“يسعدني إعلان أنني سأسمي روبرت أوبراين الذي حقق الكثير من النجاحات في منصب المبعوث الرئاسي الخاص بشؤون تحرير الرهائن في وزارة الخارجية، كمستشار جديد للأمن القومي. لقد عملت مع روبرت بجد ولوقت طويل، سوف يقوم بعمل رائع!”، هكذا سمى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستشاره الجديد خلفًا لجون بولتون الذي أقاله في الـ10 من الشهر الحاليّ.
وبإعلان اسم مستشار الأمن القومي الجديد يمكن لـ”أوبراين” مباشرة عمله بدءًا من اليوم، كون أن هذا المنصب لا يحتاج إلى تصديق مجلس الشيوخ، ويأتي هذا الاختيار في ظل ما تشهده الساحة العالمية من تصعيد وتوتر على أكثر من اتجاه، على رأسها احتمالية نشوب مواجهات عسكرية مع إيران في أعقاب استهداف معملين لشركة أرامكو السعودية قبل يومين.
يعد أوبراين المسؤول الرابع الذي يتولى هذا المنصب خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب، وذلك بعد مايكل فلين وهربرت رايموند مكماستر وجون بولتون، إذ يعول عليه الرئيس الأمريكي في دعم سياساته الخارجية والعمل لتحقيق أجندة الإدارة الأمريكية دون مناوشات كما حدث مع سابقيه.
I am pleased to announce that I will name Robert C. O’Brien, currently serving as the very successful Special Presidential Envoy for Hostage Affairs at the State Department, as our new National Security Advisor. I have worked long & hard with Robert. He will do a great job!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) September 18, 2019
من أوبراين؟
برز اسم أوبراين على الساحة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وذلك بعد الدور الكبير الذي بذله لإطلاق سراح مغني الراب الأمريكي “إيساب روكي” الذي اعتقل في السويد بتهمة الاعتداء، وكان قد أدين بالسجن في القضية مع وقف التنفيذ، حيث تم تأمين عودته سالمًا إلى وطنه بعد تسوية القضية بتدخل من الرئيس الأمريكي الذي وضع مبعوثه لشؤون الرهائن تحت مجهر العناية والاهتمام.
تخرج في كلية الحقوق من إحدى جامعات كاليفورنيا، وحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية مع مرتبة الشرف، فضلاً عن كونه عضوًا في مجلس المحيط الهادئ للسياسة الدولية، هذا بخلاف أنه جنرال سابق في قوات الاحتياطي التابعة للبحرية الأمريكية.
بدأ الرجل مسيرته المهنية مسؤولاً قانونيًا في لجنة تابعة لمجلس الأمن الدولي وجهت اتهامات للعراق بعد حرب الخليج، وقد أهلته خبرته العسكرية والقانونية لتقلد العديد من المناصب الرفيعة في الحكومة الأمريكية خلال عهود جورج بوش الابن وباراك أوباما وترامب.
كما كان له دور محوري في تدريب قضاة ومحامين ومدعين أفغان في إطار جهود الحكومة الأفغانية لإصلاح النظام القضائي، وساعد طلاب القانون الأفغان على الالتحاق بالجامعات الأمريكية، وذلك ضمن برنامج تابع لوزارة الخارجية الأمريكية، ومن ثم اختاره الرئيس الأسبق بوش الابن ليكون ممثلاً للولايات المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 وتم التصديق على تعيينه في مجلس الشيوخ، ليعمل إلى جانب بولتون الذي كان سفيرًا لواشنطن في الأمم المتحدة آنذاك.
على الرغم من كونه غير معروف في أوساط مسؤولي الأمن القومي في واشنطن وليس لديه خبرة في التعامل مع التحديات الخارجية التي تواجهها إدارة ترامب، فإن العامل النفسي رجح كفة اختياره
اُختير عضو في اللجنة الاستشارية للملكية الثقافية التي تقدم استشارات للحكومة الفيدرالية فيما يتعلق بتهريب الآثار وغيرها من الممتلكات الثقافية بين عامي 2008 و2011، وفي العام 2016 أنشأ هو والقاضي الفيدرالي السابق ستيفن لارسن شركة Larson O’Brien LLP للمحاماة في مدينة لوس أنجلوس، التي يتركز نشاطها على أمور التقاضي والتحكيم الدولي، وهو بالفعل يتمتع بخبرة في هذا المجال وعمل محكمًا في أكثر من 20 مرافعة حول العالم.
يعمل حاليًّا مبعوثًا رئاسيًا خاصًا لشؤون الرهائن في الخارجية، يقدم من خلال منصبه استشارات للقيادة فيما يتعلق بالمسائل المتعلقة بالرهائن حول العالم ويعمل على تطوير إستراتيجيات التعامل مع قضايا الرهائن، وقد أثبت نجاحات كبيرة في هذا المجال الذي كان بوابة إعجاب ترامب بشخصيته.
لماذا هذا الاختيار؟
الدور الذي قام به أوبراين في إطلاق سراح مغني الراب كان أحد العوامل التي ساعدت على اختياره لهذا المنصب الحساس، فرغم كونه غير معروف في أوساط مسؤولي الأمن القومي في واشنطن وليس لديه خبرة في التعامل مع التحديات الخارجية التي تواجهها إدارة ترامب، فإن العامل النفسي رجح كفة اختياره.
فأولويات ترامب خلال المرحلة المقبلة خاصة مع انطلاق الحملة الرئاسية له تضع في قائمتها اختيار فريق عمل يرتاح الرئيس في التعامل الشخصي معه، خاصة أن المسؤول عن هذا المنصب (مستشار الأمن القومي) سيكون حاضرًا بصورة يومية مع ترامب، وهو ما يتطلب اختيار شخص “مريح نفسيًا”.
الرئيس الأمريكي لا يريد صقرًا جديدًا داخل إدارته يعارضه في كثير من سياساته كما حدث مع الثلاثة السابقين في هذا المنصب، ومن ثم جاء الاختيار على أوبراين اعتقادًا بأنه سيكون أكثر ولاءً ووفاءً، ولن يخوض معارك جانبية مع أعضاء آخرين في الإدارة كما فعل بولتون، ومواقفه تصب في نفس خانة الصقور بين الجمهوريين لكن دون أيديولوجية أو رغبة بالمواجهة أو الحرب، وهذا تحديدًا ما يريده ترامب.
يذكر أن شخصية بولتون كانت مثيرة للجدل في البيت الأبيض، إذ تناقضت مواقفه مع توجّهات ترامب بالنسبة إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث برر أسباب إقالته بأنه “لم يكن على وفاق مع العاملين في الإدارة الذين اعتبرهم مهمين جدًا… ولم يكن موافقًا على ما نقوم به”.
وكان مستشار الأمن القومي المقال معارضًا بقوة للجهد الدبلوماسي الأمريكي في أفغانستان وإيران وكوريا الشمالية، فالرجل كان من أنصار التصعيد والصدام، مقللًا من قيمة وأهمية التحركات الدبلوماسية، وهو ما أثار غضب الرئيس أكثر من مرة، لعل آخرها منعه من حضور جلسات التفاوض مع حركة طالبان.
….I asked John for his resignation, which was given to me this morning. I thank John very much for his service. I will be naming a new National Security Advisor next week.
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) September 10, 2019
ردود فعل متباينة
ما بين مؤيد لهذا الاختيار كونه الأنسب للمرحلة الحاليّة، وقلق من فقدان الخبرة السياسية المؤهلة لمقتضيات المكان، تباينت ردود الفعل بشأن تعيين هذه الشخصية لتولي هذا المنصب الرفيع، حيث دافع السيناتور الجمهوري لينسي غراهم عن الاختيار قائلًا: “أوبراين يفهم أماكن الخطر في العالم ويتمتع بمهارات تفاوضية كبيرة بصفته مفاوضنا لشؤون الرهائن”، وتوقع أن ينجح في مهمته الجديدة.
مسؤولون آخرون في الإدارة الأمريكية ثمنوا قرار ترامب بتعيين هذا الشخص تحديدًا لهذا المنصب، لافتين إلى أنه يتمتع بـ”سلوك ودي” ويقيم بعلاقات جيدة بزملائه في وزارة الخارجية والبنتاغون، عكس سابقه بولتون، وفق ما نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
رغم حالة التفاؤل التي تخيم على الداعمين لهذا الاختيار، كونه من المرجح أن يكون أداة لينة في يد ترامب، ينفذ بها سياساته الخارجية التي اصطدم بها مستشاره السابق، بما يضفي حالة من الاستقرار تساعده في الفوز بالولاية الثانية له كرئيس للبلاد، فإن السيرة الذاتية للرجل ربما تثير القلق لدى آخرين
وفي الجهة الأخرى قال نيد برايس المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما: “ترامب بعد تحمله تجربة بولتون لا يريد شخصية قوية أو أيديولوجية في منصب مستشار الأمن القومي”، فيما أوضحت صحيفة “يو إس إيه توداي” إلى أن البعض يعتبر أن اختيار أوبراين لهذه المهمة يعد تقليلاً من أهمية هذا المنصب، ويشير إلى مدى النفوذ الذي يتمتع به وزير الخارجية مايك بومبو، الذي هو في الوقت الحاليّ رئيس للمستشار الجديد.
تفاؤل لدى فريق ترامب بشأن هذا الاختيار
هل يصبح الرجل المناسب؟
رغم حالة التفاؤل التي تخيم على الداعمين لهذا الاختيار، كونه من المرجح أن يكون أداة لينة في يد ترامب، ينفذ بها سياساته الخارجية التي اصطدم بها مستشاره السابق، بما يضفي حالة من الاستقرار تساعده في الفوز بالولاية الثانية له كرئيس للبلاد، فإن السيرة الذاتية للرجل ربما تثير القلق لدى آخرين.
عام 2016 نشر أوبراين كتابًا تحت عنوان “بينما تنام أمريكا: استعادة القيادة الأمريكية لعالم في أزمة”، وصف خلاله كلًا من روسيا والصين وإيران بأنها “قوى استبدادية” لديها “رؤى خاصة للهيمنة على الشرق الأوسط”، منتقدًا في الوقت ذاته الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس السابق باراك أوباما مع طهران، مشيرًا إلى أن إيران هي “عدو أمريكا اللدود”.
مستشار الأمن القومي الجديد يتبنى هو الآخر رؤية صادمة تجاه بعض الملفات على رأسها إيران، فهو يرى أن النظام الإيراني “نظام ثوري ملتزم بتغيير معالم الشرق الوسط بأكمله وتدمير حليفة أمريكا الرئيسية في المنطقة إسرائيل”، معتبرًا في الوقت ذاته أنه “ليس هناك بكل بساطة أدلة لدعم فكرة أنه يمكننا الثقة بإيران الثورية للتخلي عن الهدف الطويل الأمد بتطوير سلاح نووي”، مشيرًا إلى أن الاتفاق النووي مع إيران سيؤدي إلى سباق تسلح نووي في المنطقة.
يبقى السؤال عن مدى التزامه بسياسات ترامب الخارجية وتحقيق الانسجام في الرؤى مع الإدارة الأمريكية مسألة خاضعة لتقييم الوقت والتجربة، بعيدًا عن أبعاد الإعجاب الشخصي بالرجل أو الارتياح النفسي له
علاوة على ذلك فله العديد من المواقف السياسية السابقة التي انتقد فيها رغبة أوباما بالتحاور مع “أعداء أمريكا” مثل حركة “طالبان”، وهو ذات الموقف الذي يتنباه الرئيس الحاليّ كذلك، الذي كان أحد أسباب حرمان بولتون من المشاركة في المفاوضات ثم الإطاحة به فيما بعد.
البعض ذهب إلى أن تلك المواقف السابقة ليس بالشرط أن تُستدعى مرة أخرى في الوقت الراهن، إذ إن قبول أوبراين لهذا المنصب يعني ضمنيًا رغبته في عدم التصعيد مع ترامب تجنبًا لتكرار ذات السيناريو الذي أطاح بمن سبقوه في هذا المكان للمرة الرابعة على التوالي خلال عامين.
وفي ظل غياب المعلومات التفصيلية عن توجهات المستشار الجديد السياسية حيال الملفات الساخنة حاليًّا، يبقى السؤال عن مدى التزامه بسياسات ترامب الخارجية وتحقيق الانسجام في الرؤى مع الإدارة الأمريكية مسألة خاضعة لتقييم الوقت والتجربة، بعيدًا عن أبعاد الإعجاب الشخصي بالرجل أو الارتياح النفسي له.