ترجمة وتحرير: نون بوست
في ظل صراع إيران لمجابهة العقوبات الاقتصادية المدمرة التي فُرضت عليها بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، سلطت وسائل الإعلام على تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني بشكل عام، مشيرة إلى تكهنات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأنه من المحتمل أن يتقلص اقتصادها بنسبة تتراوح بين 3.8 و6 بالمئة خلال هذه السنة. ومع ذلك، لم يقع إيلاء أهمية كبرى لتأثيرها المحتمل على الأمن الغذائي. وحين فُرضت هذه العقوبات، اختارت العديد من الأعمال التجارية الزراعية الغربية الكبرى التوقف عن بيع المواد الغذائية إلى إيران، الدولة التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير.
على الرغم من وجود الصحارى الكبرى في إيران ومشاكل ندرة المياه التي تواجهها، بيد أن الزراعة تمكّنت من الازدهار في البلاد طوال معظم تاريخها، حيث يزرع الفلاحون الإيرانيون منتجات متنوعة، على غرار الشعير والعنب والبطيخ والأرز والقمح والنباتات الطبية. والجدير بالذكر أن الزراعة تمثل 9.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لإيران سنة 2016، ويوظف هذا القطاع حوالي 17 بالمئة من الإيرانيين في سنة 2018.
بذلت إيران جهودا جبارة للصمود أمام عقود من العقوبات المسلطة، حيث سعت منذ فترة طويلة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الزراعة
حيال هذا الشأن، قال محمد بخشوده، الذي يترأس قسم الاقتصاد الزراعي في جامعة شيراز: “على الرغم من كونها تقع في منطقة قاحلة وشبه قاحلة، تستفيد إيران من تنوع مناخها، حيث يصل الاختلاف بين أبرد المناطق وأكثرها حرارة إلى 40 درجة مئوية، مما يتيح إمكانية زراعة مجموعة متنوعة من المنتجات في أي وقت”. وأضاف بخشوده قائلا: “تتمتع إيران بأفضلية فيما يتعلق بعشرات المنتجات الزراعية، لاسيما في البستنة، وبالطبع الزعفران”.
في الواقع، بذلت إيران جهودا جبارة للصمود أمام عقود من العقوبات المسلطة، حيث سعت منذ فترة طويلة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الزراعة. وانطلقت مساعيها بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة الإيرانية. وفي حقيقة الأمر، فإن الدور الذي لعبه محمد رضا بهلوي في تقويض الزراعة في إيران غذى التمرد ضده. وبهدف تحصين المزارعين من العقوبات وحمايتهم من اضطراب الاقتصاد العالمي، اعتمدت إيران على مزيج من الدعم والرسوم الجمركية على الواردات الزراعية. وفي هذا السياق، أشارت الأمم المتحدة إلى أن إيران تعتبر تحقيق الاكتفاء الذاتي “أولوية وطنية قصوى”.
في حوار أجراه مع موقع لوب لوغ، أكد بخشوده أنه “للحفاظ على الأمن الغذائي الوطني، تركز الحكومة الإيرانية على سياسات الاكتفاء الذاتي، وتشدد على أهمية الإنتاج المحلي من الغذاء وغيرها من المنتجات الزراعية، وتشجع على تعزيز الإنتاجية فيما يتعلق بالمستلزمات الأساسية، لاسيما المياه. علاوة على ذلك، تدعم الحكومة المزارعين بتقديم سياسات ضمان المشتريات وتوسيع نطاق التأمينات الزراعية وتقديم تغطية كبيرة”.
تشير الدلائل المتناقلة إلى أن العقوبات بدأت في التأثير على الزراعة والأمن الغذائي في إيران
وتجدر الإشارة إلى أن المزارعين الإيرانيين قد غرسوا 5102340 طنًا من البطاطس في سنة 2017، أي ما يزيد عن خمسة أضعاف مقارنة بسنة 1979، السنة التي اندلعت فيها الثورة الإيرانية. ومع ذلك، مازال الطريق طويلا أمام إيران قبل أن تتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي. وخلال سنة 2017، استورد الإيرانيون 1.2 مليون طن من الأرز، و1.3 مليون طن من الشعير، و9.5 مليون طن من الذرة، وهو ما يشير إلى أنه في حين أن إيران قلصت من اعتمادها على البلدان الأخرى، ما يزال الركود والعقوبات يمثل تهديدا لأمنها الغذائي.
في سياق متصل، ذكر بخشوده أن “الواردات من المنتجات الزراعية طالما كانت تمثل عائقا لاستدامة الزراعة في إيران، وتتسبب في تراجع دخل المزارعين. ومع ذلك، لضمان تحقيق قدر أكبر من الأمن الغذائي، تخصص إيران العملات الأجنبية المدعومة لاستيراد الأغذية بالغة الأهمية مثل القمح والأرز، وتشجع الاستخدام الأمثل للمدخلات النادرة في القطاع الزراعي، وتعتمد على الإنتاج المحلي للحفاظ على الأمن الغذائي”.
في الواقع، تشير الدلائل المتناقلة إلى أن العقوبات بدأت في التأثير على الزراعة والأمن الغذائي في إيران. وفي وقت سابق من هذه السنة، حظر المسؤولون الإيرانيون تصدير البطاطس والبصل لضمان إمداد السوق المحلية، الأمر الذي جعل الميليشيات السورية المدعومة من إيران تشكو من قلة توفر كميات اللحوم مقارنة بالكميات الكبيرة من البطاطس لإطعامهم بسبب العقوبات المسلطة.
أدى تغير المناخ والتدهور البيئي إلى تفاقم الصعوبات التي تعاني منها إيران، حيث يؤثر الجفاف والفيضانات، وهي قضايا بيئية ضاعف الاحتباس الحراري من حدتها، على الأراضي الزراعية في معظم أنحاء إيران
في هذا الصدد، قال بخشوده: “تعتبر إيران بلدا مستورد لجميع المنتجات الزراعية. لذلك، من المحتمل أن تتأثر بالسياسات الخارجية، على غرار العقوبات. ويبدو أن توفر الغذاء، وهو أحد ركائز الأمن الغذائي، لم يتأثر بشكل كبير بالعقوبات. ومع ذلك، بسبب ارتفاع الأسعار، لا تستطيع العديد من الأسر الفقيرة توفير ما يكفيها من الغذاء ولا يمكنها شراء الكثير من المواد الغذائية التي تحتاجها على المدى الطويل. وعموما، تمنع الهيمنة والبنية التقليدية للزراعة الإيرانية، أو على الأقل تؤجل، ظهور الآثار السلبية للعقوبات على توافر الغذاء”.
أدى تغير المناخ والتدهور البيئي إلى تفاقم الصعوبات التي تعاني منها إيران، حيث يؤثر الجفاف والفيضانات، وهي قضايا بيئية ضاعف الاحتباس الحراري من حدتها، على الأراضي الزراعية في معظم أنحاء إيران، ويبدو أن المشكلة ستتفاقم في السنوات القادمة. وفي الحقيقة، تحتل إيران المرتبة الرابعة في قائمة معهد الموارد العالمية لأكثر دول العالم التي تعاني من أزمة نقص المياه. وفي حال أرادت إيران وضع حد لاعتمادها على المواد الغذائية المستوردة، فينبغي عليها التغلب على أزمة ندرة المياه.
في شأن ذي صلة، قال غلام رضا سلطاني، الأستاذ في اقتصاد الموارد الطبيعية في جامعة شيراز ورئيس تحرير مجلة أكاديمية حول الاقتصاد الزراعي: “نظرا لمشكلة ندرة المياه، يعتبر تحقيق الأمن الغذائي في إيران بمثابة تحد كبير. وتحتاج إيران إلى استيراد المياه للحفاظ على السلع الزراعية المكثفة اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي”. وفي الواقع، يتوقع الخبراء أنه في ظل تدهور الاقتصاد الإيراني وتفاقم التدهور البيئي، ينبغي على إيران إعادة دراسة سياساتها الزراعية والاقتصادية، حتى تتمكن من الاعتماد بدرجة أقل على الواردات.
على الرغم من أن إعادة فرض عقوبات عليها زادت من حماس إيران لتحقيق اكتفائها الذاتي في مجال الزراعة، إلا أن ضمان الأمن الغذائي للبلاد في ظل الأزمة المالية التي تعاني منها يتطلب استراتيجية أكثر شمولية
حول هذا الموضوع، قال سلطاني: “لمواجهة العقوبات المسلطة عليها، ينبغي على إيران تحسين أنماط التجارة الزراعية لاستيراد سلع تعتمد على كميات كبيرة من المياه وتصدير سلع تستخدم المياه بفعالية. وسيؤدي ذلك إلى الاستيراد الصافي للمياه الافتراضية، مما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي”.
على الرغم من أن إعادة فرض عقوبات عليها زادت من حماس إيران لتحقيق اكتفائها الذاتي في مجال الزراعة، إلا أن ضمان الأمن الغذائي للبلاد في ظل الأزمة المالية التي تعاني منها يتطلب استراتيجية أكثر شمولية. علاوة على ذلك، ساهمت السياسة الداخلية في تعزيز مشاكل البلاد في المجال الزراعي، كما أن العقوبات تحد من قدرة المسؤولين الإيرانيين على إصلاح سياستهم البيئية. ومع ذلك، يعتقد بعض العلماء أن إيران تسير نحو تحقيق أهدافها الزراعية أكثر مما يبدو عليه الأمر. في الوقت الراهن، مازال الأمن الغذائي يمثل تحديًا ملحًا.
في هذا الإطار، تقول سينا آزودي، مستشارة السياسة الخارجية في معهد “غلف ستيت أناليتيكس”: “تكمن المشكلة الأساسية المتعلقة بالأمن الغذائي في صعوبة تحمّل الطبقة الوسطى لتكاليف الغذاء. ويوجد الكثير من الطعام متوفر في المتاجر، لكن التضخم جعله من الصعب تحمل نفقاته. بالإضافة إلى ذلك، في ظل انكماش الاقتصاد، خسر الناس وظائفهم، وبالتالي لم يعد بإمكانهم تحمل نفقات شراء الغذاء”.
المصدر: لوب لوغ