يبدو أن الهزة التي تعرض لها سوق النفط العالمي جرّاء التفجيرات التي استهدفت معملين لشركة أرامكو السعودية قبل أيام وتسببت في قفزة في أسعار المادة الخام بصورة لم تصل إليها من 30 عامًا تقريبًا سيكون لها ارتدادات عكسية على العديد من اقتصاديات الدول من بينها مصر.
عدد من الخبراء ذهبوا إلى أن القفزة في الأسعار ستنعكس على الموازنة العامة للدولة المصرية لاسيما بند دعم المواد البترولية والذي يرجح أن يتأثر بصورة كبيرة، هذا بخلاف ما يمكن أن يترتب عليه من إجراءات من شأنها أن تزيد من معاناة المواطن العادي حين يجد نفسه مضطرًا لقبول موجات جديدة من ارتفاع الأسعار بدعوى ربط المواد البترولية بالسعر العالمي وهو المبرر الذي ساقته الحكومة المصرية في زيادتها الأخيرة للبنزين والسولار.
وكانت وزارة المالية المصرية قد خفضت من المخصصات المالية المقررة لدعم الطاقة في موازنتها العامة لهذا العام 2019/20120، حيث تم ترشيد المبلغ المخصص لدعم «المواد البترولية، والكهرباء» ليصل إلى نحو 57 مليار جنيه بما يعادل 17.4 من حجم الموازنة، بدلاً من 97.5 مليار جنيه الذي كان يعادل 50% من إجمالي الدعم في ميزانية 2014/ 2015، وهو ما قد يزيد من تأزم الموقف.
تأثير التفجيرات الأخيرة ربما يكلف الموازنة المصرية ما يزيد عن 20مليار جنيه كرقم أولي في ضوء المستجدات التي شهدها سوق النفط خلال اليومين الماضيين
ارتباك السوق العالمي
تسببت التفجيرات في ارتفاع أسعار النفط بنسبة وصلت في بداية الأسبوع إلى 20% وهي النسبة التي تم تتحقق منذ 1988، فيما وصلت العقود الآجلة لخام برنت إلى 71.95 دولار للبرميل في أكبر مكسب منذ 14 يناير 1991، هذا في الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى استمرار موجات الزيادة.
الشركة السعودية أكدت أن تعطيلها الجزئي تسبب في خفض إنتاجها من النفط بنحو 5.7 مليون برميل يوميًا، أي ما يعادل نصف انتاجها الإجمالي من المادة الخام، وهو ما يعني فقدان المعروض في السوق العالمي بنسبة 5% تقريبًا إذ يمثل النفط السعودي قرابة 10% من إجمالي هذا المعروض.
ومع ما يثار بشأن استمرار هذه الأزمة لعدة أشهر وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن مسؤولين سعوديين، فإن الأزمة تتعاظم في ظل الصعوبة في تعويض هذه النسبة الكبيرة من الفاقد الذي تسبب فيه عطل أرامكو، ما دفع العديد من الدول إلى البحث عن بدائل، على رأسها اللجوء إلى الاحتياطي الإستراتيجي وزيادة نسب الإنتاج للدول الكبرى.
تفجيرات أرامكو أحدثت هزة كبيرة في أسعار النفط العالمي
تأثر الاقتصاد المصري
وزارة المالية في إعدادها لموازنة هذا العام اعتمدت متوسط سعر برميل النفط عند حاجز الـ 68 دولارًا، بحسب البيان المالي، فيما أشارت التقديرات الحكومية أن كل زيادة في سعر البترول بدولار واحد ستكلفها 4 مليارات جنيه إضافية في دعم المواد البترولية، وهو ما يعني أن الزيادات الجديدة في أسعار البترول العالمية ستؤدي لزيادة عجز الموازنة.
الحكومة المصرية وجدت نفسها في مأزق جديد، إذ تأتي الزيادات الحالية في سعر النفط العالمي في الوقت الذي تسعى فيه القاهرة لإنهاء ملف دعم الوقود طبقًا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، وبنسبة 40% خفضت الحكومة دعم المواد البترولية في مشروع الموازنة الحالية أي ما قيمته 36.112 مليار جنيه.
هذا الإجراء يهدف إلى خفض عجز الموازنة إلى 7.2% خلال العام المالى الحالي، مع الحفاظ على تحقيق فوائض أولية نسبتها 2% من الناتج المحلى الإجمالى، غير أن القفزة في الأسعار والمتوقع أن تستمر لفترة ليست بالقصيرة ربما يؤثر بشكل كبير على ما هدفته إليه الحكومة من وراء سياسة الترشيد المتبعة.
في عام 2017 ذكر الجهاز أيضًا أن 27% من سكان مصر لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، ويقع 30 مليون مصري تحت خط الفقر وفق الإحصائيات الرسمية للعام الماضي
الخبير الاقتصادي أسامة عبدالمجيد، أشار إلى أن تأثير التفجيرات الأخيرة ربما يكلف الموازنة المصرية ما يزيد عن 20مليار جنيه كرقم أولي في ضوء المستجدات التي شهدها سوق النفط خلال اليومين الماضيين، لافتًا أن الأمر لو أستمر على هذا المنوال فربما يتضاعف التأثير.
وأشار الخبير المصري في حديثه لـ “نون بوست” إلى أن التأثير لم يقتصر على الموازنة العامة وفقط، بل إن سوق المال والأعمال تأثر هو الأخر بدوره، وهو ما تكشف عنه أرقام المعاملات في البورصة والتي شهدت تراجعًا في كثير من التعاملات متأثرة بالهزة القاسية في سوق النفط العالمي.
كما أعرب عن تفاؤله بشأن التصريحات الصادرة عن وزارة النفط السعودية والتي تشير إلى استعادة نسبة طفيفة من الفاقد في الإنتاج خلال الساعات القليلة الماضية، منوها إلى أنه في حال صحة هذه الأنباء فإن الأمر ربما يمكن السيطرة عليه بأقل الخسائر، محذرًا من أن تكون مثل هذه التصريحات لطمأنة السوق وامتصاص رد الفعل السلبي، كونها ستزيد الوضع تأزمًا وفقدان للثقة في المنتج السعودي حال تم تكذيبها، على حد قوله.
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي
معاناة جديدة
في يوليو الماضي، وحين أقرت الحكومة الموجة الأحدث من زيادة أسعار الوقود والتي ترواحت نسبتها من 16 إلى 30%، حيث ارتفع سعر البنزين 92 أوكتين إلى 8 جنيهات (بنسبة بلغت 18.5%)، والبنزين 80 أوكتين إلى 6.75 (حوالي 22.7%)، والبنزين 95 أوكتين إلى 9 جنيهات (حوالي 16.1%)، كشفت أن الأسعار الجديدة ستخضع للأسعار العالمية.
ومن ثم حالة من الترقب تخيم على الشارع المصري الأن خشية تعرض أسعار الموارد البترولية إلى زيادات جديدة تتزامن وبدء موسم الدراسة، وهو ما يعني قفزة جديدة في منظومة السلع والخدمات المقدمة، الأمر الذي سينعكس سلبًا على معدلات التضخم التي ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر وإن تراجعت في الأشهر الأخيرة في الوقت الذي ينتاب البعض تخوفات معادوة الارتفاع مرة أخرى.
الفارق الكبير بين خطوات الزيادة في أسعار السلع والخدمات والقيم الشرائية الفعلية للرواتب والأجور يجسد حالة الهشاشة التي بات عليها المجتمع المصري، الذي يتصاعد منحى الفقر فيه بصورة جنونية منذ قرار تعويم العملة الوطنية “الجنيه” في 2016 وحتى الأن.
فوفقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد بلغت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر 27,8%، بحسب بحث الدخل والإنفاق لعام 2015، وفي عام 2017 ذكر الجهاز أيضًا أن 32.5% من سكان مصر لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، ويقع 30 مليون مصري تحت خط الفقر وفق الإحصائيات الرسمية للعام الماضي، وأن متوسط دخل الأسرة المصرية يبلغ 45 ألف جنيه سنويًّا، بينما متوسط دخلهم الشهري 3750 جنيهًا، تزامنًا مع ذلك زيادة مرتفعة للأسعار ومعدل التضخم السنوي بنسبة 12,9% في مايو 2017، كما ارتفعت الأسعار إلى 188,9 نقطة مقابل 182,8 نقطة خلال أبريل 2017.