أعلن الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح، الأحد في خطاب تليفزيوني استدعاء الهيئة الناخبة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 12 من ديسمبر/كانون الأول القادم، وهو ثالث موعد يحدد لانتخاب الرجل الأول في البلاد هذا العام بعد فشل موعدي 18 من أبريل و4 من يوليو الماضيين، ما يعني أن إنجاحه يعد أكثر من ضرورة، خاصة أن الجميع متفقون على أن انتخاب رئيس جديد هو مخرج الأزمة التي تعيشها البلاد حتى إن اختلفت الآراء بشأن ظروف إجراء هذا الاستحقاق.
وأسقط الحراك الشعبي الذي تعرفه البلاد منذ 22 من فبراير الماضي الرئاسيات التي ترشح لها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة التي كانت مقررة في 18 من أبريل/نيسان الماضي، كما أفشل موعد 4 من يوليو/تموز الذي أعلنه الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح بسبب عدم توافر شروط إجرائها، فهل ستكون هذه المرة الظروف والنتيجة مختلفة؟
المخرج الوحيد
وقّع رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح على المرسوم المتضمن استدعاء الهيئة الناخبة لانتخاب رئيس الجمهورية الجزائري في 12 من ديسمبر/كانون الأول المقبل، وفق ما تنص عليه قوانين البلاد.
لم يكن تاريخ استدعاء الهيئة الناخبة مفاجئًا للجزائريين، لأن رئيس الأركان الجزائري الفريق أحمد قايد صالح الذي تصفه الصحافة الجزائرية بأنه يمثل السلطة الفعلية في البلاد، دعا في خطاب منذ أيام إلى استدعاء الجزائريين للتصويت في هذا التاريخ
ساعات بعد ذلك، وجه بن صالح خطابًا للجزائريين بثه التليفزيون الحكومي في نشرة أخبار الثامنة دعا فيه إلى “جعل هذا الموعد نُقطة انطلاق لمسار تجديد دولتنا والعمل جماعيًا وبقوة لأجل إنجاح هذا الاستحقاق كونه سَيُمكِّن شعبنا من انتخاب رئيس جديد يتمتع بكامل شروط الشرعية، رئيس يأخذ على عاتقه قيادة مصير البلاد وترجمة تطلعات شعبنا”.
ويرى الرئيس المؤقت التي قلت مطالب رحيله من طرف الحراك الشعبي مقارنة مع بدايته أن الانتخابات هي “الحل الديمقراطي الوحيد والأنجع، الذي من شأنه أن يتيح بكل حرية وسيادة اختيار الشخصية التي ترونها الأصلح لقيادة البلاد وإدخال التغيير الذي تنشدونه وإقامة نظام الحكم الجديد الذي يستجيب لتطلعاتكم المُلحّة”.
ولم يكن تاريخ استدعاء الهيئة الناخبة مفاجئًا للجزائريين، لأن رئيس أركان الجزائري الفريق أحمد قايد صالح الذي تصفه الصحافة الجزائرية اليوم بأنه يمثل السلطة الفعلية في البلاد كان قد دعا في خطاب منذ أيام إلى استدعاء الجزائريين للتصويت في هذا التاريخ.
وإن كان الكل متفقين على أن انتخاب رئيس جديد للبلاد هو المخرج للأزمة الحاليّة، إلا أن هناك خلافًا بشأن موعدها وظروفها، فقد تعالت في مسيرة الجمعة الماضية الأصوات الرافضة للانتخابات التي دعا لها قايد صالح الذي صار يتهجم في المدة الأخيرة على الرافضين لخيارات المؤسسة العسكرية، واصفًا إياهم بـ”الشرذمة”.
وتصدر وسم #انا_شرذمه_لا_أنتخب قائمة التغريدات في الجزائر الأحد والإثنين في رد واضح على دعوة رئيس الدولة المؤقت ورئيس الأركان.
يبدو أن البلاد مقبلة على حالة استقطاب لافتة في الأيام القادمة بالنظر إلى عدم نية أي طرف تقديم تنازلات
وعكست القبضة الحديدية الموجودة بين رأي السلطة الحاليّة وجزء من الحراك الشعبي الهوة التي صارت تتصاعد أسبوعًا بعد أسبوع بين الطرفين الأساسيين اليوم في صناعة المشهد السياسي الجزائري.
ويبدو أن البلاد مقبلة على حالة استقطاب لافتة في الأيام القادمة بالنظر إلى عدم نية أي طرف تقديم تنازلات، خاصة أن الموعد الانتخابي قد يسير نحو التنفيذ هذه المرة بالنظر إلى أن الرفض له لم يكن بالصورة ذاتها التي رسمت لموعد 4 من يوليو الماضي، وكذا فشل الحراك في تقديم بديل مقنع لمقترح السلطة يتجاوز التظاهر الأسبوعي.
توطئة قانونية
احتمال نجاح محاولة السلطة هذه المرة لتنظيم الانتخابات الرئاسية رغم رفض جزء من الشعب لها قد يكون سببه التحضير القانوني الذي تم قبل استدعاء الهيئة الناخبة المتمثلة في إنشاء السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي تسهر على تحضير وتنظيم وتسيير والإشراف ومراقبة الانتخابات وفق استقلالية وحرية وسيادة كاملة، بعد سحب هذا الملف من وزارة الداخلية التي اتهمت دائمًا بالوقوف وراء التغطية على تزوير الانتخابات، وآخرها في عهد الوزير الأول الحاليّ نور الدين بدوي الذي يطالب الحراك بإقالته.
من بين التعديلات التي تضمنها القانون أن التصريح بالترشح لرئاسة الجمهورية يتم بالإيداع شخصيًا لطلب تسجيل لدى رئيس السلطة المستقلة للانتخابات
وأسندت رئاسة هذه السلطة لوزير العدل الأسبق محمد شرفي الذي يلقى قبولاً نسبيًا بين الجزائريين، كونه كان من المسؤولين الرافضين لسياسة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي تمت إقالته بعد أن أمر بفتح ملف “سوناطراك” ومتابعة وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل المقرب من بوتفليقة الملاحق في قضايا فساد، كما مست التحضيرات القانونية أيضًا التعديل الجزئي للقانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات.
ومن بين التعديلات التي تضمنها القانون أن التصريح بالترشح لرئاسة الجمهورية يتم بالإيداع شخصيًا لطلب تسجيل لدى رئيس السلطة المستقلة للانتخابات، وهذا لتفادي تكرار حادثة بوتفليقة الذي أحال المهمة هذا العام لمدير حملته الانتخابية عبد الغني زعلان القابع اليوم في سجن الحراش في قضايا فساد، وتم بموجب النص الجديد تقليص عدد استمارات اكتتاب التوقيعات للترشح للرئاسيات واشتراط المستوى الجامعي.
وجاءت هذه القوانين عقب مشاورات أجرتها اللجنة الوطنية للوساطة والحوار، لكن هذه المشاورات لم تكن في مستوى تطلعات السلطة رغم التقائها بأكثر من 6 آلاف شخص ممثلين لأحزاب وجمعيات مجتمع مدني.
تدافعت أحزاب السلطة على دعمها لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتهليل بمواقف قيادة الجيش، وهي التي كانت إلى وقت قريب تتذلل في دعم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للترشح لولاية خامسة
غير أن المتابع للشأن السياسي يتأكد أن التشكيك في شفافية الانتخابات لم يكن يومًا متعلقًا بالنص القانوني رغم بعض العيوب التي تضمنها النظام العضوي السابق للانتخابات، إنما تعلق دائمًا بممارسات الإدارة والأفراد الذين سكنت عقولهم سلوكيات التزوير لأحزاب السلطة وفي مقدمتهم جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
رصد حذر
بالنظر إلى أن المعني الأول بالسباق الجديد نحو قصر المرادية هو الطبقة السياسية، فقد تباينت مواقف كل حزب من واحد لآخر بشأن الموعد الرئاسي المقبل الذي لقي رفضًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي التي تبقى جزءًا مراقبًا للعملية الانتخابية وليست معبرًا كليًا عن انشغالات الشعب.
وتدافعت أحزاب السلطة على دعمها لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتهليل بمواقف قيادة الجيش، وهي التي كانت إلى وقت قريب تتذلل في دعم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للترشح لولاية خامسة.
واعتبر حزب جبهة التحرير الوطني الذي يعيش اليوم أزمة داخلية حقيقية بسبب تورط قيادات منه في قضايا فساد، الدعوة إلى تنظيم الانتخابات المقبلة قرارًا “ينسجم تمامًا” مع قناعة الحزب في ضرورة الالتزام بالشرعية الدستورية وإعادة الكلمة للشعب من خلال الانتخابات.
أجلت حركة مجتمع السلم أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد موقفها إلى غاية اتضاح الرؤية وعقد اجتماع جديد لقيادتها لتوفير المعطيات الكاملة
أما التجمع الوطني الديمقراطي الذي يحاكم أمينه العام السابق أحمد أويحيى الموجود رهن الحبس الاحتياطي في قضايا فساد عديدة، فقد اعتبر أن الذهاب إلى محطة تنظيم الانتخابات الرئاسية هو نتاج “مسار الحوار الذي سمح بالتوصل إلى اعتماد آليات جديدة كرست رغبة الشعب في صون صوته واحترام إرادته”.
لكن ترحيب هذين الحزبين ومن ينتمي إلى معسكرهما يبقى دون تأثير بما أن عار الدعم اللامشروط لبوتفليقة ما زال يلاحقهما، وأي موقف منهما لا يخرج عند أغلب الجزائريين عن قانون التطبيل للرجل الأقوى في البلاد.
وإذا كانت مواقف قوى البديل الديمقراطي واضحة من هذا القرار، باعتبارها ترى أن تنظيم استحقاق رئاسي تحت حكم النظام الحاليّ الممثل في رئيس الدولة ووزيره الأول “لا يخدم إلا تجديد هذا النظام”، فإن موقف المنتمين للمنتدى الوطني من أجل الحوار يبقى مترقبًا لتطورات الأحداث الميدانية لتقديم القرار النهائي.
وأجلت حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد) موقفها إلى غاية اتضاح الرؤية وعقد اجتماع جديد لقيادتها لتوفير المعطيات الكاملة، رغم أن الموقف قد يميل إلى المقاطعة، خاصة أن رئيس الحركة عبد الرزاق مقري أكد أنه في ظل التضييق الإعلامي والأمني الموجود حاليًّا، فإن تحقيق الانتقال الديمقراطي لا يزال بعيدًا.
يحاول رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس الاستثمار في غياب مرشح بارز للنظام لتولي مقاليد الحكم ليقدم نفسه على أنه الخيار الأفضل والحصان الرابح الذي قد تعتمد عليه السلطة في الوقت الراهن
أما رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس فيبدو أنه يميل نحو المشاركة، بالنظر إلى قيادة أفراد محسوبين عليه جزء من العملية السياسية الحاليّة، مثل كريم يونس الذي قاد لجنة الحور ومحمد شرفي رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات.
ويحاول بن فليس الاستثمار في غياب مرشح بارز للنظام لتولي مقاليد الحكم ليقدم نفسه على أنه الخيار الأفضل والحصان الرابح الذي قد تعتمد عليه السلطة في الوقت الراهن، وقال بن فليس: “الأزمة الراهنة جد عميقة ومعقدة، والتهديدات التي تضفي ثقلها على الدولة الوطنية هي جد خطيرة ووشيكة الحدوث، وخطر تطوراتها المحتملة قد تفلت عن كل تحكم، هذا ما يجعل الحل السريع والنهائي لكل ذلك مطلبًا مصيريًا للدولة الوطنية ذاتها، وتُعتبر الانتخابات الرئاسية، أكثر من أي وقت مضى، الطريق الأسلم للخروج من الأزمة والأقل خطورة وضررًا للبلاد، وهذا بتوفير الإطار الأمثل لتجسيد المطالب والتطلعات المشروعة للثورة الديمقراطية السلمية بصورة تامة وكاملة ومنتظمة وهادئة ومطمئنة”.
لكن كل هذه التبريرات التي قدمها بن فليس لقبول الجميع بالذهاب للمشاركة في انتخابات 12 من ديسمبر/كانون الأول القادم لم تستطع إخفاء تردده من الإعلان العلني عن موقفه من هذا الاستحقاق بالنظر إلى أن أي تصريح على هذا المنوال قد يجعله من المحاكمين أسبوعيًا في مقصلة الحراك الشعبي.
ويبدو أن تحقيق السلطة لمبتغاها في تنظيم رئاسيات قبل انتهاء السنة الحاليّة أصبح قاب قوسين أو أدنى، خاصة في حال تمت إقالة الوزير الأول نور الدين بدوي وحكومته لإضفاء مزيد من الشرعية على جدية تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة، وهي الإقالة التي قد تجذب مرشحين وازنين للمشاركة في انتخابات نهاية السنة.