على الرغم من أن بكين وموسكو قد حافظتا لفترة طويلة على مصالحهما مع دول الخليج، فإن مسألة حل الاشتباكات العالقة بين الصين وروسيا ودول الخليج والغرب ليست بالأمر الهيّن، فحتى وإن لوحظ مؤخرًا تحسن في العلاقات التي تجمع بين الأطراف الأربعة، فإن لكل من هذه الأطراف اهتماماته وأعماله التي تتعارض في بعض الأحيان مع السياسات الخارجية للأطراف الأخرى.
ومع استنفاذ الحقول النفطية، وارتفاع الطلب المحلي، ومع ازدياد الاضطرابات الإقليمية، فإن الصين، باعتبارها تشهد نموًا كبيرًا، أصبحت أكبر مستورد للنفط في العالم، الشيء الذي جعلها تعتمد على عدد كبير من مُصدري الطاقة مثل سلطنة عمان والعراق والإمارات العربية المتحدة وأنغولا وفنزويلا وروسيا.
وتعتلي المملكة العربية السعودية رأس هذه القائمة باعتبارها أكبر مصدر للسوق الصينية الضخمة، ففي سنة 2013 زودت المملكة العربية السعودية الصين بما يقدر بـ 19٪ بالمائة من حاجاتها الطاقية.
ومن المتوقع أن تتراجع صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى الصين، بموجب اتفاقية الطاقة التي وقعتها كل من بكين وموسكو الشهر الماضي، وستصل مردودات تحالف الطاقة إلى 38 بليون متر مكعب من الغاز تصدرها روسيا إلى الصين، أي ما يعادل 11 بالمائة من احتياجات الصين من الغاز، التي ستسلم من خلال خطوط أنابيب جديدة لتصل قيمتها إلى 90 دولار لسعر البرميل الواحد.
وبمقتضى العلاقات المتوترة الأخيرة بين روسيا والغرب، ستتمكن الصين من الحصول على ما يقارب الربع من مجمل صادرات الغاز الروسي.
وقد أشارت دول مجلس التعاون الخليجي لأهمية الدور الذي تمثله الصين إلى جانب روسيا التي تعتبر من أكبر المصدرين للغاز والنفط في العالم مما يجعلها منافسًا هامًا لدول مجلس التعاون الخليجي.
وقال “ناصر التميمي” وهو خبير في شئون الشرق الأوسط إن “الصين هي أكبر مستهلك للطاقة، بينما روسيا هي أعلى مصدر”، مضيفًا: “المنافسة مع روسيا قد تتحول في المستقبل إلى منافسة بين قطر وإيران، اللذان سيتنافسان على تصدير الغاز الطبيعي المسال لدول أوروبا وأسيا”.
كما اعتبر التميمي أن اتفاقية الطاقة المبرمة بين الصين وروسيا هي “طريقة ذكية لاحتكار المنافسة المتصاعدة بين السعودية وروسيا في أسواق النفط العالمية”.
وفي الوقت نفسه، تعمل كل من الكويت والمملكة العربية السعودية على الاستثمار في المصافي في الصين، وقد شهدت التبادلات غير النفطية بين الصين ودول الخليج نموًا متزايدًا بفضل اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.
وأضاف التميمي: “هناك نقطة أخرى مهمة بالنسبة للصين وهي كيف تلعب روسيا دورًا في تنويع طرق الإمداد للطاقة”، مشيرًا إلى أن مضيق ملقة الذي يعتبر أكبر محمل للنفط إلى الصين من منطقة الشرق الأوسط، وهو الذي بات مهددًا بسبب ارتفاع المخاوف الأمنية الإقليمية، مما يجعل الصين تعتقد أن تزايد الواردات المنقولة بحرًا من الشرق الأوسط هي نقطة ضعفها الرئيسية.
وترى الصين أنها غير قادرة على السيطرة على مضيق ملقة في صورة وقوع أي مشاكل، خاصة وأنها تفتقر إلى القوة البحرية للدفاع عن المضيق، وقد ورد في إحدى الصحف الصينية الصادرة سنة 2004: “ليس من قبيل المبالغة القول بأن من يسيطر على مضيق ملقة سيكون سببًا في تضييق الخناق على وصول موارد الطاقة للصين”.
ومن المتوقع أن واردات الصين من النفط الخام الآتية من الشرق الأوسط، والتي تقدر بـ 60 في المائة سترتفع إلى حدود 75 في المائة بحلول سنة 2015، حسب ما أكدته استطلاعات لمؤسسة جيمس تاون، التي ترى أن اكتشاف مصادر الطاقة الجديدة بسيبيريا ستكون سببًا رئيسيًا في تراجع نسبة الطاقة الصينية الآتية عبر مضيق ملقة.
ولكن بغض النظر عن صفقة الطاقة المبرمة بين روسيا والصين وباعتبار أن الصين مستهلك كبير للنفط ويمثل سوق ضخمة للأوبك ودول الخليج، خاصة بعد تأثر أسعار النفط بالأزمة الاقتصادية العالمية، فإن الخليجيين حريصون على بيع المزيد من احتياطيات الطاقة للصينيين.
وقد اعتمدت الصين استراتيجية تنويع الموردين الغربيين لتوفير حاجياتها المتزايدة من الطاقة عن طريق الغاز الصخري المحلي في الولايات المتحدة، فضلاً عن أوروبا، لأن أوبك وببساطة تسعى لإيجاد عملاء جدد.
ولكن من حيث التعاون الأمني، يقول “مارك كاتز” أستاذ الحوكمة والسياسة في جامعة جورج ماسون: إن “بكين وببساطة تبحث عن الاستقرار بما فيه الكفاية لضمان صادرات آمنة وغير مهددة من المنطقة”.
ويقول مارك كاتز: “تعتبر الرياض أن الصين حليف لا يمكن الاستغناء عنه فهو أهم مشتري للنفط ومزود لها ببعض أنواع الأسلحة التي لا يمكنها الحصول عليها من واشنطن”، مضيفًا: ” منذ أن اختارت الصين أن تتحمل أمريكا تكاليف الاكتتاب الرئيسي لأمن السعودية، تبين تقارب المصالح الصينية والأمريكية في المملكة العربية السعودية”.
ويعتقد كاتز أن بكين تسعى لإرضاء جميع الأطراف في منطقة الشرق الأوسط دون تمييز أي جهة على أخرى، حيث يقول: “المؤسسة العسكرية الروسية تسعى لفرض رأيها حول القضايا الأمنية بمنطقة الخليج نحو تحقيق تقدم على مستوى النفوذ الأمريكي، خاصة بعد تصاعد وتيرة التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية في أجزاء أخرى من العالم”.
مضيفًا: “استفادت روسيا كثيرًا من الاضطرابات التي يعيشها العالم اليوم لتتوغل أكثر في أسواق بيع السلاح التي طالما كانت تحت سيطرة الموردين الغربيين، فقد تم توقيع صفقات بيع السلاح في العراق، مع مواصلة الشركات الروسية تزويد نظام الأسد بالسلاح في سوريا، بما في ذلك الصفقات المبرمة مع مصر والمملكة العربية السعودية”.
ولا تعتبر روسيا بديلاً عن أمريكا من قبل العديد من الدول العربية، فرغم تباين المواقف المتغيرة حول النفوذ الأميركي الذي بدأ يفقد أهميته في المنطقة، فقد كشفت الإحصائيات – وفقاً لدراسة مركز بيو للأبحاث مؤخرًا – أن واحد فقط من كل خمسة دول لا تزال لديها نظرة إيجابية لدور أميركا في الشرق الأوسط، في حين أن ما يقرب نصف العرب يؤيدون الصين.
وتختلف الآراء حول دور روسيا في المنطقة، كما وجهت عديد الانتقادات للتدخل الروسي في سوريا ودعمها لنظام الأسد.
وسياسة عدم التدخل التي اعتمدتها الصين جعلتها حليفًا موثوقًا فيه أكثر من الغرب، رغم المجهودات التي تقوم بها للإصلاح الديمقراطي في مناطق حساسة دبلوماسيًا مثل البحرين ومصر، إلا أن بكين لا تنوي التوغل أكثر لضمان الاستقرار في منطقة الخليج، ولذا تفضل أن أمريكا والغرب يواصلون القيام بذلك عوضًا عنها.
ووفقًا لكاتز فإن “بكين لا تريد أن تدفع الكثير لضمان الاستقرار في منطقة الخليج، فهي تفضل أن تواصل أمريكا والغرب القيام بذلك في حين أنها تستغل هذا الاستقرار لصالحها”.
ويتابع كاتز: “في الوقت نفسه روسيا ليست مستعدة لتولي الدور الأمريكي في المنطقة، إذ أن قدرة روسيا على تحقيق الربح في المنطقة مبني على تحقيق الأمن المدعوم من أمريكا”.
على أي حال، روسيا والسعودية جعلا شراكاتهما غير عادية في اختلاف كبير عن العلاقات بين روسيا وإيران وبينها وبين سوريا، ففي تموز عام 2013 حذر رئيس جهاز المخابرات السعودي الأمير “بندر بن سلطان” الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” من أن “الإرهابيين” المرتكزين في منطقة شمال القوقاز قد يستهدفون دورة الألعاب الأولمبية الشتوية سوتشي، وتبين لمكتب الأمن الفيدرالي للاستخبارات الروسية، بعد اكتشاف “أدلة ملموسة” في يناير كانون الثاني عام 2014، أن الهجمات قد تم التخطيط لها في المملكة العربية السعودية.
ويقول كاتز: “إن المصالح السعودية الروسية متعارضة جدًا لتصور تعاون كبير بينهما، ودور كل من الصين وروسيا في الخليج يمكن أن يتحول إلى ورقة مساومة لدول مجلس التعاون الخليجي”.
في حين يقول “شادي حميد” من مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط، إن “المملكة العربية السعودية باتت تنوع تحالفاتها من خلال الاقتراب من روسيا والصين، وهذه الاستراتيجية مشتركة بين العديد من حلفاء الولايات المتحدة”، كما يقول.
مضيفًا أنه “في بعض الأحيان، وفي محاولة لانتزاع المزيد من التزامات الولايات المتحدة، تتعمد الدول الحليفة التقرب من روسيا والصين كنوع من أوراق المساومة”.
وحميد متشكك حول مدى جدوى هذا التعاون الأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي والشركاء الروس والصينيين، فهو يقول: “يمكن أن يكون هناك علاقات اقتصادية مع روسيا والصين ولكن لا يمكن لهذه العلاقات أن تحل محل الولايات المتحدة من حيث توفير مظلة أمنية”، مشيرًا إلى أن “التحالف مع واشنطن يوفر إمكانية الوصول إلى عشرات المليارات من الدولارات من الأسلحة المتطورة”.
المصدر: ترجمة نون بوست من ميديل ايست مونيتور