حالة من القلق خيمت على أرجاء رواد مواقع التواصل الاجتماعي في أثناء وعقب الندوة التي جاءت تحت عنوان “تأثير نشر الأكاذيب على الدولة في ضوء حروب الجيل الرابع” التي عقدت على هامش مؤتمر الشباب الثامن الذي عقد أمس السبت على مدار يوم واحد فقط بالعاصمة المصرية القاهرة.
التحذيرات التي أطلقها المشاركون في الندوة أثارت مخاوف الكثيرين بشأن مستقبل منصات السوشيال ميديا وحرية استخدامها، خاصة مع تصاعد نغمة مخاطر استخدامها في تهديد أمن واستقرار الدولة، تزامنًا مع الضجة التي أحدثتها فيديوهات المقاول الفنان محمد علي، بشأن تورط بعض قادة الجيش وهيئاته في أعمال فساد.
القلق من حجب منصات التواصل ليس جديدًا من نوعه، إذ سبقته إرهاصات أخرى تمهد الطريق نحو الوصول إلى هذه الخطوة، غير أن الإسراع في ترجمته إلى إجراء عملي، ربما يقضي على آخر متنفس لرجل الشارع بعدما أحكمت السلطات الحاليّة قبضتها على كل المنافذ الأخرى.. فهل باتت هذه الخطوة مسألة وقت؟
الـ FOMO؟
كثير من المصريين يستمعون لأول مرة إلى مصطلح “Fomo” هذا المصطلح الذي تردد كثيرًا خلال الندوة التي تخللها فيلم تسجيلي عن إدمان منصات التواصل الاجتماعي، حيث تطرق إلى أضرار السوشيال ميديا، الذي يعتبر مرض “FOMO” أبرزها، ومن أبرز أعراضه القلق من عدم المتابعة باستمرار خشية تفويت بعض المعلومات.
الندوة شارك فيها بعض المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات والتسويق الإلكتروني، فضلاً عن أحد الأطباء النفسيين الذي حذر من أن السوشيال تكرس للعبودية، حيث تسيطر على المستخدمين وتسلب منهم كل وقتهم، داعيًا مستخدميها إلى إعادة النظر في معدلات الوجود والمشاركة عليها.
الترهيب من خطورة السوشيال ميديا عند هذا الحد، بل إن أحد المشاركين في الندوة وصف تلك المنصات بأنها “السرايا الزرقاء” في إشارة إلى مستشفيات ومصحات الأمراض النفسية والعصبية في مصر التي تسمى بـ”السرايا الصفراء” وهو ما بث الرعب والقلق في نفوس بعض المتابعين، وإن كان حمل سخرية على الجانب الآخر.
الحديث عن غلق السوشيال أو تقنينها مسألة قديمة، ارتبطت في أذهان النظام بما حدث في ثورة يناير 2011، حيث قدمت منصات التواصل نفسها كواحدة من أكثر الأسلحة تأثيرًا، وهو ما تخشاه الحكومات التي تعاني من فقدان الثقة بينها وبين الشعب
ويرجع أصل مصطلح “الفومو (FOMO)” إلى مقالة كتبها الأكاديمي جوزيف ريجل، في مجلة هاربوس التابعة لكلية هارفارد للأعمال في أمريكا، وهو اختصار لجملة Fear of missing out، وتعني “الخوف من أن يفوتك شيء يحدث في المجتمع من حولك، وبشكل خاص على شبكات التواصل الاجتماعي”، وقد سُجل المصطلح في قاموس أكسفورد عام 2006.
ويسيطر على الأشخاص المصابين بالفومو، خوف دائم من عدم معرفتهم بالمناسبات الاجتماعية والخبرات والتفاعلات التي تحدث على شبكات التواصل الاجتماعي، وقد يجهلون ماهية الشيء الذي يفقدونه ويدفعهم للخوف، ولكنهم يكونون مدفوعين بتخوف من وجود أشخاص آخرين يحظون بأوقات سعيدة للغاية، أو تجارب ممتعة لا يتابعونها لحظة بلحظة.
قانون السوشيال ميديا
رغم الإدانات المحلية والدولية التي رافقت المناقشات الأولية له، فإن المصريين فوجئوا أغسطس الماضي بتصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانون يقضي بتشديد الرقابة على الإنترنت في البلاد، ويمنح جهات التحقيق المختصة حق حجب المواقع الإلكترونية إذا نشرت مواد تعد تهديدًا “لأمن البلاد أو اقتصادها”، وهو القانون الذي أثار حينها موجة من الرفض لم تسفر عن شيء.
القانون الذي أقرّه البرلمان الأحد بأغلبية ثلثي الأعضاء، يحظر “نشر معلومات عن تحركات الجيش أو الشرطة، أو الترويج لأفكار التنظيمات الإرهابية، كما يكلف رؤساء المحاكم الجنائية بالبحث والتفتيش وضبط البيانات لإثبات ارتكاب جريمة تستلزم العقوبة، وأمر مقدمي الخدمة بتسليم ما لديهم من معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرتهم أو مخزنة لديهم”.
الأمر لم يتوقف عند حاجز النشر فقط، بل إن مجرد زيارة مثل هذه المواقع التي تنشر أخبار كهذه ولو عن طريق الصدفة ربما يتسبب في وقوع المستخدم في براثن العقوبة، تصل للسجن وغرامة مالية تقدر بثلاثمئة ألف دولار، الأمر الذي تسبب في حالة من الذعر أثارت استياء العديد من المؤسسات المعنية بحرية التعبير التي رفضت القانون، معربة أنه يتضمن “اتهامات واسعة يمكن توجيهها لأي مستخدم للإنترنت، قام بأي فعل على الإنترنت بالمشاركة أو الكتابة أو التعليق”.
ولم يكن الفيسبوك وتويتر ببعيدين عن القانون الجديد، إذ منح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (حكومي)، سلطة إغلاق المواقع على الإنترنت، ورفع شكاوى جنائية على المنابر والأشخاص الذين يتهمون بجرائم من قبيل “تحريض الناس على انتهاك القوانين”، و”التشهير بالأشخاص والأديان”، وهو السند القانوني الذي يتحرك من خلاله في الوقت الراهن.
القانون أثار موجة استنكارية حقوقية، لما قد يترتب عليه من تهديد صارخ لما تبقى من منظومة الحريات في مصر، حيث حذرت نجية بونعيم التي تعمل في منظمة العفو الدولية (آمنستي)، من أن التشريع الجديد “يقنن المصادرة الجماعية، ويصعد الهجوم على حق حرية التعبير في مصر التي تعد الآن واحدة من أكثر البيئات قمعًا لوسائل الإعلام والصحافة”، فيما انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الأحد استخدام الحكومة لتشريع مكافحة الإرهاب لقمع النشطاء والصحفيين.
ووفقًا للقانون الجديد فإن أي حساب شخصي على مواقع التواصل الاجتماعي أو أي مدونة أو موقع على الإنترنت، يقوم بمتابعته أكثر من 5000 شخص يعتبر منفذًا إعلاميًا يخضع لقانون الإعلام، ومن ثم فإن صاحبه عرضة لأي من تلك العقوبات الواردة فيه حال مخالفته للتعليمات والضوابط المحددة.
بعد حملة الترهيب التي قادها المشاركون في مؤتمر الشباب ضد السوشيال أتوقع طلب إحاطة يقدم للبرلمان في أقرب وقت يطالب بحجب الفيسبوك وتويتر.. صحفي مصري
الصوت الواحد
تسير الأمور وفق هذا السياق في إطار استدعاء إعلام الستينيات حيث الصوت الواحد، وهو ما أشار إليه العديد من الخبراء الذين أشاروا إلى رغبة السيسي نفسه في عودة منظومة إعلام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان محظوظًا بها وفق تعبير الرئيس الحاليّ.
في يوليو الماضي أصدرت مؤسسة “حرية الفكر والتعبير” – مستقلة معنية بالحريات – دراسة تحليلية لها تحت عنوان “حالة الرقابة على الإنترنت في مصر” رصدت خلالها جهود النظام المصري لإحكام قبضته على الإنترنت خلال الفترة من يناير 2017 إلى مايو 2018.
وكشفت المؤسسة في دراستها حجب أكثر من 100 رابط يخص مواقع ذات طابع إخباري، وهو الرقم الذي يمثل 5 أضعاف الرقم الذي زعمت السلطات المصرية عن المواقع التي تم حجبها، هذا بخلاف العثور على العديد من مواقع الويب الخاصة بحقوق الإنسان والمدونات التي تُقدّم النقد السياسي، قد تعرضت للحجب هي الأخرى.
يذكر أنه منذ مايو 2017 شهدت مصر سيلاً من حجب المواقع الإلكترونية تجاوز الـ513 موقعًا، ما بين إعلامي وحقوقي، في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم، وهو ما أثار حفيظة الكثير من أنصار الحريات الإعلامية، داخل مصر وخارجها، خاصة في ظل ضبابية المشهد وعدم وجود معلومات كافية عن أسباب الحجب.
قانون الإنترنت جاء بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان المصري
مسألة وقت
“بعد حملة الترهيب التي قادها المشاركون في مؤتمر الشباب ضد السوشيال أتوقع طلب إحاطة يقدم للبرلمان في أقرب وقت يطالب بحجب الفيسبوك وتويتر لمرحلة مؤقتة أو تقنين أوضاعه بما يضمن مزيد من فرض السيطرة على كل ما ينشر ويبث عليه”.. بهذه الكلمات علق الصحفي المصري أحمد جمال على ندوة “تأثير نشر الأكاذيب على الدولة في ضوء حروب الجيل الرابع” المنعقدة على هامش المؤتمر.
جمال في حديثه لـ”نون بوست” كشف أن الحديث عن غلق السوشيال أو تقنينه مسألة قديمة، ارتبطت في أذهان النظام بما حدث في ثورة يناير 2011، حيث قدمت منصات التواصل نفسها كواحدة من أكثر الأسلحة تأثيرًا، وهو ما تخشاه الحكومات التي تعاني من فقدان الثقة بينها وبين الشعب.
وأضاف أن فيديوهات محمد علي التي أحدثت زلزالاً في الشارع المصري ودفعت النظام بأكمله إلى تقديم موعد مؤتمر الشباب الذي لم ينقض على سابقه أكثر من شهر ونصف، بهدف الرد عليها خصيصًا، ربما تكون الدفعة الأقوى للوصول إلى هذه المرحلة، مستبعدًا نجاحها في عصر السماوات المفتوحة.
وفي السياق ذاته أشار الكاتب معتز علي أن البرلمان الحاليّ لا يمانع مطلقًا في تبني مثل هذا التشريع في ضوء ما يعاني منه من انبطاح كامل أمام أهواء السلطات ورغبات الحكومة دون أي معارضة تذكر، اللهم إلا بعض الأصوات المتفرقة التي تعاني من كبت وتضييق واضح أفقدها تأثيرها.
إلا أنه أوضح في حديثه لـ”نون بوست” أنه من الصعوبة بمكان فرض تضييق كامل على منصات التواصل، لافتًا إلى أن التقدم التكنولوجي الحاليّ بات من الصعب معه غلق كل النوافذ، إذ إن هناك منصات أخرى ربما لم تكن معروفة حاليًّا وفي حال إقدام النظام على هذه الخطوة سيبحث الشعب عن نوافذ أخرى.
وهكذا رغم التضييق المحكم على معظم وسائل الإعلام بشتى أنواعها، فإن السوشيال ميديا باتت الصداع الأكثر أرقًا في رأس السلطات، الأمر الذي يدفعها بشكل أو بآخر لتحجيمها بأي وسيلة كانت، خاصة بعدما لمسته من تنامي دورها وتأثيرها الذي هز أركان النظام لمجرد فيديوهات لا يتعدى وقتها الدقائق المعدودة نشرها أحد المواطنين فحركت المياه الراكدة في الشارع السياسي وباتت حديث الجميع.