تواصل الولايات المتحدة تصعيدها ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، في محاولة لتشديد الحصار عليه لإجباره على التخلي عن السلطة لصالح حليفها، زعيم المعارضة ورئيس الجمعية الوطنية “البرلمان” خوان غوايدو الذي يسعى لتنصيب نفسه رئيسًا للبلاد.
أمريكا وفي هذا الإطار أعادت تفعيل اتفاقية دفاع مشترك تضم 10 دول أخرى في القارة الأمريكية، تسمح لها بمواجهة ما سمته التهديد الذي يمثله نظام مادورو على الشعب الفنزويلي والمنطقة بأسرها وفق ما ذهبت وزارة الخارجية في بيان اليوم الأربعاء.
البيان أشار إلى أن واشنطن لجأت لهذه الاتفاقية التي يبلغ عمرها قرابة 70 عامًا، الموقعة عام 1947، ومعروفة باسم “ميثاق ريو الدفاعي” من أجل مزيد من العمل الجماعي لمواجهة التصعيد الواقع على الحدود بين فنزويلا وكولومبيا، مضيفًا “نتطلع لعقد اجتماع مع الشركاء الإقليميين لمناقشة الخيارات الاقتصادية والسياسية متعددة الأطراف التي يمكننا استخدامها لمواجهة الخطر الذي يمثله مادورو على أمن المنطقة”.
وكان أعضاء معاهدة “البلدان الأمريكية للمساعدة المتبادلة” قد وقعوا هذا الميثاق لمناهضة أي تحركات من شأنها تهديد الأمن الإقليمي الأمريكي، خاصة أنه يسمح باتخاذ إجراءات مشتركة تتراوح من العقوبات الاقتصادية إلى استخدام القوة العسكرية وقطع روابط النقل والاتصالات.
لماذا الآن؟
لماذا أعادت واشنطن تفعيل هذه الاتفاقية في هذا التوقيت بعد سبعة عقود من التجميد داخل ثلاجات الوثائق المنسية؟ سؤال أجابت عنه السلطات الأمريكية على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو، في بيان له جاء فيه أنها تأتي ردًا على تحركات “عسكرية” لنظام مادورو.
وأضاف بامبيو “التحركات الحربية الأخيرة للجيش الفنزويلي في الانتشار على طول الحدود مع كولومبيا وكذلك وجود مجموعات مسلحة غير شرعية ومنظمات إرهابية على الأراضي الفنزويلية تظهر أن نيكولاس مادورو لا يمثل فحسب تهديدًا للشعب الفنزويلي، بل إن أفعاله تهدد أمن وسلام جيران فنزويلا”، مؤكدًا أن تفعيل المعاهدة يمثل إقرارًا بالتأثير المزعزع للاستقرار بشكل متزايد لنظام مادورو في المنطقة.
البيان ذكر في الوقت ذاته أن الدفع بتفعيل الميثاق الآن جاء استجابة لطلب المعارضة الفنزويلية بزعامة جوايدو كانت قد تقدمت به لواشنطن لإعادة إحياء بنود تلك الاتفاقية التي تعبد الطريق أمام مواجهة حقيقية قوية ضد نظام مادورو.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدوره أعرب عن إحباطه من بقاء “مادورو” في السلطة، بعد ثمانية أشهر من اعتراف الإدارة الأمريكية بحكومة جديدة بقيادة المعارضة في فنزويلا، وبدأت في فرض عقوبات شديدة على مسؤولي مادورو والاقتصاد الذي يهيمن عليه النفط في البلاد.
أمريكا وحلفاؤها ينشطون ميثاق ريو الدفاعي
تأييد وترقب
لاقت الخطوة الأمريكية تأييدًا من بعض الدول على رأسها كولومبيا والأرجنتين والبرازيل وتشيلي وغيرها من الدول التي تعتبر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، غير شرعي، معلنة تأييدها لتفعيل الوثيقة، فمن جانبه، قال كارلوس تروجيلو سفير الولايات المتحدة لدى منظمة الدول الأمريكية، خلال نقاش عن هذه القضية،: “إذا كان منزل جارك محترقًا، هل تقف وتصرخ ولا يجب أن تتدخل، أم تساعد جارك في إطفاء الحريق؟”.
فيما اتهمت كولومبيا “مادورو” الذي أعلن عن تدريبات عسكرية على حدودهما المشتركة الأسبوع الماضي، باستضافة وتسليح رجال حرب العصابات الكولومبيين الذين هددوا بإعادة إشعال حملة إرهابية، بما في ذلك ما تدعي المخابرات الكولومبية أنه خطط لبدء قصف مواقع مركزية في العاصمة بوجوتا، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وأمريكيين لاتينيين.
وفي الجهة الأخرى أبدت المكسيك التي انسحبت من المعاهدة عام 2004، تحفظها على إعادة تفعيل المعاهدة في الوقت الراهن، لافتة إلى أن اعتراض السفن في البحر أو إغلاق المجال الجوي أمام فنزويلا – وهي الخيارات التي تم تسريبها فيما يتعلق بالعقوبات المحتمل تصعيدها ضد مادورو – ينطوي على إمكانية استخدام القوة.
سفيرة البلاد بمنظمة الدول الأمريكية لوز إيلينا بانيوس ريفاس علقت على هذا الأمر بقولها: “لن تظل المكسيك صامتة خلال هذه الدعوة غير المسؤولة لاستخدام هذه المعاهدة”، ووصفتها بأنها “ذريعة” لاستخدام القوة، مضيفة أنه بعيدًا عن التدخل الخارجي الذي صُممت هذه المعاهدة للحماية منه، فإن الصراع الفنزويلي كان صراعًا داخليًا، ولا يوجد صراع يتطلب الدفاع العسكري.
الحماس الأمريكي، وتاريخ التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة، جعل بعض أعضاء المعاهدة حذرين من الاحتجاج بها
عقوبات أمريكية جديدة
وفي السياق ذاته فرضت واشنطن حزمة من العقوبات الجديدة التي تستهدف تضييق الخناق على نظام الرئيس الفنزويلي، حيث أدرجت ثلاثة أفراد و16 شركة في قائمة العقوبات المفروضة على فنزويلا، “لمشاركتهم في مخططات فساد خلال توزيع المواد الغذائية” وفق ما ذكرت “واشنطن بوست“.
وجاء في وثيقة نشرتها الخزانة الأمريكية: “تفرض العقوبات على ثلاثة أفراد و16 شركة لعلاقتهم مع (المواطن الكولومبي) أليكس موران، وشريكه التجاري ألفارو فارغاس، اللذين ساعدا الرئيس السابق نيكولاس مادورو ونظامه المجرم الذي يحصل على الربح غير المشروع على حساب توزيع المساعدات الغذائية”.
قائمة العقوبات توسعت لتشمل شقيقي موران: أمير لويس ولويس ألبرتو، وكذلك دافيد أنريكي روبيو غونزاليس، وهو ابن فارغاس، أما الشركات الـ16، فهي مملوكة أو مسيطر عليها من عائلة موران، فيما بررت الحكومة الأمريكية تلك العقوبات بأنها من أجل زيادة الضغط على موران وشبكته التي تزيد ثروتها من تجويع الناس، وتساعد في تعزيز الفساد المنهجي في فنزويلا، على حد قولها.
يذكر أن من بين الشركات التي تضمنتها العقوبات الأخيرة، 11 شركة مسجلة في كولومبيا، و4 في بنما وواحدة في إيطاليا، وكل ممتلكات وموجودات وأموال هؤلاء الأفراد والشركات الموجودة في الولايات المتحدة، باتت مجمدة، ويمنع على المواطنين الأمريكيين القيام بأي تعاملات معهم.
احتمالات التدخل العسكري
في أول رد فعل داخلي رسمي على تفعيل المعاهدة، قال وزير الخارجية الفنزويلي خورخي أرياسا: “هذا أمر خطير، لأن ميول الدول، وخاصة تلك المحاذية لفنزويلا، تشير إلى أنها ستستخدم آلية المعاهدة لهجوم عسكري على فنزويلا”، متسائلاً: “من الذي أمر بتفعيل المعاهدة؟ إنه السيد ترامب الذي يهددنا بالعمل العسكري”، وتابع “فنزويلا مستعدة لصد أي هجوم وستحمي أراضيها”.
المخاوف من اللجوء للقوة العسكرية لم تقتصر على الجانب الفنزويلي فحسب، فبينما أقر مسؤولون أمريكيون أن هدفهم المباشر هو تصعيد العقوبات، بما في ذلك منع السفن البحرية التي تحمل النفط الفنزويلي في البحر، وتوفير إطار قانوني لبلدان أخرى في نصف الكرة الغربي للانضمام إليهم، فإن الحماس الأمريكي، وتاريخ التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة، جعل بعض أعضاء المعاهدة حذرين من الاحتجاج بها، وفق الصحيفة الأمريكية.
فعلى لسان مسؤول كبير في إحدى دول أمريكا اللاتينية الكبرى التي تربطها صلات وثيقة بالولايات المتحدة فإن تفعيل الوثيقة: “منحدر زلق، إنك تفعل ذلك من أجل فرض عقوبات، لكنك تجد نفسك أمام احتمالية اندلاع صراع عسكري أيضًا، ويمكنك أن تتوقف عند فرض العقوبات، حسنًا، لكن بعد ذلك تترك الباب مفتوحًا لمزيد من النشاط”، مضيفًا أن اعتراض السفن في البحر أو إغلاق المجال الجوي أمام فنزويلا، وهو إجراء آخر متوقع، كلاهما ينطوي على إمكانية استخدام القوة.
البرلمان الفنزويلي ينصب غوايدو رئيسًا مؤقتًا للبلاد
تصعيد داخلي
لم تنحصر التضييقات على مادورو ونظامه من مخططات الخارج وفقط، إذ كان للداخل هو الآخر دور ربما يكون أكثر تأثيرًا، خاصة أن كثير من تحركات الدول الخارجية جاءت وفق مطالبات من المعارضة كما حدث مع وثيقة ريو التي أكدت الخارجية الأمريكية أنها جاءت بناءً على طلب من زعيم المعارضة غوايدو.
الثلاثاء الماضي صادقت الجمعية الوطنية الفنزويلية (البرلمان) على رئيسها خوان غوايدو كرئيس انتقالي للبلاد حتى إجراء انتخابات جديدة، وهو ما يمثل “دعمًا سياسيًا مطلقًا لقيادة خوان غوايدو كرئيس للجمعية الوطنية ورئيس مسؤول للبلاد (…) حتى إنهاء عملية الاستيلاء على السلطة”، وفقًا لبيان صادر عن الجمعية الوطنية.
كان الرئيس الفنزويلي قد وقع سلسلة من الاتفاقات مع فصائل معارضة، غداة إعلان غوايدو انهيار المفاوضات، وهو ما انتقده الاتحاد الأوروبي الذي طالب بتمثيل جميع الفئات في تلك المفاوضات
القرار يشير إلى أن غوايدو المدعوم من أمريكا والمعترف به من أكثر من 50 دولة، سيستمر كرئيس للجمعية العامة بعد انتهاء ولايته في 5 من يناير/كانون الثاني، ويأتي هذا الدعم بعد يوم من إعلان حكومة مادورو أن نوابها سيعودون إلى الجمعية الوطنية التي انسحبوا منها قبل ثلاث سنوات.
يذكر أن نواب الحزب الحاكم انسحبوا من البرلمان عام 2016 بعد انتخابات أفضت إلى سيطرة ساحقة للمعارضة، حيث عمدت الحكومة لاحقًا إلى إنشاء هيئة خاصة بها هي الجمعية التأسيسية لتهميش البرلمان الذي يترأسه غوايدو، فيما أعلنت الحكومة، الإثنين، عودة نوابها.
قرار عودة نواب الحكومة للجمعية الوطنية جاء بعد يوم واحد فقط من إعلان غوايدو انتهاء الحوار مع وزراء مادورو الذي ترعاه النرويج بهدف حل الأزمة السياسية، وذلك بسبب رفض السلطة العودة إلى طاولة المفاوضات التي تعثرت في 7 من أغسطس الماضي حين علق مادورو مشاركة ممثليه ردًا على فرض عقوبات أمريكية جديدة على فنزويلا.
وكان الرئيس الفنزويلي قد وقع سلسلة من الاتفاقات مع فصائل معارضة، غداة إعلان غوايدو انهيار المفاوضات، وهو ما انتقده الاتحاد الأوروبي الذي طالب بتمثيل جميع الفئات في تلك المفاوضات، قائلاً على لسان المتحدثة باسم الشؤون الخارجية بالاتحاد مايا كوسيانيتش في بيان: “من المهم أن تحظى أي عملية تفاوضية بالتمثيل السياسي اللازم ودعم الجمعية الوطنية، وكذلك الهدف السياسي الواضح المتمثل في جلب البلاد إلى انتخابات رئاسية ذات مصداقية”.
مأزق جديد يجد فيه مادودر نفسه، فما بين مطرقة ضغوط خارجية وإحياء لمعاهدة قد تسمح باللجوء إلى استخدام القوة العسكرية، وسندان تصعيد داخلي بتنصيب زعيم المعارضة رئيسًا مؤقتًا للبلاد، بدعم 50 دولة أجنبية، يقبع الرئيس المثير للأزمات في انتظار مصيره في الوقت الذي تعاني فيه بلاده من أزمات اقتصادية طاحنة ربما تسرع من خطى التغيير خلال الأيام القادمة.