يعد انقلاب أيلول 1980 من الأحداث المؤسسة التي تركت أثرها في حياة الجمهورية التركية، فرغم مرور 39 عامًا على تحرك الجيش ضد حكومة سليمان ديميريل، فإن ذكرى الانقلاب وما ترافق معه من أعمال وحشية بحق النشطاء السياسيين الأتراك ما زالت راسخة في أعماق وجدان الشعب التركي.
لم تكن السينما التركية بعيدة عن هذه الروح، إذ عملت على تجسيد وترسيخ فظائع الانقلاب وآثاره على المجتمع قبل السياسية التركية، فظهر عدد كبير من الأعمال الفنية التي تناولت هذه الحقبة وما تركته من آثار دامية.
فيلم غني أغانيك “Sen Türkülerini Söyle“: لا أنت أنت ولا الديار ديار
سبع سنوات هي المدة التي قضاها خيري معتقلًا في سجون الدولة التركية بعد أن اعتقل على يد الجيش التركي بعد انقلاب أيلول عام 1980. سبع سنوات كانت كافية لتجعل خيري الناشط السياسي المحمل بعنفوان الشارع التركي في سبعينيات القرن الماضي غريبًا وسط محيط نالته ميكانزمات التغير، فرفاق الشارع تحولوا إلى خلاصهم الفردي المتناقض كليًا مع ما آمن وناضل من أجله خيري ورفاقه، أما البلاد فقد طالتها حالة من الحزن الجريح الممزوج بقيم استهلاكية طمست ما تبقى من أحلام لدى جيل السرديات الكبرى، أما خيري فلم يبق له من كل هذا غير إيمان محمل بخيبات الأمل وكوابيس ترافقه في لياليه الطويلة.
أنتج الفيلم عام 1986 وأخرجه المخرج التركي الشهير شريف غوران وسيناريو تورغاي أكسوي وشارك في تمثيله نخبة من الفنانين على رأسهم الفنان قادر أينانير الذي جسد دور خيري البطل الرئيس في الفيلم.
فيلم زنجير بوزان “zincirbozan“: الطريق إلى انقلاب أيلول
يتناول الفيلم اللحظات التي سبقت تدخل الجيش وسيطرته على المشهد السياسي منذ اغتيال الصحفي التركي عبدي إيبكشي في فبراير 1979، من خلال التعريج على حالة الفلتان الأمني التي عانت منها البلاد التي وقعت ضحية أعمال عنف سياسي وصلت إلى شفا حرب أهلية، وموقف السياسيين الأتراك الذين تفاعلوا بطريقة لا ترقى لمستوى التهديد والحدث. الجدير بالذكر أن اسم الفيلم جاء من اسم الثكنة العسكرية التي اُحتجز فيها السياسيون ورجال الدولة الأتراك بعد انقلاب 1980، التي حملت اسم zincirbozan“.
أنتج الفيلم في أبريل/نيسان 2007 وأخرجه المخرج التركي أتلا أناتش، فيما أعد الصحفي التركي عوني أوزغول السيناريو، ولعب دور البطولة عدد من الممثلين على رأسهم بولنت أيمن يرار بدور بولنت أجاويد، فيما جسد سوافي أيرين دور الجنرال كنعان إيفرين، ولعب الفنان خلدون بويسان دور سليمان ديميريل.
فيلم حكايتنا “Bizim hikaye“: معارك الآباء وإرث الأبناء
يبدأ فيلم حكايتنا بمشهد يجمع الأب بابنه الذي يخطو أولى خطوات تعلم قيادة الدراجة الهوائية، لينتقل لاحقًا إلى مشهد اعتقال الوالد في مشهد يلخص سردية انقلاب أيلول الذي لم يقتصر في استهدافه على أجيال ذلك الزمان بل كان موجهًا لمستقبل الجمهورية وديمقراطيتها الناشئة.
يروي الفيلم حكاية يمتزج فيها الحاضر بالماضي، فالابن يسعى لإنقاذ ما تبقى من ذكرى والده الذي قضى تحت التعذيب في سجون عسكر أيلول من خلال معركة قضائية يخوضها الابن لاستعادة مذكرات والده ابتداءً ورد الاعتبار له لاحقًا.
يعد الفيلم من الأفلام التي تقدم رواية المحافظين الأتراك عما جرى في أيلول 1980، الفيلم من إخراج المخرج التركي ياسين أوسلو وبطولة الفنان هالوك بييس، والفنان جانسل إلتشين والفنانة بورجو كيراتلي.
فيلم جميع الأبواب كانت مغلقة “Bütün Kapılar Kapalıydı“: المرأة وتحدي حياة ما بعد السجن
يتناول الفيلم حكاية الفتاة نيل وسعيها للتأقلم مع متطلبات الحياة بعد تجربة اعتقال امتدت لست سنوات تعرضت خلالها للتعذيب، وبعد خروج نيل تتجه إلى مدينة إزمير لتمكث إلى جوار عائلتها التي تتركها لاحقًا متجهة إلى إسطنبول بحثًا عن بداية جديدة تساعدها على استعادة ابنتها دنيز، لكن رياح إسطنبول المضطربة لم تكن كما تشتهي سفن نيل التي عانت من أجل إيجاد عمل يكفل لها بداية جديدة لتقابل لاحقًا أتيش الذي يمثل بداية جديدة لنيل.
نال الفيلم عددًا من الجوائز على رأسها أفضل سيناريو فيلم في مهرجان أنطاليا للأفلام 1990، الفيلم للمخرج التركي ممدوح أون وسيناريو سهيلة أجار كايونجو، وقام بدور البطولة الأساسي الفنانة أسلي ألتان بدور نيل والفنان أوجور بولات بدور أتيش.
فيلم ضباب “Sis“: الأخوة الأعداء
يتناول الفيلم حكاية عائلة القاضي وتفاعلها مع الحياة السياسة في تركيا، فيبدأ الفيلم من انقلاب 1960 حيث تستيقظ العائلة على الأغاني العسكرية وإذاعة خبر سيطرة الجيش على الحكم، لكن الانقلاب العسكري فجر حالة من العنف السياسي بين القوى السياسية في تركيا تدفع القاضي علي لترك مهمته خوفًا من تبعات قراراته، لكن جهود القاضي لحماية أسرته من نيران العنف السياسي لم تمنع أن يكون ولداه على خلاف سياسي، حيث يُقتل الابن مراد ويتهم ابنه الآخر، حيث تبدأ رحلة جديدة للقاضي علي لإنقاذ ابنه وعائلته.
كتب سيناريو الفيلم وأخرجه المخرج والكاتب التركي زولفو ليفانيل، فيما قام الممثل التركي روتكاي عزيز دور القاضي علي، فيما جسد الفنان أوجور بولات دور الابن أيرول، فيما شاركت الممثلة التركية أسلي ألتان بدور الفتاة إيدال.
فيلم أبي وابني: من قهر السياسة إلى حضن العائلة
يعد فيلم أبي وابني من أهم الأفلام التي تناولت انقلاب أيلول وتبعاته على المجتمع التركي، حيث يتناول الفيلم حكاية المناضل اليساري صادق الذي يخسر زوجته في أثناء ولادتها ابنه دينز الذي تدفعه مرارة الاعتقال وما تلاها من متاعب لترك مدينة إسطنبول والعودة إلى مزرعة والده التي خرج منها شابًا يملأه العنفوان والتمرد ليجد الأب وابنه فرصة لمراجعة ما حدث، فهل كان يجب حدوث كل هذا؟
أخرج الفيلم المخرج التركي سيغان إرمارك، وشارك في بطولته عدد من النجوم الأتراك على رأسهم الفنان القدير شيتين تيكندور بدور الجد، والفنان فكرت كوشكان بدور صادق.
فيلم عاصفة أيلول “Eylül fırtınası“: انقلاب أيلول من عيون طفل
يتناول فيلم عاصفة أيلول الانقلاب العسكري من عيون الطفل متين الذي يجد نفسه إلى جوار والدته المناضلة اليسارية السابقة التي تتعرض للاعتقال، ونظرًا لعدم وجود عائلة الطفل فإنها تضطر لاصطحاب الطفل إلى جوارها في السجن، ليقوم جده لاحقًا باصطحابه إلى جواره.
أنتج الفيلم عام 2000 حيث أخرجه المخرج التركي عاطف يلماز، وشارك في بطولته الممثل التركي طارق أزكان والفنانة زارا.
فيلم العودة إلى المنزلة “şEve dönü“: حكايا التعذيب في سجون العسكر
يتناول فيلم العودة إلى المنزل حكاية عائلة تركية كادحة يعمل الزوج والزوجة فيها من أجل سداد أقساط تلفاز قاموا بشرائه، يعمل مصطفى في مصنع للنسيج حيث يكون بالقرب من نشاطات التنظيمات اليسارية التي يرفض الانخراط فيها ويفضل الابتعاد عن السياسة التي ترفض الابتعاد عنه لكن هذه المرة من بوابة رجال الأمن، حيث يتعرض للاعتقال بتهمة بيع السلاح لمنظمات يسارية.
أنتج الفيلم عام 2006 وأخرجه المخرج التركي عمر أوغور وقام بدور البطولة فيه الممثل التركي مهمت علي البورا والممثلة التركية المشهورة سيبيل كيكيلي.
فيلم هي وأطفالها “O… çocukları“: المنفى والعائلة
يروي الفيلم حكاية زوجين تعرضا بعد انقلاب أيلول 1980 للملاحقة، حيث قرر كلاهما السفر إلى إيطاليا هربًا من بطش العسكر، لكن تواجههما مشكلة ابنتهما التي يجب تركها في مكان ما، فبعد البحث تمكث الطفلة عند السيدة مهتاب، وبعد فترة من الزمان تقرر الأم إرسال صديقتها الإيطالية لاصطحاب ابنتها لتبدأ مغامرة أخرى تخوضها السيدة الإيطالية.
أنتج الفيلم عام 2008 وأخرجه المخرج التركي مراد ساراتشوغلو، ولعبت الممثلة ديميت أكباج دور مهتاب، فيما لعبت الممثلة أوزغو نامال دور دوناتيلا.
فيلم مفقود “Eksik“: العائلة والانقلاب
يروي الفيلم حكاية عائلة تركية تعرضت للتشرذم والتفكك بعد انقلاب أيلول 1980، حيث تسعى الأم إلى إعادة جمع شمل العائلة بعد 30 عامًا من التفرق، هل تنجح جهود الأم في إصلاح وجمع الأشقاء المحملين بالغضب والاشتياق؟
أنتج الفيلم عام 2015 وأخرجه المخرج التركي باريش أتاي، وشارك في التمثيل الممثلة التركية نور سورر التي لعبت دور الأم، كما شاركها عدد من الأسماء أهمها أوزغور يلدريم والفنان أوجور بولات.
ختامًا، تناولت السينما التركية انقلاب أيلول 1980 من عدد من المقاربات والسرديات التي جاء على رأسها، فاحتلت حالات التعذيب التي تعرض لها المعتقلون والنشطاء السياسيون داخل المعتقلات العسكرية رأس الموضوعات التي تناولتها الأفلام التركية، كما ركزت الأفلام التركية على حالة الاغتراب التي تعرض لها النشطاء السياسيون بعد التجربة الاعتقالية، فكل شيء تغير في تركيا من الحياة السياسية التي أضحت تحت هيمنة الدولة التركية مرورًا بالمجتمع التركي وقواه التي أصبحت أكثر ترويضًا وانصرفت نحو خلاصها الفردي بعيدًا عن صخب السياسة، كما تناولت السينما التركية حالة التشرذم وتجارب المنفى التي تعرض لها النشطاء الأتراك الذين فروا من شبح الاعتقال.