في هجوم هو الأخطر من نوعه، أعلنت جماعة الحوثي تبنيها لتفجيرين استهدفا معملين تابعين لشركة أرامكو السعودية، أحدهما أكبر معمل لتكرير النفط في العالم، في محافظة بقيق بالمنطقة الشرقية، فيما أكدت مصادر تأثر شديد في حركة الإنتاج والتصدير جراء الآثار الناجمة عن العملية التي يبدو أنها حققت أهدافها بنسبة كبيرة.
الهجوم هو الأكثر جرأة من الحوثيين والأخطر في الوقت ذاته على البنية التحتية النفطية لأكبر منتج في العالم، وهو ما أثار حالة القلق، ليس لدى السعوديين فحسب، لكن لدى حلفائها والمهتمين بسوق النفط في العالم، إذ من المتوقع أن تنسحب هذه العملية على مسارات أخرى أكثر خطورة، بعضها ربما يؤثر بشكل أو بآخر على اقتصاد المملكة ككل.
توقيت العملية كان مثار تساؤل كبير لدى البعض، كونه يأتي في الوقت الذي تستعد فيه شركة أرامكو العملاقة التابعة للدولة لطرح عام أولي لحصة من أسهمها قريبًا ربما هذا العام، كما يأتي في أعقاب هجمات عبر الحدود على مرافق نفطية سعودية وعلى ناقلات نفط في مياه الخليج.
عملية توازن الرعب الثانية
الحوثيون تبنوا العملية على لسان المتحدث العسكري باسمهم العميد يحيى سريع، الذي أشار إلى أن الهجوم الذي وقع في وقت مبكر من فجر أمس على منشأتي أرامكو، نفذ بواسطة عشر طائرات مسيرة، والاستهداف كان مباشرًا ودقيقًا، وجاء بعد عملية استخباراتية دقيقة ورصد مسبق وتعاون ممن وصفهم بالشرفاء.
قناة المسيرة التابعة للحوثي كشفت أن العملية حملت اسم “توازن الردع الثانية”، مضيفة أنها “إحدى أكبر العمليات التي تنفذُها قواتُنا في العمق السعودي وأتت بعد عملية استخباراتية دقيقة ورصد مسبق”.
وفي تصريحات سابقة لـ”الجزيرة” أكد عضو المكتب السياسي للحوثيين محمد البخيتي أن استهداف أرامكو يشكل ضغطًا كبيرًا على القيادة السعودية لمراجعة حساباتها في اليمن، وإذا لم تراجعها فستستمر جماعة الحوثيين باستهداف الأراضي السعودية، على حد قوله، وهو ما تؤكده العمليات التي تشن داخل عمق المملكة يومًا تلو الآخر.
أسفرت تلك التفجيرات عن تعطل جزئي في إنتاج الشركة السعودية أدى إلى تراجع حجم إنتاجها من النفط بقيمة 5 ملايين برميل يوميًا أي قرابة نصف الإنتاج النفطي الحاليّ للمملكة
يذكر أنه في الشهر الماضي شن الحوثيون هجومًا على منشأة للغاز في حقل الشيبة النفطي قرب حدود السعودية مع الإمارات بطائرات مسيرة، وقبلها تم استهداف محطتين لضخ النفط تابعة لأرامكو في مايو/أيار الماضي، وتقع المحطتان غرب الرياض، وأشعل الهجومان حرائق لكنهما لم يتسببا في تعطل الإنتاج.
وتمتد محافظة بقيق على مساحة نحو 595 كيلومترًا مربعًا من غوغان شمالاً باتجاه الدمام وحتى محطة المايكروويف غربًا ومن ساحل القرية إلى كوبري فرزان غربًا باتجاه الرياض، وهي إحدى مدن المنطقة الشرقية التي تشهد نموًا عمرانيًا متسارعًا ويبلغ عدد سكان المحافظة والقرى التابعة لها نحو 70 ألف نسمة وفقًا للموقع الرسمي للمنطقة الشرقية بالمملكة.
ورغم تبني الحوثي للعملية، فإن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قال إنه لا دليل على أن الهجمات التي استهدفت السعودية انطلقت من اليمن، مضيفًا أن طهران تقف وراء نحو مئة اعتداء على السعودية، والولايات المتحدة ستعمل مع حلفائها على إخضاعها للمساءلة عن عدوانها.
Tehran is behind nearly 100 attacks on Saudi Arabia while Rouhani and Zarif pretend to engage in diplomacy. Amid all the calls for de-escalation, Iran has now launched an unprecedented attack on the world’s energy supply. There is no evidence the attacks came from Yemen.
— Secretary Pompeo (@SecPompeo) September 14, 2019
وفي السياق ذاته كشف مصدر مطلع على مجريات التحقيقات في الحادث، أن الهجوم تم بواسطة طائرات مسيرة “درون” أقلعت من العراق وليس من اليمن، وفقًا للمعلومات الأولية، وذلك حسبما ذكرت شبكة “سي إن إن” الأمريكية.
من جانبه دعا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لوضع خيار توجيه ضربة لمصافي إيران النفطية، كخيار على الطاولة، لافتًا في تغريدة له بعد ساعات قليلة من كشف العملية: “الآن هو الوقت لتضع الولايات المتحدة الأمريكية على الطاولة خيار هجوم على مصافي إيران النفطية، إذا استمروا في استفزازاتهم أو زيادة تخصيب اليورانيوم”، وتابع: “إيران لن توقف تصرفاتها السيئة حتى تصبح العواقب حقيقية أكثر، مثل مهاجمة مصافيهم النفطية، الأمر الذي سيقسم ظهر النظام”.
وردًا على الاتهام الأمريكي وبحث سبل التصعيد ضد طهران قال أمير علي حاجي زاده قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني إن القواعد الأمريكية تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية، مضيفًا “كل القواعد الأمريكية وحاملات طائراتهم على بعد يصل إلى ألفي كيلومتر من إيران وتقع في مرمى صواريخنا”.
It is now time for the U.S. to put on the table an attack on Iranian oil refineries if they continue their provocations or increase nuclear enrichment.
— Lindsey Graham (@LindseyGrahamSC) September 14, 2019
فقدان نصف الإنتاج من النفط
أسفرت تلك التفجيرات عن تعطل جزئي في إنتاج الشركة السعودية أدى إلى تراجع حجم إنتاجها من النفط – مؤقتًا – بقيمة 5 ملايين برميل يوميًا أي قرابة نصف الإنتاج النفطي الحاليّ للمملكة وفق ما نقلت “رويترز” عن ثلاثة مصادر مطلعة.
وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، في وقت لاحق، قد أقر بأن الهجمات على منشأتي نفط بالسعودية عطلت جزئيًا إنتاج الخام والغاز، وكان التليفزيون السعودي الرسمي قد شدد على أن صادرات النفط من المملكة “لم تتوقف ولا تزال مستمرة” رغم الهجمات.
حالة من القلق تخيم الآن على السلطات السعودية بعد تلك العملية التي أحدثت صدى واسع النطاق، وهو ما قد يدفع الرياض إلى تأجيل قرار طرح أسهم الشركة للاكتتاب
الوزير في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية قال إنّ الهجمات على منشأتي شركة “أرامكو” في بقيق وخريص عطلت إمدادات الخام للشركة بنحو 5.7 مليون برميل يوميًا أي نحو 50% من إنتاجها، لافتًا إلى أن جزءًا سيعوض بالسحب من مخزونات النفط لدى “أرامكو”، مشيرًا إلى أن “أرامكو ستعمل على استعادة المفقود من إنتاج النفط وستقدم معلومات جديدة خلال 48 ساعة”.
بوب مكنالي رئيس مجموعة رابيدان للطاقة، وعمل في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال حرب الخليج في 2003، علق على هذه العملية بقوله: “تنفيذ هجوم ناجح على بقيق سيكون بمثابة نوبة قلبية حادة لسوق النفط والاقتصاد العالمي”.
توثيق لحظات تفجير معملين بأرامكو
مستقبل غامض لأرامكو
لم تتوقف خسائر التفجير على العطل المؤقت في إنتاج النفط اليومي، إذ إن هناك أبعادًا أخرى ربما تجعل الخسائر بالمليارات من الدولارات، هذا لو وضعنا في الحسبان الموقف الحرج الذي باتت فيه أكبر شركات النفط في العالم التي تستعد للاكتتاب العام خلال الفترة المقبلة.
التوقيت السيء لاستهداف مصافي الشركة الذي يتزامن مع طرحها للاكتتاب، رغم أنه حادث ربما يكون عاديًا وتمت السيطرة عليه، بلا شك سيؤثر على القيمة السوقية للأسهم المطروحة، ما يعني تراجعًا واضحًا في تلك القيمة الشرائية، وهو ما قد يستغله المستثمرون الأجانب الراغبون في الشراء بما يوفر عليهم الكثير من الأموال في حال تراجع قيمة السهم.
حالة من القلق تخيم الآن على السلطات السعودية بعد تلك العملية التي أحدثت صدى واسع النطاق، وهو ما قد يدفع الرياض إلى تأجيل قرار طرح أسهم الشركة للاكتتاب لحين تكسير موجة التأثير السلبي الناجم عن التفجير، واستعادة الشركة لسمعتها مرة أخرى، كواحدة من الأماكن التي تحقق معايير السلامة الأمنية بها، وهو ما يعني عجزًا جديدًا في الميزانية السعودية للعام السابع على التوالي.
جدير بالذكر أن احتياطات أرامكو أكبر شركة نفط بالعالم، بلغت 260.2 مليار برميل من المكافئ النفطي عام 2017 وهي أكبر من احتياطات شركات إكسون موبيل وشيفرون ورويال داتش شل وبي.بي وتوتال مجتمعة، ويقدر عمرها بنحو 54 عامًا، فيما أنتجت 10.3 مليون برميل يوميًا من النفط في العام الماضي، وأنتجت أيضًا 1.1 مليون برميل من سوائل الغاز الطبيعي و8.9 مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز الطبيعي يوميًا.
الشركة لم تكتف بعمليات لإنتاج وتكرير وتصدير النفط في المملكة فحسب، بل تمتلك مصافي وعمليات تكرير في كثير من دول العالم، فلديها معامل في كل من أوروبا والولايات المتحدة ودول آسيا، هذا بخلاف مكاتب لها في بكين ونيودلهي وسنغافورة ونيويورك ولندن وهيوستون ومناطق أخرى، فيما يبلغ عدد موظفيها 76 ألف موظف وفق إحصاءات 2018.