احتياطات كبيرة من الغاز الصخري تتربع عليها المملكة المغربية، مهد ذلك إلى بروزها كقوة اقتصادية في شمال إفريقيا، وتهافتت شركات أجنبية كبرى للتنقيب عن الغاز بمناطق مختلفة من البلاد بفضل عوامل الجذب، بدءًا من الاستقرار إلى الشروط المالية السخية، لكن على طرف النقيض، لا يُخفي خبراء البيئة قلقهم من تبعات بيئية جمة جراء التقنيات المستخدمة خلال عمليات التنقيب واستخراج الغاز.
حلم الانضمام إلى “أوبك”
يمتلك المغرب احتياطات من الغاز الطبيعي تقدر بـ1.44 مليار متر مكعب، وهو ما جعل هذه القوة الاقتصادية الجديدة تحاول الانضمام إلى مجموعة دول “أوبك” المصدرة للنفط، لكن هذا الاحتياطي لم يَكشف إلا عن حجم قليل منه، إذ أسفرت عمليات التنقيب مجتمعة عن الوصول إلى 10% من مجموع احتياطي الغاز الصخري، وعمل المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن على تقديم شروط استثمار جذابة للغاية لفائدة شركات التنقيب وإنتاج النفط والغاز.
خلال مرحلة التنقيب، تتحمل الشركات المتعهدة تكاليف عمليات الاستكشاف بنسبة 100%، دون أن يساهم المكتب الوطني للهيدروكربورات في أي نوع من التعويضات، علمًا أن وثيقة الترخيص بالتنقيب تنص على أن المكتب الوطني يعتبر شريكًا بنسبة 25%، فيما تستحوذ الشركات الأجنبية على 75% من العائدات.
يشهد الربع الأخير من 2019 إطلاق حملة جديدة للتنقيب عن الغاز الصخري في المغرب تستهدف 15 مليار قدم من الغاز، أعلنتها شركة “إس دي إكس إينرجي” البريطانية إذ ستقوم بحفر 12 بئرًا جديدًا، ومن المتوقع أن تستكمل عملياتها في النصف الأول من السنة المقبلة 2020.
مواقع التنقيب الخاصة بشركة “إس دي إكس إنرجي”
صدر هذا الإعلان إثر عمليات التنقيب الناجحة بين 2017 و2018، حيث أسفرت عن نجاح في اختبار 7 آبار من أصل 9 آبار محفورة، وبحسب بياناتها المالية، حققت الشركة المذكورة إيرادات بقيمة 12.4 مليون دولار في 2017، حيث تنتج 6 ملايين قدم مكعبة من الغاز يوميًا في المغرب، وتورد إمداداتها عبر خط أنابيب إلى عملاء صناعيين في مدينة القنيطرة (غرب البلاد).
تتجه مطامح “شاريوت” صوب اكتشاف الغاز في السواحل المغربية
الاختبارات الأولية للتنقيب عن موارد الطاقة في المياه المغربية التي أجرتها شركة “شاريوت” البريطانية أظهرت إمكانات تسويقية واعدة في منطقة التنقيب “اللوكوس” (شمال البلاد) التي تحتوي على كميات كبيرة من الغاز، وأكدت الدراسات الأخيرة أنه بإمكان الشركة البدء في استغلال الآبار البحرية الأربعة ابتداءً من العام 2020.
تستحوذ شركة “غولف ساندز” على مواقع مولاي يوشتى والغرب الجنوب والغرب المركز
أظهرت تقديرات شركة “ساوند إنرجي” تفاؤلاً كبيرًا بملايين الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي، التي من الممكن أن تكشفها عمليات التنقيب في البئر الـ10 في منطقة تندرارة (شرق المغرب)، ومن المؤكد أن هذه الآبار الشرقية ستؤدي إلى تقليص اعتماد المغرب على واردات الغاز من الجزائر، حسب تقديرات هذه الشركة البريطانية التي تتفاوض مؤخرًا مع المكتب الوطني للكهرباء والماء بشأن إبرام عقد باستغلال وتصدير وبتزود المكتب الوطني من كميات الغاز الذي سيتم إنتاجه من آبار تندرارة.
شريط فيديو ترويجي لـ”ساوند أنرجي” عن عمليات التنقيب بموقع تندرارة
حفر تقليدي آمن؟
تصريحات المكتب الوطني للهيدروكربورات تبعث نوعًا من الاطمئنان بشأن السلامة البيئية للتنقيب عن الغاز، حيث أكد أن التنقيب يهم الغاز الطبيعي وليس الغاز الصخري، وتعتمد تقنية استخراج هذا الأخير على التكسير الهيدروليكي للصخور، عبر الحفارات المتعددة الرؤوس والاستخدام الكثيف للطاقة والماء، لدفع الماء المعالج بمحفزات كيميائية خاصة تضغط رأسيًا وأفقيًا لتصل إلى تكوينات صخرية ممتدة إلى عمق يتجاوز 3 آلاف متر تحت سطح الأرض.
أفاد الخبير البيئي سفيان طويل أن التكسير الهيدروليكي يتطلب حسب التقديرات كميات من الماء تتراوح من 8 آلاف إلى 10 آلاف متر مكعب، “لكن بعد زيارتنا لموقع تندرارة لم نشهد أي عملية تكسير ولم نثبتها، كما أن صهاريج المياه المستعملة لا تتعدى 5 آلاف متر مكعب شهريًا، تشمل التنقيب وباقي الاستعمالات الأخرى كنظافة المعدات والشاحنات والآلات، وقد قمنا بمعاينة الكمية المستهلكة بواسطة عداد، فتبين أنها ليست تلك الكمية الكبيرة التي يتطلبها التكسير الهيدروليكي” وفق تصريح أدلى به الناشط البيئي لموقع “نون بوست”.
وتحدث الخبير عن خلاصات يوم دراسي ضم جمعية الجنوب الشرقي للتنمية التي يترأسها، والمكتب الوطني للهيدروكربورات بحضور مهندسين وممثلين عن الشركة وأساتذة جيولوجيا، “أكدوا أن عمليات التنقيب لا تستخدم تقنية التكسير بل تتم بطرق تقليدية آمنة”، وأضاف سفيان طويل أن شركة “ساوند إنرجي” تتحفظ على إعطاء تفاصيل عن ماهية المواد الكيماوية المستخدمة في التنقيب، “إذ يتم استعمالها في سرية تامة، فيما تجمع النفايات في حاويات ليتم إبعادها عن موقع التنقيب” على حد تعبير المتحدث.
“مواد سامة” تتستر عليها الشركة
“المواد الكيماوية يجري استيرادها عبر ميناء الناضور (البحر المتوسط)، وقد وقع حادث انقلاب شاحنة تابعة للشركة في الطريق إلى موقع التنقيب في تندرارة، وادعى السائق أنها مجرد مياه، وتبين بعد ذلك أنها ليست مياه بل مواد سامة” وفق تصريح أدلى به الناشط البيئي محمد بنعطا لموقع “نون بوست”.
وأبرز بنعطا أن الموقف الرسمي متذبذب بخصوص التنقيب عن الغاز “في غياب قانون واضح يمنع التنقيب عن الغاز الصخري، كما هو الشأن في فرنسا وبلغاريا وألمانيا”، مضيفًا أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد أول منتج للغاز الصخري تواجه الآن خطر تسرب الغاز إلى مياه الشرب وتلوت التربة والهواء، ومن سيدفع ضريبة الكارثة هم الشعب الأمريكي.
استنتج الخبير البيئي في حواره مع “نون بوست” أن التنقيب عن الغاز الصخري، يحمل بين طياته مخاطر ومخاوف قائمة على أساس علمي، “إذ تتسبب عمليات التكسير في توالي هزات أرضية بين 3 و4 درجات على سلم ريختر بالمناطق المحيطة بمواقع التنقيب.. نعم هناك علاقة وطيدة”.
المواد الكيماوية سر تتكتم عليه الشركات، يستطرد محمد بنعطا “أثبتت الدراسات أن شركات التنقيب تستخدم من 30 إلى 40 مادة كيماوية خطيرة على الطبيعة وصحة الناس، وهذه المواد إما سامة أو مسرطنة وقد تؤثر على الجنين في بطن أمه”، ووفق الخبير البيئي فهذه المعطيات مضبوطة بناءً على دراسات صادرة، في معظمها، عن جامعات أمريكية.
نجاح مزعوم.. وتريث رسمي
على عكس ما تروجه شركة “ساوند إنرجي”، لم تعط عمليات التنقيب إلى حدود الساعة نتائج كبيرة، حسب ذات الخبير، “لا وجود لكميات تجارية.. لقد توقف عدد كبير من العمال في موقع تندرارة، وتراجع ذلك النشاط والحماس وتغيرت لهجة اليوم الأول وتبخرت معها مطامح تصدير الغاز نحو الخارج”.
في أفق 2025، تقدر حاجيات المغرب من الغاز الطبيعي بـ5 مليارات متر مكعب، وتتوالى إعلانات الشركات العالمية عن اكتشافات عديدة لحقول الغاز الطبيعي مستعملة عبارات الاحتمال والافتراض في صياغة بلاغاتها الصحفية، لعلها تروج لنجاح مزعوم من أجل مضاعفة أرباحها في البورصة.
وتفضل كل من وزارة الطاقة والمعادن والمكتب الوطني للهيدروكربورات التريث والحذر من التأكيد الرسمي لهذه الاحتياطات، حيث نادرًا ما يتحدث المسؤولون الحكوميون عن هذه الاكتشافات، ويكون بذلك الموقف الرسمي مهدئا لحماس المتفائلين جدًا بالاحتياطات الكبيرة من الغاز الطبيعي.
مازال درس “أكذوبة نفط تالسينت” عالقًا في أذهان المغاربة، إذ أعلنت وزارة الطاقة والمعادن في صيف 2000 عن توافر احتياطات بـ1.5 مليار برميل شرق البلاد، ليتضح فيما بعد أن من حَبك هذه الخدعة هو مكايل كوستن رئيس شركة “لون سطار” التي كانت مكلفة بالتنقيب عن النفط في المنطقة، وزفت هذا “الخبر السار” إلى المغاربة من أجل مضاعفة أسهمها في البورصة.