“أن تطلق لسانك بالسباب والشتائم، كأن تضغط على بوق سيارتك، يمكن أن يكون له العديد من الدوافع، وأن يكون محملًا بمشاعر مختلفة، كالغضب أو الضيق أو الفرح أو المفاجأة” تيموثي جاي 2009.
نظريًا لن تجد من لم يستخدم ألفاظًا نابية ولو لمرات معدودة في حياته، فتشكو الأمهات من استخدام أطفالها لكلمات سيئة عند الحديث أو الشجار مع أقرانهم، أو ساخطين في وجوه آبائهم أو حتى ضاحكين معهم، وتكون النصيحة الأولى للأم أن تتجنب تركه في بيئة تستخدم السب في تعبيراتها، ومهما بالغت الأم في حماية ابنها في سنين عمره الأولى، فسوف تضطر أن تتركه في النهاية يواجه مجتمعات أخرى تسب بالضرورة وربما تستخدم بعض الألفاظ غير اللائقة في أحاديثها. تعرف الألفاظ السيئة والألفاظ المحرمة عندما ينهرك والداك عنها، وفي الحقيقة فقد أخبرهما والداهما أيضًا نفس الأمر عندما كانا في سنك.
في دراسته المنشورة بمجلة رابطة العلوم النفسية يقول جاي إن المسبات كما يراها ويسمعها حوله يمكن أن تقسّم لمسبات جنسية أو دينية أو أن تكون تشبيهات بأشياء مقززة أو النعت بأسماء الحيوانات أو الإصرار على شتم الأسلاف والمعايرة بهم، وبالطبع الكلمات الدارجة التي اصطلح على كونها ألفاظًا خادشة للحياء.
يتوقف اختيار نوع اللفظ بداية على حسب المجموعة الموجود بها الإنسان في اللحظة التي تخرج فيها الكلمة من فمه، فاللغة التي تستخدمها مع الأصدقاء مختلفة عن اللغة التي تستخدمها مع زملاء العمل وكذلك مع التي تستخدمها مع أولادك أو معلميهم في المدرسة، تبعًا لما يفرضه السياق الاجتماعي في كل حالة وحسب الحالة النفسية والشعورية أيضًا.
لغة أخرى لشتائم بوقع ألطف؟
تعد المسبات الجنسية والمصنفة جندريًا من التابوهات المتفق عليها عند جميع الناس تقريبًا، إلا أن الأمر في النهاية يخضع لكل مجتمع على حدة في تحديد تابوهاته الخاصة، ويختلف استخدام المسبات والشتائم وكلمات وأصوات الاعتراض من طبقة مجتمعية لأخرى في نفس النطاق الجعرافي مثلاً.
كما نلاحظ في بعض المجتمعات أن استخدام بعض الألفاظ المعروفة بكونها مسبات واضحة وتعبيرات جنسية، يتم بأريحية أكثر إذ استخدمت لغة غير اللغة الأم، فالحرج المصاحب لاستخدام الـ(F word) مثلًا لا يقارن إذا حاولت استخدام نظيرتها العربية، كما أن السياقات غالبًا مختلفة تمامًا، من سياق اندهاش أو غضب مع الأولى متأثرًا بالترجمة الأشهر لها في الأفلام الأجنبية بـ(تبًا)، لسياق مهين وصادم في الثانية ومقتصرًا على الفئة الأكثر جرأة وانفتاحًا من ناحية أو الأقل اجتماعيًا من أخرى.
كان من المعتاد أن نربط السباب بالغضب، وأن يكون العذر لمن تطاول باللفظ دومًا أن: “سامحني والله كنت متعصب”، ولكن الأمر لا يقف أبدًا عند هذا الحد
توضح كاثرين كالدويل – هاريس بروفيسور السيكولوجي بجامعة بوسطن أن السبب في سهولة استخدام الكلمات الخادشة بلغة ثانية، هو الانفصال العاطفي، فعند الكلام تعمل الكلمات كأزرار تضغط على الذاكرة، فلا يخرج الكلام منا كلمة كلمة، ولكننا نرسم المعنى والسياق كما تعلمناه من اللغة التي نستخدمها، لأن اللغة والثقافة مرتبطين بشكل وثيق، فكلما استخدمنا كلمة منفصلة عن سياقها الثقافي في أدمغتنا، كلمة بلا ذاكرة محفورة بداخلنا، تمر هذه الكلمة على لساننا مرورًا أجوف بلا أي معنى حقيقي، فكما لا نقدر أن نعبر عن الحب بصدق بلغة لا نتقنها ولم نقرأ بها، من الصعب أن نشعر بالحرج عند السب بلغة لم نشتبك بها في شجار واحد على الأقل.
كيف تُخلق المسبات
كان من المعتاد أن نربط السباب بالغضب وأن يكون العذر لمن تطاول باللفظ دومًا أن: “سامحني والله كنت معصب”، ولكن الأمر لا يقف أبدًا عند هذا الحد، فعندما نتكلم عن إدراج الكلمات النابية والتابوهات في اللغة اليومية فيمكننا أن نرى دوافع مختلفة للأمر، سواء اتفقنا معه أم اختلفنا.
الدافع النفسي وراء استخدام كل لفظة يعطيها دورًا لسانيًا لا يمكن إغفاله، ولعل من أوضح الأمثلة استخدامًا هنا هو السباب الواصف للأم، فأن تسب فلانًا واصفًا أمه أو أحد أعضائها، لا يعني أبدًا أنك تقصد والدته تحديدًا أو بعينها، ولا المعنى الحرفي لما تقول، ولكن المعنى المقصود هو الإيذاء النفسي الكامل واستثارة غضب المتحدث إليه.
يختار الناس الألفاظ النابية لتأطيرها ووضعها في تابو أخلاقي تبعًا لعدة عوامل، اسرح بمخيلتك، كم لفظًا نابيًا فريدًا في معناه الحرفي ولا يؤدي معناه غيره؟ تقريبًا لا يوجد
يختلف هذا الأمر باختلاف الثقافة واللغة طبعًا، فلكل مجتمع كما اتفقنا تابوهاته الخاصة، فيؤخذ الحديث المُطَعَم بالسباب البذيء بمحمل جاد أكثر من الحديث العادي الهادئ، ربما لكونه يحمل في أعماقه معنى الغضب، أو لأنه الأسلوب الجاذب للانتباه والمختلف، فالناس عادة لا تلتفت لما يحدث كل يوم، كأن يكتب أحدهم مقالًا أو ينشر حالته على وسائل التواصل الاجتماعي التي تبين كم هو غاضب أو محبط، ولكن الفضول سيدفعك لمرة على الأقل أن تسمع للمختلف، تسمعه للنهاية ووقتها تقرر كيف ستتفاعل مع حديثه، ولكنه نجح في أن يستميلك ويُسمعك رسالته، ولو لمرة.
يختار الناس الألفاظ النابية لتأطيرها ووضعها في تابو أخلاقي تبعًا لعدة عوامل، اسرح بمخيلتك، كم لفظًا نابيًا فريدًا في معناه الحرفي ولا يؤدي معناه غيره؟ تقريبًا لا يوجد، فهل كل الألفاظ المؤدية لذات المعنى تعد تابوهًا أخلاقيًا؟ لا.. يختار الناس الكلمات الأصعب في النطق وغير المعتاد مقاطعها في اللغة الدارجة، وربما التي تمتاز بأصوات غليظة وخشنة للسباب، ويتوارثون هذا التمييز مع الزمن.
الوجه الآخر للبذاءة
لا شك أن دماثة الخلق واللسان الطيب أقرب للصورة الأكمل للإنسان الصالح عن صاحبه صاحب اللسان “الفالت”، لكن ربما يكون للعلم رأي آخر هنا، إذ يجادل البعض أن إطلاقك للألفاظ النابية يطلق الأدرينالين في جسدك ويحرر مشاعرك ويخلصك من التوتر.
للكلمة عامة قوة لا يمكن أن تدرك كلها، بالكلمة تؤثر وتجادل وتعلن عن نفسك، وللشتم قوة أكبر لكونه قادرًا على إنهاء أي نقاش ولا يمكن أن تزيد عليه، فالمناقشات والسجالات تأخذ ساعات طويلة، ولكن كلمة واحدة واصفة أم الطرف الآخر كفيلة بغلق الباب للكلام على هذه الصورة، أحدهم له حجة ولن يستطيع أبدًا إثباتها لأنه لا يملك من المصطلحات ما هو أقوى مما قد استخدمه خصمه بالفعل، أو لأنه شخص يستحي من الحديث بهذه الصورة.
كم منا يسأل نفسه الآن ماذا يعني حقًا التحرر من الصور النمطية التي يفرضها علينا المجتمع؟ هل يعني هذا أن تخلع ملابسك وتخرج رافضًا كل ما يضايقك وتملأ الدنيا سبابًا صادمًا؟ في النهاية ليست كل الشخصيات قادرة على هذا الفعل، لكن لو كنتَ ترغب في تجربة وقع الكلمات السيئة على قلبك والأدرينالين الخاص بك، وما يستجلبه التلفظ بها من مشاعر، دون أن تخرج بكل هذه الغرائبية على العامة، يمكنك أن تضم لمكتبتك كتابًا به 50 كلمة نابية للتلوين، مكتوب على غلافه “إفراغ الغضب والتحرر من التوتر”.. أتمنى لك تجربة ممتعة.