في ظل تأخّر العدالة الرسمية، وعدم محاسبة المسؤولين عن الجرائم، قرر الشارع السوري أن يكون القاضي، وأن يستعيد زمام المبادرة عبر ما يعرف بالمحاكمات الشعبية، التي باتت تشكّل أداة ضغط قوية، تهدف إلى نزع الشرعية عن القتلة وتأكيد أن العدالة، وإن غابت في المحاكم، فإنها حاضرة في ضمير الشعب.
على وقع الغضب المتصاعد، شهدت شوارع حي التضامن في دمشق مظاهرات غاضبة ضد فادي صقر، قائد ميليشيا الدفاع الوطني، أحد أبرز المتهمين بجرائم القتل والتعذيب، والذي ارتبط اسمه بمجزرة التضامن الشهيرة، فالمتظاهرون لم يحملوا سلاحًا، بل حملوا سلاح الفضح والمحاسبة، هاتفين بسقوط القتلة، في مشهد أعاد إلى الأذهان بدايات الثورة.
لم تمضِ أيام حتى امتدّت موجة الغضب إلى منزل أحمد بدر الدين حسون، مفتي النظام السابق، حيث احتشد العشرات أمام منزله في مشهد غير مسبوق، ليجد نفسه أمام محاكمة شعبية علنية.
هذه الأحداث تعتبر جزءًا من حملة “افضحوهم”، التي يقودها نشطاء سوريون لتعرية الشخصيات التي شاركت في دعم آلة القتل الأسدية، ومنع محاولات إعادة تأهيلهم سياسيًا أو اجتماعيًا، فما هي المحاكمات الشعبية؟ وهل تكون بداية مسار حقيقي للمحاسبة، أم أنها مجرد صرخة غضب في وجه الإفلات من العقاب؟
ما المحاكمات الشعبية؟
منذ نشأة المجتمعات، بدأ الأفراد يسعون إلى تحقيق العدالة من أجل استمرار الحياة، لذلك كانت العدالة الهدف الأسمى للوصول إلى مجتمع نقي ومتجانس، يخلو من التفرقة بجميع أشكالها. وبعد الحروب وسقوط أنظمة الاستبداد وتشكيل الدول، كان الهدف الأساسي يتمثل في تحقيق العدالة بمختلف صورها.
وتُعدّ العدالة الانتقالية أبرز مظاهر السعي نحو بناء مجتمع جديد أو عقد اجتماعي متجدد، لا سيما في أعقاب الانقلابات والثورات والحروب الأهلية. كذلك، هناك سعي مستمر وراء العدالة المطلقة التي تنشدها المجتمعات، سواء داخل حدودها أو في تفاعلها مع مجتمعات ودول أخرى.
وغالبًا ما يطالب أبناء المجتمعات الضعيفة بتحقيق العدالة على المستوى الدولي، في مواجهة قوى أكثر نفوذًا، حيث يطالب أفراد مجتمع ينتمي إلى دولة ضعيفة بتحقيق العدالة في مواجهة دولة قوية، وذلك في سياق ما يحدث خلال حالات الاحتلال السابقة أو التدخلات العسكرية التي تقوم بها دولة ضد أخرى. كل ذلك يمهّد لظهور أشكال متعددة من آليات تحقيق العدالة أو المحاكمات التي تسعى الدول إلى إجرائها.
ومن المعروف أن هناك قوانين تنظّم العلاقات بين الدول، وكذلك العلاقات داخل الدول وبين أفراد المجتمع وذلك ضمن ما يسمى القانون الدولي العام والخاص والقوانين المحلية، حيث تستند هذه القوانين إلى قوة التشريع وإلى فعالية تطبيقها من قبل المؤسسات المعنية.
لكن ظهر نوع آخر من المحاكمات بدا أكثر وضوحًا منذ عام 1945، يُعرف بالمحاكمات الشعبية، والتي اكتسبت أهمية خاصة في بعض السياقات السياسية والقانونية.
تتخذ هذه المحاكمات الشعبية شكلًا مشابهًا للمحاكمات النظامية من حيث الهيكل، لكنها تتجاوز الإطار القانوني الرسمي، إذ تُدار من قبل شخصيات شعبية غير ملزمة قانونيًا، نظرًا لعدم امتلاكها سلطة الإلزام. ومع ذلك، فإنها تستمد قوتها من الشرعية الأخلاقية.
هذه المحاكم تُنظَّم عادة كرد فعل شعبي عندما تفشل الأنظمة القضائية في محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، خاصة بعد الحروب والصراعات.
وتُجرى محاكمات شعبية لمحاكمة رموز الفساد في بعض الدول، وغالبًا ما يتم ذلك عبر منظمات المجتمع المدني أو شخصيات معارضة بارزة. ورغم افتقارها إلى القوة القانونية الملزمة، إلا أنها تحاول، قدر الإمكان، أن تحاكي المحاكمات الفعلية التي تنظمها السلطات الشرعية.
ولا تتم المحاكمات الشعبية عادة بالتعيينات وإنما تتم عبر نشطاء المجتمع المدني خاصة المهتمين بتحقيق العدالة وإرساء الحقوق ورسم عقد اجتماعي جديد وبناء مجتمع يقوم على العدل، وتكون أدواتها بسيطة تعتمد على عمل منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال حقوق الإنسان عادة وتقوم بجمع أدلتها عبر التوثيق الذي قامت به عبر سنوات القمع مثلاً. كما تقوم على شهادات الضحايا والذين لم يتمكنوا من تقديم شهاداتهم في المحاكم الرسمية.
وفي تصريح لـ”نون بوست” يعرف محمد شاوردي الباحث في السلم والعدالة الانتقالية المحاكمات الشعبية بأنها “آلية مساعدة للعدالة الانتقالية في ظل الانتهاكات الواسعة، وإحدى الأدوات غير الرسمية التي تلجأ إليها المجتمعات بعد الانتهاكات الجسيمة خاصة في حالات ضعف الدولة وعجزها عن إجراء محاكمات رسمية عادلة”.
محاكمات شعبية تاريخية
شهد التاريخ العديد من المحاكمات الشعبية التي لم تكن تمتلك سلطة قانونية مباشرة، لكنها لعبت دورًا رئيسيًا في توعية الرأي العام والضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات رسمية ضد المتورطين في الجرائم. من أبرز هذه المحاكمات:
- محكمة راسل لمحاكمة جرائم الحرب في فيتنام (1966-1967):
كانت محكمة غير رسمية نظمها الفيلسوف البريطاني برتراند راسل لمحاسبة الولايات المتحدة على جرائم الحرب في فيتنام. ورغم عدم امتلاكها سلطة تنفيذية، إلا أنها ساهمت في تأجيج الاحتجاجات العالمية ضد الحرب وسرّعت من الضغط الشعبي لإنهائها. - محاكم الجاكاكا في رواندا:
بعد الإبادة الجماعية عام 1994، أنشأت رواندا نظام محاكم الجاكاكا الشعبية لمحاكمة مرتكبي الجرائم. ورغم أن هذه المحاكم لم تكن رسمية بالكامل، إلا أنها حاكمت 1.5 مليون قضية، وساهمت في تحقيق نوع من المصالحة المجتمعية من خلال استبدال بعض العقوبات بخدمة المجتمع. - لجان الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا:
بعد سقوط نظام الفصل العنصري، شُكّلت لجان الحقيقة والمصالحة لتوثيق الجرائم والانتهاكات دون فرض عقوبات قاسية. بدلاً من ذلك، تم تشجيع المتورطين على الاعتراف بجرائمهم وطلب الصفح، مما ساعد في تحقيق انتقال سلمي إلى الديمقراطية. - محاكم الشعب في الأرجنتين:
بعد سقوط الديكتاتورية العسكرية، نظمت جهات شعبية محاكم رمزية لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات. ورغم كونها غير رسمية، إلا أنها خلقت ضغطًا كبيرًا على الحكومة، ما أدى لاحقًا إلى محاكمات جنائية رسمية بحق المتورطين في الجرائم.
من هذه التجارب يمكن استنتاج أن دور المحاكم الشعبية هو توعية الرأي العام من جهة. وتوجيهه للضغط على الحكومات لإنشاء محاكم مخصصة لمحاكمة المجرمين. وبذات الوقت تعري هؤلاء أمام المجتمع أخلاقيًا.
أما في سوريا بدأت المحاكمات الشعبية مبكراً مع انطلاق الثورة السورية، لكنها أخذت شكلاً أكثر جرأة بعد سقوط النظام. حيث أصبح الاحتكاك مباشرًا مع رموز النظام، والسبب في ازدياد وتيرتها هو التململ الشعبي من تأخر الحكومة الحالية في محاسبة المجرمين من جهة وهروب عدد كبير منهم خارج البلاد، والأحاديث عن مصالحات وعودة البعض منهم إلى أعمالهم.
وممكن في السياق السوري أن تنقسم هذه المحاكمات إلى نوعين رئيسيين:
- التعرية والفضح الاجتماعي: يستخدم هذا الأسلوب في كشف المتورطين في الجرائم والانتهاكات من خلال توثيق ونشر جرائمهم على وسائل التواصل الاجتماعي دون إلحاق ضرر مادي أو معنوي مباشر بهم، ويهدف هذا النوع إلى الضغط على السلطات الانتقالية لضمان عدم عودة هؤلاء الأشخاص إلى مناصب قيادية.
- المحاكمات الشعبية التقليدية: تستخدم عندما يكون هناك حجم هائل من الانتهاكات، وتنشأ عادة عندما تكون العدالة الجنائية الرسمية غير قادرة على ملاحقة جميع المتورطين خاصة أن المحاكم الدولية تركز على محاكمة كبار المسؤولين فقط مما يدفع المجتمعات المتضررة إلى البحث عن بدائل لتحقيق العدالة.
في هذه المحاكم يتم الاعتماد على الاعراف والتقاليد المحلية إلى جانب القوانين الوطنية ويطلب من المتورطين الاعتراف بجرائمهم وطلب العفو من الضحايا، وفي بعض الحالات يمكن أن تخفف العقوبات عن الأفراد غير المتورطين في الجرائم الكبرى مثل الجرائم ضد الإنسانية ويتم استبدالها بخدمة المجتمع أو الإبعاد أو الحرمان من تقلد مناصب رسمية.
أما من ارتكبوا جرائم جسيمة فقد تتم إحالتهم إلى محاكم جنائية رسمية ويحرمون من أي دور سياسي مستقبلي لضمان عدم تكرار الانتهاكات.
وحسب شاوردي فإنه: “في السياق السوري، تبرز الحاجة الملحة إلى محاكم شعبية ثورية نظرًا للحجم الهائل من الانتهاكات والمنتهكين في سوريا. فإن إنشاء محاكم شعبية ثورية ذات اعتراف شرعي من السلطات الانتقالية يمكن أن يلعب دورًا رئيسيًا في العدالة الانتقالية. ويمكن لهذه المحاكم أن تعمل كمحاكم صلحية في القضايا التي لا ترقى إلى مستوى القتل والاشتراك في سفك الدماء، مما يساعد في تخفيف العبء القانوني والمالي على الدولة، وتقليل فترات التقاضي الطويلة، وتسريع عملية بناء السلام والمصالحة الوطنية، والوصول إلى السلم الأهلي المستدام.”
تحديات المحاكم الشعبية
بالرغم من مزاياها، إلا أن هناك تحديات رئيسية قد تعيق نجاح هذه المحاكم، أبرزها مدى قبول المجتمع بقراراتها واحترام الأطراف المتورطة لها، خصوصًا في ظل استمرار البعض في إنكار مسؤوليتهم عن الجرائم.
إضافة إلى ذلك، تبرز مسألة شرعيتها القانونية والدولية، إذ قد لا يعترف بها النظام القضائي الرسمي أو الجهات الفاعلة الدولية، مما قد يؤثر على فعاليتها. كما أن هناك خطرًا من تحولها إلى أداة للانتقام بدلاً من تحقيق العدالة، مما يتطلب وضع معايير واضحة وإشراف مستقل لضمان نزاهتها.
ولا تعتبر المحاكمات الشعبية بديلاً كاملاً للعدالة الرسمية، لكنها أداة فعالة لتحقيق العدالة الانتقالية عندما يكون النظام القضائي غير قادر على معالجة حجم الانتهاكات. ففي الحالة السورية، يمكن أن تشكل هذه المحاكم جزءًا أساسيًا من عملية المصالحة، بشرط أن تحظى باعتراف رسمي وشعبي، وأن تتم وفق معايير واضحة تمنع تحولها إلى سلاح انتقامي.
وتتفق المحامية لانا دويري، وهي طالبة دكتوراة باحثة في القانون الدولي، ما ذهب إليه السيد شاوردي على أن المحاكمات الشعبية هي سلاح ذو حدين وخاصة إذا كانت بأيادي غير خبيرة بالقوانين والأنظمة، خصوصًا في سياقات ما بعد النزاعات أو الأنظمة الاستبدادية. لأنها سوف تشكل من نوع من الانتقام والتشفي، وسوف يكون لتأثير العاطفة دورها في نطق الأحكام.
وتقول دويري لـ”نون بوست”: “لا أظن أنها تحقق العدالة بمعناها الصحيح، وإنما ستكون أقرب إلى التشفي والثأر.”
وتستدرك: “يمكن أن تسهم المحاكمات الشعبية في محاسبة الجناة وكشف الحقائق، مما يساعد الضحايا وعائلاتهم على الحصول على نوع من العدالة. كما قد تسهم في زيادة الوعي حول انتهاكات حقوق الإنسان، مما قد يساهم في منع تكرار تلك الانتهاكات في المستقبل. فالجاني والظالم سينال عقابه، لأن عدالة السماء آتية لا محالة.”
وترى المحامية أنه قد يترتب على المحاكمات الشعبية غياب الضمانات القانونية، إذ إنها في كثير من الأحيان لا تتمتع بالمعايير القانونية اللازمة، مما قد يؤدي إلى ظلم الأفراد.
كما قد تكون هذه المحاكمات أكثر إقصائية وانتقامية، مما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام في المجتمع إذا تم استخدامها لأغراض سياسية أو انتقامية. إضافة إلى ذلك، تعاني المحاكمات الشعبية من عدم القدرة على التعامل مع التعقيدات في الجرائم المركبة، مما يجعل الوصول إلى حكم عادل أكثر صعوبة.
حيث من الممكن لهذه المحاكمات أن تأخذ جانب الانتقام من خلال عدم وجود هيئات دفاع عن المتهمين من جهة. أو تقع تحت ضغط الشارع المنفعل من جهة أخرى. كما أنها لا تملك أدوات حماية شرعية سوى الالتزام الأخلاقي الذي يحكمها.
تعقيدات الوضع السوري
الوضع في سوريا معقد للغاية، فبعد سنوات من النزاع، تبرز رغبة قوية في تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. ومع ذلك، فإن التحديات الراهنة، بما في ذلك الانقسام السياسي والصراع المستمر، تجعل تنفيذ محاكمات شعبية فعالة أمرًا صعبًا.
قد تظهر محاولات مجتمعية لتحقيق العدالة، إلا أنه من الضروري أن تتم هذه المحاولات وفق معايير تحترم حقوق الإنسان وتضمن العدالة للجميع، ويتطلب ذلك توازنًا دقيقًا بين تحقيق العدالة والمصالحة، بحيث يتم إسناد هذه العملية إلى جهات مؤهلة تتمتع بالكفاءة والخبرة، مع مراعاة الأبعاد القانونية والأخلاقية لهذه المحاكمات.
لذلك، فإن تشكيل محاكم خاصة يديرها قضاة وخبراء قانونيون مؤهلون، وعقد محاكمات علنية لمجرمي الحرب، يُعد الوسيلة الأكثر فاعلية لضمان تحقيق العدالة بعيدًا عن التشفي والانتقام.
ومنذ سقوط نظام الأسد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز هذه المحاكمات، حيث أصبحت وسيلة لاعتمادها وانتشارها.
في الآونة الأخيرة، برزت حالتان يمكن اعتبارهما نماذج لهذا النوع من المحاكمات، والتي قد تُوصف بأنها عدالة بديلة، سواء كانت عدالة انتقائية، عدالة دعائية، أو حتى عدالة تُرضي تطلعات الجمهور المتابع.
ومن منظور إيجابي، قد تسهم هذه المحاكمات في تهدئة الاحتقان الشعبي في سوريا، كما تمنح الشعور للمظلومين بوجود نوع من تكريس العدالة. إضافة إلى ذلك، قد تساعد في تقليل التوترات بين الأطراف المختلفة، لا سيما تلك التي عانت من ظلم النظام السوري.
وعلى الرغم من أن هذه المحاكمات قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى، سواء تمت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في اللقاءات المباشرة في الشارع، إلا أن لها تأثيرًا إيجابيًا ملموسًا على المجتمع.
الحالة الأولى هي لقاء أحد النشطاء مع المفتي العام السابق للنظام السوري، أحمد حسون، حيث وصفه الناشط بمفتي النظام “البراميل”، مما تسبب في ارتباك واضح لدى أحمد حسون.
كانت المحاكمة سريعة جدًا، لم تستغرق سوى دقائق أو حتى ثوانٍ، لكنها نجحت في إسقاط شخص كان يشغل يومًا ما منصبًا رفيعًا ويُطلق التهديدات، ليجد نفسه فجأة في موقف الدفاع عن النفس.
هذه المحاكمة لم تتضمن إهانات مباشرة ولا أحكام قضائية، لكنها في الوقت ذاته كانت كفيلة بإرضاء الشارع، وتساهم في جعل المجتمع أكثر هدوءًا واستقرارًا من خلال تخفيف حالة الاحتقان، مما يقلل بدوره من اللجوء إلى تحقيق العدالة بوسائل عنيفة أو خارج إطار القانون.
أما الحالة الثانية، فتمثلت في موقف الناشط أبو بكر القاسم خلال إحدى جلسات المجتمع المدني، حيث كان أحد الحاضرين يتحدث عن المضايقات التي تعرض لها بعض الأفراد في ظل السلطات الجديدة، إلا أن ما تكشّف خلال النقاش هو أن هذا الشخص نفسه كان من مؤيدي النظام السابق وسياساته القمعية ضد السوريين.
هذه المواجهة لم تكن محاكمة بالمعنى التقليدي، بل كانت مكاشفة أقرب إلى المحاكمة المجتمعية، حيث تم الكشف عن ماضيه ودوره في دعم النظام السابق.
مثل هذه الحالات تساهم في تفكيك منظومة دعم النظام القديم، وعزل الأفراد الذين ارتبطوا به، مما يؤدي إلى تخفيف حالة الاحتقان الشعبي وإبعاد الشخصيات التي كانت جزءًا من تلك المنظومة.
لا نستطيع الحكم عن نجاح أو فشل هذه المحاكمات الشعبية لأنها لاتزال في بدايتها كتجربة ولم يمض عليها زمن، لكن من المؤكد أنها نجحت نوعاً ما في تنفيس احتقان الشارع وتهدئته من خلال إحساسه بأن نوعاً من العدالة مهما كان صغيراِ لكنه قد تحقق.
ختاما.. المحاكمة الشعبية تهدف إلى عزل من تورط في الإجرام أخلاقيًا دون إصدار أحكام قاسية، جنائية، أو قضائية قد تؤدي إلى تعقيدات قانونية أخرى. طالما أن هناك أدلة تدعم هذه المحاكمات، دون توجيه اتهامات مباشرة تمس الشخص أخلاقيًا أو قانونيًا بشكل مجاني، فإنها تبقى في إطار الكشف عن مواقفه السابقة.
يركز هذا النوع من المحاكمات على استعراض مواقف الأفراد، خاصة فيما يتعلق بعلاقتهم مع النظام القمعي، مما يسمح للمجتمع بتقييم دورهم دون اللجوء إلى العقوبات القانونية التقليدية.