عندما يخرج النفط عن وصفه وقودًا يخدم الإنسان، ليكون وقودًا لإشعال الخلافات في هذا العالم الذي يتنافس على منابع هذا المعدن الراكد تحت الأرض، سترى حوله عالمًا متناحرًا مضطربًا لا يعرف الركود ولا الهدوء.
صراعٌ يحتدم مجددًا بين بغداد وأربيل بشأن عائدات النفط الذي ينتجه الإقليم ومديونية كل طرف للآخر، وفيما تؤكد بغداد أن إنتاج الإقليم يصل إلى أكثر من 500 ألف برميل يوميًا، تتهمه بالتنصل عن اتفاقه وتكشف عدم وصول نصيب المركز من جني ثمار الإقليم إلى الحكومة الاتحادية، فيما تُخرِج أربيل ما في جعبتها من مبررات بتأكيدها أن الحكومة العراقية مدينة لحكومة الإقليم بـ80 مليار دولار.
ورغم وجود اتفاق بين أربيل وبغداد يقضي بإشراف شركة “سومو” على عمليات تصدير النفط العراقي من حقول الإقليم إلى الخارج، مقابل تمرير مرتبات موظفي الإقليم وإدراجها ضمن مشاريع التنمية في الموازنة الحاليّة، فإن الإقليم لم يسلم ملف نفطه إلى بغداد.
أزمة مالية تثقل كاهل الموازنة
الأزمة بين أربيل وبغداد مالية بالدرجة الأساس، وها هي تلقي بأحمالها على كاهل الموازنة الاتحادية المنهك، وفي هذا الإطار يقول عضو مجلس النواب العراقي حازم الخالدي: “قانون الموازنة ألزم أربيل بتصدير نحو نصف نفطها عبر شركة سومو الوطنية وعدم الالتزام بتطبيق هذه الفقرة ترتبت عليه آثار مالية كبيرة”.
عضو مجلس النواب هريم كمال آغا أكد “وجود قضايا عدة تعقد العلاقة بين أربيل وبغداد، من ضمنها المادة 140 وبعض القوانين المتضاربة”، موضحًا أن الزيارات المتبادلة بين الجانبين تأتي لحلحلة وإنهاء الخلاف بشأن الملفات العالقة
ويصدر الإقليم بين 400 و500 ألف برميل يوميًا، لكن النائب الخالدي يؤكد في تصريح لـ”نون بوست” أن “الرقم المعلن لتصدير نفط إقليم كردستان يصل إلى أكثر من 250 ألف برميل يوميًا أي ما يعادل 6 مليارات دولار سنويًا”، وعلى أربيل أيضًا أن تدفع الإيرادات الناتجة عما تبقى إلى الموازنة الفيدرالية.
اتفاقيات على الرفوف يعلوها الغبار
عضو مجلس النواب هريم كمال آغا أكد “وجود قضايا عدة تعقّد العلاقة بين أربيل وبغداد، من ضمنها المادة 140 وبعض القوانين المتضاربة”، موضحًا أن الزيارات المتبادلة بين الجانبين تأتي لحلحلة وإنهاء الخلاف بشأن الملفات العالقة.
ويضيف النائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني في حديثه لـ”نون بوست” أن “الاتفاقيات بين الحكومة الفيدرالية والإقليم تحتاج إلى تنفيذ لزيادة الثقة بينهما”، فيما أوضح أن قطع الرواتب والموازنة في السنوات الماضية من بغداد ترتب عليه قروض هائلة على الإقليم، وهو الآن بحاجة إلى مساعدة الحكومة العراقية لإنهاء هذه القضية.
أربيل تغازل عبد المهدي.. “شخصية مرنة”
اتهامات تُوجَّه إلى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بوقوفه وتراخيه إزاء ملفات مصيرية مهمّة مع الكرد، إذ يستغل الإقليم ذلك فيه حين عرف من أين تؤكل الكتف، ويترجم كمال آغا ذلك بقوله: “إنه شخصية بارزة ومهمة ويتمتع بالمرونة والتفاهم”.
بعد مضي أكثر من عقد من السنوات، لم تَجْنِ بغداد كل محصولها من حقها في نفط الإقليم، وتصل سلتها من الشمال شبه خاوية
موازنات
سلسلة من التحديات تحيط بعنق الموازنة في العراق كل عام، إذ تؤكد تقارير محلية أن نسبة العجز في موازنة العام المقبل تصل إلى أكثر من 70 ترليون دينار عراقي، غير أن اللجنة المالية في البرلمان قالت إن المبلغ مبالغ فيه ومن السابق لأوانه الحديث عن هذه القضية.
وبعد مضي أكثر من عقد من السنوات، لم تَجْنِ بغداد كل محصولها من حقها في نفط الإقليم، وتصل سلتها من الشمال شبه خاوية. وقد كشف عضو مجلس النواب يوسف الكلابي في مؤتمر صحفي تابعه “نون بوست” أن “الأموال المستلمة من حكومة الإقليم منذ عام 2005 حتى عام 2016 بلغت 89 ترليون دينار عراقي، بالإضافة إلى استيلائه على نفط كركوك في 11/6/2014 حتى 18/10/2017، حيث تقدر أموال تصدير النفط خلال هذه الفترة بـ25 ترليون دينار عراقي”.
حسابات الإقليم
وأَضاف الكلابي “عائدات المنافذ الحدودية قدرتها هيئة المنافذ من ثمانية إلى عشرة ترليونات دينار سنويًا عدا أموال الضرائب والرسوم”، فيما اتهم الإقليم بالامتناع عن تدقيق الحسابات، مما دفع ديوان الرقابة المالية إلى رفع دعوى قضائية بحق الإقليم.
يعتزم البرلمان العراقي إقرار قانون النفط والغاز خلال الدورة النيابية الحاليّة لضمان حقوق جميع أبناء الشعب العراقي والمحافظات النفطية المنتجة بحسب ما أورده الموقع الرسمي للبرلمان
80 مليار دولار لأربيل بذمة بغداد
تأتي تصريحات الكلابي ردًّا على المتحدث باسم حكومة الإقليم جوتيار عادل الذي كشف خلال مؤتمر صحفي حجم مديونية الحكومة العراقية لأربيل، إذ قال إنها تصل إلى نحو 80 مليار دولار، وسيتم التباحث مع بغداد بشأنها.
ويعتزم البرلمان العراقي إقرار قانون النفط والغاز خلال الدورة النيابية الحاليّة لضمان حقوق جميع أبناء الشعب العراقي والمحافظات النفطية المنتجة بحسب ما أورده الموقع الرسمي للبرلمان، فيما تبرز دعوات لاستجواب وزيري المالية والنفط على خلفية عدم التزام أربيل بقانون الموازنة للعام الحاليّ.
وفي خطوة لحل الأزمة والتوصل إلى حل يرضي الطرفين بحث رئيسا الجمهورية والبرلمان برهم صالح ومحمد الحلبوسي مع القادة الكرد ملف موازنة 2020 والقضايا العالقة والمناطق المتنازع عليها بين المركز والإقليم، على أن يعقبها زيارة وفد فني كردي لبغداد في إطار مساعي إيجاد حلول للمسائل العالقة بين بغداد وأربيل، وخاصة ملف النفط.