ترجمة وتحرير نون بوست
في وقت ما، آمن هؤلاء الذين يريدون محاربة الفقر في الوسائل المباشرة التي تحل المشكلات واحدة تلو الأخرى، إذا أردت علاج ضعف الإنتاج، أعط المزارعين مخصبات الأرض والأسمدة، إذا أردت تعزيز التصنيف، ابن مصانع، وإذا أردت أن تساعد هذه القطاعات على النمو، ابن طرقًا وموانئ، هذا النوع من الاستثمار رفع مستويات الدخل وخفف من الأزمة الاقتصادية في العديد من البلدان، لكن مؤخرًا، برز نموذج آخر غير مباشر لعلاج المشكلات، مع وعود بفوائد أكبر كثيرًا.
لقد أظهر “دارون آجيموغلو” و”جيمس روبينسون” علماء الاجتماع ومؤلفي أحد أكثر الكتب مبيعًا “لماذا تفشل الأمم”، أن المؤسسات المنفتحة والشاملة يمكنها أن تساعد الاقتصادات في النمو بشكل أكثر عضوية وبدون تدخل خارجي، هذا التفكير تجلى في ما اسماه رئيس الوزراء البريطاني “ديفيد كاميرون” في مقاله في صحيفة وول ستريت جورنال عام 2012، حيث قال إن “الظروف التي تمكن المجتمعات والاقتصادات من الازدهار هي سيادة القانون، وغياب الفساد والصراعات، وحضور قوي لحقوق الملكية، بالإضافة إلى وجود مؤسسات قوية”، لقد كان يقول: “وفر البيئة المناسبة للعمل، واقتصادات البلاد ستزدهر من تلقاء نفسها.
هذه الأفكار لابد وأنها كانت كالموسيقى بالنسبة لقارئي وول ستريت جورنال من محبي السوق الحرة، لكن ما قاله كاميرون كان يتوافق أيضًا مع الموضة الجديدة في مجتمع التنمية العالمي: ريادة الأعمال entrepreneurship.
كونك من رواد الأعمال يعطيك الفرصة لتحديد مصيرك، كما يمكنك من أدوات الإنتاج، ويحقق استفادة حقيقية للاقتصاد الوطني، العديد من المستثمرين الكبار في الدول الغنية أنشأوا صناديق لدعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر في الدول الفقيرة، كان الجميع يقول: ابدأ عملك الخاص.
من وجهة نظر اقتصادية بحتة: هذا لم ينجح كلية، فربما استطاع المستثمرون الاستفادة على المدى القصير، لكن على المدى الطويل لم تضف تلك المشاريع شيئًا لهم، فقد قدمت فرص عمل جديدة لآخرين، لم يعودوا يحتاجون إلى المستثمرين على الإطلاق.
برامج التمويل الأصغر من ناحية أخرى تميل لاستهداف النساء، فالعمل مع النساء أقل مخاطرة وأكثر استدامة، وهو ما قاد إلى أن يصبح أقل فعالية في نهاية المطاف.
لفهم ذلك، يمكنك أن تسأل سؤالاً بديهيًا: إلى أي حد يمكن أن يكبر مشروع صغير في قرية ريفية؟ ليس هناك العديد من العملاء، كما أن الدخل ليس عاليًا، أي عمل يريد أن يخلق فرص عمل بأعداد معتبرة، يجب أن يخدم عدة قرى، ولكن في حالة الاعتماد على المرأة، ربما يردوا القروض التي حصلوا عليها من المستثمرين الكبار في موعدها، لكنهم لن يكونوا قادرين على الحركة مثل الرجال، وغير المتزوجين.
فالرجل يمكنه أن ينتقل إلى المدن أو أن يغطي مساحات كبيرة من الأرض لا تستطيع تغطيتها النساء في محاولة جذب العملاء الجدد.
تلك الأعمال الصغيرة المعتمدة على التمويل متناهي الصغر، أعطت الكثير من الناس القليل من المال، لكنها ليست مصممة أبدًا لتعطي الكثير لأي أحد! فعلى العكس من المشاريع من ذلك النوع، الأعمال الأكبر تستطيع الاستفادة في الإنتاج والتوزيع، وهذا هو الضروري في النمو الاقتصادي، في النهاية، ما نريده هو اقتصاد أكثر إنتاجية، وما الأفضل: عدد صغير من رواد الأعمال يوظفون أعدادًا كبيرة من الناس، أم أعدادًا كبيرة من رواد الأعمال كل منهم يعمل في جزيرة وحده.
في الواقع إن البلدان الفقيرة لديها بالفعل رواد أعمال مقارنة بعدد السكان أكثر من البلدان الغنية، إن ازدياد رواد الأعمال ليست هي ما تحتاجه تلك البلدان، لكن اقتصادات كبيرة الحجم هو ما يحتاجونه تحديدًا.
إن أكثر الاقتصادات نجاحًا هي التي توازن بين فوائد التنافسية وحجم الأعمال، فعدد كبير من الشركات سيفشل في تحقيق الحد الأقصى من إنتاجية العمال، وعدد قليل من الشركات تحتكر السوق، سيسحق الابتكار ويفشل في خدمة السوق بأكمله.
إن مشروع “ديفيد كاميرون” يجعل من السهل على الشركات أن تنمو، والقضاء على الفساد سيعطي الضوء الأخضر للشركات الكبرى ولبعض أكبر المستثمرين في العالم أن يفتتحوا مجمعات صناعية ضخمة ومراكز بحوث ومرافق زراعية باستثمارات مئات الملايين وربما مليارات الدولارات، وستخلق الآلاف من فرص العمل الفورية!
بطبيعة الحال، فإن هذه الوظائف لن تذهب إلى المرأة الريفية التي تستفيد غالبًا من برامج التمويل متناهي الصغر، ربما لن تكون تلك الوسيلة هي الأفضل بالنسبة للمنظمات غير الربحية، ولا الوظائف الأجود، لكنها ذات الوظائف التي انتشلت مئات الملايين من الصينيين من براثن الفقر وربما تفعل الأمر ذاته مع الهنود، ومواطني الكونغو أو هاييتي، مئات الملايين من المهاجرين بحثًا عن العمل يعرفون ذلك جيدًا، لكن هؤلاء “الخبراء ضد الفقر” بدأوا للتو في فهم تلك الحقيقة.
المصدر: فورين بوليسي