منذ البداية كانت وما زالت وسيلة نقل مشاعر الإنسان وتجاربه هي الأدب، الأدب باعتباره فن تدوين المشاعر وخلجات النفس الإنسانية منذ بدء القرون الماضية وحتى حاضرنا المعاصر، وبمراجعتنا لكلاسيكيات الأدب في كل ثقافة ولغة نجد أن الأدب كانت له وظيفة سامية رئيسية تؤرخ وتجسد وتعكس انطباعات الإنسان عن حياة الإنسان وكينونته، باختلاف شكل الأدب الذي يتم توصيل الرسالة به، فهناك الشعر وهناك الرواية وهناك القصة القصيرة وغيرهم من الأشكال الأدبية الأخرى، وكل نوع له خواصه وشروطه المستقلة التي لا يمكن أن تختلط بنوع آخر، والسؤال المهم الذي يمكن أن يطرحه كثيرون هو: من أين يأتي الأدب؟
الإجابة ببساطه يأتي الأدب من إلهام الإنسان وتأثره بالبيئة التي يعيش بها، وما يؤكد ذلك هو اختلاط الثقافة العامة داخل النص الأدبي، فما يمكّننا من التفرقه بين نص أدبي حديث ونص كلاسيكي غير اللغة هو التأثر العام بالبيئة، فكنا نرى تأثر الشعراء في الجاهلية بالبكاء على الأطلال والفخر والهجاء الذين انتشروا بكثرة في ذاك الوقت، بالإضافة إلى تأثير حياة الصحراء ولغتها على النص، عكس العصر الحاليّ الذي اختلفت فيه المظاهر وتعددت سبل الحياة وبالتالي تغيرت تفاعلات الأديب مع البيئة.
أصبح كل مؤثر يكتب كتابًا كنوع من التخليد لنفسه في التاريخ الأدبي وهو لا يفقه شيئًا أو يرغب في شيء إلا أن يزداد شهرة على شهرته وينعتونه بالمثقف
وهنا اليوم نتحدث، داخل نفس المبدأ، عن عالم مختلف تمامًا وهو عالم التكنولوجيا والعولمة الذي جعل العالم قرية صغيرة تؤثر وتتأثر بما يحدث داخلها، وبما أننا الآن نتحرك ونتأثر بوسائل التواصل الاجتماعي في كل شيء وأصبح كل شيء في واقعنا المادي يعتمد عليها، كان من الطبيعي جدًا أن يتأثر بها الأدب كذلك، سواء تأثر إيجابي أم سلبي، ولكن للأسف الشديد أتى الأمر بشكل معاكس، فرغم أنه أعطى فرصة جيدة للقراء بمشاركة انطباعتاهم عن الكتب والإسهام في الاحتفاء بكاتب جيد، ولكنها على الناحية الأخرى أعطت لكثيرين، ممن ليس لهم قيمة حقيقية ولا يقدمون محتوى هادف، حجمًا أكبر مما يستحقونه.
فأصبح كل مؤثر يكتب كتابًا كنوع من التخليد لنفسه في التاريخ الأدبي وهو لا يفقه شيئًا أو يرغب في شيء إلا أن يزداد شهرة على شهرته وينعتونه بالمثقف، كما لا ننسى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المبيعات، فأصبح هناك كتب تتأثر بشهرتها على الإنترنت لتنجح تجاريًا وتأخذ مكانة لا تستحقها مثلما حدث مع رواية هيبتا التي أحدثت ضجة غير مسبوقة.
كما أصبح الأدب يتأثر بعدد متابعي المؤلف، فتهرع دار النشر للتعاقد مع الكتاب الذين يمتلكون عددًا كبيرًا من المتابعين، حتى إن لم يكونوا موهوبين، للتأثير على المبيعات بعد ذلك، وكل ذلك أثر على جودة المحتوى الأدبي بشكل عام وأصبحنا نتابع كل ما ليس له قيمة ويختفي الكاتب الحقيقي وسط كل هذا الزخم.
أعمال أدبية متأثرة بالسوشيال ميديا
“فاطمئن” عمر آل عوضه
عمر آل عوضه هو “يوتيوبر” أو يمكننا أن نسميه أحد المؤثرين بالسوشيال ميديا، ينتج مقاطع فيديوهات قصيرة بها خواطر أو نصائح وحكايات دينية، بعد اشتهاره وحفاوة جيل الألفية به قرر أن يصدر بعض خواطره التي ينشرها في الفيديوهات بالفعل في كتاب ليستكمل مسيرة النجاح ويناقش قضايا مهمة بسطحية شديدة مثل حديثه عن الإلحاد والتعامل معه على أنه شيء بسيط مثل الإنفلونزا وأعراضه يمكن أن تتغير بمجرد الاقتراب من الله أكثر.
“اعلم أن الحب في هذا الزمان نادر
واعلم أيضًا أن الصداقة الحقيقية أندر
فاخبر قلبك يا صديقي كي يحذر”
عمر آل عوضه، فاطمئن
“المعنى في طريقي” حسام هيكل
حسام هيكل هو أحد مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي وهو استشاري لعدد من الشركات ويعمل في عدة مشاريع لريادة الأعمال، وبالطبع انطلق وشق طريقه من السوشيال ميديا، وبعد أن شعر أنه أحرز تقدمًا كبيرًا في الحياة قرر أن يكتب سيرة ذاتية ليحفز الشباب، ليقتدوا به ويكونوا مثله! وباللهجة العامية ودون أي شكل من أشكال الفن أو المنظور الأدبي يقدم لنا هيكل كتابه، وكانت النتيجة إضافة كتاب آخر إلى صفوف الكتب التي لم نكن لنسمع عنها لولا وجود مواقع التواصل الاجتماعي.
بعد نجاح الكتاب، ألف حسام هيكل كتابًا ثانيًا، وبالطبع لا يمكن الجدال في مدى نجاح مثل هذه الكتب التي تعتمد على جماهيرية مؤلفها أكثر من محتواها الأدبي، لأن الحفاوة الكبيرة على الإنترنت بهذا الكاتب تفوق أي إسفاف أدبي قد لا يروق للقراء.
“في الطريق ألف لعنة وألف محنة.. حكايات بدأت وحكايات تنتهي، أشخاص نحبهم وأشخاص يمثلون لنا جرحًا لا يندمل، خسارات متلاحقة ومكسب يعوضنا كل شيء.. في الطريق لا يهم أن تصل أولاً بقدر ما يهم أن تصل.. نحن لسنا إلا هذا الطريق الطويل الذي نمضيه على هامش العمر ثم ننتهي، لذلك إذا كان للطريق معنى سيكون أجمل كثيرًا” حسام هيكل.
“سيلفي” عمرو حسن
حين يأتي الأمر لذكر الشعر تحديدًا وتأثير السوشيال ميديا عليه نجد أن تلك المواقع أظهرت لنا صنفًا أدبيًا جديدًا تمامًا عما نسمع عنه، مثلاً عمرو حسن، هو أحد شعراء الجيل الحاليّّ، وشعره أتى على هيئة خواطر بمشاكل تشغل الشباب حاليًّا وعلى الشاكلة الحديثة، وهذا النوع من الشعر غير أنه يدون في كتب، يقام له حفلات مع خلفيات موسيقية مؤثرة ليُلقي الشاعر خواطره ومشاعره التي تلقى حفاوة كبيرة بين الشباب لأنها قريبة من أفكار جيل الألفية الذي ساهم في نجاحها بشكل ساحق.
“أعمل إيه لو توحشيني؟
أنسى واعرف واحدة تانية
بس أنا شايلك ف عيني
حظنا نبعد، دي دنيا!
أنتي قصدك تقتليني
أنت ميت كل ثانية” عمرو حسن
“تويتات من العصور الوسطى” أحمد خالد توفيق
“لا يعنى وجود هذه الكتب عندي أنني مثقف.. ربما لم أقرأ عنوانًا واحدًا منها.. أنت تتعامل مع الناس كما يبدون لك لا كما هم يفعلون” أحمد خالد توفيق
حين نذكر هذا النوع من الأدب، الذي نشأ وللأسف الشديد بسبب شهرة أصحابه على مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرهم فيها، فإننا بالتأكيد وصلنا لوضع حرج ينذر بحدوث كارثة أدبية
عند الحديث عن الأدب المتأثر بالسوشيال ميديا يقفز إلى ذهني الحديث عن أحد كتب الراحل أحمد خالد توفيق، وقد أتى الكتاب من عنوانه متأثرًا لأبعد حد بمواقع التواصل الاجتماعي، فجاء اسمه على هيئة “تويتات” والتويتات هي التغريدات التي تُنشر في موقع تويتر مكونة من 140 حرفًا سابقًا، لكن رغم أن هذا النوع الأدبي جديد على الساحة، لم يكن رديئًا مثلما سبق وتحدثت عنهم لأنه من كتابة أديب له قدره، فجاء كتابه رغم اختلاف شكله ومضمونه الأدبي، على قدر من التميز.
حين نذكر هذا النوع من الأدب الذي نشأ وللأسف الشديد بسبب شهرة أصحابه على مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرهم فيها، فإننا بالتأكيد وصلنا لوضع حرج ينذر بحدوث كارثة أدبية وزيادة في نتاج الإسفاف الأدبي، بل وظلم لكل كاتب حقيقي وموهوب.