرشحين ينتمون إلى نفس “العائلة السياسية” وينهلون من نفس الخزان الانتخابي، نجد مثلاً ستة كوادر متقدمة من نداء تونس، بالإضافة إلى أربعة مرشحين من العائلة اليسارية والاشتراكية الديمقراطية و3 من حركة النهضة، وبعض المرشحين المستقلين المحسوبين على الثورة.
كما يعتبر تشتت الأحزاب السياسية الكبرى التي كانت متماسكة قبل خمس سنوات من الآن وعدم قدرتها على تجميع أنصارها تحت راية مرشح واحد، أحد أهم الأسباب التي أدت إلى هذا الغموض الذي تعرفه الانتخابات الحاليّة، ما يجعل المشهد اليوم أكثر تعقيدًا.
رباعي يتنافسون على الصدارة
رغم هذا الغموض التي يميز هذه الانتخابات، فمن المنتظر أن يحتد التنافس على الصدارة بين أربعة مرشحين، وهم مرشح حزب قلب تونس نبيل القروي، ومرشح حركة النهضة الإسلامية عبد الفتاح مورو الذي يشغل منصب رئيس البرلمان بالنيابة، ومرشح حزب “تحيا تونس” رئيس الوزراء المتخلي يوسف الشاهد، والمرشح المستقل والمدعوم من نداء تونس والمشروع وآفاق تونس عبد الكريم الزبيدي الذي يشغل حاليًّا منصب وزير الدفاع الوطني.
ويتصدر مرشح حزب قلب تونس نبيل القروي استطلاعات الرأي بشأن نوايا التصويت، رغم أنه موجود في السجن على ذمة التحقيق في قضية تتعلق بتبييض الأموال والتهرب الضريبي وفق قرار دائرة الاتهام، واستغل القروي قناته التليفزيونية الخاصة وجمعيته الخيرية التي تحمل اسم “خليل تونس” لتكوين خزان انتخابي مهم خلال السنتين الأخيرتين يتكون أساسًا من الفئات المحرومة والمهمشة في الأحياء الفقيرة والمناطق النائية.
إلى جانب القروي، يظهر في صدارة المشهد مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو المحامي السبعيني بلباسه التقليدي الذي يلقى احترامًا واسعًا بين التونسيين. ويعد مورو أحد الأعمدة الأساسية للحركة الإسلامية في تونس، ويعول مرشح النهضة على الخزان الانتخابي للحركة، إلى جانب الآلاف الذين يدعمونه من خارج النهضة.
رغم تغير صلاحيات رئيس الدولة وتراجعها لصالح رئيس الحكومة عقب إقرار دستور 2014، يبقى المنصب الرئاسي بأبعاده التاريخية والسياسية والرمزية مطمح الجميع
يصفه مقربون منه بأنه يمتلك قدرة على الجدل ولا تخلو شخصيته من مرح، كما عرف بفكره المنفتح على التيارات الأخرى وثقافته الواسعة، يجمع بين الانفتاح والتمسك بالثوابت، وقادر على التعاطي مع جميع التيارات دون أن يغادر مكانه، وهو ما يزيد فرص نجاحه في هذه الانتخابات.
خلف مورو، نجد رئيس الحكومة المتخلي يوسف الشاهد، الذي انتقل بسرعة البرق من موظف عادي إلى وزير فرئيس وزراء، وها هو اليوم ينافس بجدية على منصب رئيس الدولة، مستغلاً كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة لتحقيق هدفه الأسمى.
وظهر الشاهد خلال الحملة الانتخابية التي امتدت من يوم 2 من سبتمبر/أيلول حتى يوم أمس، بمثابة الرجل القوي والمنافس الجدي على منصب رئيس البلاد، فقد جاب أغلب مناطق البلاد، ونظم عشرات اللقاءات الشعبية داخل تونس وخارجها للترويج لشخصه وتأكيد أهليته لمنصب الرئاسة.
ويعول الشاهد في الفوز بكرسي الرئاسة على دعم الأحزاب السياسية والشخصيات العامة التي ترى فيه الجامع للعائلة “الحداثية” في البلاد، وخليفة الباجي قائد السبسي القادر على توحيد “الديمقراطيين” في وجه من يعتبرونهم “تهديدًا لنمطهم المجتمعي” الذي وضع دعائمه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
رابع هؤلاء هو عبد الكريم الزبيدي الذي يشغل منصب وزير الدفاع منذ 12 من سبتمبر/أيلول عام 2017. قبل فترة قصيرة لم يكن الزبيدي في قائمة المرشحين، إلا أنه برز فجأة خاصة في الفترة التي شهدت مرض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي توفي يوم 25 من يوليو/تموز الماضي، وروج بأنه صديق السبسي وكاتم أسراره لتبدأ بذلك حملة المناشدة له لتولي رئاسة البلاد، ويرتفع رصيده ويصبح منافسًا جديًا على منصب الرئاسة.
يصعب أن يتم حسم الانتخابات في تونس من الدور الأول
كان المرشح عن حركة “مشروع تونس” محسن مرزوق قد قرر مساء أمس الانسحاب من السباق الرئاسي، ودعا إلى التصويت لفائدة عبد الكريم الزبيدي، قائلاً: “هذه الخطوة تقدم المصلحة العامة أمام المصلحة الخاصة وتهدف إلى عدم تشتت الأصوات خصوصًا في ظل صعود قوى متطرفة وشعبوية تهدد سلامة ووحدة الدولة ومكاسبها العصرية”.
كما قرر أيضًا السياسي ورجل الأعمال الملاحق قضائيًا والموجود خارج البلاد سليم الرياحي بدوره الانسحاب من السباق ودعم عبد الكريم الزبيدي، معتبرًا انسحابه لمصلحة وطنية لأن الإحصاءات التي لديه جيدة لكنها لا توصله إلى الرئاسة وفق قوله.
رغم تغير صلاحيات رئيس الدولة في تونس وتراجعها لصالح رئيس الحكومة عقب إقرار دستور 2014، يبقى المنصب الرئاسي بأبعاده التاريخية والسياسية والرمزية مطمح الجميع، فالكل يريد أن يجلس على كرسي الرئاسة في قرطاج.