ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: روث إغلاش جيمس ماكولي
إن “إسرائيل” على موعد مع انتخابات أخرى في غاية الأهمية خلال الأسبوع القادم، لكن التصويت الأكثر حسما من المحتمل أن يدلي به الصديق العدو لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المعروف بشدته وسلاطة لسانه، في الأيام التي تلي الانتخابات مباشرة. ويُذكر أن أفيغادور ليبرمان، الذي سبق أن شغل منصب وزير الدفاع، قد أعاق جهود حليفه السابق نتنياهو في وقت سابق من هذه السنة لتشكيل ائتلاف حاكم، الأمر الذي أجبر “إسرائيل” على إعادة إجراء انتخابات غير مسبوقة.
في الوقت الراهن، من المتوقع أن يفوز ليبرمان وحزبه السياسي “إسرائيل بيتنا” بعدد كاف من المقاعد في البرلمان يوم الثلاثاء لتحديد ما إذا كان نتنياهو سيواصل فترة رئاسته التاريخية كرئيس للوزراء أم سيحل محله منافسه الرئيسي، القائد العسكري السابق بيني غانتس. ولا يعتبر التوازن بين الرؤى الدينية والعلمانية لمستقبل “إسرائيل” الأمر الوحيد الذي بات على المحك في هذه الانتخابات.
لقد قدّم نتنياهو وعدا، في حال أُعيد انتخابه، بأن يغير الوضع الراهن الذي طال أمده في الأراضي المحتلة، وذلك من خلال ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية إلى “إسرائيل”، وهي مبادرة ستحظى بشعبية لدى الناخبين اليمينيين ولكنها قد تتسبب في الوقت نفسه في إثارة غضب الدول العربية. وحين أعلن عن مخططه، أشار نتنياهو إلى موافقة إدارة ترامب، التي من المقرر أن تعلن عن خطة سلام جديدة في الشرق الأوسط بعد الانتخابات الإسرائيلية.
نظرا لكون ليبرمان يميني التوجه في مجال الأمن القومي، لكن في الآن ذاته علماني متشدد، فقد حقق نجاحًا كبيرًا مع شعبه على نطاق واسع
بالنسبة لنتنياهو، الذي أصبح مؤخرا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول بقاء في السلطة، يمكن أن تحدد الانتخابات مصيره وما إذا كان سيواجه دعوى قضائية بخصوص ثلاث قضايا جنائية تتضمن ادعاءات بالاحتيال والرشوة وانتهاك الثقة. وتشير التقارير إلى أنه يعوّل على تشكيل ائتلاف حاكم حتى يتمكن من سن تشريع يجنّبه الملاحقة القضائية.
لطالما كان ليبرمان، الذي وُلد في جمهورية مولدوفا، الصوت الذي يمثل العديد من الإسرائيليين الذين هاجروا من روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى. ونظرا لكونه يميني التوجه في مجال الأمن القومي، لكن في الآن ذاته علماني متشدد، فقد حقق نجاحًا كبيرًا مع شعبه على نطاق واسع، لا سيما بعد إجهاض جهود نتنياهو لتكوين ائتلاف في شهر أيار/ مايو الماضي بعد رفضه الانضمام إلى الحكومة مع أحزاب يهودية أرثوذكسية متطرفة وأحزاب دينية أخرى.
في هذا الصدد، وعد ليبرمان مؤخرًا حشدا يتكوّن من حوالي مئة إسرائيلي من الطبقة الثرية والمؤثرة، والذين حضروا في فيلا واسعة شمالي تل أبيب خلال حملته الانتخابية، بعدم مشاركته “في حكومة تتكون من الأرثوذكس المتطرفين أو المتعصبين”. وبينما كان يلقي خطابه، كانت الأنوار تتلألأ أمام حمام السباحة ومقصف مترف أُعد للضيوف الذين يرتدون ملابس أنيقة. خُصّص هذا المكان الساحر في ريشبون، الذي يُعتبر أحد المجتمعات الأكثر تميزا في “إسرائيل”، لحملة انتخابية لوسيط سلطة سياسي غير محتمل.
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن ليبرمان قد يفوز بحوالي 10 مقاعد، وهو ضعف عدد المقاعد التي يحظى بها حاليا
بلغة عبرية تطغى عليها اللهجة الروسية، حذر ليبرمان، الذي كان حارسا سابقا في ملهى ليلي، من النتيجتين المحتملتين التي ستفضي إليها الانتخابات. تتمثل النتيجة الأولى في تحقيق حزب الليكود بزعامة نتنياهو فوزًا ساحقا، الأمر الذي سيتيح له فرصة تشكيل ائتلاف يميني جديد تسيطر عليه الفصائل الأرثوذكسية المتطرفة والفصائل الدينية الأخرى. أما السيناريو الآخر فيتمثل في فوز حزب ليبرمان بعدد كاف من الأصوات، الأمر الذي يجعله قادرا على مطالبة الأحزاب السائدة في “إسرائيل” العلمانية بتوحيد قواها.
لوحة إعلانات للحملة الانتخابية تصور أفيغادور ليبرمان، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك، في مدينة عكا في”إسرائيل” سنة 2015.
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن ليبرمان قد يفوز بحوالي 10 مقاعد، وهو ضعف عدد المقاعد التي يحظى بها حاليا. وفي ظل وجود حزب الليكود الحاكم ومنافسه الرئيسي حزب “الأزرق-الأبيض” المتقاربين إلى حد كبير في المستوى، واللذين من المؤكد أنهما لن ينجحا في الحصول على عدد المقاعد الواحد وستين المطلوبة للفوز بالأغلبية المطلقة، يمكن أن يكون ليبرمان صانع الملوك. وحيال هذا الشأن، قال دان أفنون، رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس: “يبدو أن الاحتمالات كبيرة لفوز ليبرمان، الذي سيحدد شركاءه الآخرين في الحكومة الجديدة”.
إن نفوذ ليبرمان المتزايد جعل بقية المرشحين يشعرون بالقلق، لا سيما نتنياهو. وخلال الأشهر القليلة الماضية، بذل رئيس الوزراء الحالي جهودًا ملموسة لسحب الدعم من قاعدة ليبرمان التقليدية، بالإضافة إلى عقد اجتماعات حاشدة للمهاجرين الذين يتحدثون اللغة الروسية، ونشر لوحات إعلانية تجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد وصل به الأمر إلى حد زيارة أوكرانيا الشهر الماضي. ويوم الخميس، التقى نتنياهو ببوتين في مدينة سوتشي الروسية مؤكدا أن الرحلة كانت لإجراء محادثات أمنية مهمة “في مواجهة محاولات إيران ووكلائها لمهاجمتنا”.
خلال التسعينيات، هاجر أكثر من مليون شخص يتكلمون اللغة الروسية حاملين معهم تراثهم اليهودي إلى “إسرائيل” بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. وتشير الإحصاءات الحكومية الأخيرة إلى وجود حوالي مليون ونصف المليون شخص ناطقٍ باللغة الروسية في “إسرائيل”، أي حوالي 17.25 في المئة من إجمالي السكان. وفي الماضي، كان هؤلاء يصوتون إلى حد كبير لصالح حزب “إسرائيل بيتنا”، الذي يقوده أفغدور ليبرمان وتأسس قبل 20 سنة، بسبب تركيزه على قضايا المهاجرين.
في كثير من الأحيان، أضحى نمط تصويت هذه الفئة خاصة بين الجيل الثاني أو أولئك الذين قدموا إلى “إسرائيل” وهم أطفال، يعكس نمط المجتمع الإسرائيلي السائد. وقد رأى ليبرمان أن قاعدة شعبيته بدأت تتآكل لفترة من الوقت، خاصة عندما وُجهت إليه تهمٌ بالفساد وقع تبرئته منها لاحقًا، فضلا عن أنه اكتسب شهرة في بعض الأوساط بكونه من الشخصيات السياسية الانتهازية. لكن صراعه مع الأرثوذكس المتشددين، الذي أثار جدلا واسعا في الفترة الأخيرة، أعاد إنعاش مكانته على الصعيد السياسي وساهم في تنامي قاعدة شعبيته السابقة.
في هذا السياق، صرحت إيرينا براغنسكي، البالغة من العمر 70 سنة، التي وصلت إلى “إسرائيل” من أوكرانيا قبل 30 سنة: “تقريبًا سأصوّت لليبرمان هذه المرة، “ما زلت أثق به”. وأوضحت براغنسكي أن نتنياهو لم يفعل الكثير لمساعدة أشخاص مثلها على مر السنين، حيث كان مذعنا للأرثوذكس المتشددين في قضايا على غرار إغلاق المتاجر ووسائل النقل العام يوم السبت اليهودي.
في سياق متصل، أضافت براغنسكي وهي جالسة مع مجموعة من الأصدقاء وسط مدينة بات يام، التي تقع في إحدى ضواحي تل أبيب وتضم محلات سوبر ماركت روسية ومكتبات: “لانملك أنا وزوجي سيارة ولا توجد حافلات في يوم السبت، لذلك نحن نعلق هنا في المدينة كل نهاية أسبوع”. وتابعت: “كل شيء مغلق. لا يمكنك شراء أي شيء ويحدث كل هذا لأن نتنياهو يفعل كل ما تمليه عليه الأحزاب الدينية”.
رجل يهودي متدين يستعد للتصويت خلال الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، التي عقدت في التاسع من نيسان/ أبريل في القدس.
في المقابل، أفادت صديقة براغنسكي، ريتا موزيكانت، البالغة من العمر 73 سنة، وهي أيضًا مهاجرة من أوكرانيا، بأنها لم تعد ترغب في دعم ليبرمان بعد تصويتها لصالحه في الانتخابات السابقة. وأضافت قائلة: “إن حزب الليكود ورئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو هما الوحيدان القادران على الحفاظ على سلامة بلدنا، كما أن نتنياهو قائد قوي يحترمه قادة الدول الأخرى”.
في شأن ذي صلة، أشار مواطن يهودي آخر يدعى كونستانتين توبشانكو، يبلغ من العمر 49 سنة، إلى أنه يرفض كلا من ليبرمان ونتنياهو: “سأصوت لصالح حزب الأزرق-الأبيض. فقد جئت إلى “إسرائيل” قبل 20 سنة، وعملت بجد طيلة سنوات. في هذه الأثناء، كان الأثودوكس المتشددين يقضون يومه في أداء الصلاة بينما يعيشون من الضرائب التي أدفعها. وأنا أريد أن تكون بلادنا حديثة وعلمانية. لذلك، إن التصويت لنتنياهو هو في الأساس تصويت لصالح حلفائه الأثودوكس المتشددين”.
بالعودة للسكن في الفيلا الخاصة به في ريشبون، كان ليبرمان يتطلع إلى الاستفادة من أصوات الناخبين الذين يشاركونه المخاوف نفسها. وخلال اجتماعاته هناك، تحدث عن الاقتصاد والفلسطينيين والعالم العربي الأوسع، لكنه دائما ما يتطرق إلى نفوذ الجماعات الدينية في “إسرائيل”. وقد أفاد لبيرمان قائلا: “أنا لست ضد الحريديم”، مستخدما المصطلح العبري لوصف الأرثوذكس المتشددين، موضحا “تضم عائلتي أفرادا متدينين وعلمانيين، وتنتمي زوجتي وابنتي إلى طائفة الأثودوكس. وفي ليلة الجمعة، نؤدي “القداس” أو الكيدوش، لكن صباح السبت، إذا لم تكن هناك انتخابات، فأنا ألعب التنس عادة”.
أضاف ليبرمان بنبرة صوته الغامضة: “في منزلي، لا آكل سوى الكوشير. أما في الخارج، فأتناول الطعام الذي يكون مذاقه لذيذا”. وضحك بسخرية قبل أن يستأنف توجيه انتقادات لاذعة ضد الأرثوذكس المتشددين، الذين يمثلون 10 بالمئة من سكان “إسرائيل”، بسبب فشلهم في المساهمة في تنمية الاقتصاد عن طريق تفضيلهم القيام بالدراسات الدينية حول العمل والسعي إلى التعدي على الحريات العلمانية، من خلال السعي مثلا لإغلاق الأسواق الصغيرة يوم السبت، حيث قال: “أنا لست ضد الحريديم أنا فقط أرفض محاولاتهم للسيطرة على حياتي”.
قالت إحدى الضيوف، التي كشفت عن اسمها الأول فقط، هداسا، إنها ستمنح ليبرمان فرصة هذه المرة. وأردفت قائلة: “أفضل شخصا يكون معارضا لتوجهات نتنياهو، فضلا عن أنه وعد بإجبار جميع الأطراف على تشكيل تحالف علماني واسع، وهذا ما تحتاجه “إسرائيل” “.
المصدر: واشنطن بوست