استضافت العاصمة الكينية نيروبي، الثلاثاء الماضي، فعالية أُطلق عليها اسم “مؤتمر تحالف السودان التأسيسي”، وكان من المفترض أن تتضمن توقيع وثيقة الإعلان السياسي لحكومة موازية تسعى لتشكيلها ميليشيا الدعم السريع في مناطق سيطرتها بشراكة مع حلفائها من قوى سياسية وحركات مسلحة انشقت مؤخرًا عن تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم).
وشارك في الجلسة الافتتاحية عدد من قادة الحركات المسلحة والقوى السياسية على رأسهم نائب قائد الدعم السريع عبد الرحيم دقلو ورئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، فضلًا عن إبراهيم الميرغني القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وأعضاء مجلس السيادة السابقين: محمد حسن التعايشي، الهادي إدريس، والطاهر حجر، بالإضافة إلى رئيس اللجنة القانونية بتنسيقية “تقدم”، أسامة سعيد.
كان من المنتظر أن يتم خلال الفعالية الإعلان عن الدستور الانتقالي للحكومة الموازية وهياكلها، إضافةً إلى الإعلان عن تشكيل جيش جديد يضم الحركات المسلحة والدعم السريع، إلا أنه تم تأجيل التوقيع للمرة الثانية إلى 21 شباط \فبراير الجاري لأسباب لم يتم الكشف عنها، فيما رجحت مصادر دبلوماسية أن يكون التأجيل بسبب احتجاج الحكومة السودانية وتلويحها بطرد السفير الكيني من البلاد وقطع العلاقات مع نيروبي.
رد فعل انتقامي
الباحثة في الشأن الأفريقي أمينة العريمي أرجعت تنظيم الفعالية في نيروبي إلى “رد فعل انتقامي” على تنامي وتيرة الدعم الشعبي للقوات المسلحة السودانية بعد نجاحها في بسط سيطرتها على معظم المناطق الاستراتيجية وقرب تحرير أراضي البلاد كاملة.
وأشارت العريمي في حوار مع مجلة ميدي الفرنسية إلى أن التحالف يواجه عدة عقبات أهمها تعالي الأصوات الوطنية في الداخل الكيني الرافضة لتوجه إدارة الرئيس “وليام روتو” في القبول بانعقاد حكومة موازية في السودان بقيادة مليشيا الدعم السريع من الأراضي الكينية، وهذا ما يفسر إلغاء المؤتمر الصحفي للدعم السريع في نيروبي في 13 كانون الثاني\يناير الماضي في آخر لحظة.
وأضافت أن إدارة الرئيس “وليام روتو” إن لم تكن مدركة لعواقب ما ستقدم عليه من استعداء السودان في هذا التوقيت الحرج من تاريخ الدولة السودانية فهناك مؤسسات كينية عريقة لها تاريخها الاستخباراتي والأمني في الشرق الإفريقي، ترى ما لا تراه المؤسسة الرئاسية.
وتوقعت الباحثة تأخير الإعلان عن حكومة السلام “المزعومة” مع احتمال أن يتم تنظيمه خارج كينيا بعد تنامي تيار وطني تدعمه بعض المؤسسات الأمنية الكينية منادية بضرورة الالتزام بالحياد الدبلوماسي وعدم التورط مع السودان.
مخاوف من تقسيم البلاد
ومن المتوقع أن يمثل تشكيل أي حكومة جديدة لإدارة المناطق الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع تحديًا للحكومة المعترف بها دوليًا والتي يقودها الجيش وتباشر أعمالها من مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.
ومنذ أن راجت الأنباء في الأشهر الأخيرة عن اعتزام الكيانات المتحالفة مع الدعم السريع إنشاء حكومة مشتركة، سادت المخاوف من احتمال مواجهة السودان خطرًا متزايدًا يتمثل في انقسام البلاد إلى سلطتين متنافستين، كما هو الحال في ليبيا واليمن.
وعبّر العديد من المراقبين والخبراء عن أن إنشاء حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع يهدد وحدة السودان ويزيد من حالة عدم الاستقرار، مما يؤدي إلى تفكك مؤسسات الدولة وتعميق الأزمة الإنسانية، حيث تتعطل الخدمات الأساسية، ويصبح من الصعب إدارة الموارد والتعامل مع المجتمع الدولي بشكل موحد.
كما أثيرت العديد من التساؤلات بشأن مقر الحكومة التي تعتزم مبليشيا الدعم السريع إنشائها في ظل التراجع المستمر الذي تشهده ميدانيًا منذ سبتمبر/أيلول الماضي بعدما انتقل الجيش السوداني من وضعية الدفاع إلى الهجوم، حيث تمكن من استعادة معظم مناطق وسط السودان في ولايتي سنار والجزيرة من قبضة الدعم السريع، كما واصل تقدمه غربًا في ولاية شمال كردفان، ويقترب حاليًا من فك حصار عاصمتها مدينة الأُبيّض.
وفي العاصمة الخرطوم التي كان من المفترض أن تكون مقرًا لسلطة الدعم السريع، تمكنت القوات المسلحة السودانية مؤخرًا من فك حصار المقر الرئيسي للجيش وسط الخرطوم للمرة الأولى منذ الحرب، كما تمكن الجيش من ربط مقر القيادة العامة مع سلاح الإشارة على ضفة النيل الأزرق.
تزامنًا مع تلك التحركات استعاد الجيش السوداني مصفاة البترول الرئيسية في البلاد التي تقع على بعد 80 كيلومترًا شمال الخرطوم، ثم أزال الدعم السريع من كامل أحياء مدينة بحري التي تقع شمال الخرطوم، كما أحرز الجيش تقدمًا في مدينة أمدرمان التي لم يتبق فيها لقوات حميدتي إلا جيوب صغيرة.
فيما تواصل قوات سلاح المدرعات انفتاحها على الأحياء المجاورة للمنطقة العسكرية حتى وصلت إلى مشارف وسط الخرطوم حيث تسعى للالتحام مع قوات سلاح المهندسين القادمة من أمدرمان والتي تتمركز في منطقة المقرن.
مشاهد لانفتاح الدروع نحو مناطق وسط الخرطوم والتوغّل في شارع الحرية والسيطرة على مباني الصندوق القومي للإمدادات الطبية والإنتشار بأبو حمامة وسوق وحي السجانة #السودان #القوات_المسلحة_السودانية #سلاح_المدرعات pic.twitter.com/RBa5g29Ld9
— الــدروع (@Droo3sd) February 17, 2025
وبناء على هذه المعطيات فإن العاصمة الخرطوم لن تكون مقرًا لسلطة الدعم السريع بأي حال من الأحوال فالمناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرة قوات حميدتي مثل أحياء شرق وجنوب الخرطوم يطوقها الجيش من حدود ولاية الجزيرة وشمالًا من القيادة العامة وقوات المدرعات، وشهدت هذه المناطق عمليات هروب لعناصر الدعم السريع وأسرهم والمتعاونين معهم من الخرطوم عبر جسر جبل أولياء.
كما أن دارفور، التي تعد معقل الدعم السريع ويسيطر على معظم مناطقها، ليست بعيدة عن مرمى الجيش والقوات المتحالفة معه، فقد تمكنت القوة المشتركة لدارفور بدعم من الجيش من إلحاق هزائم كبيرة بالميليشيا في الأشهر الأخيرة أبرزها الاستيلاء على قاعدة الزرق الاستراتيجية التي تقع على المثلث الحدودي بين السودان وتشاد وليبيا.
ومن المرجح أن يرسل الجيش السوداني تعزيزات عسكرية ضخمة إلى إقليم دارفور لتحرير مدنه، بعدما تفقد مساعد قائد الجيش السوداني الجنرال ياسر العطا قبل يومين، مع عدد من قادة الجيش متحرك “نمور الصحراء” المتجه إلى شمال دارفور لفك الحصار عن عاصمتها مدينة الفاشر ومن ثم الشروع في تحرير المدن الأخرى.
الفريق أول العطا في وداع متحركات نمور الصحراء لتحرير دارفور:
– الفاشر جوة .. المالحة .. مليط .. الكومة .. كُتُم .. الضعين .. زالنجي .. كاس .. دار أندوكا .. جوة جوة .. وفي دار أندوكا سنتلقى العزاء في شهداء الوطن عسكريين ومدنيين.
– رغم كل انتصاراتنا، ولكن لم يكتمل النصر بعد،… https://t.co/lfu7rMTBMQ pic.twitter.com/8UID9ZZClk
— Ahmad Shomokh (@ahmadshomokh) February 19, 2025
عمليًا يمكن للدعم السريع وحلفائه السياسيين اتخاذ دارفور مقرًا لسلطتهم في الوقت الحالي بسبب تحكمهم في منفذ أدري الحدودي مع تشاد، كما يمكنهم استخدام مطار نيالا الذي تصل للمليشيا عبره شحنات الأسلحة الإماراتية، لكنّ ذلك سيجعلهم في مرمى نيران الجيش خاصة الطائرات المقاتلة التي تستهدف مناطق سيطرة الدعم السريع بشكل متكرر.
لذلك يعتقد أن الخيار الأفضل لمقر سلطة الدعم السريع سيكون خارج البلاد خاصة كينيا أو تشاد فهما الأقرب لاستضافة الحكومة المرتقبة، وكلتاهما لم تعد تخفيان علاقتهما بالدعم السريع واستضافة قياداته.
دول قد تعترف بحكومة حميدتي
في وقت سابق، كشف رئيس حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، الهادي إدريس، عن ضمانات من عدة دول للاعتراف بحكومتهم المقرر إعلانها في الشهر الحالي.
وأوضح إدريس – وهو أحد قادة الحركات المسلحة المتحالفة مع الدعم السريع – أن الأموال التي تبرعت بها الإمارات مؤخرًا ستتسلمها حكومتهم وليس حكومة “بورتسودان” على حد تعبيره.
وأفاد بأن الحكومة الموازية، التي سمّاها بـ “حكومة السلام”، تعوّل على الموارد الذاتية، حيث ستبدأ في فتح المعابر والمجال الجوي فور إعلانها، مع الترحيب بأي دعم دولي.
وتعهدت الإمارات بتقديم 200 مليون دولار، وإثيوبيا بـ 15 مليون دولار، وكينيا بمليون دولار، لتعزيز جهود الاستجابة للوضع الإنساني في السودان، خلال مؤتمر نظمته أبو ظبي على هامش اجتماعات قمة الاتحاد الإفريقي.
ويتوقع أن تحظى حكومة الدعم السريع القادمة باعتراف من بعض دول الإقليم مثل الإمارات بدعوى التفاهم معها لإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب في مناطق سيطرتها بإقليم دارفور، كما ينتظر أن تنال اعترافًا مماثلًا من حلفاء أبو ظبي في المنطقة مثل تشاد وكينيا.
الخطة (ب) للإمارات
يرى الكاتب والمدون السوداني، محمد عبد الرحمن، أن جهود تشكيل حكومة في مناطق الدعم السريع هي الخطة (ب) للإمارات، كمرحلة لإعادة الكرّة للسيطرة على باقي السودان، ويتماشى ذلك مع تقسيمها الأخير للواجهة السياسية (تقدّم) لتعمل على عدة جبهات في الوقت نفسه.
ويضيف في حديث لـ”نون بوست” أن خطة الإمارات كانت سيطرة ميليشيا الدعم السريع على السُلطة في السودان بطريقة الانقلابات العسكرية الخاطفة المتبوعة بإعلان من الإذاعة/التلفزيون، لكن ليس الفشل في الاستلام الخاطف للسلطة وحده ما أدى للخطة (ب)، بل فشل المليشيا في تأمين أي مشروعية ومقبولية وسط المناطق التي احتلتها، وفشل كل الحكومات التي كونتها تحت مسمى “الإدارة المدنية” في النجاح في تنفيذ أي شكل مما تقوم به أي حكومة وأدناه ضبط الأمن وتسيير معاش الناس.
إضافة إلى ارتكاب الميليشيا والمرتزقة العابرين للحدود جرائم حرب وضد الإنسانية، حسب ما وثقته تقارير الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وفيديوهات الجُناة أنفسهم.
وحسب عبد الرحمن فإن “الأمر الآخر الذي يؤذن بفشل مشروع الحكومة الموازية متعلق ببنية الميليشيا كعصابة عائلية تجعل كل الملتحقين بحكومتهم موظفين لا شُركاء. يجمع كل هذا المحفل المال، ويغيب أي مشروع من أي نوع غير تعبئة الحسابات البنكية. ولعل هذا أحد أسباب قيام المحفل خارج السودان، حيث لا مخاطرة، رغم توفر مساحات شاسعة لم تزل تحت سيطرة المليشيا في ولايات دارفور”.
وتابع أن “مساحة الميليشيا على الأرض تتناقص كل يوم. ومقاومتها مستمرة في كل مكان، ولا شك سنرى قريبًا مزيد من انفتاح الجيش السوداني على مناطق جديدة في غرب السودان. وهنالك قوى اجتماعية كبيرة في دارفور تعارض وتقاوم مشروع (حميدتي/الإمارات) وأعلنت مرارًا عن وقوفها مع مشروع السودان الموّحد”.
وعن الدول التي يمكن أن تعترف بالحكومة الموازية توقع عبد الرحمن صدور مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في الفترة القادمة لقيادات أسرة آل دقلو مسبّبة بجريمة (الإبادة الجماعية)، وهو ما سيجعل الدول حتى التي تدور في الفلك الإماراتي متخوّفة من الاعتراف بحكومتهم بصورة رسمية، مشيرًا إلى أنّ ذلك الجزء من الصومال قد يعترف بهم (أرض الصومال)، وهو أمر غير ذي بال.
دول تضامنت مع السودان
قبل أن يتم الإعلان بشكل رسمي عن حكومة “الدعم السريع” أعلنت عدة دول مواقف متضامنة وداعمة للحكومة السودانية المعترف بها دوليًا.
وفي بيان لوزارة الخارجية القطرية أكدت الدوحة موقفها الثابت والراسخ في دعم وحدة واستقلال وسيادة وسلامة أراضي جمهورية السودان الشقيقة، ورفض أي شكل من أشكال التدخل في شؤونها الداخلية.
فيما جدد الصومال تأكيد موقفه الداعم لجمهورية السودان الشقيقة، مشددًا على التزامه الراسخ بوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه. وأكدت الحكومة الصومالية، في بيان صادر الأربعاء، أهمية احترام مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وفقًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
كما أعلنت وزيرة التكامل الأفريقي والشؤون الخارجية السنغالية يسين فال، عن دعم بلادها لحكومة وشعب السودان في الدفاع عن سيادته وحماية ووحدة أراضيه.
جاء ذلك خلال تقديم السفير عبد الغني النعيم عوض الكريم، الأربعاء، نسخة من أوراق اعتماده للوزيرة سفيرًا للسودان لدى السنغال.
ختامًا.. في ظل هذه التطورات المتسارعة، يبقى السودان عالقًا بين محاولات فرض حكومة موازية من قبل ميليشيا الدعم السريع، واستمرار جهود الجيش السوداني لاستعادة السيطرة على كامل أراضيه. وبينما تسعى الإمارات وحلفاؤها الإقليميون إلى ترسيخ واقع سياسي جديد يخدم مصالحهم، تواجه هذه المحاولات عقبات داخلية وخارجية، أبرزها المكاسب الميدانية للجيش السوداني، والرفض الشعبي، والتحفظ الدولي.