لم يمر وقتٌ طويل على الأخبار الواردة من العاصمة السورية، دمشق، عن وضع رجل الأعمال السوري رامي مخلوف قيد الإقامة الجبرية، وهو ابن عمة رئيس النظام السوري بشار الأسد، حتى تأتي هذه الأيام بفضيحة كبيرة تخص أحد وزراء الأسد الأسد السابقين الذين اختلسوا مبالغ طائلة من الدولة، وعلى الرغم من أن قضية مخلوف وقضية الوزير المختلس مختلفتان بالتفاصيل، فإنهما توضحان مدى الضعف والهشاشة المحيطة باقتصاد نظام الأسد.
ذكرت وسائل إعلام سورية عدّة، أن نظام بشار الأسد حجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لنحو 130 مسؤولًا وموظفًا في وزارة التربية التابعة له، على خلفية تورطهم بأعمال فساد، ذهب البعض إلى أن قيمتها تناهز 350 مليار ليرة، أي ما يقارب 600 مليون دولار، وعلى رأس القائمة كان وزير التربية السابق هزوان الوز.
من جهتها أكدت قناة “روسيا اليوم“، الأخبار الواردة عن هذا الاختلاس، ونقلت القناة عن مصدر في وزارة المالية السورية تأكيده لصحة القرار الذي يتم تداوله والقاضي بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لوزير التربية السابق هزوان الوز، وحسبما تقضي الإجراءات القانونية في حالات إلقاء الحجز الاحتياطي، شمل القرار أيضًا زوجة الوز “إيرينا الوز” المولودة في خاركوف الأوكرانية، بحسب روسيا اليوم.
تولى الوز وزارة تربية النظام منذ عام 2012 حتى 2018، ويعتبر من أكثر الوزراء ثباتًا في منصبه في ظل تعديلات وزارية عدة خلال الأعوام الماضية، وواجهت الوزارة في عهده تراجعًا في مستويات التعليم، فيما انتشرت حالات الغش بشكل كبير بعد تراجع الوضع الأمني، فضلًا عن فضائح تسريب الأسئلة الامتحانية بين الطلاب.
هزوان الوز وزير التربية السابق لدى نظام الأسد
خزينة فارغة
وعلى وقع هذه الفضيحة المدوية ألمح عماد خميس رئيس مجلس الوزراء السوري، إلى أن خزينة المصرف المركزي تشارف على النفاذ، حيث قال في كلمة أمام مجلس الشعب: “موجودات المصرف المركزي السوري تقلصت خلال السنوات الأولى جراء الأزمة، وإنتاج النفط اليومي انخفض من 380 ألف برميل إلى صفر”.
ونقلت مواقع أن عماد خميس، أكد خلال جلسة للمجلس، أنه يتم التدقيق بملفات فساد كبيرة جدًا في الوقت الحاليّ، قائلاً “الأسابيع القليلة القادمة ستكشف محاسبة أسماء ستفاجأون فيها”، مؤكدًا أنه لا يوجد أحد فوق القانون لأن هيبة الدولة هي الأهم، الجدير بالذكر أن وعود النظام بمحاربة الفساد ورؤوسه تتكرر دائمًا مع عدم وجود حلول جدية واستشراء الفساد بمفاصل النظام كلها.
وبحديثه لـ”نون بوست”، قال رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، أسامة قاضي: “الواضح في آخر خطاب لعماد خميس في “مجلس الشعب” أن خزينة الدولة شبه مفلسة والمصرف المركزي في وضع خطير للغاية وهذه التحركات المكياجية للتقيد وضع اقتصادي بهذا السوء لن تفيد، فالرقع اتسع على الراقع”.
من جهته نشر موقع “هاشتاغ سوري” الموالي للنظام، قوائم لم يتم التأكد من صحتها عن قرار “إلقاء الحجز الاحتياطي” على عدد من المسؤولين المشتركين مع الوز في هذه الحادثة.
أنباء غير مؤكدة بعد عن صدور قرار حجز احتياطي على أموال وزير التربية السابق هزوان الوز وزوجته ومعاونه سعيد خراساني وعدد كبير من موظفي وزارة التربية بملفات فساد بأرقام مهولة.#سورية #الفساد pic.twitter.com/3Dpd9IlzbY
— هاشتاغ سوري ?? (@syria_hashtag) September 15, 2019
غضب شعبي
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي السورية، بالحديث عن القضية التي استحوذت على الرأي العام، فمن جهتها قالت “إذاعة سلاميس” إنها وفي أحد لقاءاتها مع الوزير وسؤاله عن معاناة المدرس في الحروب والسؤال عن مخصصات المازوت المفقودة للمدارس، كان جواب الوزير “يحمدوا الله المدرسين إنهم لحد هاللحظة عم يقبضوا رواتبهم وإنهم على رأس عملهم بظل هالأحداث ولا يرفسوا النعمة اللي هنن فيها وهي حال البلد حرب وأنا متلي متلهم عم جاهد وكافح ولازم الأهالي يهتموا بلباس الطلاب وتدفئتها بفصل الشتاء”.
وتتهكم الإذاعة على أجوبة الوزير الذي تبين أنه “رأس هرم الفساد”، متسائلةً: كم قيمة الصفقات المشبوهة التي تاجرت بها في سبيل تدمير أجيال وتدمير منظومة تعليمية كاملة؟
من جهته قال المحامي والناشط السوري المعارض عامر الخطيب في منشوره على الفيس، أن محمد براء قاطرجي زعيم مافيا النظام في شمال شرق سوريا هرب خارج سوريا وهو شريك الوزير هزوان، ويشير الخطيب إلى أن “عيون النظام اليوم تنظر تجاه محمد حمشو ليكون على مذبح مكافحة الفساد وأضحية رؤساء دوائر صنع القرار” .
ويرى الصحفي السوري فراس ديبة، أن الوز لن يكون الأخير، “وإفلاس خزينة الدولة سيتحمل نفقاته حيتان النظام، بعد أن فرغت جيوب الشعب السوري تمامًا، ولم يعد الشعب المسحوق المفلس صالحًا ليكون البقرة الحلابة كما اعتاد النظام في كل أزماته”.
كبش فداء
“هذه الإجراءات التي تطال الفاسدين على حد زعم النظام ويحاول بها تجميل صورته، وجباية أكبر حجم ممكن من الأموال من صغار الموظفين دون محاكمات قانونية ودون أدلة حقيقية ومنطقية، وبأساليب أمنية وحشية ممكن يستخلص منهم اعترافات تسند إليهم التهم التي يريد” كما قال أسامة قاضي لـ”نون بوست”، مضيفًا “في دولة لا يوجد بها قضاء مستقل ولا إعلام حر ممكن تسند تهم بحجم 350 مليار ليرة دون تقرير صحفي واحد أو لقاء مع الوزير ومساعده وموظفيه ودون وجود محامٍ يدافع عنهم”.
ويفصل القاضي، موازنة التعليم الجارية في سوريا قائلاً: “حسب تصريح رئيس الوزراء 400 مليار ليرة سورية ميزانية التعليم، أكثر من 70% رواتب دفعت لهم، فكيف يمكن للوزير وموظفيه ان يسرقوا “مئات” المليارات أو مبلغ 350 مليار ولم يشتك معلم أنه لم يقبض راتبه؟”.
ويضيف رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا “هذه الإجراءات التعسفية لا تطال كبار الفاسدين داخل وحول القصر الجمهوري، لماذا لم “يسرب” قرار مشابه بالحجز على أموال رامي مخلوف وآلاف من موظفيه ومن شابههم، لأنهم باختصار فوق العدالة والقضاء وشركاء للنظام”.
رئيس وزراء النظام السوري عماد خميس
في سياقٍ متصل يقول القاضي: “سوريا تحتاج 200 مليون دولار شهريًا للوفاء بالحد الأدنى لاحتياجات ما تبقى من سوريين في منطقة نفوذ النظام، بمعنى 120 مليار ليرة شهريًا”، وهذا يعني أن “كل شهر يجب أن يقبضوا على ضحية من أمثال الوزير هزوان الوز ويحصلوا منه على 120 مليار إن استطاعوا دون أن يمسوا رؤوس الفساد الحقيقيين في بلد فقد معظم ثرواته وعلى رأسها النفط الذي كان يساهم في ثلث ناتج الدخل القومي”.
الفساد جزء من تكوين نظام الأسد، لا يشك بذلك السوريون الذي ثاروا على نظامه القمعي الاستبدادي، وأيضاً الفاسد حتى النخاع في كل تفصيلة من تفصيلاته، وظل لعقود وما زال ينهب خيراته ويستأثر بها لصالح عائلة الأسد ومن لف لفهم، ويرى سوريون كثر، منهم مصطفى الجرف، أن النظام يخاطر بحملته على الفساد، وقال متهكمًا مخاطبًا بشار الأسد: “إذا قضيت على الفاسدين، من سيدعم نظامك؟ نحن؟ (الثائرين عليك) لا تتهور!”.