يختلف البعض بشأن المسرح بالشكل الحاليّ الذي اشتهر كتصنيف أدبي مثل الرواية والقصة ولكنه أقل شهرة، فمن المفترض أن يُكتب المسرح ليُمثّل وهذا ما كان يحدث لفترة طويلة في بدايات القرن العشرين مثلما ذكر توفيق الحكيم أنه في بداية حياته ودراسته في فرنسا كان يكتب المسرحية ويرسلها لفرقة عكاشة لتقوم بتمثيلها على المسرح، ثم في فترة أخرى من حياته كان يكتب المسرح لينشر ورقيًا وقيل إن هذه المسرحيات الأخيرة كتبت لتُقرأ في المقام الأول.
إذًا ما المعيار حقًا؟ أن يكتب المسرح ليمثل ويكون مناسبًا لخشبة العرض أو استخدام مهارة الحوار في إخراج عمل أدبي جيد، سوف نختلف بشأن هذه الإجابات لأن المسرح من المفترض أن يوجد كتابةً ومشاهدةً، فإذا وجد النص دون تمثيل فإننا نفقده الكثير من وزنه وبراعته، وإذا مثل فقط دون أن يوثق كعمل ينشر للجمهور فهو قابل للاختفاء مع الوقت، فليست كل المسرحيات تسجل أو يتم الاحتفاظ بها إلى الأبد، وما نفعله في حالة إهمال أحد العنصرين هو الحكم على مسرح فترة زمنية ما بالانقراض.
مسرح الطفل هو ما يجمع الفن المكتوب والممثل بالأطفال ويدخلهم في حالة من التفكير والنقد سواء من قراءة المسرح كحوار مباشر أم مشاهدته والتفاعل الخارجي معه
بعض المسرحيات تنجح في البقاء كأيقونات مكتوبة وممثلة مثل أعمال شكسبير، والبعض مكتوب فقط مثل مسرح توفيق الحكيم، وما حدث مع مسرح الطفل هو العكس، فلم تشتهر مسرحيات الأطفال المكتوبة قط بل ولا يعرف أغلبية جمهور القراء بوجود مسرح مكتوب للأطفال، فهو مشهور كعروض ممثلة، حتى إن كاتب مسرح الطفل يكاد يكون مجهولًا مقارنة بكاتب القصة والشاعر، وهذا يرجع لضعف المسرح بشكل عام وكثرة الأعمال المسرحية المكتوبة مع عدم وجود الاهتمام بتمثيل هذا الكم الكبير من الأعمال ومشاهدتها، بالإضافة لضعف مسرح الطفل من حيث الكتابات المنشورة.
فأغلب مسرحيات الأطفال في العالم العربي تكتب ضمن مسابقات ثم تمثل تكريمًا للفوز بمركز ما ولكن على مستوى النشر في أدب الأطفال فنادرًا ما تتوافر في المكتبات مسرحية للأطفال.
مسرح الطفل هو ما يجمع الفن المكتوب والممثل بالأطفال ويدخلهم في حالة من التفكير والنقد سواء من قراءة المسرح كحوار مباشر أم مشاهدته والتفاعل الخارجي معه، وأيضًا يعمل المسرح على عكس القيم والثقافة للأطفال بشكل مباشر وربما يمكننا عرض بعض النماذج العالمية والعربية لكتاب وجهوا المسرح إلى الأطفال.
مسرحيات تيد هيوز
تيد هيوز هو كاتب وشاعر بريطاني، أعطته جريدة التايمز البريطانية الترتيب الرابع في قائمة أعظم 50 كاتبًا بريطانيًا، كرس تيد هيوز جزءًا من مؤلفاته للأطفال ومنها مجموعة مسرحيات نستعرض بعضها:
عظام النمر
مسرحية قصيرة رغم أنها موجهة للأطفال فإنها تعطي مثالًا قويًا عن جنون الانسياق الأعمى وراء العلم، رغم أن العالم يسير بمشورة العلم ولكن هل يمكن للناس أن يتحولوا من تقديس العلم إلى تقديس علماء بشر يخطئون ويصيبون؟ هل العلم دائمًا على حق؟ وهل من الأفضل ألا نمس بعض الأشياء ونتركها لحالها؟
موضوع شائك ليُطرح للأطفال، ولكنه قابل للتمثيل وسهل القراءة وهو ما سعى إليه تيد هيوز من وراء المسرحية.
شون والغبي والشيطان والقطط
تعرض المسرحية الخيارات وطرق النجاح، جميعنا نقرأ قصص المغامرات الممتعة ولكن هل يجب أن تكون ناجحة دائمًا؟ يضرب تيد هيوز هذه الفكرة الوردية ويكتب عن الغبي الذي يحاول تقليد طريق نجاح شخصية أخرى وتنتهي بطريقة مؤسفة ولكن تظل بها العناصر الرئيسية الجذابة للأطفال.
مجيء الملوك
قد تكون حبكة المسرحية صادمة للبعض ولكن كتبها تيد هيوز مليئة بالإسقاطات السياسية والدينية أيضًا، تروي المسرحية عن عراف يخبر صاحب فندق أن ثلاثة ملوك سوف يزورون الفندق اليوم، تحدث مفارقات كوميدية في محاولة من صاحب الفندق لتمييز الملوك المتنكرين من رواد الفندق واختبار العديد من الصفات مثل العدل والحكمة.
مسرحيات سليمان العيسى
شاعر سوري صاحب تاريخ طويل في الشعر والترجمات، كتب الشعر السياسي وخصص جزءًا كبيرًا من أعماله للأطفال سواء دواوين شعرية أم مسرحيات متنوعة، ولكن يغلب عليها التركيز على التاريخ والتراث ومن أشهر أعماله ديوان الأطفال الذي يحتوي على قصائد وبعض المسرحيات الشعرية للأطفال.
مسرحية الأطفال والمتنبي ومسرحية الأطفال يزورون المعري
مسرحيتان منفصلتان ولكن لهما نفس الهدف وهو تعريف الأطفال برموز الثقافة العربية من خلال معلومات بسيطة ناتجة عن حوار بين الأطفال والمتنبي أو الأطفال والمعري، وليس فقط الهدف هو التعريف بالشخصيتين ولكن إظهار بعض أفكارهم ومبادئهم في شكل حوار بسيط.
الأطفال والراية
هذه المسرحية تمثل رمز الراية العربية كفتاة تخاطب الأطفال، ويمكن اعتبارها مسرحية لزرع مبادئ الوحدة بين الدول والدفاع عن المبادئ من خلال حوار بين الأطفال والراية بكل سلاسة.
كيف تعكس هذه المسرحيات ثقافة البلاد؟
يمكن ببساطة ملاحظة الاختلاف بين أفكار مسرحيات تيد هيوز وسليمان العيسي رغم توجههم لنفس الفئة العمرية تقريبًا، فمسرحيات تيد هيوز موجهة إلى العقل النقدي والتفكير، وهي مواقف ومحن عن التسرع والانسياق وراء الأفكار القديمة الذي يعكس ما تعلمه هذه البلد لأطفالها.
أما في مسرحيات سليمان العيسى نجد الثاريخ والتراث، فيسعى سليمان في مسرحياته إلى تذكر الشخصيات التاريخية الرائدة والعمل على فكرة مهمة وهي القومية العربية، قد يندهش البعض من تأثير نصوص مسرحية صغيرة قد تعكس الثقافة الشعبية بهذا الوضوح وليست الأعمال الروائية الطويلة لأنها مكثفة لأقصى درجة ومبسطة وهي أمنية من الكتاب داخل المسرحية أن يتطبع الأطفال الذين يقرأون هذه المسرحيات بأفكارهم في المستقبل.
نماذج قليلة وكتاب كثر
كما أسلفت فإن مشكلة المقروء والمعروض في المسرح تتسبب في ضياع المسرحيات وهو ما يحدث بالضبط في مسرح الطفل، حيث يكتب الأدباء مثل تيد هيوز أو سليمان العيسى (وهما من أشهر الكتاب: تيد هيوز على المستوى العالمي وسليمان عيسى على المستوى العربي) ومع ذلك إذا أجريت بحثًا عن أعمالهم المسرحية لن تجد الكثير!
إذًا ما حال باقي الكتاب العرب مثل شوقي خميس ويوسف البري وعبد الله جدعان الذين كُتبت ومُثلت مسرحياتهم ولكن لم تلق الاهتمام المناسب لتبقى حية رغم براعة الأسلوب الأدبي والأفكار المحفزة.
يحتاج المسرح العربي بشكل عام لاهتمام القارئ والمشاهد قبل اهتمام المؤسسات الدولية لأن الانتظار والبحث هو ما يبقيه حيًا، وفي حالة أدب الطفل اهتمامنا بالأجيال القادمة هو ما سيبقي مسرح الطفل دون انقراض.