إحدى الأدوات التي تُخلد ذكرى الكُتّاب بجانب أعمالهم، هي السينما، خصوصًا إن كانت قصة الفيلم مكتوبة بحب لصاحبها وموضوعية، وتتناول حياته بحياديةٍ تامة. أغلب تلك الأعمال السينمائية التي تتناول حياة الكُتّاب بعد رحيلهم، تكون مبنية في الأساس على ما خلفوه من كتب وروايات وسيرة ذاتية، سواء كانت بخط يدهم أم كتبها أحد ذويهم أم شخصٍ آخر كتبها بالنيابة عنهم.
فيما يلي قائمة قصيرة لأفلامٍ تروي سيرةً ذاتية لبعض الكُتّاب والكاتبات.
سيلفيا بلاث
“أحيانًا أحلم بحياتي وكأنها شجرة، فرع منها هو الرجل الذي سأتزوجه، والأوراق هي أطفالي. فرع آخر هو مستقبلي ككاتبة، وكل ورقة هي قصيدة”
سيلفيا بلاث (1932-1963)، شاعرة أمريكية وروائية، كانت متزوجة من الشاعر الإنجليزي تيد هيو الذي اعتبر من أفضل شعراء جيله.
سيلفيا قبل أن تتزوج تيد كانت تحيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد زواجها منه، انتقلت للعيش معه في لندن، المدينة التي لم تجد يومًا فيها الدفء ولا الراحة.
عام 2003، أنتج فيلم يحمل نفس اسم سيلفيا (sylvia)، مدته ساعتين، يتناول حياتها القصيرة، وهو فيلم دراما، من إخراج كريستين جيفز وسيناريو جون برونلو، أما من قامت بدور سيلفيا فهي الممثلة الأمريكية جوينيث بالترو، وفي دور تيد هيوز الممثل البريطاني دانيال كريغ، الفيلم من إنتاج بريطاني.
الفيلم يتناول حياة سيلفيا بكل ما عاشته من معاناة، وقراراها الانتحار وهي في الثلاثين، عن طريق وضع رأسها داخل الفرن، بعد أن أغلقت كُلّ منافذ الشقة، وطلبت من جارها إبقاء طفليها لديه، لفترةٍ قصيرة، كان ذلك في العام 1963.
كان تيد زوج سيلفيا واقعًا في حب امرأة أخرى، وقرر تركها هي والطفلين، كانت هذه المرأة التي قرر الزواج منها اسمها آسيا، سيلفيا كانت تكره وتحتقر تيد، طوال زواجها لم تستطع الكتابة، حتى بعد أن قرر الرحيل عن البيت لفترة، كانت مكتئبة وحياتها تنهار أمام عينيها كُلّ دقيقة، كل الأحلام التي حلمت بها ومنت نفسها بها، تراها تسقط ورقة ورقة.
لم تكتب سيلفيا إلا رواية واحدة، اسمها “الناقوس الزجاجي“، وكانت سيرة ذاتية لها، مكتوبة بشاعرية وحب كبير للكتابة ولحياة تلك الطفلة “سيلفيا”.
أوسكار وايلد.. “الأمير السعيد”
وايلد هو أحد أشهر كُتّاب القرن التاسع عشر، روائي ومسرحي وكاتب قصةٍ قصيرة، بلغت شهرته العالم كله وما زالت حتى الآن تُترجم أعماله لجميع اللغات، عن قصةٍ له اسمها “الأمير السعيد” ومجمل ما كتبه من روايات وقصص ومسرحيات وسيرة ذاتية، اقتبس فيلم يحمل نفس الاسم “الأمير السعيد the happy prince“، عن حياته.
الفيلم أُنتج عام 2018، من إخراج وتأليف وبطولة البريطاني روبرت إيفرت، كأول ظهورٍ له كمخرج سينمائي، مقتبسًا عن قصة وايلد الشهيرة “الأمير السعيد“، وليس هذا الفيلم الأول عن أوسكار وايلد، بل هناك فيلم آخر مقتبس من روايته الشهيرة “صورة دوريان جراي”.
فيلم الأمير السعيد، يتناول قصة الأيام الأخيرة من الأوقات المأساوية التي عاشها أوسكار وايلد في أواخر حياته، الفيلم درامي، ويتناول بشكل ما في أجزاءٍ منه بسخرية بعض المواقف التي تعرض لها أوسكار وألاعيب القدر.
سجن أوسكار سنتين مع الأشغال الشاقة، وكثير من الأفلام تناولت هذا الجزء، لكن في هذا الفيلم يتم التركيز أكثر على الأيام الأخيرة من حياة أوسكار وايلد الكاتب الإنجليزي الشهير.
فيرجينيا وولف الكتابة نحو الغرق
“يجب أن يكون للمرأة مالها الخاص وغرفة خاصة بها إذا أرادت أن تكتب الروايات.
في أول القرن العشرين ظهر تيار جديد في الكتابة اسمه تيار الوعي، أسلوب سردي جديد في الكتابة، ليس بالسهل على كاتبه، كان في بدايته، وسرعان ما أصبحت فرجينيا وولف أحد أهم أساتذته وآباءه الروحيين.
فيرجينا وولف “1882-1941″، كانت أول الكُتّاب المدافعين عن حقوق المرأة، خصوصًا في التعليم واستقلالها المادي.
فيرجينا حياتها كانت غنية جدًا بالكتابة الغزيرة والتأمل، خصوصًا أنها عاشت حياة ضمن طبقة غنية، تهتم بالتعلم والثقافة، كانت الطفلة السابعة ضمن عائلة مكونة من ثمانية أطفال، جميعهم حصلوا على تعليم عالٍ، اهتمت فيرجينا أكثر بالقراءة وظهر نبوغها في الكتابة مبكرًا.
عام 2002، أُنتج فيلم عن حياتها، اسمه “الساعات the hours“، كان في الأصل عبارةً عن رواية بنفس الاسم، نال صاحبها وهو الأمريكي مايكل كاننجهام عنها جائزة البوليتزر، في هذه الرواية المأخوذ عنها الفيلم أعاد مايكل كاننجهام تصوير رواية السيدة دالواي، رواية فيرجينا وولف الأشهر على الأطلاق، وإحياء شخصية كلاريسا دالواي في تواز مع شخصية فيرجينا الحقيقية.
الفيلم يتناول يومًا في حياة ثلاث نساءٍ في ثلاثة أزمنةٍ مختلفة. في العام 1923 تبدأ الكاتبة فرجينيا وولف في سطر روايتها الأشهر (السيدة دالاواي)، في العام 1951 تقوم ربة المنزل لورا براون بصنع كعكة من أجل عيد ميلاد زوجها وتقرأ في الوقت ذاته الرواية نفسها، في العام 2001 تستعد محررة الكتب كلاريسا فون لإقامة حفل لصديقها الشاعر ريتشارد الذي حصل على جائزةٍ أدبيةٍ كبيرة، يناديها ريتشارد بالسيدة دالاواي لأنها تهمل حياتها الخاصة كما كانت تفعل بطلة الرواية.
الفيلم من بطولة كل من ميريل ستريب ونيكول كيدمان وجوليان مور، وإخراج ستيفن دالدري.
ستيفان زفايغ.. “وداعًا أوروبا”
ستيفان زفايغ “1881-1942″، كان واحدًا من الكتّاب الأكثر شهرة في جيله، كثير الإنتاج، وترجمت أعماله إلى ما يقرب من خمسين لغة. بعد الحرب العالمية الأولى ووصول هتلر إلى السلطة وتفحش النازية في كل مكان في ألمانيا، أدى هذا إلى عواقب كبيرة وخطيرة على حياة ستيفان زفايغ، حتى قرر الرحيل عن ألمانيا إلى أن وصل للبرازيل، وهناك قرر أن يعيش هو وزوجته، على الأقل إلى أن يزول هتلر.
زفايغ هو أحد أشهر كُتّاب النوفيلا على الإطلاق، والنوفيلا هي شكل أدبي مختلف تمامًا عن الرواية والقصة القصيرة، يتماثل عرضًا مع الرواية القصيرة في طولها فحسب، زفايغ تمتع بشخصية ذات طباع هادئة، تنشد السلام أينما حلت وارتحلت، ترفض الصراعات والخلافات، داعيًا أن يسود العالم كله حالة من الحب ونبذ الكره والعنف.
في العام 2016، تم إنتاج فيلم درامي عن حياته، بعنوان “Stefan Zweig: Farewell to Europe” إنتاج دولي مشترك، من إخراج وكتابة ماريا شريدر، واعتبر الفيلم كواحد من ثمانية أفلام يمكن أن تكون المقدمة الألمانية لأفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار التاسع والثمانين، كما أنه ترشح لجائزة الفيلم الأوروبي لأفضل ممثل، وكان من بطولة جوزيف الحاضر وباربرا سوكوا، الفيلم يتناول حياة زفايغ من بعد اتخاذه قرار مغادرة ألمانيا هربًا من النازية إلى وصوله البرازيل، وقراره الانتحار هو وزوجته في مشهد درامي عظيم.
يمكننا أن نعتبر هذا الفيلم نوفيلا ساحرة، لا تقل جمالًا عن نوفيلات وكتابة زفايغ.