شكل مسار المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية الجديدة جدلًا واسعًا خلال الأيام القليلة الماضية، على خلفية مخرجات اجتماع ثلاثي جمع بين الجناح العسكري “قسد” والجناح السياسي “مسد”، والإدارة الذاتية لمناطق شمال وشرق سوريا، بهدف حلحلة الخلافات الداخلية وتحديد نقاط التفاوض مع إدارة دمشق.
مخرجات البيان الثلاثي وتصريحات المسؤولين في الجناحين العسكري والسياسي، تشير إلى عدم وجود خطوات حقيقية في دمج الكوادر العسكرية والسياسية والمدنية في مناطق شمال شرقي سوريا ضمن الحكومة السورية، على المستوى المنظور، وإنما تعكس اتفاق بين التيارات الداخلية يحدد التفاصيل العامة المطروحة للنقاش والتفاوض.
وتتصف مواقف “قسد” بالتخبط والمراوغة نتيجة التعاطي غير الجدي مع الشروط التي وضعتها إدارة دمشق للاندماج، كونها بقيت حبيسة العموميات، في خطوة يراها مراقبون تهدف إلى كسب مزيد من الوقت بعدما حظيت دمشق بشبه اعتراف دولي واقليمي، وهو ما دفع “قسد” إلى اتخاذ خطوات موازية تهدف إلى تقليل الضرر ريثما تتضح السياسة الأمريكية في سوريا.
حقيقة الاندماج
تداولت وسائل إعلام محلية وعربية أنباءً عن قبول قوات “قسد” الاندماج تحت مظلة هيئة الأركان ووزارة الدفاع في الحكومة السورية، كأفراد، وليس ككتل متكاملة تحت مسميات عسكرية، والتخلي عن شروط تتعلق بالمحاصصة في الموارد النفطية والخصوصية الإدارية اللامركزية.
صحيفة القدس العربي، نقلت عن عضو مكتب العلاقات العامة في مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، نصر الدين إبراهيم، موافقة “قسد” في دمج قواتها، معتبرًا أنها “ستصبح جزءًا من الجيش السوري تحت قيادة وزارة الدفاع والأركان السورية، كأفراد، بعيدًا عن الدخول ككتلة أو تسمية فيالق أو وحدات عسكرية بذات عينها”.
وتابع، أن “قسد” وافقت على تسليم ملفات النفط بعيدًا عن المحاصصة باعتبارها “ثروة وطنية سورية للحكومة في إطار وحدة البلاد وسيادتها”، إضافةً إلى تسليم سجون تنظيم “داعش” للحكومة، مؤكدًا تخلي “قسد” عن المقاتلين في صفوفها من جنسيات غير سورية، وردهم إلى بلادهم.
إلا أن نصر الدين إبراهيم، نفى خلال حديثه لموقع “الحل نت”، التصريحات التي نقلتها صحيفة القدس العربي، مؤكدًا أنها “حرفت وزورت”، مشيرًا إلى، أن الاجتماع الثلاثي ناقش تطورات التفاوض مع دمشق والمواقف الدولية.

وحدد خمسة نقاط رئيسية تناولها الاجتماع الثلاثي الذي عقد في 17 فبراير/شباط الجاري بين “قسد” وجناحها السياسي “مسد” والجناح المدني الإدارة الذاتية، لتحديد رؤية مشتركة داخليًا قابلة للنقاش حتى الوصول إلى اتفاق شامل وفق مبادئ الحوار السلمي والمصالح المشتركة مع دمشق.
وناقش المجتمعون وضع ومستقبل قوات “قسد” ومسألة سجون تنظيم “داعش”، والمقاتلين غير السوريين، وأوضاع المناطق ذات الغالبية العربية، ومقترح تسمية أحمد الشرع رئيسًا مؤقتًا للبلاد، وأهمية إشراك المجتمع المحلي في مناقشة مسار المفاوضات.
وحمل البيان الثلاثي الذي نشر على معرفات “قسد” في 18 فبراير/شباط الجاري، إدارة دمشق مسؤولية الوصول إلى وقف إطلاق النار في خطوط التماس المباشرة على جبهات سد تشرين شرقي حلب، باعتباره ضرورة للتقدم في الحوار في إطار المفاوضات المستمرة.
وأكد، عقد سلسلة من الاجتماعات المحلية في جميع مدن شمال وشرق سوريا، وممثلين عن نخب كافة فئات المجتمع بهدف تحقيق المشاركة الفعالة والشاملة لجميع المكونات في العملية السياسية.
وحرص البيان على أهمية نجاح الحوار القائم مع دمشق، مشيرًا إلى “وضرورة إيجاد حل للجزيئات والقضايا التي يتم النقاش عليها، من خلال الاتفاق للوصول إلى آلية تنفيذ مناسبة مثل قضايا (دمج المؤسسات العسكرية والإدارية، عودة المهجرين قسرا إلى أماكنهم الأصلية التي هُجّروا منها…الخ)”.
وتعكس مخرجات البيان وتصريحات مسؤولي “قسد” بأنه لا وجود لأي تقدم ملموس في إطار المفاوضات بسبب غياب الرد الرسمي من الطرف المقابل المتمثل بـ “دمشق”، ما يؤكد وجود خلافات داخلية ضمن تياراتها السورية وغير السورية، تتطلع “قسد” إلى حلحلتها قبل أن تشرع في المفاوضات الحقيقية.
وتصر “قسد” في الحفاظ على خصوصية قواتها ودورها في حماية واستقرار منطقة شمال شرق سوريا، والحصول على نظام سياسي لا مركزي وتأمين الحقوق الدستورية للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد، حسب زعمها.
ضغوط للتفاوض
رغم مضي أكثر من شهر على اللقاء الأول الذي جمع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بالقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، إلا أن مسار المفاوضات بقي حبيس تبادل وجهات النظر ووضع شروط دون أن يحصل أي تقدم ملموس في إطار الدمج ضمن الحكومة.
وتضمنت الجولة الأولى من المفاوضات مطالبة “قسد” في الحصول على نظام إداري لا مركزي، والاندماج ضمن وزارة الدفاع السوري ككتلة واحدة، والحصول على نسبة من الموارد النفطية، فضلًا عن الحصول على نوع من الخصوصية في إدارة المناطق الكردية شمال شرقي سوريا.
إلا أن إدارة دمشق رفضت شروط “قسد” وأكدت على اندماجها ضمن وزارة الدفاع كأفراد، والمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، والحصول على الحقوق الدستورية للمكون الكردي، وإعادة النظر في موظفي الإدارة الذاتية، وضمان عدم شن عملية عسكرية على مناطقها من قبل تركيا.
وتشير التطورات الأخيرة على المستوى الداخلي لدى مجلس سوريا الديمقراطية في التعاطي مع ملف المفاوضات إلى تعرضها لضغوط دولية من قبل حلفاءها وإقليمية بهدف حلحلة الخلافات الداخلية للخروج بتصور كامل للمرحلة المقبلة في إطار التحضير للاندماج ضمن إدارة دمشق التي باتت تحظى بشبه اعتراف غربي وقبول إقليمي عربي.
ويرى الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، سامر الأحمد، أن “قسد” تعرضت للضغط من قبل حلفاءها، واشطن وباريس، للتقدم في مسار المفاوضات مع دمشق، بعدما حصلت الأخيرة على شبه اعتراف غربي، إضافة إلى القبول الإقليمي والعربي الذي يعزز حضورها، وبالتالي كسب مزيد من التنازلات من “قسد” لصالح دمشق.
وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: “إن قسد تعرضت إلى جملة من الضغوط، لعل أبرزها مخاوف انسحاب القوات الأمريكية في حال حصلت دمشق على اعتراف، وتوقف المساعدات الأمريكية، وتكفل إدارة دمشق رعاية سجون “داعش”، وحل مسألة مخيم الهول بعد سحب العراق رعاياه منه، مما جعلها في وضع محرج دفعها للإسراع في المفاوضات أو الإعلان عنها”.
وأضاف، أن ملف المفاوضات بين قسد ودمشق متعثر وفي حالة سكون، بسبب الشروط، لذلك تحاول عرض موافقتها أمام المجتمع الدولي بهدف إحراز تقدم أمام حلفاءها واشنطن وباريس إلا أن هذا التقدم لم يحصل بسبب حرجها أمام كوادرها وجمهورها بسبب موقف حزب العمال الكردستاني.
وأوضح، أن حزب العمال الكردستاني منقسم إلى تيارين، الأول يرضى بدعوات عبد الله أوجلان في إلقاء السلاح واتباع مسار المفاوضات السياسي للاندماج في الحكومة السورية، والتيار الثاني يتبع لقيادة قنديل، ومرتبط بإيران ويريد أن تدخل المنطقة في مواجهة عسكرية مع الحكومة وهذا ما لا ترغبه الأطراف السورية.
وفي 18 فبراير/شباط الجاري أرسل مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، التي وجهها إلى ثلاث جهات من سجنه في تركيا، واحدة من بينها إلى قوات سوريا الديمقراطية شمال وشرق سوريا، دون الكشف عن مضمونها، إلا أن مقربين من “قسد” أكدوا أنها توحي إلى الدخول في مسار مفاوضات سياسية مع الحكومة السورية.
مراوغة أم حقيقة؟
يعد ملف المفاوضات مع “قسد” من أبرز الملفات القائمة في الساحة السياسية السورية بسبب تعدد اللاعبين الدوليين والاقليميين الذين ينظرون إليه على أنه يمكن أن يقلب الموازين على المستوى الداخلي والخارجي، بسبب دور الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وتركيا من جهة أخرى، والعلاقات الإقليمية المرتبطة بكردستان العراق، وحزب العمال الكردستاني PKK.
ورغم عدم اتضاح السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري إلا أن تقارير عديدة تؤكد وجود ضغط أمريكي على “قسد” بهدف حلحلة الملفات التفاوضية للوصول إلى صيغة مناسبة لكافة الأطراف، بينما لا توجد أي تغيرات لدى السياسة التركية في التراجع عن استراتيجيتها العسكرية في ضرب “قسد” باعتبارها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني PKK.
في المقابل، تكشف خطوات دمشق نحو دفع مسار المفاوضات السياسية مع “قسد” حالة عدم الرغبة في خوض معركة عسكرية ضد “قسد” يمكن أن يكلفهما أثمان غالية على المستويين الداخلي والخارجي، كما أنه ينعكس على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المنهكة في البلاد أساسًا.
ويرى الباحث، سامر الأحمد، أن دمشق تعول على عامل الوقت في الضغط على “قسد”، ووارد نجاحه، وفي حال الوصول إلى طريق مسدود يتوقع دخول تركيا في عمل عسكري محدود للضغط على “قسد”، بهدف تقديم المزيد من التنازلات، لكن ذلك لا يتم دون أن تضح السياسة الأمريكية في الملف السوري.
ويعتقد الباحث، أن “قسد” تتخذ أسلوب المراوغة من خلال مناقشة العموميات، والإيحاء بالقبول في الشروط التي وضعتها إدارة دمشق، وتهدف من خلال هذه العملية إلى كسب الغرب وأمريكيا بحيث ينظر إليها بأنها مستعدة ومرنة للتفاوض وإدارة دمشق هي التي تماطل في مسار المفاوضات.
واعتبر أن مراوغة “قسد” تهدف إلى تثبيت سلطتها والاستفادة من أية تغيرات إقليمية قادمة، في حال عدم الوصول إلى تقدم ملموس في إطار المفاوضات، إلا أن ما تعول عليه “قسد” يجعل خياراتها أكثر محدودية، لأنه من الصعب أن تقبل دمشق دخول “قسد” ككتلة واحدة، كونها ستكون تحت نفوذ حزب العمال الكردستاني.
ختامًا.. يلتمس من التطورات على المستوى الداخلي لـ”قسد” وجود توافق يمكن أن ينعكس على مسار المفاوضات مع دمشق لكنه يبقى محدود النطاق ومحفوفًا بالمخاطر في ظل وجود تيارات داخلية ضمن “قسد” ترفض الاندماج والحل ضمن جسم وزارة الدفاع والحكومة السورية.